***
في الوقت الذي كانت فيه إيلين تلتقي بالدوق أسيلي، كان ديتريون متوجهاً إلى العاصمة الإمبراطورية.
سأله الفارس المتقدم الذي كان بجانبه،
“سموك، ألا ينبغي لك أن تشهد نهاية كارون ليسيروس قبل أن ترحل؟”
“الكونت ليون سيتولى الأمر. كل شيء سيكون منتهياً قبل أن يصل الدوق أسيلي.”
الأمر قتل كارون كان قد صدر من ديتريون نفسه.
لم يبدُ على الإمبراطور أنه مهتم بمصير كارون ليسيروس. فقد رمق بعينيه المتقدتين وقال بازدراء: “افعل ما تشاء، مجرد خردة معطوبة.”
أما ديتريون، فلم يكن يهتم بكارون في الأصل.
لكنه أمر الكونت ليون بإعدامه وكأن الأمر صادر عن الإمبراطور، فقط لأنه كان فضولياً ليرى ردة فعل إيلين.
“ألا يثير فضولكَ، أيها الفارس؟”
“نعم؟”
“إيلبن قالت لي أن أترقب مجيئها، وطلبت أن أنتظرها.”
“لكنها لا تزال مسجونة على الأرجح.”
“صحيح، وليس لديها حتى القدرة على الخروج، ومع ذلك تقول لي ذلك، أليس مضحكاً؟”
“….…”
“ماذا سيحدث حين تمضي وقتها في السجن ثم تسمع بخبر شقيقها؟ كنت أود رؤية تعابير وجهها حينها.”
الفارس الواقف بجوار ديتريون سمع تلك الكلمات ولم يستطع إلا أن يعض على لسانه من الداخل.
رغم أنه سيده، إلا أنه كان إنساناً قاسياً بشكلٍ مذهل.
ولسبب ما، بدأ يشعر بالشفقة تجاه إيلين ليسيروس، التي لم يعرفها جيداً حتى.
“هل أبدو لك شيطاناً؟”
كادت ملامح الفارس أن تنكشف من وقع المفاجأة بسبب الكلمات المباغتة، لكنه بالكاد نجح في الحفاظ على ملامح وجهه بلا تعبير.
ابتسم ديتريون ابتسامةً خفيفة وهو يراقبه.
ثم رفع الفارس رأسه نحو السماء محاولاً طرد ذلك الشعور المخيف الذي تسلل إلى أعماقه.
***
في زمن بعيدٍ جداً، كانت إيلين تكنّ الاحترام للدوق أسيلي.
كانت تتذكّر نظرات الفرسان إليه كلما زار قصر الماركيز، كانت نظرات تنظر إلى إنسان أعظم من أي شخص في هذا العالم.
رونالد آسيلي العظيم. قدوة كل الفرسان.
حين كانت صغيرة، كان أحد أحلام إيلين أن تتعلم السيف يوماً ما وتحظى باعتراف ذلك الرجل.
كانت تعرف أن الدوق أسيلي كان يوليها اهتماماً خاصاً الآن.
نظرت نحو فرقة الفرسان الأولى. الفرقة التي يترأسها الدوق أسيلي، والتي تضم أفضل الفرسان.
تم اختيار أفرادها بعناية من نخبة فرسان الإمبراطورية. و لقد منحها الدوق الفرصة لإثبات براءتها أمامهم. لكي لا يُثار حولها المزيد من الجدل بعد الآن.
سألها الدوق وهو ينظر إليها،
“لماذا قتلتِ الكونت ليون؟”
“لأنه حاول قتل شقيقي.”
“مع علمه أنكِ سيدة السيف؟”
“نعم.”
“إذاً كان يستحق الموت.”
“….…”
“لكنني في وضعٍ لا يختلف عنه كثيراً. فقد صدر إليّ أمر إمبراطوري بقتلكِ.”
“فهمت.”
لمعت نظرةٌ غريبة في عيني الدوق أسيلي.
“تبدين أكثر تماسكاً مما توقعت.”
“لقد قررت التوقف عن الخوف من أشياء لم أفعلها.”
