“ربما تغيّرُ لون الجوهرة في الوقت الذي التقيتُ فيه بالسيدة إيلين مجددًا لم يكن إلا نوعًا من الأقدار.”
قال فريدين ذلك مبتسمًا ابتسامةً خفيفة.
نظرت إيلين إلى العقد الذي كانت تمسكه بيدها.
كان عقداً بسيط تتدلى منه جوهرةٌ خضراء باهتة. لكن في عينيها، بدا أجمل من أي شيءٍ آخر.
***
ذلك المساء. ما إن حلّ الظلام حتى فتحت إيلين عينيها. و تفقدت من حولها بحذر.
عدد الفرسان الذين يحرسون أمام السجن كان عشرة. وكان هناك أيضًا فرسانٌ خارج السجن يراقبون داخل الأكاديمية.
هؤلاء الفرسان كانوا من الفيلق الثاني للكونت ليون، الذي رأته سابقًا.
‘يبدو أن الكونت ليون ليس من بينهم.’
نظرت إيلين إلى القضبان المصنوعة من حجر التحكم بالمانا.
كانت القضبان متينة، لكنها لم تكن صلبةً لدرجة لا يمكن ثنيها بالقوة.
أمسكت بالقضبان دون تردد. لو رآها أحد الفرسان لفزع من فعلتها.
أن تمسك بقضبان مصنوعةٍ من حجر التحكم بالمانا بيديكِ العاريتين؟!
فعند ملامسة حجر التحكم بالمانا، يتم امتصاص المانا من الجسد على الفور. ولذا، فإن لم يكن الشخص فارسًا من رتبة “سيد السيف”، فمن شبه المستحيل أن يلمس حجر التحكم بالمانا.
لكن تصرف إيلين لم يتوقف عند إمساك القضبان. بل بدأت تضخ المانا في يديها. لم يعد لوجودها في هذا المكان أي معنى.
خرجت إيلين من الزنزانة ومضت تمشي مباشرةً. و الفارس الذي كان يغفو فتح عينيه مصعوقًا عندما رآها، وحاول أن يصرخ.
“هاه…..هاه، من..…!”
تمكنت إيلين من شلّ حركته بإيماءةٍ بسيطة. لكن هذا الفارس لم يكن سوى البداية.
رأت إيلين سيفًا معلّقًا على خصر الفارس المغشي عليه، فرفعته بطبيعية. و لسببٍ ما، بدا السيف ثقيلًا في يدها، تمامًا كما شعرت به أول مرة أمسكت فيه سيفًا عند قدومها إلى الأكاديمية.
كان أمرًا غريبًا.
وبينما كانت تمسك بالسيف، مشت خارجةً من السجن.
“من هناك؟”
“إيلين ليسَيروس؟ كيف خرجتِ؟!”
ما إن خرجت من هناك حتى سمعت صرخات الفرسان المذعورين. لكن، رغم اضطراب خصومها، بقيت إيلين هادئة تمامًا.
أمسكت بالعقد المعلّق حول عنقها. و ربما كان مجرد شعور، لكنها أحست بدفءٍ يملأ قلبها.
كانت مواجهة واحدة ضد عددٍ كبير، وكان خصمها هو الفيلق الثاني—وهو أحد أكثر الفرق نخبةً في الإمبراطورية، لا ينضم إليه إلا نخبة النخبة.
“إن لم تجيبي، سنقتلكِ!”
ردت إيلين بهدوء، مسددةً الضربة الأولى بسيفها.
تششاانغ!
صدر صوتٌ صافٍ بينما انكسر سيف الفارس الذي كان يهمّ بضربها إلى نصفين. فارتسمت على وجهه ملامح الذهول.
“مـ…..ما هذا؟”
“هل كان صحيحًا أنها استخدمت السحر الأسود؟”
“انسوا أمر الإمساك بها حيّة، اقتلوها!”
بدأ عددٌ من الفرسان بتنظيم صفوفهم لمواجهتها. فأمسكت إيلين بسيفها في صمت.
فيلق الفرسان الثاني لم يكن ندًا لها. و لم يكن أحد قادرًا على مواجهتها إلا فارسٌ من رتبة “سيد السيف” على الأقل.
راحت مانا غريبة تتصاعد من سيف إيلين. وبينما كانت المانا تتوهج من سيفها ومن جسدها بالكامل، بدأ الفرسان يتراجعون إلى الخلف. و فقدوا إرادة القتال في لحظة.
“هل هي سيدة السيف؟”
“لا، لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا!”
“لا بد أنها تستخدم سحرًا محرمًا…..فقط فكّروا في عمر إيلين ليسَيروس، هذا مستحيلٌ تمامًا!”
راح الفيلق الثاني ينكر الواقع، لكن رغم ذلك، لم يجرؤ أحدٌ منهم على الاقتراب منها، وتراجعوا مترددين.
كان من السهل التعامل مع أعداء فقدوا إرادة القتال. ففي كل مرة تلوّح فيها إيلين بسيفها، كان هناك سيف يتحطم.
