أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
“لقد وصلت.”
تنهدت بعمق، وأرجعت رأسي إلى الخلف.
بُنيانٌ شاهق يخترق السماء ارتفع أمامي بعظمة.
جدرانه الرمادية، وبرجه الحادّ المرتفع، منحاه هيئة قلعة صغيرة.
اسم هذا المكان هو: “أرشيف رودبيل.”
مكتبة القصر الإمبراطوري، مكتبة ليسولو الكبرى التابعة للأكاديمية الوطنية، وأرشيف دوقية رودبيل…
يُطلق على هذه الثلاثة اسم أمهات المكتبات الإمبراطورية.
ومن بينها، كانت هذه المكتبة تحديدًا، الأرشيف، الأكثر شهرة.
لأنها… الأصعب دخولًا، والأغنى كنزًا.
‘وهذا صحيح.’
فمن المعروف أن أول رئيسة للأسرة، والتي أنشأت هذا الأرشيف، كانت مغرمة بالكتب حبًا عميقًا.
جمعت من أرجاء القارة أندر المخطوطات، وخبأتها هنا، في أرشيف رودبيل.
ومنذ ذلك الحين، وعلى نهجها، واصل كل من تولى المنصب بعدَها جمع الكتب دون توقف.
تاريخها هذا يفوق قدمًا أي مكتبةٍ أنشأها البلاط الإمبراطوري أو الأكاديمية.
ولذا…
لم يكن يُسمح لأيٍّ كان بدخول أرشيف رودبيل.
فقط كبار المسؤولين، من أُذن لهم مباشرة من رئيس الأسرة، أو من ينتمون للعائلة ذاتها.
حتى حينئذ، لا يُسمح بإخراج الكتب مطلقًا.
بمعنى ما، كان هذا المكان يُضاهي في قدسيته مكتب رئيس الأسرة نفسه.
“أما أنا…”
في حياتي السابقة، حاولت مرة دخول هذا المكان…
لا، بل طُردت منه شرّ طردة.
يومها، كنت أهرب من فانسيس الذي أظهر عداءً خاصًا بي، ووجدت نفسي أمام هذا المبنى، لا أعلم حقيقته، فدخلت لأختبئ…
“من أين خرج هذا الجرذ؟!!”
ابتسمت بمرارة.
حتى الآن، كلما تذكّرت ذلك اليوم، ترتجف أطراف أصابعي.
لكن هذه المرة…
“الأمر مختلف.”
شحذت عزيمتي، واقتربت ببطء من المبنى.
رغم شدة الحراسة، لم يكن هناك فرسان عند المدخل.
لا حاجة لذلك. فالمبنى ذاته مسحورٌ بسحر حماية متقن.
وضعت يدي على الباب الحجري المنقوش عليه شعار رودبيل.
كان يبدو ضخمًا وثقيلاً.
كككك…
لكنه انفتح بسهولة عند دفعي له.
توقفت للحظة، ثم تسللت من خلال الفتحة.
وما إن دخلت، حتى انكشفت أمامي رؤية عظيمة.
سقفٌ شاهق لا يُرى له نهاية، وكتبٌ تملأ كل الجهات، حتى أعالي الجدران.
بلا نوافذ، بلا ضوء خارجي، وكأنك قد انتقلت إلى عالمٍ آخر.
ومع كثرة الكتب، لم يكن هناك غبار، ولا هواءٌ راكد… فالسحر اعتنى بكل شيء.
لكن أكثر ما يميّز هذه المكتبة…
عدم وجود أي مصدر ضوء تقليدي.
بدلاً من المصابيح، طفت في الأرجاء أحجارٌ سحرية مضيئة، تتبع القارئ تلقائيًا وتضيء له الصفحة التي يقرأها.
وبذلك، صار المكان يشبه مختبرًا سحريًّا أكثر من كونه مكتبة.
أو أشبه بليلٍ غامض في غابةٍ تسبح فيها اليراعات.
وقفت ساكنة أُطالع المكان.
ثم…
“من أنتِ؟”
توقفت فجأة، وحبست أنفاسي عند سماع الصوت.
خطوات تقترب.
لكنني لم أحتج أن أرى لأعرف من القادم.
“عرّفي عن نفسك. هذا هو أرشيف رودبيل. لا يدخله إلا من له تصريح. إن كنتِ تائهة، فسأرشدك.”
كان صوته مهذبًا، واضحًا أنه لم يتعرّف عليّ بعد.
ربما ظنّني طفلةً جاءت مع والديها في زيارة للقصر، وتاهت هنا بالصدفة.
لكن…
“لا، لقد جئت عن قصد.”
كيف سيتغير موقفه عندما يراني؟
استدرت نحوه.
واتسعت عيناه تدريجيًا حين رآني.
“أنتِ…”
ابتسمت له ابتسامة مشرقة.
جيلز سـمور.
أمين أرشيف رودبيل، ومـن أكثر “عبدة رودبيل” تشددًا.
