استمتعوا
“هل قالت إن اسمها إيلين؟ على الأرجح هي الأميرة إيلين من هذه الإمبراطورية.”
كان اسم الرجل الذي كان مع إيلين قبل لحظات هو فالدير أوفنهايم.
وهو أصغر رئيس لبرج السحر في تاريخ هذه الإمبراطورية.
قبل عدة سنوات، فجأةً، أعلن أنه سيتفرغ للبحث فقط، ومن ثم استأذن الإمبراطور بتولي إدارة برج الغرب وانعزل فيه بنفسه.
فالدير كان يعلم هوية إيلين، لكنه تصرف وكأنه لا يعرف.
ربما لأنه أراد أن يختبر طبع طفلة تحب الكتب.
“هل كانت في الرابعة من عمرها هذا العام؟“
ورغم أنه لا يختلط كثيرًا بالناس، إلا أنه كان مطّلعًا بما يكفي على مجريات الأمور في الإمبراطورية.
فهو لم يحصل على منصب رئيس برج السحر في سن صغيرة عبثًا.
فالدير قطع علاقاته مع الآخرين تمامًا من أجل التفرغ لأبحاثه،
بل وحتى أحاط برج الغرب بسحر الوهم ليمنع أحدًا من الاقتراب، وعاش فيه في عزلة تامة.
لكن إيلين هي من كسرت هذا الحاجز ودخلت إلى مجاله الخاص.
“كيف تمكنت من الوصول إلى هنا؟“
قال ذلك بينما كان يراقبها من أعلى البرج وهي تغادر الغابة.
فالدير، الذي لم يرَ إنسانًا منذ زمن،
وجد في إيلين الذكية ما يثير إعجابه.
فهي لم تغضب أو تظهر انزعاجًا من عدم معاملته لها كأميرة.
وكأنها معتادة على ذلك.
وكان هذا من بين الأسباب التي أثارت فضوله تجاهها.
“هل يمكن أن تكون تلك الطفلة أكبر سنًا من الأميرة؟“
تذكر فالدير فجأة سبب عزلته في هذا البرج.
“الأميرة ذكية بما فيه الكفاية،
سيكون من الممتع أن أقضي بعض الوقت معها.”
ابتسم فالدير بمكر وهو يتذكر كيف أثنت إيلين بسخاء على وسامته، ثم اختفى من أعلى البرج.
وفي تلك اللحظة، في نفس الوقت الذي كانت فيه إيلين تستمتع بوقت الوجبات الخفيفة مع فالدير…
“أين أنتِ، أميرة!”
“رجاءً أجيبينا!”
كانت الوصيفات من جناحي الأميرة والأمير في حالة فوضى وقلق للعثور على إيلين.
“أين قلت إن الأميرة اختفت، سمو الأمير؟“
“هناك، قرب برج الغرب.”
أشار لوكاس إلى المكان الذي اختفت فيه إيلين.
لكنه لم يكن بنفس غبائه المعتاد أمامها، بل بدا حازمًا ومحددًا.
وهذا هو وجه لوكاس الحقيقي، والسبب في أن أصوات ركل الأغطية تُسمع كل ليلة في جناح الأمير.
صحيح أنه يظهر كأمير صغير متعلق بأخته أمام إيلين،
لكنه يُظهر هيبة أمير في الرابعة من عمره أمام الآخرين.
“هل أنت متأكد أنه قرب برج الغرب؟“
“بالتأكيد!”
رغم ذلك، كان لا يزال طفلاً صغيرًا بلسان قصير.
“ذلك المكان لا يمكن لأي أحد أن يذهب إليه…”
“لكن أنا وإيلين ليس اي احد!”
“أنا لا أقصد ذلك…”
“أنا ذاهب لجلب إيلين!”
صرخ لوكاس بغضب من كلمات سيلفيا.
تأثر لوكاس بكلام سيلفيا فصرخ بصوتٍ عالٍ.
“سمو الأمير، ذلك المكان لا يُسمح بدخوله إلا لمن حصل على إذنٍ خاص.”
حاولت سيلفيا أن تشرح الأمر بهدوء، لكن لوكاس كان يضرب قدميه بالأرض، وكأنه على وشك أن يركض في الحال.
“سأذهب حالًا لأبحث عن إيرين!”
“سمو الأمير، إذن دعنا نذهب معًا.”
“لا بأس، يمكنني الذهاب وحدي!
قال لوكاس لسيلفيا بلهجة جادة، مشدود القبضتين.
“ومع ذلك، فإن الذهاب بمفردك لا يزال أمرًا خطيرًا.”
كااااك، كااااك.
اهتز فجأة.
صوت نعيق الغربان التي كانت تحلق قرب برج الغرب بدا وكأنه قريب جدًا.
“ستذهب معنا، أليس كذلك؟“
“إذ، إذن هل نذهب جميعًا معًا؟“
مع انكسار حماس لوكاس بعض الشيء، تنفست ليني التي كانت برفقة سيلفيا، إضافة إلى الوصيفات، الصعداء براحة.
