كان حديثها متهورًا إلى أبعد حد. فنظرت إلى هيليكس بنظرة توبيخ وكأنه لا يقدم أي فائدة.
عندها نظر هيليكس إلى إيزيس بوجه يشوبه قليلٌ من الظلم.
‘لا يمكنني أن أتركهم هكذا.’
“هذا غير ممكن.”
“أعلم، أعلم أنه قرارٌ متهور. لكن ماذا لو تركنا تلك الوحوش وغادرنا؟”
“…….”
“قلتِ أنهم من سكان الغرب، أليس كذلك؟”
“على الأرجح. لأنهم من الأشخاص الذين اختفوا في الغرب.”
“ماذا لو أن أولئك الذين تحولوا إلى وحوش……يُجبرون على قتل من أحبوهم يومًا ما تحت سيطرة شخصٍ آخر؟ سيعانون حتى بعد موتهم.”
أمنية أن يلقوا حتفهم كفرسان. أرادت إيلين أن تحقق تلك الأمنية لهم حتمًا.
كانت إيزيس شخصًا عقلانيًا تزن الأمور بحسابات دقيقة. فلتتمكن من الحفاظ على الأرواح التي تتحمل مسؤوليتها، لا بد لها من أن تحسب دائمًا ما هو الخيار الأكثر فائدة.
كان الموقف يتطلب الهروب فورًا. لقد أنهكوا بالفعل إلى حدٍ كبير، ليس فقط جسديًا، بل وعقليًا أيضًا. ولذا، فإن ما أرادت إيلين فعله بدا تصرفًا متهورًا وأحمقًا تمامًا من وجهة نظر منطقية.
قد تموت بسبب هذا القرار. لكن في المقابل، لو أنها تخلت عنهم وهربت من هنا، لكانت قادرةً تمامًا على النجاة.
لم يكن هناك أي داعٍ لتحمّل هذه المخاطرة.
“إيزيس، أنتِ لا تعرفينني.”
عندما لم ترد إيزيس، رفعت إيلين رأسها وقالت ذلك.
كانت على حق. لم تكن إيزيس تعرفها. لا، بل ربما لا يوجد أحد في هذا العالم يعرفها بالكامل.
“أنا أقوى مما تظنين. قويةٌ بما يكفي لإنقاذهم جميعًا.”
وحين تلاقت عيناها بعينيها، لم تستطع أن تقول لها لا.
***
لوّحت إيلين بسيفها بقوة. وكان هيليكس بجانبها يدعمها.
الوحوش أظهرت حركاتٍ منظمة تشبه حركات الفرسان، تمامًا كما شعرت من قبل. كان واضحًا كم تمرّنوا على فنون السيف من أجل أن يصبحوا فرسانًا.
نعم، لقد كانوا فرسانًا حقاً.
تشاااانغ-!
لا يجب أن تنتهي حياتهم بهذا الشكل أبدًا. ففي المستقبل، سيقوم الإمبراطور بتزييف سبب موتهم.
لقد أرادوا حماية شخصٍ ما، وكانوا في الوقت نفسه أبناءً لشخص في الغرب، أحبابًا لأحدهم، أو أفرادًا من عائلاتهم.
لم تستطع إيلين أن تقف مكتوفة الأيدي وتشاهدهم يُستغلّون لقتل أبناء الغرب. كانت تتمنى فقط أن ينعموا بالراحة بعد الموت، دون أن يُخدعوا مجددًا من أحد.
لذلك، تحركت إيلين. وعندما أطلقت المانا بكل ما أوتيت من قوة، تغيرت هالتها بالكامل.
تدفقت المانا عبر سيفها لتكوّن الهالة التي لا يستطيع صنعها سوى سيد السيف.
كان السيف يشعّ بضوءٍ أبيض متألق أكثر من أي شيء، وكأنه كائن حي.
[مكان موتنا ليس هنا.]
[كنت أظن أن موتي سيكون في ساحة المعركة.]
