إيلين في الوقت الحالي لم تكن تعبّر عن مشاعرها جيدًا، لكنّها بدت له إنسانةً رقيقة.
لا يزال مشهد الفتاة التي كانت تبكي بحزنٍ أمام قبر القطة عالقًا في ذهن فريدين. و ذلك المشهد تداخل مع صورة إيلين التي رآها البارحة.
بينما كان ينظر إلى فريدين القلق، اقترب ديريك منه بحذر.
“فريدين، ليليا غادرت اليوم مع باهان.”
عند سماعه تلك الكلمات، نظر فريدين إلى ديريك، فقام ديريك بحكّ مؤخرة رأسه وهو يناوله الرسالة التي تركتها ليليا.
كانت ليليا قد أخبرته برغبتها في الذهاب إلى برج السحر قبل بدء الحفل.
“سأبحث في أمر وفاة كاي. أشعر أن زوجة الماركيز ما زالت تخفي شيئًا. و بما أن إيلين لا تنوي إخباري، فسأذهب بنفسي إلى البرج لأعرف الحقيقة. وسأسلك هناك طريق الكفاح.”
“…….”
“لا تخبر إيلين…..يجب أن أكفّر عن ذنبي تجاهها.”
كان فريدين يعلم منذ وقت سابق أن ليليا ستتوجه يومًا ما إلى برج السحر. وحتى لو انضمت إلى البرج، فإنها لن تتوقف عن كونها فارسته طالما رغبت في الاستمرار.
لذا، سمح لها فريدين بالرحيل. كما احترم رغبتها في المغادرة بهدوء.
ليليا محقة. كان لا بدّ لها من التكفير أمام إيلين. وهذا لا علاقة له بمدى الشفقة التي قد يشعر بها المرء تجاه ظروفها.
طريق الكفاح في برج السحر كان يُعرف منذ القدم بأنه مقبرة السحرة. وكان على المتدرب أن يتمّ المهمات التي يكلّفه بها سيد البرج.
لم يكن بوسع العامة معرفة المدة التي قد يستغرقها الأمر، أو أي نوع من المخاطر قد يواجهه هناك. لكن من يُكمل طريق الكفاح، ينال سلطةً عظيمة تُمكّنه من استعارة قوى البرج بحريةٍ تامة.
لأن ذلك يعني أنه أصبح “ساحرًا موهوبًا” معترفًا به من قِبل سيد البرج.
‘ليست كل الأمور تُغتفر بكلمة ‘لم أكن أعلم’ فقط.’
حتى لو بكى المرء وتمسّك قائلاً أنه لم يكن يعلم، هل سيُمحى الماضي الذي عانته إيلين؟
ليليا رحلت لتكفّر عن ذنبها تجاه إيلين، على الأقل بكشف الحقيقة وتبرئة إيلين بالكامل من التهم الباطلة.
كان فريدين غارقًا في التفكير، لكنه استعاد وعيه عند سماعه كلام ديريك.
“آه، وأيضًا…..وصل اليوم مرسَل من هيليكس..…”
“من هيليكس؟ هل اكتشف شيئًا؟”
عند سماع فريدين لكلام ديريك، أصبحت ملامحه جادة.
“أمم، لحظة فقط..…”
فتح ديريك الرسالة التي وصلته من هيليكس. ثم تجمّد في مكانه.
و شعر فريدين بشعور مريبٍ أيضًا. فأخذ الرسالة من يد ديريك.
[سأعود.]
كانت عبارةً مختصرة، تليق بهيليكس إزارت.
لكن الكلمات المكتوبة أسفلها جعلت فريدين ينهض من مكانه على الفور.
[اليوم.]
إيلين كانت في خطر.
***
كانت إيلين لا تزال تحت تأثير ما حدث في الليلة الماضية. و لم تستطع نسيان لمسة يد فريدين الحنونة وهو يربت على ظهرها.
أدركت مجددًا هدف حياتها. تلك اليد الدافئة التي واسَتها، وتلك الكلمات الرقيقة التي قالها…..لقد عادت للحياة هذه المرة من أجل حمايته هو.
وتذكّرت ما قاله لها فريدين الليلة الماضية.
