“ماذا تقولين! إيلين لم تمسك بالسيف منذ فترةٍ طويلة. طالما أنني على قيد الحياة، لن يحدث شيءٌ من هذا القبيل! أنتِ تعرفين جيدًا كم هي ضعيفة!”
فزع الماركيز وأخذ خطوةً إلى الوراء. ثم مد يده بحذر إلى سيفه الموضوع بجانب الطاولة.
حالما أمسك الماركيز بسيفه، رفع راكن سيفه صارخًا،
“سيدتي الماركيزة! لا تتحركي من مكانك. إذا اقتربتِ أكثر، سأهاجم!”
تجاهلت كورِيليا تحذيره واقتربت من الماركيز خطوةً بخطوة. ففي النهاية، راكن لن يكون قادرًا على الوقوف في وجهها.
“لا داعي للقلق، لويد. شارلوت خلفي هي ساحرة ظلامٍ ممتازة. كما أنها بارعة في فنون الدمى. حتى وإن اختفيتَ الآن، لن يلاحظ أحدٌ غيابكَ.”
“…..راكن!”
أعطى الماركيز إشارةً للهجوم على الرغم من أن جسده كان يرتعش من خيبة الأمل والخيانة تجاه كورِيليا.
“آه، هل تعلم شيئًا؟”
لكن كورِيليا تفادت السيف الذي مدّه نحوها بسهولة. ثم أمسكت بالسيف الذي قدمته لها شارلوت وأكملت حديثها.
“ابنتكَ، إيلين ليسيروس، هي المُختارة.”
“….…”
“في الحقيقة، هي من اختارها السيف، وليس كارون.”
“مـ……ماذا تقولين؟”
“الأمر لم يعد يعني شيئاً الآن، لكن إيلين لن تعود حية من المنطقة الغربية. فحتى شخص بمستوى الدوق أسيلي لن يكون الأمر سهلاً عليه.”
“ما الذي تنوين فعله بإيلين؟!”
عندما صرخ الماركيز وهو يوجه سيفه نحوها، أمالت كورِيليا رأسها إلى الجانب
“هل أشرح الأمر بطريقةٍ أسهل؟ أنت الآن سجين في زنزانة تحت الأرض……وابنتك ستموت قريباً.”
“.……”
“لكن لا تقلق. إن ماتت إيلين، سأحرص على إخباركَ بذلك.”
قالت كورِيليا ذلك بينما كانت تضحك بوحشية.
***
في ذلك الوقت، بينما كان فريدين مع الفرسان المتدربين في المكتب، اندفع ديريك مسرعاً إلى الداخل وهو يصرخ نحوه.
“هل صحيحٌ أن إيلين ليسيروس ذاهبة إلى الغرب لخوض اختبار الترقية……؟”
عند هذا السؤال، نهض فريدين من مكانه بسرعة. وبينما كان يخطو بعجلة بحثاً عن إيلين، تذكّر اليوم الذي ظهرت فيه قدراته لأول مرة.
أول مشهد ماضٍ رآه، كان ماضي والدته.
أميرةٌ و قديسة المملكة المقدسة التي احتلتها الإمبراطورية. امرأةٌ أُجبرت على الزواج من رجل لا تحبه.
في الماضي الذي رآه، لم تكن والدته سعيدةً ولو لمرة واحدة. و فريدين لم ينسَ حتى الآن ردّة فعلها عندما أخبرها بأنه قادرٌ على رؤية الماضي.
وجه شاحب، ويدان ترتجفان بلا سيطرة. ثم عانقته والدته وبكت طويلاً.
“فريدين، لا تخبر أحداً بأنكَ قادرٌ على رؤية الماضي. لا تثق بأحد سوى هيليكس.”
منذ ذلك الحين، أصبح فريدين بارعاً في الكذب. ولإخفاء أمر قدراته، تعوّد على كتمان مشاعره تلقائياً.
