“أنتَ… أعلمُ بالفعل كم أنكَ نكرة. وأعلمُ أيضًا أن توسُّلي لن يُغيّر شيئًا.”
شعر ديتريون بقشعريرةٍ تسري في جسده. ففي تلك اللحظة تغيّر هواء السجن.
شعر وكأن ضغطًا ثقيلًا يخنق أنفاسه ويحول دون تنفّسه.
استدار ديتريون إلى الخلف. و كانت إيلين تُسند رأسها إلى جدار الزنزانة، تنظر إليه بصمت.
‘ما الذي يحدث؟’
شعر وكأن شيئًا مرعبًا مزّق صدره ومرّ.
‘هل استخدمت المانا؟”
لكن هذا غير ممكن. اختراق حجر التحكُّم بالمانا وإطلاق الهالة من خلاله كان أمرًا أقرب إلى المستحيل.
“أنت تفعل هذا فقط لأنكَ تريد اللعب بي.”
كان صوتها منخفضًا وخاليًا من أي مشاعر.
في تلك اللحظة، شعر ديتريون بحرارةٍ غريبة تتصاعد من أعماق بطنه. و لمعت عيناه.
‘حقًا، هذا ممتع……ممتعٌ جدًا.’
فارتسمت ابتسامة على وجهه دون أن يشعر.
كان يجد إيلين ممتعةً لدرجةٍ لا تُحتمل.
لماذا لم يكتشف هذه المتعة من قبل؟ كما هو متوقَّع، إيلين ثمينةٌ جدًا لتموت بهذه السهولة.
“أنت تعرفينني جيدًا، إيلين ليسَيروس.”
“….…”
“لكن لا بأس، ما تفكرين به لا يهم.”
ضحكت إيلين عند كلماته. فشعر ديتريون بقشعريرةٍ تسري في عموده الفقري من ضحكتها.
ثم فتحت فمها وتكلّمت.
“ديتريون، لن تسير الأمور كلها كما تشتهي.”
“…….”
“سآتي قريبًا، فانتظرني.”
***
كانت إيلين غارقةً في التفكير.
طوال الوقت الذي مضى منذ مغادرة ديتريون، بقيت على حالها، مغمضة العينين. ولو لم تشعر بحضور أحد، لبقيت غارقةً في أفكارها إلى ما لا نهاية.
“سيدة إيلين.”
سمعت صوت فريدين. و لم تصدق أذنيها.
‘فريدين جاء إلى هنا؟’
كما سخر منها ديتريون منذ قليل، كان من المفترض أن يتجاهلها فريدين الآن.
فخطيبتهُ شخص يُشتبه باستخدامه السحر الأسود، وإن شاع فقط أنه لا يزال بينهما وُد، فقد يخضع للاستجواب.
لم تصدق عينيها، ففركتهما بيدها، لكن مهما نظرت، كان الشخص الذي دخل الزنزانة هو بالفعل فريدين. و كان يقترب منها ببطء.
“سموك فريدين؟ كيف أتيتَ إلى هنا……”
“ديتريون لم يمنعني من الدخول إلى هنا.”
نظرت إيلين إلى فريدين، ثم التفتت بقلق نحو الباب وكأنها تخشى شيئًا.
تحدث فريدين إليها بهدوء، كأنه يطمئنها.
“أمون يحرس الباب من الخارج.”
قال ذلك وجلس أمامها. ثم نظر إلى إيلين بوجه صارم.
“سيدة إيلين، لا تقلقي كثيرًا. سأساعدكِ على الخروج من هذا المكان قريبًا.”
لم تعرف إيلين ما يجب أن تقوله له.
ثم مدّت يدها وربّتت على رأس فريدين، فتناثرت خصلات شعره الأشقر الجميل بين أصابعها. و بدا عليه الارتباك.
“سموك فريدين، لقد قلتُ لكَ أنني سأخبركَ بكل شيء، أليس كذلك؟”
“….…”
“لم أظن أنني سأقولها في وضعٍ كهذا.”
