“إذا أمر جلالة الإمبراطور بمحنةٍ أخرى، فسأتصدى لها أنا بنفسي. لذا أرجوكِ لا ترحلين.”
“لماذا تفعل كل هذا؟”
لطالما أرادت إيلين أن تسأل.
لماذا أنتَ طيبٌ معي؟ لماذا تضحي بكل هذا من أجل شخصٍ مثلي؟
فتح فريدين فمه ببطء.
“في الماضي الذي تتذكرينه، كان هناك شيءٌ أردت قوله لكِ.”
في اللحظة التي قال فيها ذلك، أدرك فريدين من خلال قدرته الخارقة ما كان يفكر به آنذاك.
“كنت أريد أن أقول أنني أحبكِ.”
امتلأت عينا إيلين بالدموع واحمرتا بشدة عند سماع كلماته.
لم تصدق أذنيها. و لم تستوعب ما قاله فريدين.
‘كان يحبني؟ فريدين؟’
لم يخطر في بالها ذلك ولو لمرة واحدة. لكن ربما لهذا السبب كان الألم أقسى.
إن كان كلام فريدين صحيحًا، وإن كان قد أحبها حقًا، فهذا يعني أن كورليا كانت محقة. إيلين نفسها من جرّته إلى الهاوية.
تماسكت إيلين بصعوبة وهدّأت مشاعرها. ما يقوله فريدين الآن هو ما أراد “هو في الماضي” أن يقوله. لذا لا بد أن فريدين الحاضر يفكر بشكل مختلف.
وإن كان ما قاله فريدين صحيحًا، فعليها أن تذهب إلى الغرب أكثر من أي وقت مضى.
“السيد فريدين، أنا فارسة. أعيش لأجل حماية الآخرين.”
اقتربت إيلين ببطء من فريدين وأمسكت بيده القوية. ثم ركعت على إحدى ركبتيها واتخذت وضعيةً أشبه بما يفعله الفارس عند أداء قسمه.
تغيرت ملامح وجه فريدين بتعقيد. فوضعية إيلين كانت مطابقةً تمامًا لما فعله هو في الماضي عندما أقسم أن يعود إليها سالمًا.
“لم أقم يومًا بأي شيء بإرادتي. لا هدف في حياتي، ولا اتجاه..…”
حين كانت تحتضر على يد سيف رايمون، أقسمت في قلبها عزمًا لا يتزعزع. مهما كانت النتيجة، ستختار هي طريقها.
سواءً كان ذلك طريق الحياة أو الموت، أو حتى إن كان الطريق إلى الجحيم.
شعر فريدين بمشاعر متضاربة وهو ينظر إلى إيلين.
كان يعلم أنه يجب أن يمنعها. وكان يعتقد أن ذلك هو الصواب. لكن بعد سماع كلماتها التالية، لم يعد قادرًا على أن يطلب منها البقاء.
“سأعود حتمًا. دعني أختار مصيري بنفسي هذه المرة.”
***
كان ديريك بانتظار فريدين في مكتبه. و أمامه جلس آمون بوضعيةٍ مائلة قليلًا.
“اهدأ قليلاً. عبوسكَ لن يُعيد إيلين ليسروس.”
“إيلين لم ترحل بعد.”
“إن ذهبت إلى الغرب، فهل ستلتقي بهيليكس؟ إن ساعدها ذلك الرجل، فلن يكون من المستحيل إتمام مهمةِ ما قبل الترقية.”
“قلت لك أنها لن تذهب إلى الغرب. ومن قال أنه سيساعدها؟ لو كان هناك مساعدة فسيكون العكس.”
شعر ديريك بعدم ارتياحٍ من كلمات آمون الساخرة.
“لما تتحدث وكأن إيلين ليسروس أقوى من هيليكس؟”
“ماذا؟”
“أقول أن هيليكس قوي. هناك من يقول إنه قد يصبح يومًا قائد فرسان الهيكل في المعبد المركزي.”
“…….”
“قوته الروحية مذهلة، ويجيد استخدامها بمهارة مدهشة. لو قسناه على مستوى الفرسان العاديين، لاعتُبر فارسًا من الدرجة العليا.”
