استمتعوا
سِرتُ بخطى واثقة نحو الطفل الواقف بجانب الرجل، وسألته فجأة.
كان شعره الأسود يلمع تحت أشعة الشمس، وعيناه الحمراوان المتألقتان في وجهه الأبيض الناعم بدتا كعجينة خبز طرية، تثير الرغبة في لمسها.
“…….”
وعلى الرغم من أنني خاطبته، بقي الطفل صامتًا دون أن ينبس بكلمة.
“هذا ابني، صاحبة السمو الأميرة. كاليغو، قدّم التحية مجددًا.”
قال دوق شرايتز وهو يدفع برفق ظهر كاليغو إلى الأمام.
“…تشرفت بلقائكِ، صاحبة السمو الأميرة.”
حيّاني كاليغو بوجه جامد وتحية متيبسة.
“ما اسمك؟“
أمسكت بيده فجأة وسألته عن اسمه.
رغم أنني قد سمعته من الدوق، أردت أن أسمعه منه شخصيًّا.
“…أنا كاليغو من منزل دوق شرايتز.”
نطق باسمه بخجل، واحمرّ وجهه على حين غرة، بعدما كان خاليًا من التعبير.
” الدوق الصغير كانيغو شونايتس.”
“نعم، كانيغو شونايتس… لا، اسمي كاليغو شرايتز.”
“مم، فهمت.”
ردّد كلماتي محاولًا تقليد طريقتي الطفولية في النطق، ثم صحّحها بخجل.
“ولكن، لماذا جاء الدوق والدوق الصغير إلى هنا؟“
سألت وأنا أحدّق في وجه كاليغو دون أن أحوّل بصري عنه.
“لأنه جاء ليكوّن صداقة.”
كان سؤالي موجّهًا بوضوح إلى كاليغو، لكن الردّ جاء من جهةٍ أخرى، لا صلة لها بالسؤال.
“لم أسألك، التزم الصمت قليلًا. دع الدوق الصغير يجيب.”
أسكته، ثم التفتّ إلى كاليغو مجددًا وسألته.
“…….”
“……؟“
إلا أنه لم يجب، واكتفى بالنظر إلى عينيّ بصمت.
“يبدو أن كاليغو متوتر للغاية أمام سمو الأميرة. لقد أحضرته لأنني رأيت فيه صديقًا مناسبًا لسمو الأمير.”
تدخّل الدوق نيابةً عن كاليغو.
“مع لوكا؟ ماذا عني؟“
لماذا له فقط؟
كنت على وشك أن أعترض، حين شعرت بشيء يهزّ يدي بلطف.
“مم؟“
“أتسمحين لي بشرف أن أكون صديقًا لسمو الأميرة؟“
كان كاليغو، الذي ظلّ صامتًا طَوال الوقت، يمسك بيدي بإحكام وهو يتحدث.
“كاليغو؟“
ناداه الدوق بدهشة، لكنّ عينيه لم تبتعدا عني.
“مم، كاليغو، كن صديقي.”
ابتسمت ابتسامة مشرقة وأومأت برأسي. لقد كانت تلك اللحظة التي تمنّيتها.
“أشكركِ جزيل الشكر.”
أومأ كاليغو برأسه مرة أخرى.
“واو…”
وللحظة، خُيّل إليّ أنني رأيت ابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه.
“إنه ليس صديق لوكا!”
صرخ لوكاس فجأة، فانمحت ابتسامة كاليغو تلك على الفور.
نظرت إليه بحدة، ثم عدت أنظر إلى كاليغو الذي استعاد تعبيره الجامد الخالي من الانفعال.
“هاه…”
ما الذي أصابه الآن؟
“لوكا، لا يريد تكوين صداقة مع الدوق الصغير! دعيه يرحل!”
منذ متى بدأ لوكاس يصرخ بهذا الشكل؟
“ألا ترغب بأن يكون صديقًا لكِ، سمو الأمير؟“
يبدو أن الدوق نفسه قد فوجئ من ردّة فعله.
“لا أريده!”
“…….”
أما كاليغو، فلم يُبدِ أي رد فعل، بل ظلّ يحدق بي بصمت.
تصرّفه ذاك ذكّرني تمامًا بلوكاس في حياتي السابقة، عندما كان يرفض الخسارة في أي شيء.
“إذًا، سأكون أنا صديقته بدلاً منك.”
سواء أعجب لوكاس ذلك أم لا، كنت أرغب أن أكون صديقة كاليغو.
ولماذا؟ لأن رؤيته وحدها كانت كفيلة بأن تجعل يومي أكثر إشراقًا.
