كانت تظن أن دموعها قد جفّت تمامًا من كثرة البكاء بعد سماع خبر وفاة فريدين، لكن يبدو أن ذلك كان مجرد وهم. فقد انهمرت الدموع بلا توقف كما لو أن السدّ المنهار قد أُزيل.
“هل كنتُ بهذا السوء حقًا……؟”
ارتجفت أطراف أصابع إيلين.
عاشت طوال حياتها تتلقى اللوم من الجميع على أشياء لم تقم بها. و كانت تتوق إلى أن تُحَب، لكنها لم تعرف كيف يمكن أن تُحَب.
لم تكن تعلم ما الذي يجب عليها فعله كي تنال حب من يكرهها بلا سبب….و كم من الجهد عليها أن تبذل أكثر……
كانت قد فكرت يومًا بأنها تتمنى لو تعرف السبب، فقط لتستطيع الاستسلام.
“هل كنتِ تكرهينني إلى هذا الحد؟”
“إيلين، يا لكِ من مسكينةٍ فعلًا.”
قالت كورِيليا ذلك ثم انفجرت ضاحكة.
“لا تقلقي. لن تواجهي وحدكِ هذا المصير في وحدةٍ موحشة.”
“….…”
“عائلتكِ ستلحق بكِ قريبًا أيضًا.”
وما إن أنهت كورِيليا حديثها حتى اقترب رايمون الذي كان يقف بجانبها.
“ما كنتِ لتعلمي كم حلمتُ دومًا بلحظةٍ أقتلكِ فيها أولًا، ثم أخبر والدكِ بالحقيقة.”
ثم انحنت كوريليا نحو إيلين وهمست في أذنها.
“كنت أكره والدكِ بشدة، يا إيلين.”
“…….”
“كم كان مثيرًا للشفقة وهو يكرر شكره بالكلام فقط في كل مرة. في الحقيقة، كنت أرغب في قتل الماركيز قبلِكِ، لكنني تماسكت فقط لأرى وجهه المذهول بعد سماعه بموت ابنته. فقد كنت أرغب بشدة في رؤية ذلك.”
“…….”
“ستموتين هنا، يا إيلين. ثم سأذهب إلى والدكِ وأقول له هذا الكلام.”
“…….”
“في الحقيقة، كل ما حدث حتى الآن لم يكن من فعل إيلين. أنا من دبّر كل شيء. لكن لم يعد هناك ما يمكن إصلاحه الآن، لأن ابنتكَ لم تعد موجودةً في هذا العالم.”
‘آه……آآه……’
عندما ضغطت كورِيليا بقدمها، تجعّد جبين إيلين من الألم، لكنها لم تصدر أي صوت، واكتفت بالنظر إلى وجه كورِيليا.
إيلين الغبية، الساذجة، لم تدرك الحقيقة إلا في تلك اللحظة.
كورِيليا، منذ البداية، لم تكن لتمنحها أي حبٍ مهما بذلت من جهد. فمنذ البداية، لم يكن نيل حب كورِيليا أمرًا ممكنًا لها، مهما حاولت.
“رايمون، أنهِ الأمر. سأذهب الآن لأتولى أمر كارون.”
رأت رايمون يسلّ سيفه.
كل ما كانت تؤمن به لم يكن سوى سراب.
سيف رايمون وُجه نحو إيلين. و كان ألم عنقها لا يُحتمل، لكنها لم تستطع أن تُغمض عينيها فورًا.
كانت تشعر ببطء أنها تحتضر. و الدموع لم تتوقف، سواءً من الحزن، أو من شدة الألم.
ظلت ملقاةً على الأرض الباردة لوقتٍ طويل، تُطلق لعنتها. لكن لعنتها لم تكن موجهةً إلى كورِيليا، ولا إلى رايمون.
كانت موجّهة إلى نفسها، الساذجة والعاجزة.
فتحت إيلين عينيها التي كانت قد أغمضتهما.
في كل مرة كانت تمر فيها بوقتٍ عصيب، كانت تستحضر تلك اللحظة في ذهنها. والأمر المضحك هو أنها كانت تستمد القوة كلما تذكرت ذلك المشهد.