حتى اليوم، لم يكن يعرف الحقيقة سوى الدوق أسيلي، وابنته، وأقرب المقربين من والدته من شعب المملكة المقدسة.
حتى ديريك لم يكن يعلم بأن فريدين يملك “عين ترى الحقيقة”، فقد كان هذا سراً مطلقاً.
‘لو أن القدرة ظهرت في ديتريون، لكان الجميع قد هنّأه بها.’
السرّ الذي لم يكن يستطيع البوح به حتى لأقرب الناس إليه، كان يثقل صدره أحياناً. و راودته الرغبة في إخبار أحد بالحقيقة ذات مرة.
لكن ما إن يعلم الإمبراطور أن من ظهرت فيه القدرة ليس ديتريون بل هو، فلن يُكتب له النجاة.
‘لم أرغب بها يوماً.’
لقد كره قدرته. بل يمكن القول أنه كان يكرهها حدّ الحقد. فـ”عينٌ ترى الحقيقة” كانت دليلاً قاطعاً على أن دم الإمبراطور يجري في عروقه.
لكن في هذه اللحظة بالذات، شعر بالامتنان لامتلاكه تلك القدرة.
قبل أن ينطلق للبحث عنها، أظهرت قدرته لمحاتٍ من ذكريات متفرقة عن إيلين. وكما في كل مرة، شعر بصداع حاد وكأن إبرةً حادة تخترق رأسه.
‘حين أعود، لا بد أن أخبرها.’
كان هذا ما فكّر فيه.
لكن “العودة”……من أين؟ و إلى أين؟
لم يكن ذلك مهماً الآن. فأمام فريدين ظهر مفترق طريق يؤدي إلى البوابة الأمامية والخلفية.
عادةً، يغادر الفرسان المتدربون إلى اختبار الترقية عبر البوابة الأمامية، وسط تشجيع الجميع. لكن إيلين لم تكن من النوع الذي يرغب في مثل تلك الأجواء.
ورغم أنه لا يستطيع الادعاء بأنه يعرفها بالكامل، إلا أن إيلين التي يعرفها كانت تسير دوماً في طريقها بصمت، حاملة كل الأعباء وحدها.
وكما توقع، لمحها فريدين عند البوابة الخلفية دون تردد. و كانت تنظر إليه بوجه يملؤه الذهول، وكأنها لا تصدق أنه قد أتى إلى هنا.
‘كنتِ تنوين الرحيل دون أن تقولي شيئاً……’
لقد كانت تنوي أن تسلك ذلك الطريق الصعب وحدها، دون أن تطلب مساعدة أحد. كانت تنوي أن تتحمل كل شيء بمفردها من جديد.
وكان ذلك أمراً لا يمكنه تحمّله.
اقترب فيردين من إيلين خطوةً بعد خطوة.
‘كيف……كيف وصلتَ إلى هنا……’
“سيدة إيلين، هل تنوين الذهاب إلى الغرب؟ هل ستطيعين أمر جلالته؟”
“….…”
“لا تذهبي، سيدة إيلين. لا داعي لأن تنفذي أمراً بهذا الجنون.”
كان ما يعرفه مشوشاً وضبابياً، كمَن ينظر من خلال ضباب.
لكن هناك أمرٌ واحد كان واثقاً منه: إيلين كانت تدفع نفسها إلى أقصى الحدود. لأنها كانت تحاول تغيير مصيرٍ محتوم تعرفه مسبقاً.
“إن لم ترغبي في الذهاب، فسأساعدكِ.”
كانت كلماتٍ مشابهة لتلك التي قالها ديتريون، لكن الثقل الذي حملته كان مختلفاً تماماً.
فشعرت إيلين بغصّة تعتصر صدرها.
***
إيلين كانت تعرف جيداً كم هو صعبٌ على فيردين أن يعارض أوامر الإمبراطور.
وكما كان دائماً، ها هو يحاول التضحية من أجلها مرة أخرى.