شعر فريدين أن هالة إيلين قد تغيّرت. بدت مختلفةً عن إيلين التي اعتاد على رؤيتها.
ربما كانت مصدومةً مما حدث، لذا آثر أن ينتظر كلمتها التالية بصمت.
“هل تعرف من أكون حقًا؟”
“……من تكونين حقًا؟”
“نعم……”
ترددت إيلين قليلًا، ثم بدأت تتحدث بصوتٍ هادئ وواضح. فأدرك فريدين أنها تستعد لإخباره بالحقيقة التي وعدته بها.
“سموك فريدين، حدسكَ كان صحيحًا. أنا عشتُ المستقبل ثم عدت إلى الماضي.”
في تلك اللحظة، شعر فريدين وكأن الظلام خيّم على المكان، لكنه أدرك أن ما شعر به لم يكن وهمًا……بل كان هالةً قاتلة مرّت بجانبه.
حلّ ظلٌ على وجه إيلين. و لو كان بجانبها شخصٌ آخر غير فريدين، لصرخ من الرعب. فالهالة التي انبعثت من إيلين كانت حادةً وقوية إلى حد مخيف.
لكن تلك الهالة القاتلة لم تمس فريدين قط.
مدّت إيلين يدها وأمسكت بقضبان الزنزانة.
في العادة، من يمتلكون مانا أعلى من البشر العاديين يشعرون بالألم لمجرد لمسهم لحجر التحكُّم بالمانا، لكن إيلين لم تتأثر إطلاقًا.
“سموك فريدين، أنا من قتل رايمون.”
لكن فريدين لم يُظهر أي تعبير يدل على الصدمة. بل استمع إليها بهدوء ووجهه ساكن.
“ولم يكن رايمون وحده……لقد قتلت شخصًا آخر أيضًا. في تلك اللحظة……لم أرفع سيفي لأحمي أحدًا، بل لأنتقم.”
كانت كلمات إيلين هادئة، لكن حديثها لم ينتهِ عند ذلك.
“لقد عذبوني بشدة……لذلك أنا……”
“….…”
“أنا لا أنوي التوقف. وربما إن واصلت المضي قدمًا وأنا لا أرى إلا هدفي، قد أؤذي حتى الأشخاص الثمينين بجانبك.”
“….…”
“لن أسامح ديتريون. وليس هو فقط……كل من يهدد أحبّتي، لن أتركه. سأنتقم منهم بطريقةٍ مرعبة.”
كانت عينا إيلين محمرتين بالدموع.
لم يكن فريدين يعلم ما الذي دار بين إيلين وديتريون. لكن كان من الواضح أن ديتريون قد أثار غضبها بشدّة.
“ربما تظنّ أنني فتاةٌ طيبة. لكن تلك الفتاة الحمقاء والطيبة التي رأيتها في الماضي……”
قد ماتت بالفعل في حياتها الأولى. لكنها تعمّدت ألا تقول هذه الجملة الأخيرة بوضوح، وتريّثت قليلًا في اختيار كلماتها.
“قد ذهبت. أنا الآن، سأنتقم حقًا، وبشكلٍ مرعب.”
بعد أن غادر ديتريون، عقدت إيلين عزمها على أمرٍ واحد.
أدركت أن إخفاء قوتها لم يعُد ذا معنى. فأعداء انتقامها صاروا واضحين، والمكائد التي يدبّرونها انكشفت الآن.
لم يكن هناك حاجةٌ بعد الآن لترك والدها في خطر. و لم يتبقَّ لها الآن……سوى تنفيذ انتقامها.
فريدين لم يقل شيئًا بعد أن أنهت كلامها. وكانت إيلين مستعدّة لأن يتحامل عليها ويصفها بالشر إن أراد. فهي قررت أن تكفّ عن كتمان مشاعرها.
“لقد كان الأمر صعبًا عليكِ، أليس كذلك، سيدة إيلين؟”
قال ذلك وهو يمسك بيدها.
“لا بد أنه كان مؤلمًا للغاية.”
شدّت إيلين بيدها على القضبان، وانكمش وجهها من الألم.
خفضت رأسها سريعًا حتى لا يرى أحدٌ تعبير وجهها، و فقط، لم تَعُد تحتمل النظر إلى فريدين.
“قل إنني مرعبة……قل أنكَ تكرهني الآن……قل أنني وحش، و أنني مثيرة للاشمئزاز……”
“….…”
“إن لم تقل ذلك، فستندم لاحقًا.”
لكن فريدين هزّ رأسه نافيًا.
“أنا……أحبكِ.”
“.……”
“ولستُ الوحيد، كثيرون يحبونكِ. الآنسة أسيلي كانت تصرخ بأنها تريد إخراجكِ من هنا فورًا، وأمون أيضًا قلقٌ عليكِ كثيرًا.”
“….…”
“باهان وليليا اللذان ذهبا إلى برج السحر، من المؤكد أنهما يشعران بالقلق عليكِ كذلك. و كارون أيضًا.”
صمتت إيلين طويلًا بعد سماع تلك الكلمات.
فريدين، الذي كان يراقبها، خلع القلادة التي كان يرتديها حول عنقه. ثم مدّها إليها.
نظرت إليه إيلين بعينين مندهشتين. لقد كانت تتذكّر هذه القلادة. كانت القلادة التي لم يفارقها فريدين أبدًا.
و تذكّرت كم مرة أمسك بها حين كان يواجه أمرًا صعبًا.
“قد تظنين أنها قلادةٌ غريبة، لكنها هدية من والدتي.”
“والدتكَ؟”
“نعم. هل تعرفين المملكة المقدسة، سيدة إيلين؟”
“أعرف أنها المملكة التي كان ينتمي إليها أهل الغرب.”
“القديسة السابقة هناك……كانت والدتي.”
كان اعترافًا هادئًا، لكنه ماضٍ لم تسمعه إيلين أبدًا في حياتها السابقة.
بدأ فريدين يتحدث عن طفولته بصوتٍ منخفض.
“كان والدي، الإمبراطور، دائمًا ما يطلق عليّ اسم ‘نصف’.”
لقد قام الإمبراطور بتدمير المملكة المقدسة معنويًا عندما اتخذ القديسة كحرم إضافي، ولم يكن يريد الاعتراف بفريدين الذي كان يحمل دماء المملكة.
لهذا السبب كان يصف فريدين بالدم القذر ويشعر بالاحتقار تجاهه. و لو لم يساعد الدوق أسيلي والدته، لما تم الاعتراف بفريدين كأمير.
“هذه القلادة هي التي أعطتني إياها والدتي قبل وفاتها.”
نظرت إيلين إلى القلادة في يده.
“كانت تقول أنها كنز من المملكة المقدسة، وأنه إذا وجدتُ شخصًا أرغب في أن أكون معه يومًا ما، يجب أن أعطيه إياها.”
قال فيردين ذلك وهو يبتسم بخفة.
“كان هناك حجرٌ ثمين أزرق جميل في الأصل، لكن قبل عدة أيام من قدومكِ إلى قسم السيف، تغير لونه إلى الأخضر.”
“….…”
“أليس هذا غريبًا؟”
ظهر على وجه إيلين تعبيرٌ غريب.
إذا كان قبل بضعة أيام من قدومها إلى قسم السيف، فهذا يعني أنها كانت قد عادت عبر الزمن. كان ذلك أكثر من مجرد صدفة.
“حسب كلام والدتي، هذه القلادة تحقق أمنيةً واحدة فقط في الحياة.”
“لا يمكنني قبول شيءٍ ثمين كهذا.”
“أتمنى أن تقبليها، الآنسة إيلين. أشعر أن والدتي كانت ترغب في أن تأخذينها أنتِ.”
____________________
يعني أم فريدين هي الي رجعتها بالزمن؟
فيردين يجننن يجننننننننننناااااااااان
ايلين غبيه مفروض تكون انانيه اذا اعترفت بكل شي المفروض تقول لفريدين لاتكرهني 😔
تدرون وش احسن شي غيرته ايلين؟ انها أنقذت الآنسة أسيلي مجنونتي تجنن😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 81"