كان المشهد الذي جمع بين فريدين والآنسة أسيلي والطفل متناسقًا بشكلٍ غريب.
انحنت إيلين لهم انحناءةً صغيرة. كانت تحيةً شبيهة بتلك التي ألقتها في الصباح.
أمسك فريدين كتفها بحذر، ونظر في عينيها بوجه يملؤه القلق.
“هل أنتِ بخير، السيدة إيلين؟”
“نعم..…؟”
تفاجأت إيلين من سؤال فريدين المفاجئ.
هل من الممكن أنه يعرف ما حدث معها في مساء اليوم الذي قبله؟ لا، لا يمكن أن يكون ذلك.
“في الآونة الأخيرة…..لم تبدو ملامحكِ على ما يرام.”
حين رأت إيلين نظرات فريدين القلقة، تذكرت الحلم الذي رأته في تلك الليلة. و شعرت أن وضعهما المتقارب الآن يشبه ما كان عليه في ذلك الحلم.
حتى قبلة فزيدين على جبينها في الحلم مرّت سريعًا في ذهنها.
‘إيلين ليسيروس، لقد جننتِ حقًا.’
لو كان فريدين يعلم بما تفكر فيه الآن، لا شك أنه كان سيشعر بالاشمئزاز.
ما الفرق بين حالها الآن وبين ما تقوله الشائعات؟
امرأة جُنّت بفريدين، وسحبته إلى الهاوية.
تراجعت إيلين خطوةً إلى الوراء مبتعدةً عن فريدين.
فغامت ملامح وجهه على الفور.
نظر فريدين إليها بشرود. ثم وقفت الآنسة أسيلي أمام إيلين، دافعةً فريدين جانبًا.
ربما كان مجرد وهم من إيلين، لكنها لاحظت طرف شفتي الآنسة أسيلي يرتفع بابتسامةٍ خفيفة.
“سموك فريدين، هلّا تنحيتَ قليلًا؟ يبدو أن السيدة إيلين تشعر بالانزعاج!”
“تشعر…..بالانزعاج..…؟”
“لو كانت السيدة إيلين تهتم بك فعلًا، فلن تشعُر بالعبء. آه، والآن بعد أن فكرت في الأمر…..”
وقبل أن تنهي كلامها، قال الطفل الملتصق بساقها وقد احمرّت وجنتاه،
“من…..من فضلكِ، أعطني اسمًا!”
“اسمًا؟”
“سمعت أن الطفل لا يملك اسمًا. وقد أصر على أن يطلب من السيدة إيلين أن تختار له اسمًا…..لأنها منحتْه حياةً جديدة.”
عينا الطفل المتألقتان كانتا تلمعان وهو ينظر إليها. فانخفضت إيلين على ركبتيها، ونظرت إليه مباشرة.
أن يُطلب منها أن تعطيه اسمًا؟ هل يجوز لها فعل ذلك؟
ما فعلته لم يكن شيئًا مميزًا. فحتى لو لم تكن هي، أي شخص آخر في ذلك الموقف كان سيتخذ نفس القرار.
ومع هذا التفكير، شعرت إيلين بأن قلبها يغمره الامتنان والانفعال. فقد غيّرت حياة أحدهم.
كان وجه الطفل مليئًا بالحيوية. وكانت نظرات عينيه صافيةً إلى درجةٍ يصعب تصديق أنه هو نفس الطفل الذي كان تائهًا فاقد الأمل في أراضي قبيلة الذئاب.
قال أنه لا يملك عائلة. فعلى عكس اللاجئين الآخرين الذين عاد كلٌّ منهم إلى مكانه، لم يكن لدى الطفل أي مكانٍ يذهب إليه.
لذلك، كانت الآنسة أسيلي ترعاه مؤقتًا بينما تحاول إيجاد مكانٍ مناسب له.
نظرت إيلين إلى الطفل وتذكرت طفولتها.
كانت تملك منزلاً، لكنها لم تشعر يومًا أنه المكان الذي تنتمي إليه.
ربما لاحظ الطفل صراعها الداخلي، فتشبث بساقها.
“أنا…..حقًا أريد من السيدة إيلين، التي أنقذت الجميع، أن تمنحني اسمًا.”
“أفهم ذلك.”
ابتسمت إيلين للطفل وهي تنظر إليه.
لكن ابتسامتها ما لبثت أن اختفت سريعًا. فقد لاحظت أن الآنسة أسيلي وفريدين كانا ينظران إليها بوجهين يملؤهما الدهشة.
