“فريدين…..هل كل شيءٍ على ما يرام؟”

 

“نعم، أنا أيضًا أنتبه للأمر.”

 

من مكانٍ بعيد قليلًا، كانت ليليا تحدق بالأخوين بابتسامةٍ غامضة.

 

لا يمكن معرفة ما الذي تفكر فيه، لكن ما هو مؤكد أن تلك الابتسامة ليست صادقة.

 

شعر ديريك بقشعريرةٍ تسري في جسده.

 

ذلك لأنه يعرف جيدًا، من خلال عدة مهامٍ سابقة، أن هذا هو بالضبط التعبير الذي ترتسمه ليليا عندما تكون غاضبةً بصدق.

 

“إيلين ليسيروس وليليا لا يمكن أن يكونا معًا. لا أعلم ما الذي تفكر فيه، لكن بعد انتهاء هذه المهمة، سيكون عليكَ أن تختار.”

 

“…….”

 

“مهما كان الوضع الآن، فإن ما حدث في الماضي لا يختفي. خصوصًا أنه لا يمكننا تجاهل الرأي العام المرتبط بها.”

 

عند كلمات ديريك، أغمض فريدين عينيه ببطء ثم فتحهما.

 

“وإن كان ذلك الماضي كذبًا…..فمن سيعوضنا عن ذلك؟”

 

“ماذا؟”

 

“هل سبق لكَ أن رأيت إيلين ليسيروس ترتكب أفعالًا شريرة بعينيكَ؟”

 

لم يستطع ديريك أن يفهم ما الذي يتحدث عنه فريدين.

 

“يُقال بأنه يوجد في قصر الماركيز ليسيروس طفلةٌ شريرة صغيرة.”

 

“بسبب تلك الفتاة، يُقال أن خدم بيت الماركيز يتغيرون كل يوم.”

 

أليست هذه هي القصة التي سمعوها دائمًا منذ أن كانوا صغارًا؟

 

حتى إن لم يهتموا، فقد سمعوا من الخادمات أو من والديهم عن مدى انحدار فتاةٍ في مثل أعمارهم.

 

لكن، ماذا لو لم تكن تلك القصص صحيحة، كما قال فيردين؟

 

ارتجفت يد ديريك قليلًا.

 

ماذا لو اتُّهِم هو نفسه بشيءٍ لم يفعله؟ وماذا لو تعرض لنظرات الاتهام من أشخاص مجهولين؟ هل كان سيتمكن من تحمّل ذلك؟

 

لا، تلك كانت قفزةً مبالغ فيها.

 

هكذا فكّر ديريك وهو يعيد تماسكه. 

 

لقد سمع فقط عن ما فعلته إيلين، بل والتقى شخصيًا بأحد ضحاياها. الشخص الذي جُرح بأكبر ذنب ارتكبته إيلين كان واقفًا أمامه، موجودًا في الواقع.

 

تجمد وجه ديريك بملامح قاسية.

 

“أكبر الضحايا الآن موجود هنا. هي…..قتلت شخصًا.”

 

“.……”

 

“لا يجب أن تقول هذا الكلام أمام ليليا.”

 

لكن فريدين لم يرد.

 

***

 

مر اليوم الأول واليوم الثاني دون حدوث أي شيءٍ يُذكر.

 

ظهر بين الحين والآخر بعض الوحوش، لكنها كانت مجرد وحوش صغيرة مثل العفاريت. و كان من السهل القضاء عليها حتى دون تدخل الفرسان، إذ تكفّل المتدربون وحدهم بالأمر.

 

في خضم ذلك، شعر كارون بشيءٍ غريب تجاه إيلين.

 

لم تكن قد قامت بشيء مميز. فالوضع لم يتطلب منها التدخل أصلًا، نظرًا لتفاهة الوحوش.

 

و ما أثار قلق كارون هو أن إيلين لم تُبدِ أي خوفٍ من الوحوش على الإطلاق.

 

لقد كان مستعدًا نفسيًا إلى حد ما. كان يتوقع أن تصرخ، أو تبكي، أو تتوسل للعودة إلى الأكاديمية، وكان مستعدًا للتعامل مع ذلك.

 

لكنها لم تقم بأيٍ من تلك التصرفات. بل على العكس، تصرفت كما لو كانت فارسةً متمرسة، تبحث عما يمكنها فعله وتقوم به.

 

عندما تظهر الوحوش، كانت تتراجع إلى مكانٍ لا يعيق الآخرين، وعند التخييم مساءً، كانت تساعد الطلاب الآخرين في إعداد الطعام.

