– في تلك الليلة.
خرجت داليا من الحمّام بعد أن اغتسلت ، ثم أخرجت صندوقًا صغيرًا كانت قد وضعته داخل الدرج.
كان الصندوق مغطى بالمخمل ، و داخله كان هناك جرعة تحتوي على سائل أرجواني اللون.
“هاه … من كان يظن أنني سأفكر فعلًا في استخدام شيء كهذا”
تذكرت داليا اللحظة التي أُعطِيَت فيها تلك الجرعة.
منذ عدة أيام، وفي أثناء زيارتها للعاصمة بمناسبة حلول الربيع، أعطتها رايتشل هذه الجرعة.
قيل إن أخت رايتشل الكبرى أنجبت ثلاثة أبناء بعد أن تناولت هذه الجرعة، وإن رايتشل نفسها أنجبت توأمًا بفضلها.
و أضافت أيضًا أن تأثيرها أصبح أقوى بكثير مما كان عليه قبل ثماني سنوات.
وقدمتها لها وكأنها سرٌّ خاص لا يعرفه أحد سواها.
“أشعر أن رايتشل أعطتني شيئًا كهذا من قبل أيضًا…”
لكن الأمر مرّ عليه وقت طويل حتى أنها لم تعد تتذكر جيدًا.
الشيء الوحيد الذي كانت متأكدة منه هو أن كلايتون لا يعاني من أي مشكلة تستدعي استخدام مثل هذه الجرعة.
و مع ذلك …
على الأقل يجب أن أقرأ طريقة الاستخدام.
فلا أحد يعلم ما قد يحدث ، وربما من الأفضل أن تعرف مسبقًا.
سعلت داليا بشكل مصطنع من شدة الإحراج ، ثم فتحت ورقة التعليمات التي كانت مرفقة مع الجرعة.
“لنرَ … طريقة الاستخدام …”
لكن عينيها اتسعتا فجأة وهي تقرأ التعليمات. بل إن يدها التي كانت تمسك الورقة بدأت ترتجف و كأنها قرأت شيئًا لا يصدق.
“هـ-هل يجب استخدامها بهذه الطريقة فعلًا؟!”
لقد كانت طريقة الاستخدام صادمة بالفعل.
كانت تظن أنها مجرد جرعة تُشرب أو تُدهن على الجلد … لكن هذه؟!
ابتلعت ريقها الجاف دون أن تشعر، ثم رفعت رأسها بسرعة.
هل يعني هذا أن رايتشل فعلت هذا أيضًا؟!
تخيل ذلك المشهد في عقلها من دون قصد جعلها تهز رأسها بعنف. إن استمرت في التفكير أكثر، فلن تستطيع النظر في وجه رايتشل مرة أخرى من شدة الإحراج.
وبينما كان وجهها محمرًا كأنه سينفجر من الحرارة ، طوت الورقة كما لو كانت تريد تمزيقها ، ثم تمتمت:
“…أنا… لا أستطيع فعل هذا”
كونها دوقة يجعل من المستحيل أن تطلب من كلايتون شيئًا بهذا الشكل الفاضح. بعد أن أنهت تفكيرها بهذا الشكل، همّت بإعادة الجرعة إلى الصندوق، وكأنها تمسك بشيء قبيح.
لكن، لم تتمكن من إعادتها.
قبل أن تفعل ذلك، أحاطها أحدهم من الخلف بذراعيه.
فزعت قليلًا من المفاجأة، لكن ما لبثت أن شعرت بطمأنينة حين داعب أذنها صوت مألوف.
“ماذا كنتِ تفعلين؟”
كان كلايتون.
ظهور زوجها المفاجئ أربك داليا ، فسقطت الجرعة من يدها دون قصد.
دحرجة —
دارت القارورة الزجاجية على الأرض ، و ساد صمت غريب بين الاثنين …
أول من استعاد وعيه كانت داليا، فإنحنت لتلتقط القارورة.
و لكن حركة كلايتون كانت أسرع منها.
انحنى والتقط الزجاجة التي سقطت عند قدميه، ثم مال برأسه قليلًا.
“ما هذا؟”
“هـ… هذا…”
يا لسوء الحظ، أن يدخل كلايتون بالضبط في اللحظة التي كانت تعبث فيها بتلك القارورة … عضّت شفتها في حرج من الموقف.
بينما كانت تفكر بسرعة في عذرٍ تقوله، خطفت داليا الزجاجة من يده بسرعة.
“إنها… إنها عطر! رائحة منتشرة حاليًا في الشمال. أتذكر أننا زرنا دوقية تشايسر قبل أيام؟ لقد كانت هدية من رايتشل آنذاك.”
في الواقع، لم يكن هناك حاجة حقيقية لإخفاء وجود تلك القارورة. لم تكن تنوي أن تفعل شيئًا مشينًا مع زوجها، ولم تكن القارورة تحتوي على مادة محظورة.
بل على العكس ، كان هذا النوع من القوارير منتشرًا سرًا بين السيدات النبيلات.
و لكن …
لم تكن تملك الشجاعة لفعل لـتُري ذلك ل، كلايتون.
لذا، أسرعت داليا بإخفاء القارورة في الدرج، خوفًا من أن يثير ذلك فضوله.
“…هدية من دوقة تشايسر ، إذًا”
عند ذكر رايتشل، ارتجف حاجبا كلايتون قليلاً. فداليا كثيرًا ما كانت تعود بأشياء غريبة كلما زارت قصر دوق تشايسر.
شعرت داليا بشيء من القلق في نظرته، فسارعت إلى الإمساك بذراعه لتغيير الموضوع.