لو خرجوا للبحث عن إيلين ثم فقدوا لوكاس أيضًا،
فمن الذي سيتحمل تلك المسؤولية؟
“سأتقدم أنا، فاتبعوني ببطء.”
قالت ليني بسرعة وهي تتقدم الطريق.
“سأذهب أولًا! ليلحق بي الجميع ببطء!”
اندفع لوكاس راكضًا بسرعة نحو البرج الغربي، دون أن يمنح الوصيفات فرصة لإيقافه، بعدما ظن أنهن سيذهبن معه.
“إيلين! لوكاس قادم!”
كان صوته يصدح في غابة البرج الغربي.
وبينما كانت تركض، متناثرة أطراف فستانها،
بدأت ترى الأشخاص الذين يبحثون عنها.
“لوكاس! ليني!”
“إيلين!”
“سمو الأميرة!”
ركضت ليني نحوها فور أن رأتها،
وبدأت تدور بها يمينًا ويسارًا لتتأكد من عدم وجود إصابات.
“أنا بخير.”
“أين كنتِ من دون أن تقولي كلمة واحدة؟!”
قالت ليني بوجهٍ على وشك الانهيار بالبكاء.
“سمو الأميرة، المربية بحثت عنك طويلًا.”
تقدّم السير باومان، الذي بات بمثابة حارسها الشخصي الآن، وتحدث.
“ديا! أنا كنت بس بالغابة!”
منذ أن علمت أن الاسم الكامل للسير باومان هو ديالو باومان،
بدأت أناديه بـديالو بدلًا من باومان لقبه العائلي.
ومنذ ذلك الحين، شعرت أنه بات أقرب إليّ،
وبدوره بدأ يعاملني براحة أكثر.
‘آه، لعل الأمر ليس تعاملا براحة، بل تعاملا بعفوية اكبر.’
أحيانًا كان يتصرف وكأني أخته الصغرى.
“هل تعلمين كم تقلق المربية في كل مرة تتسببين فيها بمشكلة، سمو الأميرة؟“
تمامًا كما الآن.
أشعر أن ديالو بات يكثر من التوبيخ أكثر حتى من ليني.
كم عمري حتى أُجبر على سماع هذا الكم من التوبيخ؟
“آآآه.”
صرختُ وأنا أسدّ أذنيّ بكلتا يديّ، محاولة حجب صراخ ديالّو.
“حسنًا، على أية حال، بما أنكِ عدتِ سالمة، فذلك يكفي.
هيا بنا نعود إلى القصر.”
“حسنًا.”
احتضنني ديالو بين ذراعيه وقال ذلك، فأسندتُ رأسي إلى صدره وأجبته.
وفي تلك اللحظة، اقترب لوكاس بهدوء وأمسك بطرف ثوبي.
“إيلين، لا تذهبي بعيدًا دون أخيك.”
“أخي، أعدك.”
شعرت كأنني أزلت مشكلة وأضفت أخرى بدلها.
“أعتذر للجميع، سأكون حذرة عندما أخرج.
في المرة القادمة سأكون أكثر حرصًا.”
“هل تعنين أنك ستخرجين وحدك مرة أخرى؟!”
“لا، لا، ليس هذا ما أقصده.
في المرة القادمة سأذهب معكم بلا شك.”
عدت إلى جناح الأميرة وتلقّيت سيلًا لا يتوقف من التوبيخ من ليني.
***
“كاليغو، اليوم ستذهب معي إلى القصر الإمبراطوري.”
“…”
لم يقل الطفل شيئًا، واكتفى بالنظر إلى وجه الدوق.
“ألست راغبًا في الذهاب؟“
“…هل يُسمح لي بالذهاب إلى القصر؟“
ربت دوق شرايتز على رأس ابنه الوحيد ووريث عائلة شرايتز وقال.
“ما دمتَ معي، فلا مكان في هذا الإمبراطورية يُمنَع عليك دخوله سوى غرفة نوم العائلة الإمبراطورية.”
الطفل الذكي لم يسأل حتى عن السبب،
واكتفى بهزّ رأسه موافقًا على كلام والده.
“اذهب إلى غرفتك وتهيأ للذهاب إلى القصر.”
“نعم.”
صعد الطفل إلى غرفته في الطابق الثاني بناءً على أمر والده،
لكن لم يكن هناك شيء خاص ليستعد له.
“هل أُساعدك في ارتداء ملابسك للخروج؟“
سألت الخادمة التي تبعته إلى الغرفة، لكنه لم يكن مرتاحًا للفكرة.
“لا، اخرجي.”
“امرك.”
خرجت الخادمة، وبعد أن ألقى نظرة حول الغرفة،
اكتفى بتبديل ملابسه ونزل إلى الطابق الأول.
“هل أنهيت استعدادك بالفعل؟“
“نعم.”