‘هل سيكون والدي بخير؟’
عندما وضعت إيلين خطةً لإظهار قوتها، كانت قد افترضت أسوأ السيناريوهات الممكنة.
كانت تعرف جيدًا أن والدها سيعود إلى قصر الماركيز في مثل هذا الوقت تقريبًا. وأسوأ ما قد يحدث نتيجةً لإظهار قوتها واستفزاز كورِيليا، هو أن ينتهي الأمر بتورّط والدها في أمرٍ خطير.
‘لكنهم لن يجرؤوا على المساس بوالدي بسهولة.’
الإمبراطور نفسه لن يتمكن من المساس بالماركيز ليسيروس بعد. و لن يجرؤ على مهاجمة عائلة ليسيروس إلا حين تكتمل كل استعداداتهم.
ولا تزال هناك على الأقل بضع سنواتٍ متبقية قبل أن يحدث ذلك.
وفوق هذا، كانت هناك علاقةٌ متينة بين والدها و الدوق أسيلي. وكان من المعروف أن الدوق أسيلي كان يذهب بنفسه لمقابلة الماركيز كلما زار أراضيه.
ولهذا السبب أيضًا، لن تجرؤ كورِيليا على المساس بوالدها.
وبينما كانت إيلين تجهد في تهدئة نفسها بهذه الأفكار، طُرَق باب السكن الجامعي.
“هل يمكنني الدخول؟”
“كارون؟”
فتحت إيلين الباب.
كان وجه كارون قد أصبح شاحبًا بعدما غاب عنها لأيامٍ قليلة.
“سمعت أنكِ ستتوجهين إلى الغرب لخوض اختبار الترقية.”
“…….”
“وسمعت أيضًا أنكِ رفضتِ أن يُبلغ الدوق أسيلي جلالته بالرفض.”
“…….”
“لا أعلم شيئًا عن الحقيقة التي تخفينها، ولا من هم أعداؤنا، ولا ما هو العبء الذي تتحملينه بمفردكِ……”
قال كارون ذلك وهو يقترب منها.
إيلين ظنّت أنه أتى ليمنعها. لكن الكلمات التي خرجت من فم كارون خالفت كل ما توقعته.
“لن أمنعكِ.”
“كارون؟”
قال ذلك وهو يحدق مباشرةً في عينيها.
“لا بأس إلم تخبريني بالحقيقة الآن. فقط، يومًا ما……”
“….…”
“يومًا ما، عندما أصبحُ قويًا بما يكفي لتكون ثقتكِ بي مبرّرة، أرجوكِ أخبريني، أختي.”
“….…”
“أيًا يكن ما تقولينه، سأصدقكِ.”
لم تستطع إيلين الرد على كلماته لفترة طويلة.
أن يقول كارون، الفخور والبارد، مثل هذا الكلام……كان أمرًا لم تكن لتتخيله في الماضي. ورغم كل الكلمات القاسية التي قالها لها من قبل، ها هو يقف أمامها.
نظرت إليه، ثم علّقت سيفها على خصرها. وفي تلك اللحظة، أدرك كارون أن الهالة المحيطة بإيلين قد تغيرت.
“سأخبركَ……يومًا ما، بالتأكيد.”
“.……”
“شكرًا لأنكَ وثقت بي، كارون. أعدكَ أنني سأعود.”
كانت كلماتها أقرب إلى عهد.
عينا إيلين تألقتا بضوء حازم. مهما كان ما ينتظرها في الغرب، ستعود حيّة.
وستعود إلى هنا، لتخبر كارون بالحقيقة كلها. لأجل أخيها الذي آمن بها، قطعت ذلك العهد في قلبها.
***
كانت شارلوت، ساحرة الظلامٍ البارعة، تنظر إلى الكريستالة التي كانت تمسك بها في يدها.
سحرة الظلام المنتشرون في أنحاء الإمبراطورية كانوا يجمعون المعلومات بسرعة وينقلونها إليها.
“الخبر ينتشر بأن إيلين ليسيروس ستتوجه إلى الغرب لخوض اختبار الترقية.”
“لا بد أن الماركيز تلقى الخبر أيضًا.”
جلست كورِيليا أمام المرآة تتفقد هيئتها.
