كوريليا أمالت رأسها بتعجب. فكارون، الجالس في الجهة المقابلة، كان يحدق بها بثبات.
ما الذي يحدث معه اليوم؟
بالنسبة لكوريليا، كان الأمر غريبًا للغاية. كارون، الذي التقت به أمام المقهى، لم يقترب منها مبتسمًا كعادته.
‘لماذا جاء وحده دون إيلين التي طُلب منهُ إحضارها؟ مزعج.’
كانت كوريليا تنوي إجراء التأديب في مكان جيد بما أنها ستلتقي بإيلين بعد فترة طويلة، لكن كل شيء انقلب رأسًا على عقب.
“أختي قال بأنها مشغولةٌ اليوم، لذا لم أستطع إحضارها.”
كارون قال ذلك وهو ينظر إلى كوريليا، غير أن نظرته بدت مضطربةً على غير عادته.
‘أن يخل بالوعد معي لمجرد سماع هذا الكلام؟ هل طرأ عليه تغييرٌ مفاجئ في مشاعره؟’
“إيلين مشغولة؟ لا حيلة لنا إذًا. فهي……دائمًا ما تكون مشغولةً كلما أتيت. أفهم……على الأرجح لا ترغب في لقائي.”
ابتسمت كوريليا بلطف ووضعت يدها فوق يد كارون. لكن كارون أبعد يدها عن يده.
بدأت تجاعيدٌ تظهر ببطء على جبين كوريليا. ثم فتحت عينيها على وسعهما وحدقت في كارون.
“كارون؟”
“آه……أعتذر.”
أن……يجرؤ كارون ليسِيروس على إبعاد يدي؟ هل أكل شيئًا فاسدًا مثلًا؟
بأي شكلٍ من الأشكال، كان واضحًا أن كارون ليس على طبيعته. ففي العادة، كان من المفترض أن يقرأ تعابير خيبة أملها لعدم إحضاره إيلين.
“كارون، يبدو أنك لست في مزاجٍ جيد اليوم. لم تبتسم لي حتى.”
كان أولاد عائلة الماركيز ليسِيروس يتغيرون بطريقة غريبة.
نظرةُ كورليا إلى كارون كانت تلمع بغرابة. فلم تستطع فهم سبب تغيره المفاجئ بعد عودته من لقاء إيلين.
لكن من المؤكد أن أمورًا لا تعلم بها كانت تحدث في الخفاء.
“تبدو متعبًا على غير العادة اليوم.”
شارلوت اقتربت من كوريليا، وجلست بينهما كما لو كانت تتوسط العلاقة بين كارون وكوريليا.
وعندما قالت أنه يبدو متعبًا، رسم كارون ابتسامةً باهتة على جانب فمه بشكل مرتبك.
“لا تقلقي يا أمي. لم يحدث شيءٌ على الإطلاق. أعتذر إن أقلقتكِ.”
لكن يدي كارون، وهو يقول ذلك، كانتا ترتجفان.
***
كارون عانى لفترةٍ حتى من مجرد تناول الطعام.
عقليًا، كان قد توصل إلى ما هو الصواب. لكن فكرة أنه يجب عليه أن يقطع كل ما يربطه بالماضي مع أحد الشخصين كانت مؤلمةً للغاية.
“هل تصدق أن من تناديها “أمي” كانت هي من أسقطتني في الجحيم طوال هذا الوقت؟”
الأم التي يعرفها كانت رقيقةً لدرجة أنها لا تستطيع حتى حمل سكين. و كارون لم يكن يستطيع تخيل أن كورليا قادرةً على فعل شيء قاسٍ تجاه إيلين.
لكن، في الوقت نفسه، لم يستطع التوقف عن تذكّر الآثار التي ما زالت باقيةً على ذراع إيلين.
“أمي، أنا آسف. لا بد أنكِ منزعجةٌ كثيرًا بسبب أختي.”
“لماذا تعاملين أمي بهذه الطريقة، أختي؟”
“أختي، ما بكِ؟ لماذا أصبحتِ بهذا الاعوجاج؟”
الكلمات التي قالها لهما من قبل دون أن يعلم شيئًا، عادت إليه كأشواكٍ تطعنه.
