ستثق بي؟ أنا؟
طلبت منكَ أن تثق بي، لكني لم أكن أظن أنني سأسمع منكَ فعلاً أنك ستفعل ذلك.
عندما رأى إيلين متصلبة ومتيبسة، ابتسم بخفة.
“هيا بنا، آنسة إيلين. سأساعدكِ.”
قال فريدين ذلك وهو يشد ذراعه حول الطفل الذي كان يحمله.
شعرت إيلين فجأة بالفضول. هل يا ترى، حتى بعد أن يعرف كل الحقيقة ذات يوم، سيقول مجددًا أنه يثق بها……؟
هو لا يعرف كم من الأسرار تخفيها. ولذا، من المؤكد أنه لو عرف الحقيقة، فلن يستطيع قول مثل هذا الكلام.
رغم أن إيلين حاولت تهدئة نفسها بهذه الفكرة، الا أنها لم تستطع إيقاف نبض قلبها.
أن يثق بها فريدين. منذ أن سمعت تلك الكلمات، شعرت فجأةً برغبة في ردّ تلك الثقة. و لكي تتمكن من ذلك، عليها أن تخرج من هذا المكان بأمان.
فكرت إيلين بذلك وسحبت سيفها.
***
كان سيف إيلين، وهي تواجه شعب الذئاب، قاتلاً لا يرحم. ففي كل مرة كانت تلوّح بسيفها، كان أحدهم يسقط أرضًا.
هاجمها شعب الذئاب بشراسةٍ أيضًا، لكن مخالبهم لم تمسّ حتى أطراف أصابعها.
كانت تتحرك بسرعةٍ يصعب على فريدين نفسه تتبّعها.
“شيطان! لقد ظهر شيطان!”
“إنها ليست إنسانة، لا يمكن لإنسانٍ أن يكون بهذه القوة.”
ومنذ لحظةٍ ما، بدأ شعب الذئاب يرتجفون خوفًا وهم ينظرون إلى إيلين التي لم يكن في ضربات يدها أي رحمة.
شعر فريدين بالحيرة وهو يراقب إيلين تقاتل بجانبه بينما يراقب ما حوله من شعب الذئاب.
‘هل كان شعب الذئاب دائمًا بهذا الضعف؟’
عندما يرى كيف يسقطون بسهولةٍ أمام سيفها، لا يمكنه إلا أن يتساءل.
فمخالب شعب الذئاب الذين يواجهونهم حادة، وزخمهم يعادل تقريبًا مستوى فارس من الدرجة المتوسطة. ومع ذلك، كانت إيلين تقاتل بسيفها براحةٍ وكأنها تتنفس.
لو لم يكن فريدين يقاتل بجانبها ضدهم، لكان صدق فعلًا أنهم ضعفاء.
أن تواجه عشرين من شعب الوحوش بمستوى فارس متوسط دفعةً واحدة……فبحسب ما يعرفه فريدين، لا يمكن لأحد فعل ذلك سوى سيد السيف.
‘هل من الممكن أن تكون تلك الشائعات غير المعقولة صحيحة؟’
تذكّر فريدين ما كان يقوله الناس عن سيد السيف الذي ظهر أثناء حملة القضاء على الوحوش.
“يقولون إن هوية سيد السيف كانت إيلين ليسيروس، و أنها أنقذ الآنسة أسيلي فأصبحن بينهما علاقة صداقة.”
“تلك الشريرة؟ لا تقل كلامًا سخيفًا. على حد علمي، لم تكن تلك آثار سيد سيفٍ أبدًا……”
بالطبع، عندما سمع فريدين ذلك، أطلق نظرة حادة جعلت من كانوا يتحدثون يفرون على الفور، لكن مثل تلك الشائعة كانت قد انتشرت بالفعل.
وحين سقط آخر أفراد شعب الذئاب الذين كانوا يحرسون السجن، نظر فريدين إلى إيلين بدهشة. فهي، رغم ما فعلته من أمرٍ مذهل، بدت وكأن شيئًا لم يحدث.
“سموك فريدين، سأدخل أولاً.”
قالت إيلين ذلك واقتربت من باب السجن السفلي. ثم فتحت الباب بحذر ودخلت، وأخذت تتفقد المكان من حولها.
