قال الكونت ليون ذلك واقترب من كارون الذي كان ملقى على الأرض لينهي مهمته.
صحيحٌ أن فريدين لم يسقط بعد، لكنه على أية حال لن يستطيع أن يمسّه ولو بأطراف أصابعه.
‘كل ما عليّ فعله هو التخلص من كارون ليسيروس.’
فكّر الكونت ليون بذلك بينما كان يرفع سيفه.
***
كان فريدين يحاول أن يفهم ما قالته الآنسة أسيلي.
حتى أثناء قتاله مع الكونت ليون، كان الأمر كذلك. فلا بد أن في كلامها يكمن الجواب.
الآنسة قد رأت المستقبل، وفي النهاية توصّلت إلى نتيجةٍ لا يموت فيها أحد. و كان ذلك مستقبلاً أرادت أن تخبره به حتى وإن كلفها ذلك حياتها.
لكن فريدين لم يستطع تفسير كلماتها حتى سقط جميع أفراد فرقة الفرسان المتدربين لديه.
ولم يتبق له سوى خيارٍ واحد يمكنه فعله. أن يصمد بكل ما أوتي من قوة.
عليه أن يماطل وحده حتى تأتي إيلين.
‘أنا لست نداً له.’
كان يعلم هذه الحقيقة جيدًا. فصحيحٌ أنه بلغ مرتبة فارس متقدم، لكنه لم يكن سيد السيف.
لكن في اللحظة التي همّ فيها الكونت ليون بتوجيه سيفه نحو كارون، شعر فريدين وكأن الوقت يسير ببطء.
وفي تلك اللحظة رأى امرأةً تلوّح بسيفها.
عشرات المرات، مئات المرات. يداها تنفجران، والدم يسيل، ورغم تعبها لم تتوقف.
وأثناء تأرجحها بسيفها، انفجرت باكيةً وكأن في قلبها حزنًا عميقًا لا يُحتمل.
ورغم أنها كانت امرأةً يراها لأول مرة، شعر بألمٍ غريب يعتصر قلبه عندما رآها.
رفع فريدين سيفه وكأنه مسحور. و في تلك اللحظة، شعر وكأنه يستطيع تقليد ضربات السيف التي وجهتها تلك المرأة.
وانساب سيفه كما ينساب الماء ليخترق يد الكونت ليون.
“آخ!”
تشوّه وجه الكونت ليون بالغضب.
‘كيف حدث هذا؟’
لم يستطع الكونت ليون قراءة حركته. و لم يستوعب كيف تمكّن فريدين ليكسيا من مهاجمته.
كان الغضب يملأه حتى رأسه.
لم يكن الكونت ليون ينوي القتال مع فريدين في الأصل. كان يعلم برغبة الإمبراطور في قتله، لكنه لم يتلقَ أمراً مباشراً بذلك، وإن تجرأ على إيذاء الأمير الثاني من تلقاء نفسه، فقد تتلطخ سمعته.
لكن حين هاجمه فريدين، تغيّر قراره.
كان واثقًا أن الإمبراطور لن يكترث إن أصيب الأمير الثاني أثناء تطهير السحر الأسود، بل ربما سيسرّه ذلك.
في تلك اللحظة، تحدّث فريدين بهدوء موجّهًا كلامه إلى الكونت ليون.
“إن أردت قتل فرساني، فعليكَ أن تقتلني أولًا.”
تفحّص الكونت ليون حال يده، ثم ردّ على فريدين بغضبٍ شديد.
“حتى لو لم أقتلكَ، سأجعلكَ عاجزًا.”
***
“السيدة إيلين، من هذا الاتجاه!”
بمجرد دخولها غابة الغرب، بدأت حواس إيلين تلتقط موقع فرقة الفرسان. و لا بد أن فريدين وفرسانه المتدربين موجودون هناك أيضًا.
أسرعت بخطاها. كان هناك شعورٌ مشؤوم يتسلل إلى قلبها.
‘هل سيكون الجميع بخير؟’
ساد الحزن وجه إيلين. و كانت أسوأ السيناريوهات تدور في رأسها.