“لااا! حتى إيلين، لا تكوني صديقتَه!”
“لن أقبل. سأكون صديقة الأمير الصغير!”
تجاهلت اعتراض لوكاس تمامًا، ولوّحت بيدي التي ما تزال تمسك بيد كاليغو.
وعندما فعلت ذلك، شعرت أن كاليغو قد ارتجف قليلًا.
“نحن أصدقاء. أليس كذلك، أيها الدوق الصغير؟“
“…نعم. أنا وصاحبة السمو الأميرة أصدقاء.”
عندما سمعت كلماته تلك، نظرت إلى لوكاس بنظرة انتصار.
“مم، الدوق الصغير هو أول صديق لي.”
“أول صديق…”
ردّد كاليغو كلمتي بصوت منخفض، ثم أومأ برأسه.
“حسنًا، ما دمتَ صديقي، تعال معي إلى القصر.”
“نعم، صاحبة السمو…”
أمسكت بيده وقُدته معي نحو قصر الأميرة.
“الدوق، اتبعنا.”
أشرت إلى دوق شرايتز، الذي كان يراقبنا بفمٍ فاغر.
“نعم! بالطبع! سألحق بكما فورًا!”
أجاب وهو ينهض من مقعده مرتبكًا، لكن مبتسمًا.
“لااا! لا تذهبا!”
وقبل أن نخرج من الحديقة، لحق بنا لوكاس وهو يلهث، ثم وقف أمامي ليمنعني من المضي قدمًا.
“ماذا تريد؟ تنحَّ جانبًا.”
“لا أريد! لا أريد! لوكا لن يكون صديقًا له!”
“…….”
“…….”
هل يظن أنني سرقتُ صديقه؟
“فهمت. لوكا ليس صديقه. الدوق الصغير هو صديقي. ولهذا، سيأتي معي إلى القصر.”
“…….”
بدت عينا لوكاس وكأنهما على وشك البكاء عند سماع كلماتي.
“قلتُ لكِ… لا تقولي ذلك!”
“لماذا تبكي فجأة؟“
أن يبكي بعد كل هذا العناد… إنه أمر غريب.
كنت على وشك أن أترك يد كاليغو لأذهب إلى لوكاس.
لكن…
قبضةٌ مشدودة.
“مم؟“
“…….”
عندما التفتّ، رأيت كاليغو يشدّ على يدي بقوة، دون أن ينبس ببنت شفة.
“الدوق الصغير، ماذا تفعل؟“
“…….”
“اترك يدي حالًا.”
“آه… عذرًا.”
نظر إلى يدنا المتشابكة، ثم أرخاها بهدوء.
وبينما ترك يدي، نظرت إلى وجهه للحظة، ثم اقتربت من لوكاس.
***
حينما أفلتت إيلين يده، نظر كاليغو إلى كفّه الخالية بأسًى.
ثم حرّك أصابعه بخفة، وأعاد النظر إلى يدها من جديد.
“…….”
‘أرغب أن أمسك بها مجددًا.’
لم يسبق له أن أمسك بيد أحد، ولم يبادر أحد إلى مسك يده من قبل.
حين رأى دخولها إلى الحديقة، ظنّ أنها ملاك من الأساطير قد هبط من السماء.
وفي اللحظة التي أمسكت فيها بيده دون تردد، شعر أن قلبه قد توقّف.
اقترب من إيلين التي كانت تتحدث إلى لوكاس بمرح.
“صاحبة السمو الأميرة.”
ثم ناداها وأمسك بيدها مجددًا.
“هم؟“
نظرت إيلين إلى يدها الممسوكة، ثم إلى وجهه، مائلةً برأسها في حيرة.
كانت تلك الحركة لطيفة للغاية، شعورٌ لم يختبره من قبل… وخفق قلبه بشدة.
“الدوق الصغير، هل لديك ما تقوله؟“
“أود رؤية قصر سمو الأميرة.”
جمع كل شجاعته وقالها مباشرة.
“…….”
لكنها لم تجبه على الفور.
“لقد دعوتِني قبل قليل للذهاب معًا… ألا أستطيع المجيء؟“
كان يعلم أن عينيه عندما تنخفضان، ترخي رموشه الطويلة ظلًا على وجهه، فيمنحه مظهرًا مختلفًا تمامًا.
وقد علم أن كثيرين ممن تأثروا بذلك لم يستطيعوا رفض طلبٍ له.
ولأن إيلين كانت أول من اقترب منه بإرادتها، فقد كان متأكدًا أنها إن رأت وجهه الآن، فلن ترفض.
“همم، حسنًا. لنذهب إلى قصري.”