أجاب الطفل بهزّة صغيرة من رأسه على سؤال دوق شرايتز.
“حسنًا، إذن لنذهب.”
حمل الدوق الطفل ووضعه داخل العربة التي كانت بانتظارهما خارج القصر، ثم ركب بنفسه.
وانطلقت العربة التي تقل دوق شرايتز وابنه إلى القصر الإمبراطوري.
“كاليغو، هل تعلم لماذا تذهب إلى القصر اليوم؟“
“…”
ظل الطفل صامتًا.
“ألستَ فضوليًا؟“
“…هل جلالة الإمبراطور هو من دعاني؟“
“هاهاها، لا، ليس كذلك.”
ضحك الدوق على إجابة الطفل.
“هناك أشخاص أودّ أن أعرّفك بهم اليوم.”
“من هم؟“
“إنهم أشخاص ذوو شأن، رغم صغر سنهم.”
“…”
يبدو أنه فهم على الفور، فاكتفى بهزّ رأسه بهدوء.
“هل تعرف عن التوأمين من العائلة الإمبراطورية؟“
“نعم… سمعت أنهما أميرة وأمير.”
“أحسنت، معلوماتك صحيحة.”
كان وجه الطفل الخالي من التعابير قد بدأ يتلون قليلًا بالحيوية.
كان هذا أول تعبير يظهر على وجه الطفل منذ عام كامل.
كاليغو، الذي بلغ السادسة من عمره هذا العام، كان أذكى من أقرانه وأكثر نضجًا من سنّه. كما أن ملامحه، التي تشبه ملامح والده، كانت جميلة جدًا ولا يمكن إلا أن يقع المرء في حبه.
ولكن لسبب ما، لم يتلقَ ما يكفي من الحب والاهتمام في عمرٍ كان يجب أن يغمره فيه دفء العائلة، مما خلق فجوة في مشاعره.
كان الدوق يحاول تعويض ذلك الآن،
لكنه وجد أن كسب قلب الطفل لم يكن بالأمر السهل.
لذا، وبعد محادثة خاصة مع الإمبراطور، حصل على فرصة لتعريف ابنه بتوأم العائلة الإمبراطورية، آملًا أن يتمكن الطفل من فتح قلبه إذا ما اختلط بأقرانه وتعلم التعبير عن مشاعره بشكل صحيح.
“ليني! اليوم عليّ أن أذهب لرؤية لوكاس!”
“حقًا؟“
“نعم! اعدي كل شيء.”
بعد ما حدث بالأمس، لا بدّ أن أزوره اليوم بنفسي.
“امركِ.”
ابتسمت ليني ودخلت غرفة الملابس، وأحضرت لي فستانًا جديدًا.
“هممم، هل يجب عليّ أن أغير ملابسي أيضًا؟“
“ربما إذا ظهرتِ بمظهر جميل يا صاحبة السمو، فإن سمو الأمير قد يهدأ غضبه بسرعة أكبر.”
“هل هذا صحيح؟“
اقتنعت بكلامها وهززت رأسي، ثم ارتديت الفستان الجديد الذي أحضرته ليني.
بعدما انتهيت من ارتداء الفستان، أمسكت بيد ليني وتوجهت إلى قصر الأمير لوكاس.
كنت سأعود أدراجي حين سمعت بوجود ضيوف، لكن الخادمة قالت إن الأوامر من جلالة الإمبراطور، وقادتني إلى الحديقة.
“لا أحتاج أصدقاء.”
“هاهاها، لكن سيصبح صديق جيد لك وللأميرة.”
“…”
كلما اقتربنا من الحديقة،
بدأ صوت لوكاس يختلط بصوت آخر غريب.
‘صوت رجل… بالغ؟‘
اقتربت بحذر، فرأيت شخصين بجانب لوكاس لم أرهما من قبل.
أحدهما كبير الحجم والآخر صغير.
“اخي، لقد اتيت“
“إيرين!”
قاطع لوكاس حديثه فجأة، وما إن رآني حتى هبّ يركض نحوي بخطوات مرحة.
“إيرين، هل جئتِ لرؤيتي؟“
“أجل.”
أجبته بإيجاز ولامبالاة، وألقيت نظرة خاطفة نحو الشخصين الجالسين هناك.
“تشرفت بلقائكِ، يا صاحبة السمو. أنا كريمسون شرايتز.”
“…”
وقف الشخصان الجالسان وانحنيا احترامًا حين وجّه لي دوق شرايتز التحية.
‘كريمسون شرايتز… أليس هو دوق الإمبراطورية؟ لماذا جاء لرؤية لوكاس؟‘
أتراه كان له علاقة بلوكاس في حياتي السابقة أيضًا؟
“هممم. أهلًا.”
استقبلتُ تحيته بنظرة متوجسة.
وما إن رفعتُ رأسي ورأيتهما يرفعان رأسيهما أيضًا،
حتى كدت أفقد القدرة على النطق.
“من تكون؟“
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"