ماذا لو، عندما تصل إلى هناك…..كانوا جميعًا قد ماتوا بالفعل؟
لم تستطع تخيل ما ستكون عليه حينها. هل ستبقى إنسانة؟ هل ستستطيع الحفاظ على عقلها؟
منذ تلك اللحظة التي قابلت فيها ديتريون في ساحة التدريب، والغضب كان يملأ حنجرتها حتى أعماقها.
وأخيرًا، وصلوا إلى الساحة المفتوحة في وسط الغابة. حينها، صرخ ديريك، الذي كان بجانب إيلين، بصوتٍ مرتجف،
“فربدين!”
كان كارون ملقى على الأرض، وأمون قد أصيب بجراح خطيرة في بطنه. أما هيليكس، فبدا وكأنه فقد وعيه، لكنه لم يكن في خطر يهدد حياته.
عينَا إيلين توجهتا نحو الكونت ليون. كان سيفه موجّهًا إلى فريدين. بينما كان فربدين، الملطخ بالدماء، ممسكًا بسيفه ليحمي فرسانه.
“إيلين ليسيروس؟”
شعر الكونت ليون بنظراتها نحوه. و إيلين لم تعد تصبر.
“أنزل سيفكَ…..قبل أن أقتلكَ.”
“ماذا؟”
لم يصدق الكونت ليون ما سمعه.
كان هذا اليوم أكثر الأيام التي تلقى فيها إهاناتٍ منذ أن أصبح سيدًا للسيف.
كلمات آمون كانت مثيرة للسخرية، لكن إيلين كانت قد تجاوزت كل حدود الأدب.
“هذا سخيف. هل أصيبتم جميعًا بالجنون؟”
في تلك اللحظة، استدار رأس فريدين ببطء. و تمكّنت إيلين من إدراك أنه قد بلغ أقصى حدود تحمّله.
أسرع ديريك نحو فريدين ليسنده، وسرعان ما أجلسه على الأرض.
كان تنفس فريدين ثقيلاً ومضطربًا.
“أمون مصاب..…”
دخل ديريك في حالةٍ من الذعر. و كان يحتضن فريدين ويداه ترتجفان بشدة.
“تباً، فريدين، أنتَ أيضًا مصاب…..أنا الآن…..آه، بحق، أنا..…”
أشار له فريدين بيده، فأومأ ديريك برأسه وتوجّه نحو آمون.
استدار فريدين برأسه وهو مستلقٍ. و وسط رؤيته المتذبذبة، رأى إيلين.
“إيلين..…”
لكنه لم يستطع إكمال حديثه، وفقد وعيه.
أما الكونت ليون، فتركهم وشأنهم. فقد أصبح تركيزه منصبًا على إيلين.
خطوة تلو أخرى، اقتربت إيلين من فريدين. ثم انحنت ببطء، ووضعت أذنها على صدره.
شعرت بنبض قلبه، ينبض بوضوح.
‘إنه بخير.’
‘لا يزال حيًّا.’
‘لم يمت.’
‘كل شيءٍ سيكون على ما يرام.’
كانت إيلين تكرر تلك الكلمات في رأسها بلا توقف. و لو لم تفعل ذلك، لما استطاعت كبح نية القتل التي كانت تتصاعد بداخلها.
كانت تشعر حقًا وكأنها ستتحول إلى وحش.
نظر الكونت ليون إليها وهز رأسه. فمن وجهة نظره، لم تكن سوى طالبةٍ مبتدئة دخلت لتوها الصف المتقدم في الأكاديمية.
صحيحٌ أنها موهوبة، وقد أراد أن يرى شيئًا من مهاراتها، لكن أن توجه إليه هذا النوع من الوقاحة؟ لم يكن يتخيل ذلك مطلقًا.
قالوا أنها نشأت مدللةً في كنف الماركيز ليسيروس، فلا عجب أن تكون سيئة الخلق.
نقر لسانه بصوتٍ خافت.