كما تبعها فريدين بخطى بطيئة وهو يحمل الطفل بين ذراعيه.
وكان أول ما استقبلهم عند دخولهم السجن هو الهواء البارد، فشعر الطفل بالبرد وازداد تشبثًا بحضن فريدين.
نظر فريدين إلى الطفل وتذكّر، وسط كل هذا الانشغال، أنه لم يسأله حتى عن اسمه حتى الآن.
“ما اسمكَ؟”
تحرك الطفل قليلًا في حضنه عند سماع السؤال.
“إن لم تكن تريد أن تخبرني، فلا بأس.”
“الأمر ليس كذلك.”
“….…”
“ليس لدي اسم.”
“هذا……”
“أنا آسف……”
عَبَس فريدين وعانق الطفل بقوة.
فمن خلال لمحةٍ من ماضيه وتلك الكلمات القليلة، استطاع أن يتخيل الحياة التي عاشها هذا الطفل حتى الآن.
ثم تحدث بصوتٍ حازم،
“هذا ليس ذنبكَ.”
وكان يقول ذلك لنفسه أيضًا.
“يا لِوضاعتكَ.”
“الدم القذر لا يختفي أبدًا. تسك تسك.”
ترددت في رأسه الإهانات التي اعتاد سماعها من الإمبراطور منذ صغره.
في ذلك الوقت، كان يظن حقًا أن الذنب ذنبه. وبدا أن هذا الطفل أيضًا يظن أن عدم امتلاكه اسمًا، وحياته البائسة، كلها أشياء تسبب بها بنفسه.
لكن كيف يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟ فلم يكونوا مذنبين بشيء.
ضم الطفل في حضنه من جديد، وحدق في ظهر إيلين التي كانت تسير أمامه.
كانت ضفائر شعرها التي صففتها على عجل استعدادًا للمعركة تتمايل بخفة. وبدا كتفاها الصغيران بشكل ما، يبعثان على الطمأنينة.
في تلك اللحظة، شعر فريدين بألمٍ مفاجئ يخترق رأسه، فقبض على شعره بيد واحدة. وسرعان ما أدرك أن قدرته الخارقة قد بدأت في التفعُّل.
اجتاحه ألمٌ لا يمكن وصفه بالكلمات. لم يكن هذا ألم الجسد، بل كان من داخل ذاكرة إيلين……الألم الذي أحسّت به في قلبها.
“إيلين، ماذا قلتُ عن الأطفال الذين لا يسمعون الكلام؟”
“أنا……أنا آسفة، أمي. سامحيني هذه المرة فقط، أرجوكِ.”
رأى في ذاكرتها وجه الماركيزة ليسيروس. و كان وجهها ممتلئٌ بالضيق والانزعاج.
تذكّر فريدين أنه كان قد التقى بالماركيزة ليسيروس في القصر الإمبراطوري عدة مرات.
كانت امرأةً لطيفة، راقية، ومحل إعجاب كل سيدات المجتمع، وواحدة من أعمدته. ولذلك، كثيرًا ما كانت تُستدعى إلى القصر بحجة تعليم الأمراء.
لكن المرأة الودودة التي رآها آنذاك……لم يكن لها أي أثرٍ الآن.
في ذاكرة إيلين، كانت أمها ترفع يدها ووجهها غاضب بشدة. و أمامها، لم تكن الطفلة إيلين تفعل شيئًا سوى ذرف الدموع بصمت.
كان على وجهها أثر استسلام عميق.
ثم عادت قدرة فريدين لتتفعّل من جديد.
تشوّه الفضاء أمام عينيه، فرأى إيلين مستلقيةً وحدها على السرير وهي تبكي. و كانت تتكور على نفسها وتتمتم بصوت خافت،
“لا يجب أن يعرف أحد……لا يجب أن يكتشف أحد……”
كانت آثار الدموع قد جفّت على وجه الصغيرة إيلين.
“أشتاق إليكَ……كاي……”
شحب وجه فريدين، وقبض على القلادة التي كانت تتدلّى على صدره. ثم أسرع ووضع الطفل الذي كان يحمله على الأرض.
