في ظهيرة كسولة، جاءني الخادم الشخصي. 

“لقد عاد الدوق من القصر الإمبراطوري.” 

“شكرًا لإخباري!” 
عند سماع أن هارولد عاد من الاجتماع

الإمبراطوري، قفزتُ واقفة. أمسكتُ بالوثائق التي كنت بحاجة لمراجعتها اليوم وتوجهتُ إلى مكتب هارولد. 

بمجرد دخولي، نظر إليّ هارولد وكأنه كان يتوقعني. 

“هل ستجلسين على الأريكة مجددًا؟” 

“نعم، إنها المكان الأكثر راحة.” 

ضيّق هارولد عينيه بانزعاج وأشار نحو مكتب جديد قريب. 

لكنني تجاهلته واستقررتُ على الأريكة. 

‘هذا المكان مثالي تمامًا.’ 

اقترح هارولد أن نقضي وقتًا أطول معًا كلما لم يكن مشغولاً بالواجبات الخارجية. كانت هذه طريقته لمساعدتي على التعود عليه. 

كانت نهجًا كلاسيكيًا ومباشرًا. التغيير الوحيد الحقيقي هو أننا أصبحنا نقضي وقتًا أطول معًا مما كنا عليه من قبل. 

‘لا توجد طريقة لمنع الحساسية الناتجة عن قوتي الإلهية، لكن يمكنني على الأقل التعود على رؤيته حولي. لذا فهذه هي الطريقة المثلى.’ 

لهذا السبب كنتُ دائمًا أحضر عملي إلى مكتبه. 

لكن الجلوس قريبًا جدًا منه جعل من الصعب التركيز، لذا كنتُ أعمل من الأريكة منذ أيام. 

“حسنًا، أعتقد أنه لا يوجد مفر.” 

تنهد هارولد كما لو كان يستسلم. ثم… ها؟ 

‘لماذا يأتي إلى هنا؟’ 

أمسك هارولد ببعض الوثائق وجلس على الأريكة المقابلة لي. ثم، عند رؤية تعبيري المفاجأ، ابتسم قليلاً. 

“لم تأتي إليّ، لذا جئتُ إليكِ.” 

“…هل قلتُ ذلك بصوت عالٍ؟” 

“لا. كانت شفتاكِ هادئتين، لكن وجهكِ قال كل شيء.” 

تساءلتُ عن أي تعبير كنتُ قد أظهرته. بما أنه لم يكن هناك مرآة، لمستُ وجهي بفضول. 

لم أستطع معرفة ذلك. 

بينما كانت عيناي تتجولان، تغلب الفضول عليّ.

“هل يمكنك تخمين ما أفكر فيه الآن؟” 

“همم.” 

أطلق هارولد همهمة ناعمة ووضع يده تحت ذقني. 

جعلني اللمس المفاجئ أرتجف، ومسحت عيناه الزرقاوان العميقتان وجهي ببطء. 

كل مكان لامسته نظرته شعرتُ فيه بدغدغة غريبة، كحساسية خفيفة. 

“آها.” 

فصل هارولد شفتيه كما لو أنه اكتشف الأمر.

غريزيًا، ركزت عيناي على شفتيه. 

“أنتِ تفكرين في مدى استمتاعكِ بالجلوس هنا معي.” 

“خ-خطأ! كنتُ أفكر فقط أن المسافة السابقة كانت مثالية!” 

احترق وجهي كبطاطس مسلوقة وأنا أتراجع بسرعة. 

كما لو أن قربه لم يكن مربكًا بما فيه الكفاية، الآن كان يصنع افتراضات سخيفة! 

“أعرف.” 

“ها؟ إذن لماذا…” 

“كنتُ أمزح فقط.” 
“…” 
مزعج جدًا. 

بينما كنتُ أزم شفتيّ، سخر هارولد. 

“…هل يمكنك العودة إلى مقعدك الآن؟” 

“يجب أن تعتادي على القرب، كما عندما أعالج إصاباتك.” 

“هذا صحيح، لكن…” 

تلعثمتُ وضغطتُ شفتيّ معًا. 

مهما نظرتُ إليه، لم أستطع التركيز على العمل مع جلوس هارولد قريبًا جدًا. 