“أوه، لقد أُرهِقتُ كثيرًا من رحلة التنزه اليوم. هيا بنا إلى النوم.”
بما أن داليا أظهرت ذلك الوضوح ، لم يُلحّ كلايتون في السؤال عن القارورة. بدا و كأنه لم يُعرها أهمية تُذكر.
وبهذا، انسحب مع داليا التي قادته بخفة إلى سريرهما المشترك. فرشت له الغطاء بيدها، وأشارت إليه بأن يستلقي.
راقبها بصمت للحظة، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة كمن لا يملك خيارًا، واستلقى على السرير.
* * *
في العادة، كانت داليا تغفو بسرعة فور أن تضع رأسها على الوسادة. خصوصًا بعد يومٍ طويل مثل هذا.
ولكن الغريب أنها لم تستطع النوم هذه الليلة. بقيت تحدق في السقف بعينين متيقظتين، ثم التفتت نحو جانبه.
كان كلايتون منشغلًا مؤخرًا، ربما بسبب الاستعدادات لتجارة مهمة قادمة. وها هو حتى الآن لم ينتهِ من أعماله.
جلست داليا مسنِدة ظهرها إلى لوح السرير، تراقبه وهو يتفحّص الوثائق.
قبل قليل، كانت في موقف محرج جعلها تُخفي تلك القارورة، لكنها لم تتخلّ عن رغبتها في إنجاب طفلٍ ثانٍ.
بل على العكس، أصبحت رغبتها أكثر وضوحًا، وبدأت تفكر بجدية في كيفية تحقيق هدفها.
كان الوضع الحالي متناقضًا تمامًا إذا ما قارنته بالثماني سنوات الماضية، حين كانت داليا تبذل كل ما بوسعها لتتفادى الحمل.
ألم يكن من المفترض أن مجرد كثرة المحاولات تؤدي إلى النتيجة؟
بالطبع، لا يمكن القول إنهما قلّلا من المحاولة خلال السنوات الماضية. بل كانت هناك لحظات ظنت فيها بالفعل أنها قد تكون حاملًا …
تذكرت داليا زيارتها للطبيب قبل شهر ، و كم كانت خيبة أملها كبيرة حين قال لها إنها ليست حاملًا.
تنهدت بحسرة وهي تهز رأسها لتستجمع أفكارها.
إن استمرّا على هذا النحو، فلا بد أن يحدث الحمل في يومٍ ما!
توصلت إلى نتيجة بسيطة: كلما زادت المحاولات، زادت فرص الحمل.
أضف إلى ذلك أن كلايتون كان مشغولًا مؤخرًا فلم نتمكن من فعلها كثيرًا، أليس كذلك؟
بعد أن انتهت من أفكارها، اقتربت داليا من كلايتون الذي كان لا يزال يقرأ الوثائق على السرير، وراحت تلتصق به بلطف.
نظرت إليه بعينين تتوسلان شيئًا، ثم بدأت تلامسه بنعومة وهمست: “ألن تنام؟”
لكن كلايتون، ربما بسبب انشغاله، أجاب دون أن يلتفت نحوها: “دعيني أنتهي من هذه الأوراق أولًا.”
ارتسمت ملامح الاستياء على وجه داليا، إذ بدا أنه لا يكترث لها على الإطلاق.
ربما خاب أملها الليلة أيضًا.
كادت تعبر عن انزعاجها، لكنها كانت تدرك جيدًا كم كان مشغولًا هذه الأيام، فقررت ألا تتدلل، واكتفت بالاستدارة مبتعدة عنه.
لكن … لعل كلايتون قد لاحظ خيبة أملها.
نظر إلى زوجته التي أدارت له ظهرها، ثم وضع الوثائق جانبًا.
“هل ستنامين الآن؟”
سألها، فاستدارت إليه داليا وقد أشرق وجهها مجددًا.
“يمكنني تأجيل العمل إلى الغد”
ابتسم بينما يربّت على خدها، وكأنه وجد فيها لحظة راحة، ولم يستطع أن يقاوم ظرافتها.
داليا، وقد شعرت بالدفء يتسلل إلى قلبها، اقتربت أكثر من صدره، تتنشق عبيره المنعش.
ثم بدأت تمرر يدها على صدره ببطء … ولم تلبث أن أصبحت لمساتها أكثر جرأة.
“ألا تشعر أننا لم نقترب من بعضنا منذ مدة؟” ،
تمتمت داليا بذلك مستخدمة الشعور بالوحدة كعذر.
ابتسم كلايتون وهو يدرك مقصدها.
وسرعان ما أصبحت يداه التي كانت تطوّق خصرها أكثر جرأة أيضًا.
دفن وجهه في عنقها و همس بصوت خفيض: “لمَ أصبحتِ فجأة بهذه الجرأة؟ ألستِ تلك التي كانت تقول إنها مرهقة عندما عدنا من نزهة؟”
لكن، كيف لها أن تتحكم في تعبها حين تعود من الخارج وهي بالكاد قادرة على الوقوف؟
“آه… لكنني… ما زلت أشعر بالوحدة…”
بينما كان قميص نومها قد انزلق عن كتفها، كاشفًا عن بشرتها البيضاء، انقض كلايتون على تلك البشرة بشفتيه، يعضها بلطف.
“ما الذي يجعلكِ تشعرين بالوحدة يا زوجتي؟”
ثم، وبينما تحاول كتم أنينها، تحدثت داليا:
“أمم … آسفة، لكن … أعتقد أننا بحاجة إلى أخٍ صغير لـداميان”
وما إن أنهت عبارتها حتى توقفت حركة كلايتون فجأة، وكأن الزمن تجمّد للحظة.
التعليقات لهذا الفصل "الفصل الجانبي 2"