“بما أنكَ عدت من الأكاديمية، فلا بد أنكَ عرفت ما حدث لسمو الأمير فريدين، أليس كذلك؟”
كان وجه إيزيس مبتسمًا، لكن صوتها كان بارداً لأقصى حد.
منذ أن أصبحت كاهنةً رسمية، بدأت تتحدث مع شقيقها هيليكس بلغة الاحترام. لكن هيليكس شعر أن طريقة حديثها الرسمية بدت غريبةً عليه اليوم.
“هيليكس، حتى لو كنت تركز على شؤون الغرب، يجب ألا تنسى هدفنا. هدفنا هو حماية سمو الأمير فريدين والعثور على تلك الفتاة التي تحدثتت عنها السيدة القديسة السابقة.”
“أنا أعلم ذلك.”
“إذاً أخبرني، هل كانت إيلين ليسيروس هي ‘تلك الفتاة’؟ لماذا خُطِب الاثنان على هذه الحال؟ كان يجب فصلهما بأي وسيلة.”
“لكن..…”
“لا يجب أن يكون هناك تردد عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الكبرى. خاصةً أن اهتمام الإمبراطور بها ليس بالأمر العادي.”
بدت علامات التعب الشديد على وجه إيزيس.
“تحركات الوحوش مريبةٌ أيضًا، لا نعرف من أين تستمر بالظهور.”
“….…”
“أشعر وكأننا ننتظر كارثةً قادمة بلا قوةٍ لنا، أنت تعرف جيدًا كم هذا يبعث على اليأس، أليس كذلك يا هيليكس؟”
تنهد هيليكس عند كلمات إيزيس.
القديسة كانت تستطيع رؤية المستقبل، لكنها كانت عاجزةً عن التنبؤ لتغييره.
فإن هي تحدثت عن مستقبلٍ محدد، كان عليها أن تدفع الثمن. وقد رأى هيليكس بنفسه بجانب القديسة السابقة كيف يكون ذلك الثمن.
في كل مرة حاولت فيها تغيير المستقبل بكلماتها، تدهورت صحتها وقصرت حياتها.
‘حتى تلك الحياة القصيرة لم تستطع أن تعيشها كاملة.’
كلما تذكر نهاية القديسة، شعر هيليكس بذنبٍ مرير.
كانت تدعوهم كثيرًا لتقص عليهم الحكايات، ولم تكن تنسى أن تضيف دومًا قصة الفتاة التي سيحبها فريدين.
“في المستقبل البعيد، سيلتقي بشخصٍ ما، إنه فتاة طيبةٌ وقوية”
“عندما ترونها، هل يمكنكم أن تكونوا لطفاء معها؟ إنها فتاةٌ تحمل الكثير من الجراح، وهي الوحيدة القادرة على إنقاذ فريدين”
“حياة شعب المملكة في الغرب أيضًا…..تلك الفتاة ستحميها.”
كان على هيليكس وإيزيس أن يبحثا عن تلك الفتاة بالاستناد إلى الكلمات التي نطقت بها القديسة السابقة.
و إيلين ليسيروس التي رآها في الأكاديمية بدت مختلفة قليلًا عن الشائعات، لكنها لم تكن أبدًا تلك الفتاة التي تحدثت عنها القديسة.
فقد كانت فتاةً نشأت مدللة في كنف ماركيزٍ يفيض بالحنان، ولم تكن تبدو من أول نظرة كشخص يحمل من الجراح ما يكفي ليبعث الشفقة في نفس القديسة.
تذكر هيليكس أنه التقى القديسة السابقة في الليلة التي سبقت وفاتها.
‘لقد كانت تعلم أنها ستموت.’
لا يزال يذكر كلماتها التي قالتها وهي تبكي، ولم يستطع نسيانها.
“من هي الفتاة التي سيحبها سمو الأمير؟ ماذا لو لم أتمكن من التعرف عليها؟”
“تلك الفتاة…..إنها فتاةٌ تحمل جراحًا كثيرة. تبدو قوية، لكنها في الحقيقة هشةٌ وضعيفة.”
“…….”
