لا يمكن أن يكون والدي قد فعل ذلك أبداً، لا بد أن أحدهم قد لفّق له الأمر…..
‘أيعقل أن يكون الإمبراطور..…؟’
هزّ كارون رأسه. لم يرد تخيّل سيناريو بهذا السوء.
ما السبب الذي قد يدفع الإمبراطور لفعل شيء كهذا؟
لقد كان محبوساً في غرفته داخل الأكاديمية منذ صباح اليوم. و كانت هذه أول مرة في حياته يتعرض فيها لمعاملةٍ كهذه.
رأى الفرسان من حوله ينظرون إليه بازدراء. رغم أنه كان يستطيع أن يضع يده على صدره ويقسم. بأنه بريء تماماً.
‘تُرى، هل هذا ما شعرت به أختي؟’
وفجأة، شعر بضيقٍ في صدره.
فإذا كانت هذه التجربة القصيرة بهذا السوء، فلا بد أن إيلين كانت تعيش ذلك بشكلٍ يومي.
بينما كان كارون غارقاً في اليأس، ظهر الكونت ليون مجدداً على رأس فرقة الفرسان الثانية.
“كارون ليسِيروس، بأمرٍ إمبراطوري. سنقوم بإعدامكَ.”
***
الكونت ليون كان يكره الماركيز ليسِيروس منذ البداية. وبشكلٍ أدق، كان يكره تلك الموهبة اللامعقولة التي توارثتها عائلة الماركيز ليسِيروس.
أليس في الأمر ظلمٌ إذا فكّرنا فيه؟
الكونت ليون قضى عشرات السنين في التدريب ليصبح سيد السيف، وتجاوز ما لا يُحصى من مواقف الحياة والموت. لقد كانت مرتبةً بلغها بشق الأنفس.
ومع ذلك، فإن اختيار السيف لعائلة الماركيز كان يبرر كل شيء تحت مسمى “الموهبة”. و لقد كان يرى في ذلك ظلماً بيّناً.
‘يبدو أنه لم يعد هناك شيءٌ اسمه اختيار السيف بعد الآن.’
نظر إلى كارون المقيّد أمامه.
كان تكوين جسده من النظرة الأولى ممتازاً بوضوح. ولو لم يمت هنا، واستمر في صقل سيفه، لكان بوسعه على الأقل أن يبلغ مرتبة الفارس المتقدم.
لكن….هذا هو الحد.
وبينما كان الكونت ليون يفكر بتلك الطريقة، سحب سيفه من غمده. بينما كان كارون راكعاً أمامه ينتظر الموت، ومع ذلك كانت نظرات عينيه لا تزال مشتعلة.
‘يا له من وقح.’
نظراته كانت مزعجة، تماماً كما يُتوقع من أحد أبناء عائلة ليسِيروس.
لكن حتى تلك النظرات، لن تدوم طويلاً.
“بأمر الإمبراطور، سأقوم بإعدامكَ.”
رفع الكونت ليون سيفه. ولو لم يسمع صوت فريدين في تلك اللحظة، لكان السيف قد هبط بالفعل على عنق كارون.
“توقف، يا كونت ليون.”
أدار الكونت ليون نظره. فرأى فريدين مع فرقة فرسانه.
وبينما كان ينظر إليهم وهم يحملون سيوفهم، مال برأسه جانباً متسائلاً،
“سمو الأمير فريدين، ما معنى حملكم للسلاح؟”
“كارون ليسِيروس هو فارسي. أرجوكَ، أطلق سراحه.”
“سموك، ما تفعله الآن يُعد خيانة.”
“خيانة، أتقول خيانة..…؟”
تشنّج وجه فريدين. ولم يرفع عينيه عن كارون.
“سموك، ألم تسر الأمور على ما يرام حتى الآن؟”
“…….”
“لو عشتَ كأنك ميت، لكنتَ على الأقل حافظت على حياتكَ..…”
عند كلمات الكونت ليون، انفجر آمون غاضباً،
“كفّ عن هذا الهراء.”
“أيها الوقح، بلغ بكَ التجرؤ حدّه. كنت أنوي ترككَ حيّاً مراعاةً للدوق هيدور.”