وفي تلك اللحظة، خُيّل لها أنها تسمع صوت كورِيليا يهمس في أذنها،
“إيلين، لا يليق بالآنسة أن تبتسم كيفما شاءت. فالابتسامات السهلة تُشعر الآخرين بالنفور. وفوق ذلك، أنتِ لا تبدين جميلةً عندما تبتسمين، أليس كذلك؟”
ربما لم يكن وجهها المبتسم جميلاً في نظر فريدين أو الآنسة أسيلي أيضًا.
لكن كلمات الطفل التالية جعلت إيلين تتجمد في مكانها من المفاجأة.
“أنتِ جميلة، يا سيدة!”
“جميلة..…؟”
“نعم، جميلةٌ جدًا! أرجوكِ، ابتسمي كثيرًا.”
كانت هذه المرة الأولى التي يطلب فيها أحدٌ منها أن تبتسم كثيرًا.
“لا تبتسمي، إيلين.”
“لا أحد يحب ابتسامتكِ!”
“كم أنتِ مبتذلة!”
فكلما حاولت إيلين أن تبتسم، كانت كورِيليا تهمس لها بهذه الكلمات.
نظرت إيلين إلى الطفل وابتسمت له ابتسامةً مشرقة.
“باهان…..ما رأيكَ باسم باهان؟”
“أحبه كثيرًا!”
***
شعر فريدين وكأن الزمن قد توقف فجأة، وكأنه في حلمٍ غريب.
الطفل الذي أصبح يحمل اسم “باهان” راح يقفز فرحًا بجانب إيلين. وبجانب الطفل، كانت هي تبتسم بعينيها المنحنية في سعادة.
في ابتسامة إيلين الدافئة، شعر فريدين بأن قلبه ينبض بسرعة.
لم تكن تفعل شيئًا سوى الابتسام بصفاء. ومع ذلك، راوده شعورٌ بأنه يتمنى لو أن تلك النظرة المليئة بالحب التي وجهتها للطفل كانت موجهةً له.
“فريدين، هل وقعتَ في الحب؟”
قطّب فريدين حاجبيه. لماذا تذكّر كلام ديتريون الآن؟
لكنه، في الحقيقة، كان لديه شعورٌ داخلي.
لم يكن متأكدًا إن كان ما يشعر به حبًا…..لكنه لم يستطع إنكار أن إيلين أصبحت تشغل باله بشكلٍ مفرط مؤخرًا. فإن لم تكن أمام عينيه، كان يشعر بالقلق.
في كل مرة يظهر في حياة فريدين شخصٌ عزيز عليه، كان ديتريون ينتزع ذلك الشخص منه أو يسحقه بلا رحمة.
وبالنسبة لابن الإمبراطور الأول، ديتريون، كان ذلك أمرًا سهلًا.
فقد جعل المرضعة التي تعلّق بها فريدين تصبح مربيته هو، وأخذ منه معلم السيف الذي تدرب معه لسنوات طويلة.
كل من أبدا فريدين اهتمامًا تجاهه داخل القصر الإمبراطوري، كان يتحول عاجلًا أو آجلًا إلى أحد أتباع ديتريون.
كان يكره أن يملك فريدين شيئًا لنفسه، ولو حتى شيئًا واحدًا. و بالطبع، كان هناك من اختار البقاء بجانب فريدين رغم كل ذلك.
لكن حتى هؤلاء لم ينجوا من المصير المؤلم، إذ سرعان ما كانت المصائب تحلّ بهم. حتى والدته، انتهى بها الحال إلى أن تختفي بهذه الطريقة.
منذ ذلك الحين، قرر فريدين أن يتخلى عن الحب.
حتى لو أحب، فلن يجرؤ على الاعتراف بذلك. لأنه يعلم أن الطريقة الوحيدة لحماية من يحب، هي ألا يُظهر مشاعره أبدًا.
لذلك حاول جاهدًا ألّا يُظهر أي اهتمامٍ بإيلين. لكن هل كان ينظر إليها كثيرًا إلى الحد الذي جعل ديتريون يلاحظ ويعلّق على الأمر؟
ثم رأى الآنسة أسيلي وهي تعالج إيلين.
كانت قوة الشفاء التي تملكها مدهشةً بحق. فما إن وضعت يدها على بطن إيلين حتى بدت ملامحها أكثر راحة.
