أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
“ه-هذا، هذا… كيف يعقل؟!”
كتمت ضحكة كادت تفلت من شفتي، وأنا أُحدّق في جيلز الذي راح يكرر الجملة ذاتها بعينين مرتعشتين بالذهول.
“لقد صدّق الأمر فعلًا.”
ما أريته لجيلز لم يكن سوى الختم السحري المنقوش على يدي، ذلك الذي وُسمت به عندما زرت مكتب الدوق.
كان هذا الختم دليلاً واضحًا على أنني التقيت بالدوق، وأنني معترف بي رسميًّا في قصر رودبيل.
طبعًا…
“الأبناء الحقيقيون من سلالة رودبيل لا يحتاجون أصلاً لوشم مثل هذا.”
لكن جيلز، وقد انحشر في زاوية لا مخرج منها، لم يكن يمتلك حتى اللحظة فرصة للتفكير في هذه التفاصيل.
ولم أكن لأمنحه الفرصة أيضًا.
“والدي يكره العصيان فوق كل شيء.”
“……!!”
“ولقد أتيت للتو من لقائه. هذا التصرّف سيسرّه كثيرًا إذا علم به.”
كأنني ألقيت بملاحظة عابرة، لكنّها كانت تهديدًا مُقنّعًا.
استدرت لأرحل بكل أناقة، لكن…
“أ-أرجوكِ، انتظري لحظة فقط!”
أخيرًا، وقد أدرك فداحة ما فعله، هرع جيلز أمامي وسدّ طريقي.
“هل هناك ما تودّ قوله؟”
سألته بعينين متسعتين كطفلة بريئة لا تدرك شيئًا، وازداد وجه جيلز شحوبًا.
“ذاك… أعني، حسناً، أنا فقط…”
راح ينقل نظره في كل اتجاه، وكأنه يبحث عن مخرجٍ من ورطته.
‘ما زال يحتفظ بشيء من الكرامة.’
لكن هدفي لم يكن تحطيمه كليًا.
رغم رغبتي الجامحة في الانتقام منه على طردي سابقًا، إلا أن هذا ليس وقت تصفية الحسابات.
“السيد جيلز.”
ناديتُه بلطف، فارتجف وأدار نظره إليّ.
قررت أن أقدّم له حبل النجاة الذي يبحث عنه.
“إن أردت، فلن أخبر والدي بما حدث.”
“……وماذا تريدين؟”
سأل بصوتٍ خافتٍ خالٍ من كبريائه المعهود.
ابتسمتُ له ابتسامة مشرقة وأنا أقول:
“أريد فقط استخدام المكتبة. هذا كل ما في الأمر.”
تردد للحظة، ثم…
“……حسنًا.”
لقد انكسر.
ابتعد عن طريقي ببطء، ثم أضاف:
“كما تعلمين، لا يُسمح بإخراج الكتب. وأيضًا…”
بدأ جيلز في سرد قواعد المكتبة بدقة وتفصيل.
وبعد أن فرغ من التعليمات، تقدّم قليلاً وأراني الداخل.
“الكتب الموجودة على الرفوف العليا يمكنك الوصول إليها باستخدام السلم. فقط احذري ألّا تصدمي الرفوف. والآن، أستأذن، لدي بعض الأعمال.”
ثم استدار وغادر على الفور.
دون حتى أن يلتفت.
دون حتى أن يغلق الباب برفق.
بووم!
دوى صوت الباب الثقيل وهو يُغلق.
كنت أعرف إلى أين ذهب، دون الحاجة لرؤيته.
لكن هذا لا يعنيني.
حولتُ نظري إلى رفوف الكتب، وزفرتُ تنهيدة طويلة.
“متى سأُنهي البحث في كل هذا؟”
أمام هذا الكمّ الهائل من الكتب، شعرتُ بالإرهاق قبل أن أبدأ.
لكن، في مثل هذه الحالات…
“سأبدأ البحث تدريجيًا من الداخل.”
لابدّ أنني سأجد شيئًا.
دفعتُ السلم أمامي، وتقدّمت نحو الركن الأبعد من المكتبة.
كلانك!
سششح! بووم!
اصطدم السيفان في الهواء، ثم انزلق أحدهما وسقط أرضًا بلا حول ولا قوة.
“هه… هه…”
كان فانسيس يلهث بشدة، وعيناه تحدّقان في سيفه الساقط، بينما مدربه تنهد قائلاً ببرود:
“يبدو أنك لا تركّز في الدرس اليوم على الإطلاق.”
“……مرة أخرى.”
التقط فانسيس السيف من الأرض، وأعاد اتخاذ وضعية الاستعداد.
لكن المدرب هزّ رأسه بحزم.
“لا فائدة من المتابعة. من الأفضل أن نتوقف اليوم.”
“لكن…!”
حاول فانسيس إكمال التدريب بأي وسيلة، لكن المدرب كان حازمًا.