عندها، سألها الدوق أسيلي عن أمر لطالما راوده الفضول حياله،
“أنتِ مثيرةٌ للاهتمام فعلاً. هل تذكرين؟ حين كنتِ صغيرة التقينا ذات مرة. وقتها..…لم تكوني هكذا حينها.”
“لقد مر وقتٌ طويل منذ ذلك.”
“الزمن، هاه..…”
غرق الدوق أسيلي في التفكير للحظة، ثم سأل إيلين،
“هل حقاً لم تبدئي تعلم السيف إلا بعد دخولكِ إلى الأكاديمية؟”
“كلا، لقد بدأت التدريب على فنون السيف قبل وقت أطول مما تتصور يا سيدي الدوق.”
أمال الدوق رأسه إلى الجانب وقد بدت عليه علامات الاستغراب.
“هكذا إذاً…..قبل المبارزة، دعيني أطرح سؤالاً أخيراً. هل أنتِ من قضى على جموع الوحوش أثناء حملة القضاء على الوحوش؟”
صمتت إيلين للحظة. و رأت الفرسان يحدقون بها بترقب، و بعضهم كان يبدو عليه الشك بوضوح.
فجأة انتابها شعورٌ مكرر…..نفس النظرات التي تلقتها أول مرة دخلت فيها إلى أكاديمية أتينس.
رفعت إيلين رأسها بكل فخر، وأمسكت بسيفها بثبات.
“نعم. أنا من قضى على جموع الوحوش.”
***
كان فرسان الفرقة الأولى يراقبون المواجهة بين الدوق وإيلين ويديهم مشدودة.
وكانت عينا الفارس الأول بينهما تشتعلان بالحماس.
لكن ما قالته إيلين بعدها جعل الفرسان لا يملكون سوى الغضب منها.
“يا سيدي الدوق، لدي طلب.”
“…….”
“إذا تمكنت من مجاراتكَ في المبارزة، أو حتى الفوز عليك، أرجو أن تحقق لي أمنية.”
“اقتراحٌ ممتع بالفعل.”
“…….”
“موافق، سأقبل عرضكِ.”
أن تجاري الدوق أسيلي في القتال أو تهزمه؟ حتى وإن بلغت مرتبة سيدة السيف، فمثل هذا الكلام لا يُقال أمام أفضل فارس في الإمبراطورية.
“كيف تجرؤ على قول شيء كهذا!”
فقال الفارس الأول بصوت منخفض رداً على أحد أفراد الفرقة.
“لم يحن وقت الحكم بعد. الفارس يُثبت نفسه بمهاراته. إن أظهرت السيدة إيلين القوة اللازمة، فلا يحق لنا انتقادها.”
“….…”
“فلا يمكن الحكم على المهارة بالعمر.”
ساد الصمت بين أفراد الفرقة بعد كلمات الفارس الأول، وقد شعر بشيء من الفخر في تلك اللحظة.
‘ربما بدوتُ رائعاً قليلاً…..’
كان يشعر أن تقليده لسلوك الدوق أسيلي قد أتى بثماره.
لكن سرعان ما اعتدل في وقفته، وجعل ملامحه جدية وهو يراقب ما أمامه.
كانت المبارزة بين الدوق أسيلي وإيلين قد بدأت.
“هل هي حقاً سيدة سيف؟”
“من الصعب تصديق ذلك.”
“عندما كنت في عمرها، لم أكن حتى أجيد استخدام السيف بشكلٍ صحيح.”
تنهد فرسان الفرقة الأولى بدهشة. فقد بدت الهالة المضيئة على سيف إيلين واضحةً وقوية.
وقام الدوق أسيلي بدوره بتركيز المانا في سيفه، كما فعلت.
بصراحة، لم يتمكن الفارس الأول من متابعة مجريات القتال بدقة. و لم يستطع رؤية أي شيء بوضوح، سوى أن الدوق أسيلي كان يبتسم ابتسامةً عريضة.
‘حتى الكونت ليون لم يكن بهذا المستوى..…’
“رائعة بحق.”
كان هذا ما شعر به باقي الفرسان أيضاً. فقد كان كلاهما يتحرك بسرعة لا تُرى بالعين، ثم يبطئان فجأة حتى يكاد المرء يتخيل توقف الزمن.