“إذا شعرتِ بالتعب…..أخبريني في أي وقت.”
قال ذلك بينما كان يمسح دموعها بلطف.
‘كنتُ سعيدة…..’
في الحقيقة، كانت دموعها قد جفّت منذ فترة. فلم تكن غارقةً في الحزن كما في الماضي، إذ أصبحت مشاعرها أكثر جفافًا.
لكنها كانت تحب أن يُواسيها فريدين. ولهذا لم تستطع إيقاف دموعها.
“لأن اليوم كان متعبًا جدًا…..فقط قليلًا بعد، قليلًا فقط..…”
راودها مثل هذا الطمع. لكنها كانت مشاعرُ تعود لليلة البارحة فقط.
من الآن فصاعدًا، لن تبكي مجددًا كما فعلت في ذلك الوقت.
أمسكت إيلين بسيفها. رأت آمون يتدرّب إلى جانبها، يلوّح بسيفه.
كان مختلفًا عن آمون في هذا الوقت من حياتها سابقًا.
بفضل التزامه في التدريب، كان ينمو بسرعة مذهلة. و كان يُسمع من سيفه صوتٌ قوي يشقّ الهواء.
أغمضت إيلين عينيها وهي تستمع لذلك الصوت. فقد كانت تحب صوت السيف الذي يصدره آمون.
‘في مثل هذا الوقت تقريبًا، جاء هيليكس إزارت إلى الأكاديمية.’
هيليكس إزارت، آخر فارسِ مقدّس بقي من زمن القديسة السابقة.
عادةً ما تُمنح القوة المقدسة منذ الولادة، ولهذا فإن الأطفال الذين يُحتمل أن يصبحوا فرسانًا مقدّسين أو كهنة يُؤخذون من أهلهم في سن مبكرة ويُرسلون إلى المعبد.
ومن بين هؤلاء، يَنشأ القلائل الموهوبون تحت رعاية القديسة نفسها. وكان هيليكس أحد أولئك الذين تربّوا إلى جانبها نظرًا لقوته المقدسة الاستثنائية.
‘في سن الخامسة عشرة، أصبح فارسًا مقدسًا بعدما تم الاعتراف بموهبته في القوة المقدسة وفنون السيف.’
قيل أنه طرد وحوشًا بقوته المقدسة في سن الخامسة عشرة. وكان أصغر من أصبح فارسًا مقدسًا في تاريخهم.
تم الاعتراف بموهبته، فأصبح فارسًا مقدسًا، ومنذ ذلك الحين كان يتقدم الصفوف في الغرب لطرد الوحوش.
عندما توفيت القديسة السابقة، عاد معظم الفرسان المقدسين إلى المعبد، لكن هيليكس إرارت وحده لم يعد، بل بقي إلى جانب فريدين. لأنه كان عليه تنفيذ الأمر الأخير الذي تركته القديسة.
‘في الماضي، جاء إليّ مباشرةً بعد وصوله إلى الأكاديمية.’
كان هيليكس يكره إيلين بشكلٍ غريب.
بخلاف باقي أعضاء الفِرقة الذين حاولوا حمايتها مُكرهين امتثالًا لأوامر فريدين، هو لم يكن يحتمل حتى مجرد وجوده بالقرب منها. ولهذا، كانت إيلين ترتجف خوفًا بلا سبب له كلما وقعت عيناها على عينيه الصفراوين.
“سيدة إيلين، بمَ تفكرين هكذا؟”
آمون، الذي أنهى تدريبه من دون أن تشعر، سألها وهو ينظر إليها. و كان يبدو عليه الاستغراب.
“هل حصل شيءٌ في الحفلة؟”
“لا يبدو أن شيئًا حدث فعلًا.”
قالت لآمون ذلك وهي تنظر حولها.
لكن في الحقيقة، لقد حدث شيءٌ بالفعل. فقد أظهرت القوة التي كانت تخفيها طوال الوقت.
آمون أيضًا لاحظ أن نظرات الفرسان الآخرين تجاه إيلين قد تغيّرت. فالذين كانوا يتعاملون معها براحة في السابق، صاروا الآن ينظرون إليها بنوع من الرهبة والتقدير.