“إذا لم تتحرك، فسأذهب إلى هناك.” 

عند سماع ردي الحازم، أسند هارولد ذقنه على يده. 

“افعلي ما تريدين. لكن…” 

تظلمت عيناه الضيقتان، الزرقة العميقة تبدو كأعماق المحيط. 

“مهما ذهبتِ، سأتبعكِ، يا ديانا.” 
“…” 

كانت تلك نظرة رجل يعني ما يقول. 

‘…أعتقد أن عليّ التركيز على التعود عليه أولاً.’

قررتُ عدم إضاعة طاقتي وجلستُ مجددًا. 

‘لنركز فقط على العمل.’ 

أجبرتُ نفسي على التركيز وحدقتُ بقوة في الوثائق. 

لكن في تلك اللحظة، غطت يد كبيرة أوراقي، محطمة ما تبقى من تركيزي. 

أطلقتُ نظرة غاضبة على هارولد، مطالبة بتفسير. 
اعتذر على الفور. 

“آسف إذا أزعجتكِ. لكن قبل أن نبدأ العمل، نحتاج إلى الحديث.” 

زال انزعاجي مع اعتذاره السريع، وحل محله الفضول. 

“تفضل.” 

“تعلمين أن الأمير أندرو حضر اجتماع اليوم الإمبراطوري، أليس كذلك؟” 

“نعم.” 

كان كل نبيل يعرف أن الأمير عاد وسيكون في الاجتماع. 

“إذا لم يحدث شيء غير عادي، سيكون الأمير أندرو الإمبراطور القادم. قررتُ تقديم بعض الدعم الشخصي له.” 

“…أنت تحاول بناء دين مع الأمير أندرو، أليس كذلك؟” 

فكرتُ في الأمر ثم سألتُ، 

“هل تحتاج مساعدتي بشيء؟” 

“أنتِ سريعة الفهم في أمور مثل هذه.” 

“…هل كان ذلك مدحًا؟ شكرًا؟” 

حدق هارولد بي بصمت للحظة. 

‘أم أنه لم يكن مدحًا؟’ 

كنتُ على وشك الشعور بالإحراج عندما أومأ هارولد بأناقة. 

“كان مدحًا. لقد فهمتِ ما لم أقله. مناسب جدًا لسيدة بيسن.” 

“همف.” 

شعرتُ بالرضا وجلستُ باستقامة أكثر. 

“لكن هل أنت بخير بهذا؟” 

“بماذا؟” 

“جعلكِ تفعلين شيئًا ليس عليكِ فعله.” 

“أوه.” 

“أعتقد أننا أجرينا محادثة مشابهة من قبل، لكن مهما كان السبب، سأقوم بواجبي. كل منصب يأتي مع مسؤولية.” 

أردتُ أن أقول إنها مجرد طباعي، لكن شعرتُ بشيء مختلف. كانت عقليتي وجهدي مختلفين بسبب طباعي. 

لم أعرف لماذا كنتُ أشعر بهذه الطريقة. كان الأمر كتيار قوي يضغط على صدري كلما فكرتُ فيه أكثر.

“حسنًا، إذا شعرتَ بالسوء حيال ذلك، فقط أعطني ألف قطعة ذهبية إضافية لاحقًا!” 

قبل أن يزداد الشعور الغريب قوة، مازحتُ، وأومأ هارولد. 

“يمكنني إعطاؤكِ ألف قطعة ذهبية الآن.” 

“عليك الوفاء بهذا الوعد، يا هارولد. لا تراجع عن كلمتك!” 

لا يوجد سبب لرفض المال المجاني! شعرتُ بالسعادة بمكافأتي غير المتوقعة، ابتسمتُ بإشراق. 

“إذن، ماذا أحتاج أن أفعل بالضبط؟” 

“خلال مؤتمر اليوم، طلب الأمير أندرو إقامة ‘بطولة الصيد إكليبس’، وقد وافق جلالته. هل سمعتِ عنها؟” 

“لا، هذه أول مرة أسمع عنها.” 

في ذكريات ديانا، كانت العائلة الإمبراطورية تُقيم مسابقات صيد أحيانًا، لكنها لم تُطلق عليها اسمًا خاصًا أبدًا. 

“لكنني أعرف أن إكليبس هو اسم الإمبراطور الأول الذي أسس الإمبراطورية.” 

“إنها المرة الأولى منذ 200 عام التي تُقام فيها هذه البطولة، لذا ليس من المستغرب أنكِ لا تعرفين. نسي معظم الناس عنها.” 

عقد هارولد ساقًا فوق الأخرى. 

“ببساطة، الفائز في بطولة الصيد إكليبس يحصل على أمنية يمنحها الإمبراطور. طالما أنها ليست عن قتل شخص أو زعزعة أسس الإمبراطورية، بالطبع.” 

“ماذا؟ الإمبراطور سيمنح أمنية؟” 

واو… يبدو ذلك كشيء من رواية. 

أوه، صحيح. هذا عالم رواية. 

تذكرتُ تلك الحقيقة، فرمشْتُ. 

“بطولة الصيد التي تمنح الأمنيات تذكرني بمسرحية رأيتها خلال مهرجان. بالأخص، ذكرتني بالحكاية الخيالية التي استندت إليها المسرحية.”

تذكرتُ كيف انتهت المسرحية بملك يمنح أمنية بعد مسابقة صيد. 

“هذا منطقي. تلك الحكاية الخيالية مستوحاة فعلاً من قصة حقيقية عن الإمبراطور الأول.” 

بناءً على شرح هارولد، جمعتُ القصة. 

في الحكاية الخيالية، دمر وحش بأجنحة نسر وجسد أسد مملكة الإمبراطورة الأولى، التي كانت أميرة في السابق. مثلما في القصة، كان الإمبراطور الأول فارسًا من تلك المملكة المنهارة.

عقد صفقة مع الأميرة، جمع الفرسان المتبقين، وذهب إلى الحرب. 

في الحكاية، قُتل الوحش. وبالمثل، في الواقع، فاز الإمبراطور الأول في الحرب، تزوج الأميرة، وأسس إمبراطورية جديدة. ثم أسس بطولة الصيد إكليبس، مسميًا إياها باسمه. 

“كانت هناك حروب صغيرة كثيرة في ذلك الوقت، لذا احتاجوا إلى فرسان أقوياء بسرعة. لهذا السبب أُنشئت بطولة الصيد إكليبس في الأصل. لكن بمجرد أن غزوا معظم الدول المحيطة وبنوا جيشًا قويًا، توقفوا عن إقامة البطولة.” 

“أوه… لذا لم تُقم منذ 200 عام. لكن الإمبراطور لم يلغها أبدًا لأنها أُنشئت بواسطة الإمبراطور الأول؟” 

“كما هو متوقع، تفهمين بسرعة.” 

“مثل هذا الشيء…” 

هل كان ذلك حقًا مدحًا؟ 

ضيّقتُ عينيّ نحوه بشك، وابتسم هارولد بمكر. 

“إنه مدح.” 
“…” 

لا يزال يبدو غريبًا بعض الشيء، لكن ما إذا كان مدحًا أم لا لم يكن مهمًا، فقررتُ تجاوزه. 

“من المدهش أن يوافق جلالته على طلب الأمير أندرو بسهولة.” 

لم يكن سرًا أن الإمبراطور لا يحب ابنه. وإلا لما أبقى الأمير الوحيد بعيدًا عن الإمبراطورية لسنوات عديدة. 

“ربما استمتع برؤية النبلاء خائبي الأمل في أميره العاجز وغير الكفء. لذا وافق على الفور.” 

انحنت شفتا هارولد قليلاً، كما لو كان يتذكر المؤتمر. 

“لكن الإمبراطور لا يزال إمبراطورًا. حتى لو كان أسدًا عجوزًا بأسنان مكسورة، اتخذ احتياطاته بتغيير بعض قواعد البطولة.” 

“…لذا تأكد أن الأمير لن يفوز؟” 

“بالضبط.” 

التقى نظرينا. 

“لكننا سنتأكد أن الأمير أندرو يفوز بالأمنية مع أقل الخسائر من جانبنا.” 

من هنا فصاعدًا، ستكون كلمات هارولد الجزء الأهم. عقدتُ أصابعي معًا وركزتُ عليه. 

* * *
المترجمة:«Яєяє✨»