بعض الفرسان حاولوا الفرار، لكن سرعان ما تلقوا ضربةً على مؤخرة عنقهم وسقطوا مغشيًا عليهم.
بدأت إيلين تركض دون تردد. و كانت تلفّ ساقيها بالمانا أثناء الركض، مما جعلها تشبه وحشًا بريًا في اندفاعها.
كانت تنوي التوجه مباشرةً إلى قصر عائلة ليسَيروس. وكانت ستفعل ذلك لولا أنها صادفت الآنسة أسيلي في طريقها.
“السيدة إيلين.”
نظرت إيلين إلى الآنسة التي وقفت أمامها.
رغم أنها حرصت على شلّ حركة الفرسان دون إصابتهم بجروح خطيرة، إلا أنها لم تستطع تجنب إصابتهم بالكامل.
مرّت يدها على خدها، ثم نظرت إلى راحة يدها، فوجدت عليها دمًا.
استطاعت أن تتخيل كيف تبدو في عيني الآنسة. لابد أنها لا تختلف كثيرًا عن وحشٍ يفتك بالبشر.
“آنسة أسيلي، من فضلكِ، تنحي جانبًا.”
عندما قالت ذلك، انعوج وجه الآنسة وكأنها على وشك البكاء. و حاولت أن تحبس دموعها قدر الإمكان، لكنها لم تستطع، وانهمرت بالبكاء.
إيلين لم تستطع الاقتراب منها، واكتفت بالنظر إليها بصمت.
“السيدة إيلين…..شكرًا لكِ. هذا ما أردت قوله منذ فترة.”
لم تفهم إيلين معنى كلماتها. لكن الآنسة ابتسمت بأسى وتابعت حديثها.
“عندما كنا نواجه الوحوش…..لقد حميتني حتى بعد أن أصبتِ.”
قبضت الآنسة أسيلي على قبضتيها بقوة. و كانت عيناها ترتجفان بخفة.
“كنت أرغب في قول ذلك كلما رأيتكِ…..شكرًا لإنقاذكِ حياتي. كانت تلك الحياة من المفترض أن تنتهي في ذلك اليوم..…أنتِ شخصٌ طيب حقًا.”
أنقذت إيلين حياة الآنسة أسيلي في الماضي. ومنذ أن رأت في حلمها ذلك المشهد، أرادت الآنسة دومًا أن تردّ لإيلين الجميل.
أرادت أن تقول لها: “حين تهزّكِ الوحدة، سأكون دومًا إلى جانبكِ.”
و أرادت أن تقول لها: “أنتِ إنسانةٌ طيبة حقًا، وبفضلكِ ما زلتُ على قيد الحياة. وإن كنتُ قادرةً على مساعدتكِ يومًا، فسأفعل ذلك بكل سرور.”
وأدركت أن هذا هو الوقت الذي كانت تتمناه.
“كح….”
تقيأت الآنسة دمًا. و أرادت إيلين أن تركض نحوها، لكن الآنسة هزت رأسها مانعةً إياها.
لقد رأت قبل أن تأتي إلى هذا المكان، وبفضل ذلك، عرفت أن إيلين ستحاول الهرب في هذا الوقت.
وكانت تؤمن أن السبب في رؤيتها لذلك المشهد يعود إلى إيلين.
“الكونت ليون ينوي قتل السيد كارون.”
“….…”
“رهينةٌ واحدة تكفي بالنسبة له.”
كلما تكلمت، شعرت أن حالتها تسوء أكثر. فقد كانت تدفع ثمن إفشاءها للمستقبل.
“فريدين والفرسان ذهبوا لإيقافه، لكنهم وحدهم لا يكفون.”
“هل يمكنكِ إخباري بالموقع؟”
“اذهبي إلى غابة الأكاديمية الغربية.”
وبعد أن قالت ذلك، سقطت الآنسة على الأرض منهكة.
وعندما حاولت إيلين الاقتراب منها لمساعدتها، هزّت رأسها رافضة.
“أسرعي، واذهبي لإنقاذ من تحبينهم.”
***
لم يكن كارون قادرًا على فهم ما يجري.
فجأة، جاء فيلق الفرسان الثاني وأغلقوا عليه باب الغرفة، ثم اقتادوه قسرًا إلى مكانٍ ما.
“ما الذي تفعلونه؟! ما سبب هذا؟!”
سألهم، لكن الفرسان لم يجيبوه.
رغم أن كارون كان يتدرب بجد في الفترة الأخيرة، إلا أنه ما زال مجرد طالب في قسم فنون السيف. ولم يكن من الممكن له أن يواجه الفيلق الثاني، الذي يضم نخبة فرسان الإمبراطورية.
وفوق ذلك، لم يكن في المكان فقط فرسان الفيلق. بل كان هناك أيضًا الكونت ليون، سيد السيف، وأحد أقرب المقربين إلى الإمبراطور، واقفًا أمام كارون.
سيد السيف؟ عندها أدرك كارون أن الأمور خرجت عن السيطرة.
سادة السيف لا يتحركون لأمر عادي. لا يتحركون إلا إذا تلقوا أمرًا مباشرًا من الإمبراطور نفسه.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 82"