“وما علاقة هذا بالموضوع؟”
“لكن رغم ذلك، تتصرف وكأن إيلين أقوى منه. هل نسيت كيف نال فرسان الهيكل من المملكة المقدسة اعتراف الإمبراطور؟”
عند سماع كلام ديريك، تجمد وجه آمون فورًا. فلم يكن بارعًا في الكذب مطلقًا.
عضّ آمون شفته بأسنانه، و كادت أن تنفجر رغبةٌ في قول الحقيقة.
لطالما اعتبر نفسه شخصًا كتومًا. لكن كلما رأى من يستخف بإيلين، أراد أن يمسكهم من أعناقهم ويصرخ في وجوههم، “إيلين أصبحت بالفعل سيّدة السيف!”
مزّق آمون شعره من شدة الضيق، يعاني مجددًا من تلك الرغبة القوية. لكنه كان عليه أن يتحمل.
وبينما كان يكبح تلك الرغبة، رفع طرف فمه بابتسامةٍ خفيفة وهو ينظر إلى ديريك.
وفي اللحظة التي مال فيها ديريك برأسه متعجبًا من تلك الابتسامة المتكلفة، دخل فريدين من باب المكتب.
في تلك اللحظة، التقت أعين آمون وديريك. فالهالة التي كان ينشرها فريدين لم تكن عادية.
فورًا، أدرك الاثنان أن مزاجه ليس على ما يرام. فأشار ديريك بعينيه إلى آمون،
‘اسأله بسرعة، ماذا حصل بينه وبين إيلين ليسروس؟’
تنهّد آمون أمام نظرات ديريك الملحة، ثم حدق في فريدين.
“فريدين! ماذا حصل؟ أين إيلين؟”
“رحلت.”
“ماذا؟!”
اتسعت عينا آمون بذهولٍ عند سماع كلمات فريدين. وكذلك ديريك، عبس وهو يهز رأسه بخيبة.
“ألم تكن تنوي منعها؟”
“كنت أنوي ذلك.”
لم يكن فريدين يريد لإيلين أن تخوض معركتها الوحيدة، حتى وإن كان يؤمن بقدراتها.
وفوق ذلك، في معبد الغرب يوجد إيزيس وهيليكس. ولإجراء ترقية الفارس، لا بد من وجود شاهد يراقب ذلك المسار.
وغالبًا ما يُرافق الفرسان المقدسون، الذين لا يمكنهم الكذب، هذه الاختبارات، لذا من المحتمل أن تطلب إيلين العون من المعبد.
كان يؤرق فريدين احتمال أن تلتقي إيلين بهما في غيابه.
حينها، سأله ديريك وقد بدا عليه الاستغراب،
“ولمَ سمحت لها بالرحيل؟ أهل الغرب لن يساعدوها أبدًا.”
كان فريدين يدرك ما يرمي إليه ديريك. فالناس في الغرب، الذين لا يعرفون الكثير عن إيلين، سيعاملونها بعدائية.
الغرب أرضٌ خطرة، تظهر فيها الوحوش كثيرًا، مما يجعلها غير مناسبة للعيش البشري.
وقد أسكن الإمبراطور فيها أهل المملكة المقدسة، لذلك بات لدى سكان الغرب عداءٌ شديد تجاه أبناء الإمبراطورية.
فريدين أيضًا لم يكن خاليًا من القلق. لكن بعد أن نقل لإيلين كلماته “هو في الماضي”، تغيّر موقفها بشكلٍ لم يكن عاديًا.
عندما وصل فريدين إلى تلك الذكرى، احمرّ وجهه بشدة، لدرجة أن ديريك الذي كان بجانبه ارتبك من ردة فعله.
رغم أن ما قاله كان مجرد كلماتٍ فكّر بها “هو في الماضي”، إلا أنه بدأ يتساءل إن كان إبلاغها بها هو التصرف الصائب حقًا، وهل جعله ذلك الأمر أثقل على قلب إيلين.
لم يستطع طرد صورة إيلين وهي تتألم من ذهنه.