ولذلك… كان يكرهني تمامًا مثل فانسيس.
“سُررت بلقائك مجددًا.”
ابتسمت ابتسامة مشرقة كتحية للقاءنا، بينما كانت ملامحه تتشوّه شيئًا فشيئًا.
أعين جيلز التي كانت ترمق الطفلة ذات الشعر الأسود بدأت ترتجف بقوة.
فهو عرفها فورًا.
شعرٌ داكن كسواد الغراب، وعينان حمراوان كالدم.
فتاة صغيرة لا يبدو أن عمرها تجاوز العاشرة.
“ذلك اللقيط!”
عائلة سـمور توارثت منصب أمناء الأرشيف جيلاً بعد جيل، وكانوا يعدّونه شرفًا عظيمًا.
فكيف لا، وهم القائمون على إدارة أعظم معارف القارة؟
وجيلز، كان يفخر بهذا أكثر من أي أحد آخر.
بل كان يحمل في قلبه تقديسًا لرودبيل نفسه.
ذلك الكيان الذي أسّس الإمبراطورية، وقضى على الآلهة الشريرة، وأنجب النوابغ، وتفوّق حتى على الأسرة الإمبراطورية!
كان جيلز على استعداد لأن يضحي بحياته من أجل رودبيل.
لكن في يومٍ من الأيام…
دخل إلى حرم قدسيّته كائن قذر، لقيط، جاء من العشوائيات!
ورغم أنه نادرًا ما غادر المكتبة، إلا أن جيلز تذكّر جيدًا تلك العينين والشعر من بعيد…
والآن، ذلك الكائن يقف أمامه، داخل المكان المقدّس؟
حدّق بها بنظرات حادّة، ثم زأر بغضب:
“أتعرفين ما هو هذا المكان؟!”
رنّ صوته في الأرجاء كالرعد.
ظنّ أنها ستخاف، وتهرب.
فـلوسيا التي رآها سابقًا كانت هادئة، خائفة، منكمشة على نفسها.
“تشيه!”
كان ذلك أكثر ما يثير اشمئزازه.
حتى وإن كان يجري في عروقها دمٌ من رودبيل، فذلك المظهر كان مثيرًا للشفقة.
لكن الآن…
على عكس توقّعاته، لوسيا لم تهرب.
بل نظرت إليه بهدوء، ثم ابتسمت ابتسامة مشرقة:
“إنها مكتبة، أليس كذلك؟”
“……!”
لم تكن مذعورة، بل… هادئة تمامًا.
زاد غضب جيلز، فصرخ من جديد:
“لم أسأل لأني أجهل! هذا مكان لا يدخله إلا من يملك تصريحًا!”
نعم، هذا مكانٌ مخصص فقط لمن يأذن له رئيس الأسرة.
لا يجب أن تطأه أقدام كائنات نجسة كهذه…
لكن لوسيا أجابت بهدوء:
“لكن أفراد عائلة رودبيل يمكنهم الدخول دون إذن خاص، صحيح؟”
“……”
صمت جيلز للحظة.
لأنها… كانت على حق.
لكن…
“أنتِ لستِ مثلهم، حتى لو كنتِ تُنسبين لهم! لم تقابلي رئيس الأسرة حتى!”
استعاد ثقته بكلماته، وواصل:
“كيف يمكن لمن لم يرَ رئيس الأسرة يومًا أن يُدعى فردًا من العائلة؟!”
كانت القصة معروفة.
تلك اللقيطة، كان يذهب كل يوم إلى المكتب، لكنه لم يفتح له الباب أبدًا.
في هذا الشأن، لم تكن تختلف عن أي شخص غريب.
لا! بل هو، جيلز، صاحب المهمة المقدّسة في حفظ هذا الأرشيف، أفضل منها بكثير.
وهو واثق تمامًا من مكانته.
لكن قبل أن يتم عبارته:
“ألم أقابل رئيس الأسرة… تقصد والدي؟”
أمالت لوسيا رأسها باستغراب، وكأنها تسمع الأمر للمرة الأولى.
ثم قالت وكأنها تذكّرت فجأة:
“آه! لا بدّ أنك لا تعلم شيئًا عن العالم الخارجي… لأنك محبوس هنا طوال الوقت.”
“مـ-ماذا قلتِ؟!”
تحوّل جيلز فجأة إلى أحمق لا يعرف العالم، ونظر إليها بذهول.
“مـاذا…؟”
تلك اللّوسيا التي عرفها لم تكن بهذه الجرأة!
“هل كنتُ مخطئًا بشأنها…؟”
بدأت صورته عنها تتزعزع.
وفي تلك اللحظة…
قالت لوسيا بابتسامة صغيرة:
“لكن إن كنت لا تزال تشكّ…”
واتّسعت عينا جيلز حتى كادتا تنفجران، حين رأى ما أخرجته لوسيا من بين يديها:
“هـ-هذا…!!”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 11"