شعرها، مكياجها، كل شيء كان في غاية الكمال، كانت جاهزةً تمامًا لإنهاء هذا التمثيل الممل.
وبينما تفكر في ذلك، خطر ببالها مكتب الماركيز حيث من المفترض أن يكون.
كان اليوم من الأيام النادرة التي يعود فيها الماركيز إلى قصره. ومنذ اليوم الذي تحدثت فيه مع الإمبراطور، كانت كورِيليا تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر.
وبالتزامن مع وصول أخبار إيلين، ارتسمت ابتسامةٌ على شفتيها.
“ما الذي تخفيه إيلين يا ترى؟”
“…….”
“ليس مهمًا بعد الآن.”
قالت كورِيليا ذلك ونهضت من مقعدها. ومع كل خطوة تخطوها، كان الخدم يحنون رؤوسهم لها.
ورغم أن الماركيز لم يكن يعلم، فإن معظم خدم قصره كانوا في الواقع من أتباعها، أو بدقة أكثر، من أتباع الإمبراطور.
“سيدي الماركيز! الآنسة إيلين…”
“ماذا؟! ماذا تعني بذلك! تقول أن إيلين توجهت إلى الغرب لخوض اختبار الترقية؟!”
ضحكت كورِيليا بسخرية عندما سمعت صوته وهي تصل أمام مكتب الماركيز.
لا يزال الماركيز يظن أن ابنته مجرد فتاةٍ نبيلة ضعيفة. كان يحب ابنته، لكنه لم يكن يجيد التعبير عن ذلك أو منحها اهتمامًا حقيقيًا.
فمنذ وفاة زوجته الحبيبة، غرق في عمله حتى أصبح نصف مجنون به. وحتى الآن، لم يدرك ما الذي سبّبه ذلك من مآسٍ.
فتحت كورِيليا الباب دون أن تطرق. و رأت الماركيز، والحارب، والسيد راكن، الفارس المقرّب من الماركيز.
“زوجتي؟ نحن في خضم أمر عاجل الآن……”
كان الماركيز قد ارتدى عباءته فوق زيه الرسمي، وكأنه على وشك التوجه إلى القصر الإمبراطوري فورًا. لكن كورِيليا لم تكن لتسمح له بإزعاج الإمبراطور.
“إيلين……تسببت بمشكلة مجددًا، أليس كذلك؟”
“هذه المرة، لم يكن الأمر غلطة إيلين! جلالته كلّفها بمهمةٍ ظالمة تمامًا. لا يمكن قبول هذا! يجب أن أذهب إلى القصر فورًا.”
بينما كان الماركيز يتحدث، كانت كورِيليا تمسح زاوية عينيها الجافتين بمنديلها. و تابعت حديثها وكأنها لا تسمع ما يقوله على الإطلاق.
“حقًا لا أمل منكَ، أليس كذلك؟ هناك من هو أكثر غباءً من إيلين. إنه أنت، لويد ليسيروس.”
نظر الماركيز إليها بدهشة، غير مصدقٍ ما سمعه.
“في الحقيقة، إيلين فتاةٌ طيبة للغاية. لقد حاولت أن تفهم والدًا لم يُعرها اهتمامًا، بل وأحبت أخاها الأصغر الذي لم يعرف شيئًا سوى توجيه اللوم إليها.”
أسقطت كورِيليا المنديل من يدها على الأرض، ثم داسَته دون تردد. و في تلك اللحظة، بدأت شارلوت خلفها تحرّك يديها وتتمتم بكلماتٍ غامضة.
وفجأة، تحولت يد كورِيليا الناعمة، التي لم تكن تحمل أثرًا لندبة واحدة، إلى يد خشنة كيد فارس مليئة بالجلد المتصلّب.
اتسعت عينا الماركيز بدهشة وهو يحدق في المشهد.
“زو……زوجتي، ما الذي يحدث هنا؟!”
“لن يحدث شيء. سترحل إيلين بكل بساطة إلى الغرب.”
عند كلمات كورِيليا، احمرّ وجه الماركيز غضبًا.
_______________________
كارون اخيرا عقل يحزني صدق
والماركيز مابغا يطلع حشاا
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 59"