اقتربت الآنسة أسيلي من فريدين بعد أن أنهت العلاج، وبدا عليها التعب، ثم همست له بهدوء،
“اصطحب السيدة إيلين.”
“ماذا؟”
“لا تكتفِ بالنظر إليها بذلك الوجه الذي يقول ‘أريد البقاء معها لوحدي’.”
قالت ذلك ثم دفعت فريدين من ظهره برفق.
حدث ذلك قبل أن يتمكن حتى من الرد على كلامها. ووجد نفسه يقف فجأةً بجانب إيلين، دون أن يدرك كيف وصل إلى هناك.
“سموك فريدين؟”
نظرت إليه إيلين بتعجب، ووجنتاها تملؤهما الحيرة. فاحمرّ وجه فريدين وهو ينظر إليها.
‘لا، لا يا فريدين. أنت تعرف أن هذا لا يجب أن يحدث.’
لكن…..كان كلام الآنسة منطقيًا أيضًا.
إيلين، التي كانت تبدو مرهقة جدًا، قد تواجه ديتريون في الطريق. على الرغم من أنه لا يعرف السبب، الا أن ديتريون بدا مهتماً جدًا بإيلين.
لذلك، ومن أجل تجنب مثل هذه المواقف المحرجة، كان من الطبيعي أن يرافقها في هذا الموقف.
ردد فريدين في ذهنه أنه لا يفعل هذا من باب المشاعر الشخصية. ثم تحدث لإيلين،
“سيدة إيلين، هل يمكنني مرافقتكِ حتى أمام السكن؟”
ماذا لو شعرت بشيء غريب حيال ذلك؟
فكر فريدين بذلك وهو يراقب إيلين، لكن وعلى عكس قلقه، أومأت إيلين برأسها برفق.
وكانت أذناها محمرتين وهي تخفض رأسها.
***
سار فريدين وإيلين معًا.
لم يكن يقصد أن يقترب، لكن كانت هناك رائحةٌ عطرة تصدر منها. و كان فيردين يحاول جاهدًا أن يقاوم رغبته في الاقتراب منها أكثر.
“من فضلك…..لا تتركها..…”
“لا تنسى..…”
قالت الآنسة أسيلي أن الشخص الذي غيّر مصيرها هي إيلين.
وتلك الذكريات التي رآها من خلال قدراته الخاصة…..كان في مكانٍ غير معروف، وكان يعرف إيلين هناك.
“أنا أيضًا لا أعرف الكثير عن الحلم الذي رأيته لأول مرة. لكن، قد تكون السيدة إيلين تخفي أكثر مما نظن.”
كانت تعبيرات الآنسة أسيلي حزينة وهي تقول ذلك.
بينما كان فريدين يتبع إيلين، نظر إلى كتفيها الصغيرين، القويين. و لم يكن بإمكانه حتى تخيل مقدار الأعباء التي تحملها على تلك الأكتاف.
واصل فريدين السير بصمت، حتى توقف فجأة. فثد توقفت إيلين التي كانت تسير أمامه بشكلٍ مفاجئ.
عندما اقترب منها، أمسكت بيده بعنف، وكانت يديها ترتجفان.
‘إيلين ترتجف؟’
حول فريدين نظره ببطء إلى حيث كانت إيلين تحدق. و كانت هناك امرأة ذات شعر طويل ومظهر رائع تسير مع كارون ليسيروس.
كانت شخصًا رآها من قبل، سواء في القصر الإمبراطوري أو في ذكريات إيلين.
كورِيليا ليسيروس.
كانت تبتسم وتدردش بحميمية مع كارون.
‘حقًا، يبدو كما لو كانوا أمٌ وابنها.’
لكن رد فعل إيلين أثناء مشاهدتها لكورِيليا كان لا يزال غريبًا.
تجمد وجه فريدين. و بحذر، مد ذراعه وأحاط بجسد إيلين المرتجف.
شعر بأن كورِيليا قد حولت نظرها إليهم. و تذكّر في ذهنه الجرح الذي كان على ظهر إيلين.
آثارٌ كأنها خدوش طويلة وضيقة.
كان يظن أن هذا الجرح ربما قد يكون من فعل أحد أفراد عائلة الماركيز ليسيروس.
___________________
وعنها ذي قدامك ها بالله اكفخها
وجع ايلين القوية الي ماترتجف ارتجفت يوم شافت ذا الزفته😔
يوم مسكت فريدين ترا تحميه من كوريليا مب تحمي نفسها بس هو يجنن يوم ضمها ااااااااااا😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 45"