ومن خلال بصره المضطرب، رأى إيلين تقترب منه وقد بدا عليها القلق. وشعر برجفة خفيفة في يدها التي أمسكت بذراعه، ارتجافةً ولّدها القلق.
حينها، أصبحت الحدود بين الواقع والهلوسة أكثر ضبابية.
صرخت إيلين باتجاهه،
“سموك فريدين!”
لم تتوقف قدرة فريدين عند هذا الحد. فقد تشوّشت رؤيته من جديد، وظهر له مشهدٌ آخر.
لقد بدأت القدرة هذه المرة من القلادة.
كان ذلك مكانًا لم يسبق له أن رآه، ولا زاره من قبل. وفي ذلك المكان، رأى نفسه ساقطًا على الأرض.
كان جسده مطعونًا بالسيوف في بطنه وكتفه، وكان يحتضر.
قدرة فريدين لم تكن تُظهر له سوى الماضي. ولكن……لم يسبق له أن مرّ بمثل هذا الموقف من قبل.
إذاً، هذا المشهد الذي تريه له قدرته الآن……ما هو بالضبط؟
رأى شفتيه في ذلك المشهد تتحركان وهو على وشك الموت. و كان يقبض على القلادة ويقول شيئًا ما.
اقترب فريدين خطوةً نحو ذلك الجسد الساقط. وحين سمع اسم “إيلين”، تجمّد في مكانه.
“إيلين……أرجوكِ……احميها……التعاسة……”
ما الذي كان يقوله؟
لم يسمع صوته بوضوح، فحاول فريدين الاقتراب أكثر من نفسه الساقط. لكن في تلك اللحظة……
“لا تنسي.”
قال ذلك بنبرةٍ حازمة، وكأن كل كلمةٍ كانت واضحةً للغاية. وفي نفس اللحظة، شعر فريدين بصدمة قوية تصدُر في رأسه، ففتح عينيه فجأة.
“سموك فريدين!”
عند سماعه لصوت إيلين، أدرك أنه عاد إلى الواقع. كانت تنظر إليه بقلق، و وجهها مليء بالتوتر.
و كان عقله مشوشًا بسبب الإفراط في استخدام قدرته، مما جعله يشعر بالحيرة.
ساعدت إيلين فريدين وهو يتمايل، ورفعت عينيها لتنظر إليه.
كانت عيناها مليئتين بالحيرة. وعندما رأى فريدين هذا التعبير على وجه إيلين، أصبح أكثر يقينًا.
إيلين……لم تقتل كاي.
لم يكن يعرف بالضبط كيف انتشرت تلك الشائعات الكاذبة، لكنه الآن كان متأكدًا من حقيقة كان يشك فيها طيلة الوقت.
من خلال ذكرياتٍ خاطفة فقط، كان من المستحيل على فريدين تخيُّل الحياة التي عاشتها إيلين.
أن تُتهم بأنها شريرة لمجرد أنها لم تفعل شيئًا، وأن تتعرض للانتقاد من الناس……لم يستطع فردين تحمل أن يرى هذه المرأة الصغيرة أمامه في هذا الوضع المحزن.
“آنسة إيلين……”
“هل أنتَ بخير؟ هل رأسكَ يؤلمك؟”
كانت إيلين تتنقل بقلق، تهتم به.
أمسك فريدين بكِتِفها، ورآها تنظر إليه بعينيها المدهوشتين.
وفي عينيها الصافيتين، شعر فريدين باندفاع مفاجئ. و كان يريد أن يسألها وهي بين يديه،
ماذا فعلتِ لكِ الماركيزة ليسيروس؟ أنتِ لستِ الشريرة التي يتحدثون عنها، أليس كذلك؟
و كاي أيضًا، أعلم أنكِ لم تقتليه.
ثم……كان هناك ذلك الماضي الغامض حيث نطق اسمها، فهل ربما التقينا في وقتٍ آخر؟
______________________
ونااااااااسه توقعت دامه شاف حياته الاولى يعني احتمال يشوف حيوات ايلين الثلاث✨
اخيرااا احد عرف وش تسوي المجنونه كوريليا😔
وسط كل ذاه الورع وينه؟😭
آمون: لن ينسانا الله
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 33"