 

لكن هذا هو ما بدا أغرب.

 

‘تطبخ؟’

 

كارون صُدم من تصرفات إيلين الماهرة.

 

‘حتى مهارتها في ركوب الخيل كذلك.’

 

إيلين لم تقم يومًا بأي شيءٍ في حياتها سوى تعلم ما يليق بسيدة نبيلة.

 

كانت زوجة أبيها تهتم كثيرًا بأن تكون الفتاة راقية كالأميرة، وحتى إيلين التي كانت تتمرد كثيرًا، كانت تطيع ذلك الكلام بصمت.

 

“الآنسة الراقية لا تقوم بأمورٍ كهذه. إيلين، أنتِ آنسة، أليس كذلك؟”

 

كلما حاولت أن تفعل شيئًا، كانت زوجة أبيها تظهر وتقول لها ذلك.

 

تذوق كارون الحساء الذي أعدّته إيلين، ثم تفاجأ من جديد.

 

‘إنه لذيذ!’

 

قيام إيلين بأشياء بيدها كان بالتأكيد أمرًا جيدًا.

 

لكن، هل من الممكن أن تكون جيدةً في شيءٍ لم تجربه من قبل في حياتها..…؟

 

ظل كارون يحدق في إيلين التي كانت تأكل الحساء الذي أعدّته باستمتاع.

 

“كيف هي الحياة في قسم فنون السيف..…؟”

 

“يمكنني التأقلم.”

 

“ألا تجدين صعوبةً في متابعة الدروس؟”

 

“أمم، ليس حقًا.”

 

تدريبات قسم فنون السيف كانت مشهورةً بصعوبتها.

 

وخاصةً أن إدوارد كان مدربًا معروفًا بجعل الطلاب يعانون كما لو كانوا كلابًا.

 

لذلك، لم يكن من المنطقي أن لا تجد إيلين الأمر صعبًا.

 

كارون بدأ يفقد إدراكه لمن تكون الشخص الجالس أمامه.

 

هل هي فعلًا إيلين التي يعرفها؟

 

ألم يدخل شخصٌ آخر إلى جسد شقيقته؟

 

“يبدو أن الطعام ينزل بسهولة في حلقك، أليس كذلك؟”

 

توقف كارون عن التفكير بسبب الصوت المتعجرف الذي سمعه فجأة.

 

فكما هو الحال دائمًا، كان لأخته الكثير من الأعداء.

 

أطلق كارون تنهيدةً طويلة. وعندما وجه نظره نحو مصدر الصوت، رأى آمون يحدق في إيلين بنظرةِ ازدراء.

 

من رد على الكلام كان كارون، حيث مال برأسه قليلًا ورد على آمون،

 

“وهل يُمنع الأكل أيضًا؟”

 

“لا، لنقل فقط أن معدتها قوية…..فهي وقحةٌ جدًا. قادرةٌ على الأكل أمام ليليا وكأن شيئًا لم يكن.”

 

“لا تفتعل المشاكل، يا سيد آمون.”

 

ضحك آمون ساخرًا من كلام كارون.

 

“بصراحة، أليس هذا هو الواقع؟ رؤية قاتلةٍ تعيش حياتها بشكلٍ طبيعي، بل وتتناول طعامها بشهية أمامي…..لا أستطيع التزام الصمت.”

 

“يُقال أن حتى الكلاب لا تُزعج أثناء الأكل…..لكن يبدو أن السيد آمون أقل من كلب.”

 

تجمد تعبير آمون عند كلمات كارون اللاذعة.

 

وفي لحظة، عمّ الصمت التام فرقة الصيد، وسط أجواءٍ متوترة.

 

حتى صوت ارتطام الأواني وحديث الناس اختفى كأن شيئًا لم يكن.

 

لو كان الوضع طبيعيًا، لكان كارون تجاهل الموقف.

 

لأن إيلين ارتكبت خطأً بالفعل. ومن يرتكب فعلًا يستحق اللوم، فعليه أن يتحمل عواقبه.

 

‘يمكنني أن أتفهم إلى حدٍ ما سبب تصرف آمون بهذه الطريقة.’

 

أعضاء فرقة فرسان فيردين الاحتياطية – باستثناء كارون – كانوا يدرسون في أكاديمية أتينس، وقد قضوا سنوات يعملون معًا.

 

أما ليليا وآمون، فقد خاضا العديد من مهمات الصيد والحراسة سويًا، ونجوا من عدة مواقف كادت تودي بحياتهم.

 

ومن هذا المنطلق، كان من الطبيعي أن يهاجم آمون إيلين بشدة وهو يفكر في مشاعر ليليا.