“ومن قال أنني أريد منك الرحمة؟ إن أردت قتلي، فافعل ذلك. و لو كنتُ مكاني، هل كنت ستقف صامتاً بينما يُهان سيّدكَ؟”
هيليكس، الواقف إلى جانب آمون، أومأ برأسه موافقاً دون أن ينبس بكلمة.
“هل تشتاق حقاً للموت، يا آمون هيدور؟”
كان الكونت ليون يشعر بالريبة وهو يراقبهم. فمنذ أن أصبح سيد السيف، لم يُهنه أحد بهذه الطريقة من قبل.
بدأت المانا تتصاعد بهدوءٍ من جسده.
“أمر مسلٍّ….هل تحاولون استفزازي فقط لكسب الوقت؟”
ابتسم الكونت ليون.
“سمعت أن الدوق أسيلي في طريقه إلى هنا.
لكن، سمو الأمير، فرسانكَ لن ينجون حتى وصوله.”
“…….”
“وفوق ذلك، إنه قادمٌ لنفس الغرض الذي أتيت من أجله. هل تعتقد أن من يزعم التزام الحياد قادرٌ على رفض أمرٍ إمبراطوري؟”
“كلامك طال كثيراً، يا كونت ليون.”
تشنّج وجه الكونت ليون.
وبمجرد أن أنهى فيردين كلامه، تحرّك هيليكس وآمون.
***
“اذهب إلى السجن، وبلغ السيدة إيلين بهذا. أخبرها أن السيد كارون في خطر. سأحاول إيقافهم أولاً، سأنتظرها. واجمع فرسان الصف الأول وعُد معهم.”
كان ديريك يركض.
فمنذ أن سمع بأن كارون، الذي كان محتجزاً في غرفته، قد تم اقتياده من قبل الكونت ليون، أمر فيردين على الفور بجمع فرقة الفرسان.
ثم ترك تلك الرسالة فقط لديريك، واختفى مع الآخرين.
لم يستطع ديريك فهم ما قصده فريدين. فالسجن الذي تُحتجز فيه إيلين كان خاضعاً لحراسة فرقة الفرسان الثانية التابعة للكونت ليون.
وفوق ذلك، كانت القضبان مصنوعةً من حجر خاص يتحكم في المانا، ما يعني أن لا أحد يستطيع الهرب منه ما لم يكن سيد سيف.
إحضار إيلين من ذلك المكان إلى فريدين كان أقرب للمستحيل.
نظر ديريك إلى جانبه. و كان برفقته طلاب الصف الأول، بوجوهٍ يكسوها الحيرة.
ابتسم ديريك بسخرية وهو يحدّق بهم.
فبمجرد أن قال إن إيلين بحاجة إلى المساعدة، تقدّم فيليب والبقية خلفه دون أي تردد.
“إن كانت السيدة إيلين تحتاج إلينا، فسنذهب دون نقاش.”
“بالضبط، لقد كانت تتدرب معنا طوال هذا الوقت. حان الوقت لرد الجميل.”
أغلق ديريك فمه بوجهٍ يملؤه القلق.
حتى بعد أن شرح لهم أن الأمر في غاية الخطورة، ردوا بأن هذا يجعلهم أكثر تصميماً على الذهاب.
كان ممتناً لمشاعرهم، لكنه كان في غاية الاضطراب. فحتى لو ذهب مع هؤلاء الفرسان المبتدئين وأحضر إيلين، من الصعب تخيل أن الأمور ستتغير فعلاً.
فما دام الدوق أسيلي لم يصل إلى الأكاديمية بعد، فلا أحد قادرٌ على الوقوف في وجه الكونت ليون.
‘لو أن الدوق أسيلي كان هنا فقط.…’
لو كان هنا، لكان بالإمكان كسب بعض الوقت. لكن الإمبراطور أرسل الكونت ليون إلى الأكاديمية أولاً.
وفي النهاية، لم يعد هناك ما يمكنهم فعله. و كل ما يمكن فعله الآن هو تنفيذ الأوامر العاجلة.