و حين أصبح شعور كارون بالذنب لا يُحتمل، جاءت إيلين إليه.
***
وجه كارون تجمد من الصدمة. و كان يحدق في الفستان الموضوع أمام إيلين.
“ما هذا……بحق؟”
“إنه فستانٌ أرسلته كوريليا. قالت لي أن أرتديه في الحفلة.”
“إذاً……لم تكوني أنتِ من تختارين الفساتين طوال الوقت؟”
أمام إيلين كان الفستان الذي أرسلته كوريليا مع بطاقةٍ صغيرة.
[إيلين، أرسلت لكِ فستانًا أعتقد أنه سيبدو مناسبًا عليكِ.]
كان الفستان زهريًا فاقعًا، مزينًا بأحجارٍ كبيرة الحجم بشكل مبالغ فيه.
بكلمة واحدة……كان مبتذلًا.
كارون تذكّر الكلام القاسي الذي كان يسمعه في كل مرة تحضر فيها إيلين حفلة.
“يبدو أن الآنسة إيلين لا تملك ذوقًا جيدًا.”
“كيف يمكن لشخصٍ أن يحب الفساتين الفاقعة والمبتذلة بهذا الشكل……”
“زوجة الماركيز لا بد أنها تختار الفساتين بذوق رفيع……لذا فلا بد أن إيلين تعاندها و ترتدي ما يناسب ذوقها الشخصي، أليس كذلك؟”
كل تلك الكلمات كانت خاطئة. فالفساتين التي ارتدتها إيلين جميعها كانت من اختيار كوريليا شخصيًا.
و……كارون لم يكن يعلم بذلك مطلقًا حتى الآن.
مع أنه لم يأكل شيئًا، شعر وكأنه سيتقيأ من شدة الغثيان.
إيلين كانت تنظر إليه بهدوء. الى ملامحه التي كانت حزينةً كجرو مبتل بالمطر.
في حياتها الأولى، كانت قد شعرت بالحنق عليه أحيانًا. لمجرد أنه لم يلحظ ألمها، لأنه هو أيضًا أساء فهمها وأدانها، كان ذلك يفوق قدرتها على الاحتمال أحيانًا.
لكنها لم تستطع نسيان النظرة التي بدت في عينيه حين بكت أمامه ذات مرة.
تلك النظرة المرتجفة، وكأن العالم انهار أمامه.
في تلك اللحظة، سامحت إيلين كارون. فمن المحزن جدًا أن يلوم الضحايا بعضهم بعضًا……
حتى لو لم يكن كارون، كان هناك كثيرون يستحقون غضبها. و حتى في هذه اللحظة، حيث لم يستطع أخوها تصديقها تمامًا، كانت تفهمه.
فأزاحت جانبًا الفستان البذيء الذي أرسلته كوريليا، ثم فتحت فمها مخاطبةً كارون.
“أتعرف فارس ديتريون، روهام؟”
عندما قالت إيلين ذلك، ظهرت الحيرة على وجه كارون.
اختفاء روهام كان معروفًا في أكاديمية أتينس. فديتريون قلب الأكاديمية رأسًا على عقب بحثًا عنه.
وبما أن ذلك حدث بعد جداله مع إيلين، انتشرت شائعات عن احتمال تورط عائلة الماركيز ليسِيروس في اختفائه.
“في الليلة التي تشاجرنا فيها……جاء روهام إلى غرفتي في وقتٍ متأخر من الليل.”
“ماذا؟ ماذا تقصدين؟”
وجه كارون احمرّ بغضب في لحظة.
ما الذي قد يدفع فارس ديتريون لزيارتها ليلًا؟ هل كان ينوي إهانتها؟
“ثم……ماذا حدث بعد ذلك؟”
أمسك كارون بكتفي إيلين. لو أن مكروهًا قد وقع لها، لكان سيبحث عنه حتى آخر الدنيا لينال جزاءه.
فكّر بذلك وهو يصرّ على أسنانه.
“هل……هل فعل شيئًا لكِ؟”
“لا، لم يستطع أن يفعل شيئًا.”
“ماذا؟”
“لقد قمتُ بتقييده.”