كانت هناك لحظاتٌ تراجعت فيها إيلين، وأخرى تراجع فيها الدوق أسيلي.
وعندما وجهت إيلين لكمةً مذهلة إلى فك الدوق بسرعة خارقة، صُدم جميع الفرسان الذين كانوا يشاهدون.
لكن الدوق أسيلي لم يتراجع، فقد انحنى سيفه بطريقة غريبة وجرح ذراع إيلين بقطعٍ طويل.
تذكّر الفارس الأول اللحظة التي وُجّه فيها ذلك السيف نحوه، فشحب وجهه من الرعب.
ومضى الوقت، لا أحد يعلم كم مرّ بالضبط، لكن الفارس الأول أدرك شيئاً: أن الطلب الذي قدمته إيلين للدوق، سيتحقق فعلاً.
***
نظر الدوق إلى إيلين المستلقية على الأرض.
كانت هي من انهارت أولاً بسبب الإرهاق. لكن ذلك لم يكن بسبب ضعف مهارتها، بل فقط لأن جسدها كان أضعف من مستواها القتالي بكثير.
لو استخدمت المانا، لكان بوسعها تحريك جسدها بالقوة، لكنها لم تكن بحاجة للقيام بذلك في مجرد مبارزة.
لذلك توقف الاثنان عن المبارزة.
وكان الدوق يعبّر عن إعجابه بإخلاص. شعر بقشعريرة تسري في جسده وهو ينظر إلى إيلين.
“موهبة مذهلة…..هذه. …”
“….…”
“لا، لا. لا يمكن حتى أن أصفه بالموهبة. إنه أمرٌ غريب، السيدة إيلين. كلما تواجهنا بالسيف، أشعر بشيءٍ غير مألوف.”
“….…”
“يبدو وكأنكِ شخص تمرّس على القتال بالسيف لعشرات السنين على الأقل..…”
لم ترد إيلين، لأن كلماته لم تكن خاطئة تماماً.
أغمض الدوق عينيه للحظة، مستمتعاً بما بقي من أثر تلك المبارزة. ثم كانت إيلين أول من تحدث،
“هل تم إثبات أنني لم أستخدم السحر الأسود؟”
“لم أكن أصدق ذلك أصلاً. لا يمكن لأحد أن يصبح سيد سيف من خلال السحر الأسود.”
“….…”
“الحمقى الذين قالوا ذلك، على الأرجح لم يعرفوا أنكِ سيدة سيف، لذا أطلقوا عليكِ تلك التهمة السخيفة.”
تمتم الفارس الأول بكلمات “إهانة للعرش..…” بصوت منخفض عند سماعه لكلمات الدوق أسيلي.
أدخل الدوق سيفه في غمده، ثم نظر إلى إيلين وكأنه تذكر شيئاً مهماً،
“لا تقلقي بشأن قضية الكونت ليون، فحتى الإمبراطور لن يستطيع فرض عقوبة شديدة بسبب طبيعة القضية.”
حتى وإن كان الأمر مختلفاً، لم يكن الدوق ينوي إلحاق الأذى بإيلين.
“بالإضافة إلى ذلك، أنتِ سيدة سيف. بما أن الكونت ليون اختفى، فلا أعتقد أن الإمبراطورية ستضطهد سيدة سيف جديدة.”
“….…”
“يمكنكِ أن تذهبِ إلى القصر الإمبراطوري وتُعترَفي رسمياً.”
نظرت إيلين إلى الدوق أسيلي.
كان الدوق شخصاً قضى حياته في تحقيق أعلى مراتب السيف. علاوةً على ذلك، كان فارساً للإمبراطور.
رغم أنه كان محايداً، إلا أنه في الأساس كان شخصاً يتحرك وفقاً لأوامر الإمبراطور.
كان لديها سببٌ وجيه لطلبها منه قبل المبارزة.
“بما أنني قاتلتكَ بتساوٍ، أرجوكَ استمع إلى كلامي.”
____________________
بتقوله يساعدها؟ ايه بالله احسن لس ترا يساعدس
المهم وين الآنسه أسيلي قولو لها لاعاد تقول شي عن المستقبل مابيها تفطس 😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 89"