“هل أصبحتِ مغرورةً فقط لأن السيف اختاركِ؟ يُقال أن الماركيز ليسيروس فشل في تربية أولاده، ويبدو أن هناك سببًا لذلك فعلاً.”
“….…”
“لطالما كرهتُ عائلة ليسيروس. كنت أعلم أن أمثالكم، الذين يعتمدون فقط على الموهبة، سينتهون بهذا الشكل يومًا ما.”
“….…”
“يا لكِ من فتاةٍ مغرورة…..هناك أشياءٌ في هذا العالم لا يمكن للموهبة وحدها أن تحققها.”
عند سماع هذه الكلمات، رفعت إيلين رأسها من على صدر فريدين، حيث كانت تصغي إلى دقات قلبه.
“أنتَ تعرف ذلك جيدًا، أليس كذلك؟”
أمال الكونت ليون رأسه مستغربًا من كلماتها.
“أولئك الذين لجأوا إلى السحر الأسود الذي تتحدث عنه…..لم يصل أيٌّ منهم إلى مرتبة سيد السيف في النهاية.”
“صحيح، فبلوغ مرتبة سيد السيف يعني دخول عالمٍ من الإدراك. ومن تجرأ على استخدام الطرق الملتوية لن يصل إليه أبدًا!”
قال الكونت ليون ذلك وهو يرفع سيفه. و كانت هالة مانا خفيفة تتجمع على نصله.
الأورا، رمز سيد السيف.
ذلك الضوء المتلألئ أثار الإعجاب في عيون أعضاء فرقة الفرسان الثانية الذين كانوا يشاهدونه.
ابتسم الكونت ليون برضًا.
‘هكذا يجب أن تكون النظرات الطبيعية.’
فكّر بذلك وهو يحدق بإيلين. لكن نظرتها نحو سيفه كانت باردة، خاليةً من أي انفعال.
انزعج الكونت من تلك النظرة وقطّب حاجبيه.
‘حسناً، من لا يعرف قيمة الأشياء لا يدرك عظمة الأورا.’
حينها، فتحت إيلين شفتيها وهي تنظر إليه بهدوء،
“هل واصلت التمرين حتى بعد أن أصبحت سيدًا للسيف؟”
“…..ماذا؟”
شعر الكونت ليون بالدهشة من سؤالها.
فمنذ أن أصبح سيدًا للسيف، لم يواصل صقل مهاراته في المبارزة. لأنه كان يظن أنه بلغ القمة، وألا شيء أعلى من ذلك.
ففي الإمبراطورية، لم يكن هناك من هو أقوى منه سوى الدوق أسيلي، بالكاد.
لم يكن هناك من يمكنه تجاوزه بعد، ولا أحد يمكن أن يتفوق عليه.
أما الدوق أسيلي، فقد كان منذ البداية كائنًا خارج حدود المعايير. و الكونت ليون كان يعتقد أن من الأفضل تجنّب الوحوش أمثاله.
لم يجب على سؤال إيلين، لأنه رآه عديم القيمة ولا يستحق الرد.
“على كل حال، يا لكِ من متعجرفة..…”
لكن قبل أن يكمل جملته، أغلق فمه فجأة. و فتح عينيه على اتساعهما وكأنه لا يصدق ما يرى، ثم انفتح فمه بذهول.
إيلين كانت قد وقفت ورفعت سيفها.
توجّهت نظراته نحو السيف الذي تمسكه بيدها. ولم يكن هو وحده من يحدّق به، بل كل من كان حاضرًا في المكان كان يراقب سيفها.
تجمّعت المانا على سيف إيلين، ثم بدأت تتصاعد على يدها وتغمر جسدها بالكامل.
تمتم الكونت ليون بصوت مذهول.
“سيدة…..سيدة سيف؟”
لكن، هل يعقل ذلك؟
نظر إلى وجهها. وجه شابةٍ بالكاد بلغت سن الرشد، صغيرةٌ لدرجة لا تصدَّق.
لقد جعلت المانا التي تنبعث من وجهها وتثبت أنها سيدة السيف، الشعور بالتباين واضحًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 85"