ظهرت خدوشٌ صغيرة على ذراعها. وكذلك على ساقيها، ووجهها، وعنقها. فتحولت إيلين في لحظات إلى جسدٍ مليء بالجراح.
وفي تلك اللحظة، تشكل جرحٌ عميق على ذراعها، وكان كبيرًا لدرجة أن الدم تناثر على وجه هيليكس الواقف بجانبها. لكن إيلين لم تتوقف.
كان هيليكس يلوّح بسيفه، وهو يراقبها بطرف عينه.
لقد رأى ذات مرة في الماضي سيف الدوق أسيلي. رأى بنفسه قوة السيف الذي لوّح به الدوق في وجه آلاف الوحوش. ومنذ ذلك الحين، أدرك ما تعنيه القوة الساحقة التي تتجاوز حدود البشر.
كانت إيلين محقة. هو وإيزيس لم يكونا يعلمان كم هي قويةٌ حقًا.
ظلت آثار الفروسية واضحةً في تحركات الوحوش. كانوا يتحركون وكأنهم يستخدمون السيف.
عادةً ما يستخدم الفرسان أسلوبًا مختلفًا في المبارزة عند مقاتلة الوحوش مقارنةً بالتدريب أو المبارزات العادية.
فالسيف الذي يُستخدم للقتل من أجل النجاة يختلف تمامًا عن السيف الذي يُستخدم في مبارزات تحفظ فيها آداب الفروسية.
والآن، كانت إيلين تقاتل الوحوش كما لو كانت في تدريبٍ أو مبارزة، لا في معركة حقيقية.
تمتم هيليكس دون أن يشعر،
“تصرفٌ غير فعّال.”
لكن عينيه في تلك اللحظة كانتا تشتعلان بحرارة. فهو أيضًا أدرك ما كانت إيلين تفعله.
كانت تواسي الفرسان. وذلك المشهد، في عينيه، كان أسمى من أي شيءٍ رآه في حياته.
وبينما كان يقطع الوحش الذي أمامه، تذكّر هيليكس كلمات القديسة السابقة التي قالتها ذات مرة،
“قد تشعر أنها بطيئةٌ وثقيلة، لكنها كذلك لأنها شخصٌ طيب.”
بدأ قلبه يخفق بسرعة. وفجأة، أدرك هيليكس أن إيلين هي الفتاة التي كان يبحث عنها طوال حياته.
الفتاة التي وجب عليه أن يخدمها مدى الحياة.
***
“يا لها من مهزلةٍ حقًا.”
شارلوت كانت قد أدركت تمامًا ما الذي تحاول إيلين فعله. فهي التي أجرت بنفسها الأبحاث على الوحوش في هذا المختبر، وكانت تعرف أفضل من أي أحد آخر ما الذي حدث هنا.
حتى تلك اليوميات التي أُعطيت لتجارب المختبر……هي من قدّمتها لهم.
شارلوت كانت تقرأ تلك اليوميات بين الحين والآخر لتدرس كيف يتصرف البشر حين يبتلعهم اليأس. لذا، لم يكن دافعها شفقة أو اهتمامًا بهم. بل على العكس، كانت ترى أنه من السخيف أن يواسوا بعضهم البعض من خلال كتابة اليوميات.
“الموت هو الموت، لا يحتاج إلى معنى عظيم……”
كانوا يثرثرون هراءً بسبب خوفهم من الموت، لا أكثر. يموتون لحماية أحدهم فيشعرون بالرضا؟ لا وجود لأناس كهؤلاء.
الكل يستطيع التفوّه بكلامٍ معسول. ولهذا السبب كانت تكره أولئك الذين يُدعون فرسانًا. وما تفعله إيلين الآن بدا لها سخيفًا إلى حد دفعها للضحك ساخرًة.
أن تحاول تجسيد أمنية أولئك الذين تمنوا الموت كفرسان كما ورد في اليوميات؟ وكأنها تحاول مواساة أرواحهم؟
أمرٌ لا جدوى منه إطلاقًا. فالوحوش قد فقدت عقلها منذ زمن بعيد.
