حتى الآن، كان هيليكس لا يزال ذا فائدةٍ كبيرة. فهو من كان يتولى كل المهام المزعجة المتعلقة بالتخييم.
حتى عندما كانت إيلين تعرض المساعدة، كان يرفض تمامًا.
وفي كل مرة كانت تقول له نفس الكلام
“سيد هيليكس، دعني أساعدكَ.”
“لا يمكنني السماح بذلك.”
“….…”
“دعيني أتكفل بالأمر. هذا واجبي.”
كانت مجاملة هيليكس تُشعر إيلين بالغرابة. لكنها لم تلبث أن فهمت معنى نظرته بعد مغادرتهما الغرب بفترةٍ قصيرة.
كان هيليكس ينظر إليها كما كان ينظر إلى فريدين. ولكن لماذا؟
كان ذلك أمرًا لا يمكن لإيلين أن تفهمه.
وحين بدا له أنها تشعر بعدم الارتياح تجاه سلوكه، تكلم هيليكس أخيرًا.
“لن أكون مزعجًا بعد وصولنا إلى الأكاديمية. فقط دعيني أرافقكِ في الطريق.”
كانت عيناه وهما تقولان ذلك تبدوان متوسلتين. فاضطرت إيلين إلى الإيماء برأسها على مضض.
ومنذ ذلك الحين، أصبح الطريق مريحاً إلى حد ما.
و ربما ستتغير أشياء كثيرة عند وصولهم إلى الأكاديمية.
‘هناك الكثير من الأمور التي عليّ القيام بها. يجب أن أكتشف ما الذي فعلته كوريليا بالضبط، وعليّ إنقاذ والدي أيضاً……’
لم يتبقَ الكثير حتى يصلوا إلى الأكاديمية. وربما تنتهي هذه الرفقة الغريبة مع هيليكس أيضاً.
وقبيل وصولهما إلى الأكاديمية، وصلا إلى قريةٍ صغيرة.
“إذا تجاوزنا هذه القرية، سنصل إلى أكاديمية أتينس.”
بدت ملامح هيليكس وهو يقول ذلك تنم عن شيءٍ من الأسى.
النزل الذي قررا الإقامة فيه كان نزلًا صغيرًا في القرية. وكان في طابقه الأول مطعمٌ يعج بالناس، ما أضفى عليه جوًا من الحيوية.
وجوه الناس كانت مشرقة. وكأن العالم لا يعرف الظلام، كانت الأجواء تنضح بالسلام.
طلبا إيلين وهيليكس حساءً لكلٍ منهما.
“أمي! اشتري لي هذا من فضلكِ!”
استدارت إيلين فجأةً عند سماعها ضحكة طفولية. و كانت هناك عائلةٌ تجلس على إحدى الطاولات.
الطفل كان يتذمر ويطلب شيئًا من والدته. أما الرجل الذي يبدو أنه والده، فكان يبتسم وهو ينظر إليهما.
عندما تعلق الطفل بأمه، ضحكت المرأة وضمّت الطفل إلى صدرها. ثم سُمع صوت همسها،
“أحبكَ.”
خُطِفَ نظر إيلين إلى تلك العائلة. لقد بدوا سعداء حقًا.
كان هذا هو المشهد الذي اعتادت تخيله في طفولتها.
هكذا تبدو الحياة العادية.
التقت عينا الطفل بعيني إيلين. فضحك الطفل و لوح لها بيده. ثم ابتسمت إيلين ولوحت له بدورها.
حينها، وصل النادل بالطعام. و وُضِع الحساء والخبز على الطاولة.
“سيدة إيلين، سيبرد الطعام.”
قال هيليكس ذلك وهو يضع طبق الحساء أمام إيلين التي كانت سارحة في التفكير. فأفاقت أخيرًا على صوته.
بدأ هيليكس بأخذ أول ملعقة من الحساء.
“الطعم……أفضل مما توقعت……”
كان على وشك أن يُكمل قائلاً: “إنه جيد.” لكن فجأة، سكب هيليكس طبق الحساء الذي كان أمام إيلين.
ثم بدأ يسعل بشدة.
و في اللحظة نفسها، أمسكت إيلين مؤخرة عنق هيليكس وسحبته خلفها.
وفي المكان الذي كان يقف فيه هيليكس، انغرس خنجرٌ قصير. فرفعت إيلين سيفها الذي كان معلقًا عند خصرها.
تشانغ-!
رنّ صوتٌ صافٍ عندما صدّت السلاح الطائر المرتد.
“آااااه!”
“أنقذونا!”
اخترقت الصرخات أجواء المطعم الهادئة، وبدأ المهاجمون يقتحمون المكان. و من خلفها، تمتم هيليكس،
“إنه سمٌ يُسبب الشلل، سيدة إيلين.”
تدحرج هيليكس إلى الجانب متفاديًا السلاح الطائر. وقامت إيلين كذلك بتفادي سيوفهم وهي تراقب المكان.
“موتي!”
كان هناك خمسة على الأقل.
راقبت إيلين المهاجمين عن كثب. لم يكونوا متخفين كعادة القتلة، وكانوا أقوياء بشكلٍ غريب.
‘إنه فخ.’
لم يسبق لإيلين أن أظهرت قوتها في مكانٍ عام يعج بالناس.
رغم أن إيلين قد نجحت في اجتياز اختبار الترقية في الغرب، إلا أن من لا يعرفون التفاصيل لن يروا في الأمر سوى حدثٍ يُعلن عن اسم عبقريةً اختارها السيف.
لكن هجومًا في وضح النهار، ومن قِبل مهاجمين أقوياء، كان خصمًا يصعب على فارسة متدربة أنهت للتو اختبار الترقية في الغرب أن تواجهه.
ولو كان الهدف هو قتل إيلين فقط، لما هاجموها في مكانٍ يعج بالناس.
العدو كان يريد منها أن تُظهر قوتها. وكأنهم يتساءلون: “إلى أي مدى وصلت مهاراتها؟”
“توقفوا!”
علا صوت صراخ. فالتفتت إيلين ببطء نحو مصدر الصوت، لترى العائلة التي كانت تراقبها قبل قليل.
“أمي! اتركي أمي!”
من اقتحموا المطعم لم يستهدفوا إيلين وحدها. رغم أن هدفهم الحقيقي كان واضحًا، إلا أنهم أخذوا الأبرياء كرهائن.
وكأنهم يعلمون أن إيلين ستحاول حمايتهم.
“أنتِ، الفتاة التي تحمل السيف.”
فتح أحد المهاجمين فمه موجّهًا كلامه إلى إيلين.
“إن لم تضعي سيفكِ فورًا، سنقتل الموجودين هنا واحدًا تلو الآخر.”
“ستقتلهم؟”
“نعم، لذا ضعي سيفكِ واستسلمي.”
“وإن لم أفعل؟”
ضحك الرجل وكأنه يستمتع بالأمر.
“حينها سيموت كل من في هذا المكان. ألا ترين أن رفاقي يحتجزون الناس الآن؟”
قال ذلك وهو يومئ بعينيه إلى جهةٍ ما.
كان الطفل الذي أبدى شجاعةً من أجل والدته الآن محتجزًا لدى مهاجمٍ آخر. و وجه الطفل كان مبللًا بالدموع، تمامًا كما كانت هي في طفولتها.
كانت إيلين تكره حقًا، وبشدة، أولئك الذين يجعلون الأطفال يبكون.
نظرت إلى الطفل وابتسمت له بلطف، ابتسامةً غير مناسبة لهذا الموقف.
ثم قالت له بصوت هادئ،
“عُد لعالمكَ، أغمض أذنيكَ، عندما تعد حتى عشرة، كل شيء سينتهي، كل الأشياء المخيفة ستختفي……”
كانت تلك كلماتٍ سحرية اعتادت ترديدها لنفسها في طفولتها لتتغلب على اللحظات المخيفة.
وما إن أنهت إيلين كلامها حتى أغلق الطفل عينيه بإحكام. فقد كان في كلماتها نوعٌ من القوة، قوة تجبر من يسمعها على الإيمان بها.
عندها، تحدث هيليكس وهو يقطب حاجبيه موجّهًا كلامه إلى إيلين.
“سيدة إيلين، إنه فخ.”
“أعلم.”
“لا تنوين إظهار قوتكِ……أليس كذلك؟”
“ليس لدي خيارٌ آخر.”
تبادلا الحديث بهدوء دون أي استعجال. أما الرجل الذي هاجمهما، فاكتفى بابتسامةٍ ساخرة وهو يراقب الموقف.
كان يعلم جيدًا من تكون إيلين، ويعلم أنها الفارسة المتدربة التي عادت بعد نجاحها في اختبار الترقية في الغرب، والتي يقال عنها أنها وحش.
لكنه كان يعلم أيضًا أن الفرسان مثلها قد أصبحوا أقوياء بوسائل خاصة. وكان واثقًا من أن إيلين تدرك أن الذين أمامها الآن أقوى منها. فمن هيبتهم وحدها يمكن استشعار قوتهم.
وعلى عكس شهرتها كمن اختارها السيف، لم تكن هناك أي طاقةٍ تُشعر بأنها قوية حقًا.
ومع ذلك……ما هذا الهدوء؟
تذكّر الرجل التعليمات التي تلقاها، وكان من بينها رسالةٌ موجهة إلى إيلين ليسيروس.
“هل تظنين أننا جئنا من أجلكِ وحدكِ؟”
“ماذا؟”
“فِريدين ليكسيا.”
“…….”
“هل تظن ما الحالة التي يكون عليها الآن؟”
ما إن أنهى الرجل كلامه، حتى تغير وجه إيلين بشكلً مخيف. حتى هيليكس الذي كان خلفها لم يكن حاله مختلفًا.
ابتسم الرجل، ظنًا منه أن أخيرًا ظهرت على وجهيهما تعابيرٌ ترضيه.
“إن لم تضعي السيف، فلا خيار أمامي.”
قال ذلك ورفع سيفه.
‘سأقتل الطفل الصغير أولًا.’
همّ بغرز سيفه مباشرة مصحوبًا بهذه الفكرة، لكن الأمر لم يسر كما أراد.
“آاااااه!”
صرخ الرجل فجأة، واتسعت عيناه بشدة من الألم الذي اجتاح كتفه في لحظة. و لم يكن قادرًا حتى على استيعاب ما حدث.
وفجأة، كانت إيلين تقف أمامه. و نظرت إليه،
“أنا أؤمن أنه حين يقتل المرء إنسانًا……عليه أن يكون مستعدًا للموت هو أيضًا.”
وكانت تلك آخر كلماتٍ سمعها في حياته.
***
تسارعت خطوات إيلين، وكذلك فعل هيليكس.
لم تعد تعرف بأي عقليةٍ وصلت إلى الأكاديمية. و لم تستطع أن تهدأ بسهولة.
ما يحدث لها شخصيًا لا يهمها كثيرًا. لكن إن كان الأمر يتعلق بفِريدين، فالأمر مختلف تمامًا.
‘إن كان المهاجمون الذين جاؤوا من أجلي بتلك القوة، ففِريدين في خطرٍ أيضًا.’
بمجرد أن خطرت لها تلك الفكرة، شعرت بدوارٍ شديد.
لو حدث له أي مكروه، فلن تسامح نفسها أبدًا.
‘هل كان عليّ أن أبقى إلى جانبه طوال الوقت؟ لكنني كنت مضطرةً للذهاب إلى الغرب……أنا……ما الذي كان ينبغي عليّ أن أفعل؟’
لم يتحمل هيليكس رؤيتها على هذا الحال، فأمسك بكتفها،
“اهدئي يا سيدة إيلين.”
“سموه فِريدين……”
“صاحب السمو قوي، لا تقلقي.”
عندها فقط بدأت إيلين تستعيد هدوءها. وبكلمات هيليكس بدأت تستوعب ما يحيط بها.
لو أن الأمير فِريدين قد أُصيب بمكروه، لما كانت الأكاديمية بهذا الهدوء.
اتجهت هي وهيليكس نحو القاعة الرئيسية في الأكاديمية. و حتى لو لم يكن فِريدين هناك، فلابد أن فرسانه المتدربين سيكونون.
وكما توقعت، عندما فتحت باب القاعة، وجدت ديريك وآمون في الداخل.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 74"