“إيلين!”
“لوكاس، لاحقًا.”
كما توقّع، أمسكت إيلين بيده وأدارت ظهرها، رغم نداء لوكاس.
“نعم، لنذهب.”
شدد قبضته على يدها أكثر.
‘أتمنى لو تكون يد صاحبة السمو ملكًا لي وحدي…’
شعر بنظرات ملتهبة خلفه، لكنه تجاهلها تمامًا.
***
مرّ أسبوع منذ أن زار كاليغو قصر الأميرة، ومع ذلك كلما رآني لوكاس، كان يحدّق بي بعينين مشتعلتين بالغضب.
“لوكاس، خفّف من هذه النظرات.”
“همف! من الآن فصاعدًا، لن أستمع إلى إيلين!”
“حقًا؟“
“نعم!”
يا له من طفل… متى سينضج؟
تصرفاته تُظهر أنه يشعر بأنني سرقتُ صديقه.
وحين أعدت سؤاله، أجاب بجدية وكأنه اتخذ قرارًا مصيريًا، مشدًّا قبضتيه الصغيرتين.
“فهمت. إذًا أنا أيضًا لن ألعب معك مجددًا.”
“…….”
“سأدعو الدوق الصغير للعب بدلاً منك.”
“…….”
“سأذهب للعب مع الدوق الصغير بدلاً من لوكاس.”
“…….”
“وداعًا، لوكاس.”
“هقّ…”
“…….”
نظرت إليه غير مصدقة.
كان يعضّ شفتيه بشدة ليمنع دموعه، وعيناه محمرتان، ووجهه على وشك الانفجار.
رأيت دمعة تتدلى من طرف عينه، فوضعت يدي على جبيني وتنهدت.
“لوكاس، مجددًا…”
نوك نوك.
كنت على وشك أن أسأله لماذا يبكي، حين سُمِع صوت طرق على باب غرفة اللعب.
“صاحبة السمو، الدوق الصغير شرايتز يطلب مقابلتك.”
أخبرتني الوصيفة أن كاليغو قد جاء لزيارتي.
“هم؟ لماذا جاء؟“
“لم يذكر السبب. هل ترغبين أن أستوضحه منه؟“
“لا داعي. دعيه يدخل فحسب.”
“حسنًا، سمو الأميرة.”
غادرت الخادمة لتُحضره.
لماذا جاء؟ لم نتفق على موعد.
في الحقيقة، لم أكن مهتمة بالسبب، لكن رؤية وجهه وحدها كانت كافية لأن أسمح له بالدخول بكل سرور.
نوك نوك.
“صاحبة السمو، لقد أحضرتُ الدوق الصغير.”
“نعم، دعيه يدخل.”
ما إن سمحت بذلك، حتى فُتح باب الغرفة ودخل كاليغو.
“صاحبة السمو.”
ابتسم فور رؤيتي وانحنى لتحيتي.
حين أتذكر وجهه الخالي من التعبير في لقائنا الأول، أدرك كم أن هذه الابتسامة الثمينة تعني الكثير.
“أهلًا بك، الدوق الصغير.”
“أشكرك.”
ما إن رددت عليه، حتى زادت ابتسامته إشراقًا.
“يبدو أن الأمير الآخر موجود أيضًا.”
لكن ما إن رأى لوكاس خلفي، عاد وجهه جامدًا وكأنما لم يبتسم منذ لحظة.
“يبدو أن الأمير لوكاس لا يُفارق صاحبة السمو أينما ذهبت.”
“همف.”
“…….”
كانت كلماته تحمل سخرية واضحة، غير أن لوكاس أدار وجهه بعنف، وتمسّك بحافة فستاني.
“لوكاس، ما الذي تفعله؟ اتركه حالًا.”
“لا.”
“أنت تُفسد الفستان.”
“قلت لا.”
“آه…”
تنهدتُ بعمق، فنظر إليّ لوكاس بوجه خفيض، ثم أرخى قبضته.
“إيلين، هل ستذهبين إلى مكانٍ ما مجددًا؟“
“لا. سأبقى هنا.”
“حقًا؟“
“نعم. فالدوق الصغير هنا أيضًا، أليس كذلك؟“
“تشش!”
أشرق وجه لوكاس للحظة، لكنه عبس حين ذكرت اسم كاليغو.
ما مشكلتهما يا تُرى؟ هل كل الأطفال في هذا العمر هكذا؟
هززت رأسي بيأس ونظرت نحو كاليغو.
ويبدو أنه كان ينظر إليّ في الوقت ذاته، إذ التقت نظراتنا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"