كان يتمنى من أعماقه أن يصرخ ويطلب منها ألا ترحل. لكن حتى لو تكررت الأمور نفسها، فلن يستطيع منعها.
“دعني أختار مصيري بنفسي هذه المرة.”
وإن كان الأمر كذلك، فعليه أن يفعل ما بوسعه من هنا.
***
ما إن وصلت إلى الغرب، حتى بدأت نظرات الناس الحادة تنهال على إيلين. و ربما كان السبب هو زيّ فرسان أكاديمية أتينس الذي كانت ترتديه.
تابعت إيلين السير نحو وجهتها، متظاهرةً بعدم رؤية العيون المليئة بالشك والحذر من حولها.
‘لا خيار آخر.’
فالمتدربون الذين يؤدون مهمة اختبار الترقية، مُلزَمون بارتداء زيّ الفرسان. و لم يكن بإمكانها إخفاء انتمائها لأكاديمية أتينس.
وصلت إلى أذنيها همساتٌ أهل الغرب.
“لماذا جاءت إلى هنا؟”
“إنها ترتدي زي الفرسان. لا بد أنها هنا من أجل اختبار الترقية.”
“طالبةٌ من أكاديمية أتينس تؤدي اختبار الترقية هنا؟”
“توقف عن التحديق وادخل الآن.”
تجاهلت إيلين نظراتهم. فقد اعتادت على تلك النظرات المليئة بالعدائية.
‘هيليكس لا بد أنه في المعبد الآن.’
و ما دامت تعرف وجهتها، فلا مجال للتردد.
سارت إيلين بخطى ثابتة لمقابلة هيليكس.
***
في الوقت الذي وصلت فيه إيلين إلى الغرب، كان هيليكس – تمامًا كما توقعت – متواجدًا في المعبد.
لكن الجو في المعبد، الذي عادةً ما يكون ساكنًا للغاية، كان مضطربًا على نحوٍ غير مألوف.
اقترب هيليكس من أحد الكهنة الذين كانوا يسيرون في الممر وسأله،
“هل حدث شيءٌ ما؟”
“آه، السيد هيليكس. لقد وصلت الكاهنة إيزيس لتوّها.”
عند سماعه الاسم المألوف، أومأ هيليكس برأسه دون تعبير يُذكر.
إيزيس هي شقيقته التوأم، و تشغل منصب كاهنة في المعبد المركزي بغرب البلاد.
‘إذاً لقد وصلت.’
إيزيس إزارت، كانت من أكثر الأشخاص نفوذًا في الغرب، وربما لا تقل تأثيرًا عن إمبراطور الإمبراطورية نفسه.
تملك قوةً روحية هائلة، وتُعتبر من أبرز المرشحين لتصبح البابا القادم.
أسرع هيليكس في خطاه. فقد كان يتوقع أين سيجدها. وكما توقع، كانت إيزيس في قاعة المعبد حيث يقدم الكهنة جلسات الاستماع و التأمل.
كانت جالسةً بهدوء، و بلا حراك.
إيزيس امرأةٌ ذات شعر أحمر مقصوص وقسماتٍ باهتة. كانت يملك وجهًا زاهدًا وجميلًا يليق بكاهنةٍ يقدّرها الجميع.
رغم الشبه في الملامح بينها وبين هيليكس، إلا أن الأجواء التي يبعثانها كانت مختلفة تمامًا.
“إيزيس.”
عندما ناداها هيليكس، التفتت إيزيس نحوه وابتسمت له ابتسامةً مشرقة.
كان هيليكس لا يظهر مشاعره، أما إيزيس فكانت ترتدي قناعًا بارعًا.
وعندما رأى هيليكس تلك الابتسامة الواسعة على وجه شقيقته، عبس على الفور. فكلما ابتسمت إيزيس بهذه الطريقة، كان لا بد من وجود…..شيءٍ مريب.
لأنه كان يعلم أن النظرة سترتدّ إليه.
__________________
وناسه حتى اخته شعرها أحمررررررر
ايلين سمعت الاعتراف الي ماكانت تتوقعه🥲
ااااااا جتني الصيحة بس مب على كيفهم كان ابي مشهد فريدين هو الي يقسم لها😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 61"