“كل شيءٍ انتهى على أي حال. كلهم مجرد حثالة ميتة……”
هل تشفق عليهم لأنها تظن نفسها فارسة؟
“إنسانةٌ غبية حتى النهاية.”
شارلوت كانت تكره إيلين. كانت تشعر باشمئزاز خافت لا يمكن تفسيره كلما التقت عيناها بعيني إيلين.
لم تستطع أن تفهم نظراتها النقية، تلك النظرات التي لم تنكسر قط رغم ما تعرضت له من إيذاء على يد كوريلّيا.
بدأت يد شارلوت تتحرك بسرعة. لكن مع مرور الوقت، بدأ يظهر التوتر على وجهها الذي كان يبدو واثقًا في البداية. لأن إيلين كانت تقضي على الوحوش بسرعةٍ كبيرة.
كان من المستحيل أن يحدث هذا. لا يُعقل أن تتمكن إيلين ليسيروس من صدّ الوحوش التي صنعتها هي بنفسها بهذه السهولة.
كانت تبدو كأنها وحشٌ بحد ذاتها. لكن هذا ما كان غريبًا.
شارلوت رأت في حياتها العديد من أسياد السيف. وحتى بين هؤلاء العظماء، كانت هناك فروقات في المستوى. وكانت واثقة من شيء واحد: أن مواجهة هذا الكم من الوحوش في دار الأيتام لا يقدر عليه سوى الدوق أسيلي.
نظرت شارلوت إلى يدها، لتجدها ترتجف بعنف.
“تباً……لقد شوّهت تحفتي بهذا الشكل……سأقتلها.”
تمتمت شارلوت بذلك ثم نهضت من مكانها، وجمعت بين ذراعيها نتائج أبحاثها التي كانت بجوارها.
مجرد تخيّل مدى غضب كوريلّيا إن فشلت في هذه المهمة كان كفيلًا بأن يثير فيها الرعب.
“أنا……لست مثل رايمون. لست ضعيفةً ومهزوزة مثله……”
وفي تلك اللحظة، رأت إيزيس بعينيها. كانت تقف داخل الباب الحديدي، تنتظر إيلين وهيليكس.
“نعم، الأمور ليست ميؤوسةً منها تمامًا، أليس كذلك؟”
شارلوت شعرت بذلك بشكل غريزي. إيلين لن تتركها تفلت. لا بد أنها، بغريزتها، تبحث عن الشخص الذي يتحكم في الوحوش.
وإن كانت فعلًا سيّدة سيف، فلا بد أنها قد شعرت بوجودها بشكلٍ مبهم من خلال حواسها الحادة. لذلك، كان من الأفضل لشارلوت أن تتحرك قبل أن تتمكن إيلين من القضاء على كل الوحوش.
وفوق ذلك، ألم تكن هي من قادتهم إلى هناك عمدًا؟
“إن استخدمت الممر السري، فلن تلاحظ إلين ليسيروس شيئًا.”
غرفتها كانت متصلةً بالقبو من خلال ممر سري. وكانت تلك فرصتها الأخيرة لاختطاف رهينة دون أن تشعر بها إيلين.
وبينما كانت غارقةً في التفكير، ابتلعت شارلوت حجر المانا الذي كانت تحمله في يدها.
***
بينما كان هيليكس وإيلين يواجهان الوحوش خارج القبو، كانت إيزيس قد عادت إلى داخله.
كانت تعلم جيدًا أن وجودها في الخارج لن يجلب سوى العرقلة.
وبعد أن أنهت تمنيها، بدأت تجمع أدلة الأبحاث.
ربما في السابق لم يكن هناك خيارٌ سوى الهروب، لكن الآن، هناك أمل في النجاة. لذا كان عليها أن تعثر على أدلة يمكن أخذها معها.
لا يمكن السماح بأن يُطمس ما حدث للأشخاص الذين كانوا هنا.
وفي تلك اللحظة، وقع بصر إيزيس على إحدى زجاجات الدواء.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 68"