“لا، سأذهب. لأن هذا أمرٌ عليّ إنجازه بنفسي. حتى لو تخلّيت عن هذه المهمة بمساعدتكَ، فـجلالته سيكلفني بمهمةٍ أخرى. وربما تكون أصعب من الذهاب إلى الغرب.”
نظر فريدين إلى إيلين من الأعلى.
“السيدة إيلين، إن لم يكن في سؤالي تطفّل……لماذا لا تفصحين عن الحقيقة؟”
“….…”
“لقد وصلتِ بالفعل إلى مرتبةٍ عظيمة. وإن أعلنتِ ذلك، ستحصلين على المجد بسهولة.”
“….…”
“ربما سيعجب بكِ كل الفرسان. بل حتى قد تتمكنين من رفض أوامر جلالته الجائرة. هذه هي مكانة سيد السيف.”
“….…”
“لكن لماذا تُخفين تلك الحقيقة……وتدفعين نفسكِ إلى هذا الحد؟”
عندما رأت إيلين انعكاس صورتها في عيني فريدين، تراجعت خطوةً إلى الوراء بتوتر.
ماذا يمكنها أن تقول له؟
أنكَ قد مت في الماضي؟ وأن موتكَ كان مرتبطاً بي بشكلٍ واضح؟ وأنني الآن أذهب لمحاولة منعه؟
هل يمكن أن تُقال هذه الكلمات؟
في اليوم التالي للحفل، ندمت إيلين على انفعالها العاطفي الذي دفعها لأن تطلب من فريدين، دون وعي، أن يفهم كل شيء.
كرهت نفسها لذلك. و شعرت أنها لم تتغير عن ماضيها أبداً.
“أنا……أنا فقط……”
لكنها لم تستطع إكمال كلماتها. و عندها، أمسك فريدين بيدها بشدة ونظر مباشرةً إلى عينيها.
فتحت إيلين عينيها بدهشة من لمسة جسدية مفاجئة، فيد فريدين التي غطت يدها كانت دافئةً بشكل مدهش. وعيناه الزرقاوان كانتا لا تنظران إلا إليها.
“سيدة إيلين، لدي سرّ لا أستطيع البوح به حتى لأقرب الناس إليّ.”
“….…”
“أنا قادرٌ على رؤية الماضي. إنها قدرةٌ تَظهر في من يحملون دم إمبراطورية ليكسيا بقوة.”
“لماذا تخبرني بهذا……؟”
في الماضي، لم يحدث أن أخبرها فريدين بأي شيء عن قدرته. وهي لم تعرف بأمر قدرة فريدين إلا بعد أن كان الإمبراطور قد أدرك الأمر بالفعل.
“أنا آسف، سيدة إيلين. لم يكن عن قصد، لكنني رأيتُ ماضيكِ.”
شعرت إيلين بالخوف من اعتذاره.
هل اللحظة التي رآها فريدين من ماضيها، هي تلك التي كانت فيها مع كورِيليا، والتي أخبرتها أن كل شيء كان بسببها؟
“وأيضاً……في المرة الماضية، رأيت ماضياً غامضاً……وفي تلك الذكرى، كنتُ معكِ.”
“….…”
“وهذا يعني أن المستقبل الذي تعرفينه يا سيدة إيلين……هو في الحقيقة ماضٍ عشتيه بنفسكِ، أليس كذلك؟”
عندما سمعت إيلين كلمات فريدين، تراجعت خطوةً إلى الخلف وكأنها تريد الهرب منه.
ولم يستطع فريدين أن يمد يده ليمسك بها.
“لا أستطيع أن أتخيل ما الذي مررتِ به، أو ما الذي تحاولين تغييره. لكن……لا أريد أن تتأذي، ولا أحتمل رؤيتكِ تتألمين.”
_________________________
ببكي اااااااااا اعترف لها تكفى
يعني يمكن ماتروح للغرب؟ الصراحه مابي ابيها ترجع تبكي بحضن فريدين وأسيلي يروح ينقذ الماركيز 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 60"