نظر إليه ببرود وقال:
“آمل أن تركز جيدًا غدًا. أنت تعلم أن اختبار التأهيل ليس بعيدًا.”
“تشيه…”
“ارتَح اليوم، وسأراك غدًا.”
ما إن غادر المدرب، حتى بقي فانسيس وحيدًا، يرتجف من الغضب والخيبة، ووجهه قد احمرّ من شدة الإهانة.
“اللعنة… اللعنة…!”
لم تكن حصة المبارزة فقط.
منذ البارحة، وهو يتعرض للتوبيخ من كل أساتذته بسبب قلة تركيزه.
شيء لم يحدث معه قطّ من قبل.
والسبب في كل هذا… كانت لوسيا.
“تلك الفتاة الحقيرة!”
كلماتها، نظراتها، تصرّفها…
“توقف عن التوهم بأن الجميع سيبذل جهده من أجلك. هذا مقزز.”
مقزز؟
لا تضحكيني.
“أنتِ المقززة!”
ليست أوهامًا. هذا هو الطبيعي.
الجميع يفعل ما بوسعه من أجل فانسيس رودبيل.
لأنه من رودبيل.
الابن البكر لعائلة رودبيل، دوق فوق الدوقات.
كل شيء مُباح له.
حتى المستحيل، يسعون لتحقيقه من أجله.
الجميع يعيش لخدمته.
ولوسيا أيضًا…
كانت…
“كحشرة، أتسلى بها.”
حشرة مثيرة للاشمئزاز، لكنها تتلوّى حين تلمسها، فتشعر بالرغبة في العبث بها أكثر.
لكنها الآن…
تجرّأت، وعضّت، ثم هربت.
“لهذا السبب أنا غاضب!”
بل، والأدهى…
“أبي نفسه عنّفني!”
قبل الحصة، استدعاه الدوق ووبّخه بشدة، محذرًا إياه من التلاعب بمزاج الآخرين.
فانسيس، الذي لم يتوقع أن يُعنف من أجل فتاة تافهة كـ لوسيا، ازداد سخطًا وارتباكًا.
“كل شيء انقلب بسببها!”
شعر بالغضب مجددًا، فأعاد سيفه لغمده واستدار سريعًا.
“يجب أن أراها مجددًا.”
سأجعلها تتراجع عن كل ما قالته، وتنحني وتعتذر!
وبينما كان يتجه نحو غرفتها…
“هه… هه!”
رأى شخصًا يركض بسرعة أمامه.
“ما هذا الآن؟”
تذكر فجأة أنه أمين مكتبة رودبيل.
“ذلك الغبي الذي يبتسم دومًا عندما أذهب مع أخي إلى المكتبة.”
وهو أصلاً شخص غريب الأطوار لا حاجة له، بما أن المكتبة تدار الآن بالسحر.
فلماذا يبدو مذعورًا هكذا؟
“غريب.”
أثار فضوله، فتبع خطواته.
وعند المنعطف…
“رئيس الخدم!”
صرخ جيلز وهو يصل إلى من يبحث عنه.
توقف فانسيس خلف الجدار، يُصغي من بعيد.
وكان من يناديه جيلز هو…
“ليغرِن؟!”
فقد فانسيس اهتمامه للحظة.
“الأمر لا يستحق.”
غالبًا ما يبحث الخدم عن ليغرِن لأشياء مملة.
كان على وشك المغادرة، لولا أن…
“الفتاة ذات الشعر الأسود… لقد دخلت المكتبة. أرتني ختمًا في يدها وهددتني نوعًا ما…”
“الآنسة لوسيا في المكتبة؟”
تجمّد وجه جيلز حين نطق ليغرِن تلك الكلمات.
“الآنسة لوسيا؟!”
سمع فانسيس هذا اللقب… وانصدم.
“هي هناك الآن؟!”
لاحظ أنها تغيرت مؤخرًا، لكنه لم يتوقع منها أن تتجرأ على دخول المكتبة.
ومن كلام جيلز، يبدو أنها هدّدته!
“هل فقدت عقلها؟!”
بينما أنا، الذي لم أعد أستطيع التركيز بسببها، هي تتنزّه بين الكتب بهدوء؟!
تملّكه الغيظ مجددًا.
“يجب أن أراها فورًا.”
استدار وركض نحو المكتبة.
“انتظريني، أيتها الحقيرة!”
وهو يخطط لما سيقوله لها، أخذ يسرع الخُطى.
“هاه…!”
ما إن نزلتُ من السلم الطويل، حتى جلست على الأرض لاهثة.
كنت أعلم أن العثور على ما أبحث عنه هنا لن يكون سهلاً…
لكن…
“الأمر أصعب مما ظننت.”
رفعت رأسي إلى الأعلى.
نظرتُ إلى الرف الذي صعدتُ إليه منذ قليل، وتنهّدت مرة أخرى.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات