***
إيسيس لا تغادر الغرب عادةً. لكن منذ وقتٍ قريب، لم يكن أمامها خيارٌ سوى التوجّه مباشرة إلى أكاديمية أتينس بعد أن وصلها خطابٌ من الآنسة أسيلي.
[فريدين في خطر.]
كانت الرسالة موجزة لكنها تنبض بالإلحاح، فظلّت إيسيس طوال الطريق إلى الأكاديمية مضطربةً وقلقة.
لم يكن ذلك كل شيء. فطوال الطريق من الغرب إلى الأكاديمية، كانت تسمع شائعاتٍ غريبة.
“يقال أن إيلين ليسَيروس قد أصبحت قويةً باستخدام السحر الأسود، أليس كذلك؟”
“ويُشاع أن الماركيز ليسَيروس هرب سرًا، يبدو أنه خاف من غضب جلالته أيضًا.”
حاولت إيسيس أن اعتبرها مجرد شائعاتٍ فارغة وألا تفكر فيها بعمق، لكن الكلمات التي استمرت في سماعها زادت من قلقها واضطرابها.
‘هل حدث شيء للسيدة إيلين؟ لكن القديسة قالت أن الأمير فريدين هو من في خطر……’
وعندما وصلت إيسيس إلى الأكاديمية بقلبٍ مضطرب، لم تستطع إلا أن تبدِي ملامح الحيرة
عندما رأت الآنسة أسيلي تبتسم لها أمام البوابة الرئيسية.
لم تُرسل لها حتى رسالة رد بسبب انطلاقه المستعجل، فكيف خرجت لاستقبالها؟ لكن دون أن يُتاح لها السؤال، قادتها الآنسة مباشرةً إلى غرفة العلاج.
“أكنتِ تخدعينني يا سيدتي القديسة؟”
قالت إيسيس ذلك وهي تنظر إليها. لكنها بقيت صامتةً، واقفة بجانب فريدين.
ما الذي جعلها تُرسل إليها رسالةً كهذه؟
‘لا يبدو أن سموّه في خطر……’
كان جسد فردين يحمل عدة جروح وكأنه خاض معركة، لكنها لم تكن تبدو خطيرة.
زفرت إيسيس تنهيدةَ ارتياح. أما فريدين، فكان ينظر إليهما بشيءٍ من الريبة.
‘لا يمكن أن تكون الآنسة قد استدعت إيسيس بلا سبب.’
لاحظت الآنسة أسيلي نظرات فريدين، وكأنها أرادت أن تقول شيئًا لكنها ترددت وأغلقت فمها.
وبعد لحظةٍ من التردد، بدأت تروي لإيسيس ما حدث لهما في الفترة الماضية.
“أتمنى أن تسقط تلك الشياطين جميعًا في الجحيم. كيف يجرؤون على إلصاق تهمةٍ شنيعة كهذه؟! لا يمكن أن تكون السيدة إيلين خاصتنا من هذا النوع أبدًا!”
السيدة إيلين؟ خاصتنا؟
نظر فريدين إلى إيسيس بعينين متسائلتين، مستغربًا نبرة التملّك في عبارتها.
ماذا حدث في الغرب لتبدأ في مناداتها بـ”السيدة إيلين خاصتنا”؟
“أوافق تمامًا.”
بعد أن قالت إيسيس، أومأت الآنسة برأسها موافقة مرارًا.
ثم نظرت بالتناوب إلى فريدين وإيسيس قبل أن تلتفت إلى إيسيس،
“إيسيس، هلا تمسكين بيدي قليلًا؟”
رمقتها إيسيس بنظرةٍ ضيقة العينين مستغربةً هذا الطلب المفاجئ.
“ما هذا الطلب الغريب الآن……؟”
“حقًا، لم تتغيّرِ منذ كنا صغارًا……”
“.……”
“أقول ذلك فقط احتياطًا، لذا أمسكِ بها فحسب.”
قالت الآنسة أسيلي ذلك وهي تنقر لسانها بضيق. عندها أمسكت إيسيس بيدها على مضض، ووجهها يوحي بعدم الرغبة.
شدّت الآنسة على يدها بقوة، ثم أدارت رأسها نحو فريدين.
“فريدين، إلى أي حدٍ يمكنكَ أن تذهب من أجل السيدة إيلين؟”
“….…”
“هل يمكنكَ اتخاذ نفس القرار مجددًا كما فعلت في الماضي؟”
أدرك فريدين أن الآنسة رأت حلماً للمستقبل مرة أخرى، تمامًا كما فعلت سابقًا. فتجمّد وجهه من شدة الصدمة والخوف.
وبينما كان ينظر إلى الآنسة أسيلي، تذكّر والدته.
فوالدته أيضًا كانت تتحلم بالمستقبل كثيرًا، تمامًا مثل الأميرة. وكل مرة كانت تفشي ما رأته فيها، كانت تزداد ضعفًا.
وعندما لم يعد فريدين يحتمل رؤيتها تذبل، ترجّاها أن تتوقف عن التنبؤ.
لكنها كانت تقول له دومًا نفس الكلمات،
“فريدين، حياة القديسة ليست ملكًا لها وحدها. ولكي نحمي ما هو ثمين، علينا أحيانًا أن نتخلى عن شيءٍ آخر.”
قبض فريدين على يده بقوة.
إذًا، ما الذي تحاول الآنسة أسيلي حمايته من خلال هذا الحلم الذي تنطق به الآن؟
“أنتِ ستموتين إن واصلتِ هذا، آنسة.”
عند كلماته، ابتسمت الآنسة أسيلي ابتسامةً باهتة.
“هذا خياري، فريدين ليكسيا. كما أنكَ اتخذتَ قراركَ في الماضي، فأنا الآن أتخذ قراري.”
ثم تابعت بهدوء،
“فريدين ليكسيا، أنتَ ستموت.”
كان إعلانها باردًا ومجردًا من الانفعال.
“ما الذي تقولينه؟!”
كان فريدين، المعني، هادئًا، لكن إيسيس، التي كانت تمسك بيد الآنسة أسيلي، صرخت بغضب.
وفجأة، ترنّحت الآنسة، وبدأ جسد إيسيس يرتجف. فقد بدأت تدرك الآن ما تعنيه كلماتها.
قم تمتمت بوجهٍ مصدوم،
“لا، لا يمكن….هذا مستحيل….القديسة السابقة قالت أننا…..أننا سنكون سعداء.…”
فالقديسة السابقة كانت تخبرهم دائمًا بأن السعادة تنتظرهم. لكن الآن، كانت القديسة الحالية تنطق بمستقبلٍ معاكسٍ تمامًا.
على الأقل من وجهة نظرها، كانت كذلك. فكيف يمكن أن يكون هناك سعادةٌ إن لم يكن فريدين موجودًا؟
“الأحلام ليست أمرًا حتميًا.”
“….…”
“هناك أسبابٌ كثيرة قد تغيّر المستقبل. قد تتغير بسبب تقلبات الناس، أو ربما بسبب قديسة مثلي نطقت بما هو قادم فتسبب ذلك بتغييره.”
“….…”
“أو قد يتغير على يد من عاد من زمنٍ منسي.”
قالت ذلك وهي تترنح، ثم اقتربت من فريدين بخطواتٍ متعثرة.
“فريدين ليكسيا، في الماضي اخترت أن ترحل. لكن هذه المرة، الأمر يتعلق بماركيزية ليسَيروس. ما الذي ستختاره هذه المرة؟”
“خياري مرتبطٌ بها، أليس كذلك؟”
أومأت الآنسة برأسها.
“وإن لم أذهب إلى ماركيزية ليسَس، فماذا سيحدث؟”
عند سؤاله، ترددت الآنسة أسيلي للحظة قبل أن تجيب بصوت هادئ،
“سيموت الماركيز ليسَيروس.”
“….…”
“فريدين، أنا لم أرى في الحلم سوى هذا الطريق الوحيد.”
تذكّر فريدين إيلين التي رآها في الصباح.
لقد توسلَت إليه ألا يتركها وحدها مرة أخرى. و قد كان واضحًا أن اختياره في الماضي هو ما سبّب لإيلين كل ذلك الألم.
لم يكن فريدين يخشى الموت، بل كان يخشى على أولئك الذين سيبقون بعده، يغمرهم الحزن لموته.
وإن مات، فكم ستكون إيلين حزينة؟ ذلك الحزن كان يثقل قلبه بشدة.
“كل شيءٍ يعتمد على قراركَ.”
“…….”
“الماركيز ليسَيروس لم يتبقى له الكثير.”
“….…”
“إن قررتَ الرحيل، فاذهب مع الفيلق الأول. ولا تنسَ……خذ إيسيس معكَ.”
“وهل هذا يعني أن حياة سموّه لن تكون في خطر؟”
لم تُجب الآنسة أسيلي على سؤال إيسيس، بل اكتفت بالنظر إلى فريدين بوجهٍ منهك ومتعب. وفهمت إيسيس من صمتها أنها تعني النفي.
فانطفأ الأمل على وجهها، وحلّ مكانه اليأس.
***
في وقتٍ متأخر من المساء، كانت إيلين في طريقها إلى غرفة العلاج لرؤية فريدين. لقد تأخرت كثيرًا بسبب حديثها مع الدوق أسيلي.
‘أريد أن أراه.’
كان أمرًا غريبًا. هي تشتاق إليه دائمًا، لكن الآن كان شوقها أشد من أي وقتٍ مضى.
ربما لأنها تعرف أنها لن تتمكن من رؤيته لفترةٍ عندما اغادر إلى القصر الإمبراطوري. ومع هذا التفكير، أسرعت خطواتها.
وحين دخلت المبنى الذي تقع فيه غرفة العلاج، التقت بكارون.
تفاجأت إيلين لأنه استيقظ أبكر مما توقعت، وكانت على وشك أن تقترب منه بسعادة، لكن ما إن وقعت عيناه عليها حتى بدأ يتمتم بكلماتٍ مترددة،
“سيـ……لا، أختي……”
عندها أدركت إيلين أنه عرف كل شيء. رغم أنه كان أمرًا سيعرفه عاجلًا أم آجلًا……
تمتمت بوجهٍ مرتبك،
“آسفة……لأني لم أخبركَ من قبل.”
وبكلماتها هذه، أصبح وجه كارون معقّدًا وممتلئًا بالمشاعر.
“لا بأس. لا أعرف ما الذي حدث بالضبط، لكن لا بد أن لديكِ سببًا وجيهًا لعدم إخباري.”
“كارون……”
“بل على العكس، هذا أفضل. بفضلكِ، كونكِ سيّدة السيف، زالت كلّ الشكوك. هل أنتِ بخير؟ سمعت أنكِ واجهتِ الكونت ليون.”
“رددتُ له كل ما فعله بكَ.”
قالت ذلك مازحة، فابتسم كارون ابتسامةً مشرقة. ثم ربت على كتفها،
“شكرًا لكِ.”
وبعد أن أنهى كلامه، افترق عن إيلين، التي واصلت طريقها بخفّة وسعادة.
وبلغت سعادتها ذروتها عندما وصلت أمام غرفة العلاج.
ثم طرقت الباب بخفة،
“سموك فريدين، هل يمكنني الدخول؟”
فجاءها صوته من الداخل يدعوها للدخول. ثم فتحت الباب ودخلت، لتتّسع عيناها من الدهشة.
كانت إيسيس، التي من المفترض أن تكون في معبد الغرب، جالسةً إلى جانب فريدين.
لكن ما فاجأها أكثر من وجوده، كان الاحمرار الظاهر حول عيني فريدين.
“ما الذي حدث؟ ولماذا أتت إيسيس من الغرب إلى هنا؟ ما الأمر؟”
ردت إيسيس بابتسامةٍ خفيفة على سؤالها،
“كان لدي بعض الأمور لأُنجزها في الأكاديمية، فمررتُ هنا.”
نظرت قليلاً إلى إيلين وفريدين، ثم قالت أنها ستذهب لرؤية هيليكس، وغادرت الغرفة.
“سمعت من الآنسة أسيلي أنكِ تبارزتي مع الدوق.”
“نعم، الدوق منحني فرصةً لأثبت براءتي.”
جلست إيلين على الكرسي وهي تقول ذلك.
كان على وجه فريدين ابتسامة خافتة، وأحبت إيلين تلك الابتسامة. فكلما ابتسم لها ونظر إليها، غمرها شعورٌ لا يوصف بالسعادة.
“الدوق أسيلي اقترح عليّ الذهاب معه إلى القصر الإمبراطوري.”
“هو يريد نيل رضا جلالة الملك.”
“ربما، لأنه يجب حماية الماركيزية بالكامل.”
فتح فريدين فمه وهو ينظر إلى إيلين ليُبلغها بأخبار تنتظرها،
“وصلتني مؤخرًا رسالةٌ من ليليا، إيلين. و قد أرسلت تحياتها لكِ.”
“….…”
“ليليا تقول أنها على وفاقٍ جيد مع باهان، وأنها تشتاق إليكِ يا إيلين. لكنها ما زالت تشعر بالأسف، لذا لم ترسل لكِ رسالةً بنفسها بعد.”
“لا يجب أن تشعر بالأسف هكذا……”
“هي شخصٌ صارم مع نفسها، وأعتقد أن شعورها بالامتنان لكِ هو ما يجعلها هكذا.”
“….…”
تابع فردين بهدوء،
“وأيضًا……لقد أشادت بعبقرية باهان في كشف المانا، وقالت إن قوة اكتشافه للمانا على مستوى عبقري. وهناك معلمٌ للسحر يريد أن يجعله تلميذًا لديه.”
ابتسمت إيلين بسعادة. فكلما كانت تسمع أخبار الأشخاص الذين غيّرت مصيرهم، كانت تشعر بحماس أكبر لتغيير المستقبل أكثر فأكثر.
______________________
هاعا يومس ماتدرين الي قدامس وش بيسوي 😭
أكره المؤلفه طيل ليه الآنسة أسيلي؟ مابعد شفت عيالها😔
جاني تبلد خلاص بأنتظر النهايه وعندي أمل أسيلي ذي ماتفطس ✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 91"