‘آه، لقد كشفت عن كونها مختارةً من قِبل السيف. ولأنني أعرفون أنها سيّدة السيف، فربما نسيت…..’
لو عرف الناس أنها بالفعل سيّدة السيف، لقامت الدنيا رأسًا على عقب. فقط احتمالية أن تُصبح سيدة السيف في المستقبل كانت كافيةً لجعل الجميع يشعر بالرهبة منها.
“لا تهتمي كثيرًا. سيتعوّدون على الأمر قريبًا.”
قال آمون ذلك مواسيًا لها. وعندما سمعت كلماته، ابتسمت إيلين ابتسامةً خفيفة.
لكن لم يكن هناك ما يمكن التعود عليه. فهي كانت تفكر في مغادرة هذا المكان قريبًا على أية حال.
في تلك اللحظة، عقد آمون حاجبيه،
“لماذا أصبح المكان صاخبًا فجأة؟”
كان ساحة التدريب تمتلئ سابقًا فقط بأصوات السيوف المتصادمة، لكنها الآن صارت تعجّ بالضجيج.
توجّهت أنظار المتدربين جميعًا نحو جهةٍ واحدة. ولم يكن صعبًا على إيلين أن تدرك أن هيليكس قد وصل إلى ساحة التدريب.
كان يدخل بخطى ثابتة، وشعره الأحمر يتطاير خلفه.
“هيليكس إزارت؟”
“ما الذي يحدث؟”
“هذه الهيبة…..مذهلةٌ بحق.”
حتى طلاب الصف المبتدئ تراجعوا للخلف دون وعي. و كانت أعينهم مليئةً بالرهبة والانبهار تجاه هيليكس.
رغم أنه في نفس عمرهم تقريبًا، كان هيليكس إزارت فارسًا مقدسًا قد حقق العديد من الإنجازات.
فبينما كان آمون يلازم فريدين دائمًا ويعاونه، كان هيليكس يعزّز مكانة فريدين من الخطوط الأمامية.
نظرت إيلين إلى هيليكس الذي اقترب منها، وعيونها تلمع.
‘في مثل هذا العمر وبهذه المهارة المذهلة.’
كان هيليكس قويًا. وبمقارنةً مستواه الحالي، فقد كان يتفوّق على آمون.
لكن في المستقبل…..لم يكن له وجود.
تذكّرت إيلين تلك الحقيقة وهي تحدّق في هيليكس.
كانت ملامحه أرستقراطية، وحتى مشيته كانت تنضح نبلاً.
لكن الجميع فقد القدرة على الكلام عندما رأوا ما فعله بعد ذلك. فما إن وصل إلى ساحة التدريب، حتى ألقى قفازه في وجه إيلين.
أمسكت إيلين القفاز بخفة ودون تردّد. وعندما رأى ذلك، ارتجف جبين هيليكس قليلًا.
ثم ضحك بسخرية،
“أتحداكِ في مبارزة، إيلين ليسيروس.”
***
كانت الآنسة أسيلي في معبدها الصغير، وبجانبها جلس كارون بوجهٍ شاحب ومنهك.
كانت تلك غرفة التأمل داخل المعبد الموجود في الأكاديمية، وبما أن الوقت كان وقت الدروس، فلم يكن هناك أحدٌ سواهما.
كارون لم يستطع نسيان ما قالته له إيلين. ومنذ أن سمع كلماتها، بدأ في إنهاك نفسه.
كان مجتهدًا بطبعه، لكنه منذ عدة أيام توقف عن حضور دروس قسم فنون السيف، وبدأ يأتي إلى المعبد أو يواصل التدريب على السيف حتى وقتٍ متأخر من الليل.
حتى أن طلاب الأكاديمية الآخرين باتوا ينظرون إليه باستغراب.
“لو قمتَ بشيء كهذا، فلن تسامحك كوريليا.”
“….…”
“أنت لا تزال ضعيفًا، كارون.”
كلام إيلين لم يكن خاطئًا. و نظرتها للأمور لا شك أنها كانت موضوعية تمامًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 54"