“لو استطعت أن أكون بجانبها، لعانقتها بحرارة. لو أمكنني فقط أن ألتقيها..…”
قالت ذلك ثم احتضنت هيليكس.
“كنتُ أستطيع أن أقول لها أنكِ لستِ مذنبة، و أنكِ طفلةٌ محبوبة.”
“سيدتي القديسة؟”
“يا لهُ من مصيرٍ قاسٍ..…”
تلك كانت آخر كلمات يتذكرها هيليكس من القديسة.
“هيليكس، كما تعلم، لم يعد لدينا الكثير من الوقت. تحركات الإمبراطور ليست عادية. و خطبة إيلين ليسيروس للأمير فريدين لا بد أن وراءها نوايا خفية..…”
“… ربما لن نعثر على الفتاة التي تحدثت عنها القديسة، وسنواجه نهايتنا دون جدوى.”
اختفت الابتسامة عن وجه إيزيس الذي كان يحتفظ بها طوال الحديث. وكان حال هيليكس كذلك.
حتى مجرد التفكير في ذلك كان مرعباً.
حين تنتهي الأمور في الغرب، سنفصل إيلين عن فريدين، هذا ما عزم عليه هيليكس في نفسه.
وفي تلك اللحظة، سُمعت جلبةٌ في الخارج.
“السيد هيليكس ليس شخصاً يمكن مقابلته في أي وقت!”
“إذا استمررتِ بهذا الإلحاح، فلن يكون أمامنا خيارٌ سوى استدعاء الفرسان لطردكِ بالقوة!”
لم يُعر هيليكس تلك الجلبة أي اهتمام.
كان عدد المؤمنين في الغرب الذين يرغبون في رؤيته لا يُعد ولا يُحصى، وظن هيليكس أن هذه الجلبة أيضاً من صنعهم.
لكن ما إن سمع الصوت المألوف الذي تلا ذلك، حتى شكّ في أذنيه.
“السيد هيليكس.”
صوتٌ رقيق، لكنه حازم ومليءٌ بالقوة. كان نفس الصوت الذي سمعه منذ فترةٍ قصيرة.
من شدة دهشته، فتح هيليكس باب غرفة المعبد دون أن يشعر. وما إن رأى إيلين حتى خرج منه ضحكة ساخرة لا إرادية.
“إيلين ليسيروس؟ هل فقدتِ عقلكِ؟ أتعلمين أين أنتِ الآن؟”
نظر هيليكس سريعاً إلى الخلف، فرأى عيني إيزيس تحدقان بإيلين بثبات دون أن تتحركا.
لم يكن يعرف كيف يجب أن يتعامل مع إيلين. لكن شيئاً واحداً كان مؤكداً، وهو أن إيزيس لن تنظر لإيلين بعين الرضا. و نظراتها الباردة الثابتة كانت كافيةً لتدل على ذلك.
تجاهل هيليكس نظرات إيزيس وسأل إيلين،
“ما سبب مجيئكِ؟ لا أظن أن بيننا ما يستدعي الحديث.”
“دعني أرافقكَ في هذه المهمة.”
تجمد وجه هيليكس عند سماع تلك الكلمات.
“فوجهتي هي نفسها وجهتكَ.”
“هل تعرفين ما هي مهمتي؟”
هزت إيلين رأسها بالنفي.
“لا أعرف جيداً، ولكن جلالته أمرني بإجراء امتحان الترقية في الغرب. إنها مهمةٌ مناسبة لتنفيذها في الأماكن الخطرة التي ستتوجه إليها، سيد هيليكس.”
تجمد وجه هيليكس عند سماع ذلك. و لم يستطع أن يتخيل ما الذي يخطط له الإمبراطور.
“لقد بذلتِ جهداً كبيراً في المجيء لهذه المسافة، ولكنني لا أستطيع أن أقدم أي مساعدة في امتحان الترقية الذي يجب أن تخوضيه.”
قال هيليكس ذلك وهو يحاول إغلاق الباب. لكن يد إيلين كانت أسرع.
أمسكت إيلين بالباب الذي كان سيغلق دون تردد، وأكملت حديثها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 62"