بدأ القلق يتسلل إلى قلب ديريك. وكأنه يُدفع ببطء نحو حافة الهاوية وسط ظلام دامس.
‘ألن ينتهي الأمر بموت كارون، وتصبح حياة بقية الفرسان المتدربين في خطر أيضاً…..؟’
ورغم ذلك، استمر ديريك في الركض. لابد أن لطلب فريدين بإحضار إيلين سبباً ما.
تمنى بكل قلبه أن تتمكن إيلين من قلب الموازين في هذا الوضع.
“إيلين ليسِيروس قد اختفت!”
“ابحثوا عنها!”
كان صوت الفرسان يعلو وهم يبحثون عن إيلين. فتوقف ديريك في مكانه مذهولاً من الموقف الذي لم يستطع فهمه.
“سيد ديريك.”
لكنه جَمُد في مكانه عندما سمع صوتاً خلفه. فقد كانت إيلين واقفةً هناك.
أمال ديريك رأسه باستغراب.
الجو المحيط بإيلين أمامه كان مختلفاً تماماً عن إيلين التي يعرفها. فمجرد الوقوف أمامها كان كفيلاً ببثّ رهبة لا تُوصف.
وعيناها الجافتان بتلك الطريقة….هل يعقل أنها نفس الفتاة التي كانت تضحك وتتحدث مع فرسان الفصيل منذ وقتٍ قريب؟
لا، هل هذه أمامه حقاً هي إيلين؟
ويبدو أن ذلك الشعور الغريب لم يقتصر على ديريك وحده. لحتى طلاب الصف الأول الذين كانوا يقتربون منها لمحاورتها، توقفوا فجأة واكتفوا بالتحديق فيها بصمت.
“إيـ، إيلين..…”
وبينما كان ديريك وطلاب الصف الأول يلهثون من التعب، خفّت هالة إيدين فجأة وكأنها تنبّهت إلى شيء ما. عندها فقط استطاع ديريك أن يلتقط أنفاسه بشكل طبيعي.
“سيدة إيلين، ما الذي..…”
كان على وشك أن يسألها: كيف وصلتِ إلى هنا؟ و ماذا حدث لفرقة الفرسان الثانية التي كانت تحرسكِ؟
ولماذا تقفين أمامي والدماء تغطيكِ؟ ماذا جرى بحق؟
لكن ديريك لم يتمكن من إكمال سؤاله.
“اصطحبوني إلى سموه فريدين.”
عند كلمات إيلين، تجمّد وجه ديريك. فقد بدت وكأنها تعرف تماماً ما الذي ذهب فريدين لفعله.
فتح ديريك فمه متردداً.
“سموه فريدين ذهب الآن لمواجهة الكونت ليون. قال أنه سيحاول كسب الوقت.”
“…….”
“قال أنه سيحمي السيد كارون حتى وصولكِ…..لكن، سيدة إيلين، أنا حقاً لا أفهم.”
“…….”
“هل سيتغير شيءٌ حقاً بذهابكِ؟”
كان ديريك يعلم جيداً أن الوضع لا يحتمل التأخير. ورغم أنه يتحرك بأمر من فيردين، إلا أن جهله بما سيحدث جعله يشعر بخوف شديدٍ من المستقبل.
هل يمكن لذهاب إيلين أن يغير شيئاً فعلاً؟
بل كان يخشى أن تلقى حتفها أيضاً.
كان مستعداً للموت في سبيل حماية فريدين، لكنه لم يظن أن الأمر يستحق إن كانت إيلين هي من ستُضحّي.
‘هل أنا من يقودكِ إلى الموت؟’
نظرت إيلين مباشرة في عيني ديريك. وقد قرأت فيهما القلق بوضوح.
فهو، حتى وهو يطرح سؤاله، كان يائساً. و يسألها كما لو كان يتمسك بقشةٍ في وسط الغرق.
ولعلها كانت مثله ذات يوم. تتمنى معجزة، وتحمل أملاً في أن يتغير الوضع…..
رفعت إيلين سيفها في يدها. كان إظهار أفعالها أسرع من الكلام.
___________________
يمه يمتين
الكونت ليون زفت حقير
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 83"