كارون لم يستوعب ما قالته إيلين في تلك اللحظة. إيلين هي من قامت بتقييد روهام؟
“لكن هذا ليس المهم. المهم هو أي نوع من الأشخاص كان روهام.”
إيلين استحضرت في ذهنها الكلمات التي قالها روهام لها في تلك الليلة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
“لقد أخبرني بحقيقة الشخص الذي يقف خلف كوريليا.”
“….…”
“كارون، بما أنكَ فارس، فأنت تعلم جيدًا ما هو أكثر ما يحتقره الفرسان، أليس كذلك؟”
“……ماذا؟”
“اللورد روهام كان فارسًا تقوّى من خلال السحر الأسود.”
“ماذا تقولين؟”
السحر الأسود. ما إن سمع كارون تلك الكلمة حتى امتلأ وجهه بالاشمئزاز. فأن يصبح المرء أقوى باستخدام السحر الأسود……ذلك هو أكثر ما يكرهه الفرسان.
في الأزمنة القديمة، حين كانت الوحوش أقوى بكثير مما هي عليه الآن، كان بعضهم يلجأ للسحر الأسود لتعزيز قدراته الجسدية. و كان ذلك من أجل زيادة عدد الفرسان الأقوياء، ولو قليلًا.
لكن مع انكشاف الآثار الجانبية القاتلة، أصبح ذلك الأسلوب مهجورًا تمامًا. وكانت الطائفة المقدسة تحذّر دومًا من خطورة السحر الأسود وتسعى للقضاء على من يستخدمونه.
لم يكن ذلك محظورًا في الإمبراطورية فقط، بل على مستوى القارة كلها.
فهل يُعقل أن روهام، فارس ولي العهد الأول، أصبح قويًا باستخدام السحر الأسود……؟
كارون لم يكن يجهل وزن هذه الكلمات.
راح العرق يبلل راحة يديه. ثم أدرك أمرًا غريبًا.
لو أن روهام كان قد قَوِي بفضل السحر الأسود……فكيف استطاعت إيلين أن تهزمه؟
“شخصٌ كهذا……كيف تمكنتِ من التغلب عليه يا أختي؟”
وما إن نطق بهذه الكلمات، حتى بدأ يتضح له الجواب.
منذ أن بدأ يتعلم فنون السيف بجدية، لطالما راوده شعور بالريبة. كان يحب السيف، وكان يدرك أن لديه موهبة، لكنه لم يظن أبدًا أنه سيصبح سيدًا للسيف.
لكن كارون، لم يشعر بذلك اليقين ولو لمرة واحدة. و لم يشعر قط بأنه سيصبح سيدًا للسيف.
تمتم كارون بمرارة وكأنه فقد قوته،
“من اختاره السيف……كانت أنتِ يا أختي.”
“صحيح. لم أرد أن أُعلن ما حدث حين جاء روهام إليّ، لأنني لم أكن أريد أن يعرف أحدٌ تلك الحقيقة. ثم أنه قال لي شيئًا مثيرًا للاهتمام قبل أن يموت.”
وهي تقول ذلك، تذكّرت إيلين كلمات روهام الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه.
“من دفع حياتكِ إلى هذا المستنقع……هو سيرجيا ليكسيا. إنه من يقف خلف زوجة الماركيز.”
“ولماذا أصدقكَ؟”
“انظري لحالي. الإمبراطور استخدم السحر الأسود ليصنع فرسانه الخاصين. لم يكن يرغب بظهور مزيد من سادة السيف. و كان يؤمن بأنه يستطيع استخدام الوحوش أو الفرسان كدمى يحركها كما يشاء.”
“….…”
“ولهذا السبب، حوّلكِ إلى ما أنتِ عليه. كوريليا أيضًا……ليست سوى فارسةٍ أرسلها الإمبراطور نفسه.”
وبعد أن أنهى كلماته، تفتت جسد روهام إلى أشلاء وتبعثر في الهواء.
_______________________
كل شي انكشف✨
هههاااعا صدمة كارون حلوه يوم بعّد يد كوريليا بعد حركة حلوه 😘
ها خل مع وخيتك واسمعها
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 48"