المباني، والحدائق، والخدم، كل شيء كان في مستوى آخر.
كان قلقًا أن يُصاب بخيبة أمل لأنه معتاد على قصر الإمبراطور، لكن تلك المخاوف تلاشت تمامًا.
لكن أفضل ما في الأمر كان فرسان رودبل.
استعاد أيدن تلك الذكريات ببطء.
حتى وإن كان يراقبهم من بعيد، فقد كان كل شيء فيهم رائعًا.
الدروع الفضيّة المائلة للبنفسج المحفور عليها شعار رودبل، والسيوف التي تتلألأ تحت ضوء الشمس، ووضعياتهم المثالية وروحهم الصلبة وكأنهم زرعوا في الأرض.
كانوا فرسانًا مثله، لكنهم بدوا كأنهم كائنات من عالمٍ آخر.
قبل عام، رمقهم أيدن بنظرات شاردة، وتمتم:
“إنه مكان… مذهل حقًا.”
حينها، أجابه القناص الذي كان بجواره:
“نعم، هذه زيارتي الثانية، ولا أزال مندهشًا. ليس من العبث أن يُقال: رودبل فوق أرفيديل.”
نظر أيدن إليه بدهشة عند سماع تلك الكلمات.
“رودبل فوق أرفيديل.”
“أرفيديل” هو اسم الإمبراطورية، لكنه يُقصد به أساسًا الأسرة الإمبراطورية.
إنه تعبير يلمّح إلى أن دوقية رودبل أكثر عظمة من الأسرة الإمبراطورية نفسها.
وهو قولٌ سمعه أي مواطن في الإمبراطورية مرة واحدة على الأقل.
وذلك لأنه…
“ذلك القول ظهر عند ولادة ولي العهد.”
كان ولي العهد “فيديل ديناف أرفيديل” ضعيفًا جدًا منذ ولادته.
حتى الأمراض الطفيفة التي لا تضرّ غيره، كانت تهدد حياته.
كاد الطبيب أن يقيم في غرفته، إذ كان يُستدعى كل ليلة تقريبًا.
فهل كان ذلك بفضل كفاءة الطبيب، أم لأن ولي العهد يتمتع بروح عنيدة؟
فبعد أزمات لا تُحصى، بلغ ولي العهد سن المراهقة.
لكن هذا كل شيء.
فالفتى الذي نشأ ضعيفًا، كبر بشخصية باهتة ولم يكن فيه شيء مميز على الإطلاق.
“لا،”
تصحيح.
كان فيه شيء واحد فقط يُعتبر الأروع في الإمبراطورية.
جماله الفطري.
رغم ملامحه التي لم تنضج بعد، فقد كان جميلًا لدرجة يصعب معها تخيّل كيف سيبدو حين يكبر.
لكن… حسنًا.
“لا يمكن حكم إمبراطورية بالجمال، أليس كذلك؟”
كانت فكرة جريئة إلى حدّ لا يمكنه حتى أن يقولها لنفسه، لكن هذا ما كان يفكر به أيدن.
بالطبع، الجمال ليس بلا قيمة.
فهناك من أشعلوا الحروب بسبب الجمال، ومن أصبحن إمبراطورات رغم أصولهن المتواضعة.
“ربما يكون مفيدًا في الدبلوماسية.”
فالجمال يخلق انطباعًا أوليًا إيجابيًا.
لكن المشكلة أن إمبراطورًا عظيما مثل أرفيديل لا يحتاج أصلًا إلى أن يُرضي أحدًا.
فالصفات التي يحتاجها إمبراطور المستقبل ليست الجمال، بل:
الحسم، والقيادة، والشجاعة، والشمول، وهيبة الحاكم التي تشمل كل ما سبق.
لكي لا يتجرأ أحد على الاستهانة به.
أرفيديل هو الإمبراطور، والإمبراطور هو أرفيديل.
لكن ولي العهد…
“ليس من هذا النوع.”
بل سيكون من حسن الحظ إن لم ينهار أمام الضيوف الأجانب…
“ألن يكون من الأفضل أن يصبح الأمير الثاني هو الإمبراطور؟”
فولي العهد الحالي، “فيديل ديناف أرفيديل”، لديه أخ غير شقيق يصغره بثلاث سنوات.
وعلى عكس أخيه، كان هذا الأمير قوي البنية وذكيًا.