 

سادت أجواءٌ خانقة في فرقة الصيد. و بعض الفرسان الذين كانوا يراقبون بصمت أطلقوا صافراتٍ خفيفة.

 

شعر كارون بانزعاجٍ أكبر عندما رأى تعابير المتعة والاهتمام ترتسم على وجوه من حولهم.

 

لو كانت زوجة الماركيز هنا، لكانت أوقفته ومنعته من مواجهة آمون.

 

‘لأن ما فعلته إيلين كان خطأ، وعليكَ أن تتفهم ردود أفعال الآخرين.’

 

لكن كارون لم يرغب في فعل ذلك. و في الحقيقة، كان هكذا منذ أن كان صغيرًا جدًا.

 

حتى لو أخطأت إيلين، لم يكن يريد أن يلومها.

 

وإن كان لا بد من توجيه اللوم لها، فهو من يفعل ذلك، لا أحد غيره.

 

وضع كارون يده على سيفه، وكان آمون قد فعل الشيء ذاته.

 

ساد توترٌ شديد في الأجواء، وعندما كان آمون على وشك سحب سيفه…..

 

“آمون، توقف.”

 

أوقفه فريدين، ممسكًا بيده قبل أن يتمكن من سحب السيف.

 

نظر إليه آمون بصدمة، وكأن ما يحدث غير معقول، وارتجفت عيناه من الذهول.

 

“سموك فريدين، لا تقل لي أنكَ تقف الآن في صف تلك الشريرة؟”

 

***

 

إيلبن لم تكن تقاوم انتقادات الآخرين يومًا. و كانت دائمًا ما تستسلم بهدوء لمصيرها.

 

ما أدركته إيلين من خلال عيشها حياة إيلين ليسيروس وحياتها في العالم الحديث، هو أنه مهما صرخت، فلن يستمع لها أحد.

 

نظرت إيلين إلى آمون، وتذكرت الماضي.

 

“أنا…..أنا لم أقتله.”

 

لكن كان هناك فرقٌ واحد عما حدث سابقًا.

 

فمن وجّهوا اللوم لها في ذلك الوقت لم يكونوا شخصًا واحدًا مثل آمون، بل كانوا طلابًا مجهولي الهوية من قسم فنون السيف.

 

هؤلاء جرّوها خارج العربة وهي ترتجف من الخوف.

 

“أنا لم أقتل كاي…..لم أكن أنا من قتله.”

 

“قاتلة! حتى الكذب يجب أن يكون له حدود.”

 

“ألستِ تعرفين كم تعاني ليليا بسببكِ؟”

 

“وما المتوقع من فارسةٍ مزيفة مثلكِ؟”

 

تذكرت إيلين الكلمات التي قيلت لها آنذاك، ونظرت نحو فريدين.

 

حتى في الماضي…..كان هو من وقف في وجههم من أجلها.

 

بعد ذلك، وبعد أن استوعب الموقف متأخرًا، اندفع كارون نحوهم وفرقهم بعيدًا.

 

وإيران كانت تعلم تمامًا ما ترتب على ذلك.

 

فكلما وقف فريدين إلى جانبها، ساءت سمعته يومًا بعد يوم.

 

وكأن هناك من كان يتعمد تشويه صورته، فقد كان الأمر يتكرر دائمًا بهذا الشكل.

 

وبسبب هذه المهمة تحديدًا، فقد فريدين ثقة الفرسان به.

 

حتى الآن، كان وجه آمون وهو ينظر إلى فريدين ممتلئًا بالإحساس بالخيانة.

 

نظرت إيلين إلى الرجلين اللذين كانا يوقفان آمون.

 

كان هناك أمرٌ واحد لا يعرفانه. فهي لم تعد تلك الفتاة التي تختبئ خلف الآخرين بعد الآن.

 

في هذه الحياة، قررت أن تواجه الشدائد بنفسها، أكثر من أي شخصٍ آخر.

 

“سيد آمون.”

 

عند ندائها الهادئ، التفتت جميع الأنظار نحوها.

 

كانت خطوات إيلين بطيئةً في البداية، لكنها بدأت تتسارع شيئًا فشيئًا.

 

وفي لحظة، أصبحت واقفةً أمام آمون.

 

شعرت بنظرات فريدين، الواقف بجانبه، تتابعها بتعبيرٍ لم تستطع فهمه.

 

_________________

 

اشرحي لهم زي ماتشرح الدكتوره 

 

كارون يجنن عساه اول من يصدقها😔

 

Dana