ليس لأن أيدن يؤيد أحدًا منهما، لكن لو خُيّر أن يخدم أحدهما طوال حياته، لكان الثاني خيارًا أكثر منطقية.
“فرسان رودبل لن يقلقوا بشأن مثل هذا.”
شعر أيدن بغيرة مزعجة لا سبب لها، فقرّر تغيير الموضوع.
“هل يمكنني أن أتمشى قليلًا؟”
وكأنه فهم رغبة أيدن في الهرب، أجابه:
“لا تبتعد كثيرًا. عد خلال ثلاثين دقيقة.”
“حسنًا.”
كان سبب زيارة أيدن اليوم هو مرافقة الإمبراطورة، أم الأمير الثاني،
لكن بعد أن اكتمل عدد المرافقين، لم يعد من الضروري بقاؤه.
“عليّ أن أستغل الفرصة جيدًا.”
رودبل كان كدولة أجنبية بالنسبة له، وهو الذي يعمل في القصر الإمبراطوري، لذا قرر أن يشاهد ما استطاع مشاهدته.
لكن، حتى مع الوقت الحر، فإن تجوّل فارس إمبراطوري بشكل عشوائي قد يثير الشبهات، لذا ذهب فقط إلى الأماكن التي يقلّ فيها الناس.
وهناك، صادف مشهدًا غير متوقع.
“قلت لك لا تخرجي اليوم! لدينا ضيوف مهمون!”
صوت غاضب ممتلئ بالضيق.
“تعالي بسرعة! لقد سئمت من هذا، حقًا.”
كانت خادمة تسحب شيئًا ما بغضب واضح.
كان ما تسحبه مخفيًا خلف الشجيرات، فلم يستطع أيدن رؤيته في البداية، لكن سرعان ما لمح “ذلك الشيء” بعينيه.
“طفلة؟”
كانت طفلة تُسحب بضعف من قِبل الخادمة.
لم يفهم أيدن الموقف جيدًا.
من الواضح أن الطفلة خرجت دون إذن، وتم الإمساك بها وإعادتها…
حاول تحليل الأمر.
“هل هي ابنة الخادمة؟”
إن كان كذلك، فالأمر منطقي.
اليوم هو يوم زيارة العائلة الإمبراطورية، ويجب توخي الحذر.
فأي موقف غير متوقع قد يُفسد الصورة المثالية لقصر رودبل.
وكان مظهر الطفلة البائس قد يُشوّه المنظر العام.
رغم أن سلوك الخادمة كان قاسيًا، إلا أن الأمر مفهوم.
لكن…
“هناك شيء غريب.”
“لماذا تستخدم الخادمة صيغة الاحترام؟”
لو كانت الطفلة ابنتها، لما كانت بحاجة لاستخدام كلمات مهذبة معها.
لكن، رغم غضبها، حرصت الخادمة على استخدام الألقاب.
وهذا يعني أن الطفلة أعلى مقامًا منها.
“من تكون تلك الطفلة؟”
وبينما غرق أيدن في تساؤلاته، رفع رأسه مجددًا.
“…”
“آه…”
ومن خلف شعرها الأسود الطويل، التقت عيناه بعينين حمراوين.
تلك العينان قالتا بصمت: “أنقذني…”
“…”
وفي الوقت الذي تردّد فيه، كانت الطفلة قد اختفت خلف المبنى.
“هل كان يجب أن أتبعهما؟”
حين عاد إلى موقعه، لم يستطع أيدن طرد ذلك الشعور الذي ظلّ يلاحقه.
مهما كانت هوية الطفلة، فقد شعر بأنه تجاهل استغاثة كانت موجّهة له.
قد لا يعرف ظروفها، لكنه كان يستطيع على الأقل قول شيء يخفّف الموقف.
اجتاحه ندم خفيف.
وفي طريق العودة إلى القصر بعد انتهاء المهمة، أخبر أيدن القناص بما رآه.
فأصبح وجه القناص غريبًا.
تنهد وقال:
“لا داعي للندم. لو تدخّلت، لكان الأمر ازداد سوءًا.”
“ازداد سوءًا؟ كل ما سأقوله هو أن يعاملوها بلطف. ما المشكلة في ذلك؟”
“كلامك بحد ذاته لا مشكلة فيه. المشكلة في هوية الطفلة التي رأيتها.”
“… أليست ابنة الخادمة؟”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 67"