استدار رايمون نحو الصوت الذي ناداه. و كانت إيلين، التي كانت قبل قليل تتحدث مع فريدين لكسيا، تقف بجانبه.
كانت عيناها تتلألأ بشكلٍ غريب تحت ضوء القمر.
‘ما هذا؟ متى انتقلت إلى هنا؟’
ارتبك رايمون للحظة.
كيف تكون إيلين التي كان يراقبها قبل قليل هنا الآن؟
كان يراقب فريدين وإيرين بوضوح. و مستواه لم يكن منخفضًا لدرجة أن يلاحظ وجودهُ مجرد مبتدئين في قسم المبارزة.
لذا كان من غير المنطقي أن تكتشفه هي. وفوق ذلك، ألم تكن إيلين قبل قليل تهرب من محاولة فريدين للإمساك بها؟
لقد رأى ذلك بنفسه، وفكر حينها أن كوريلّيا كانت لتجد الأمر مسليًا لو رأته.
والآن وصلت إلى جانبه بهذه السرعة؟ رغم أن المكان الذي يقف فيه لم يكن قريبًا من المكان الذي كانا فيه.
نظر رايمون إلى إيلين بشرود وكأنه رأى شبحًا.
رغم أنها بدت وكأنها تغيرت قليلًا منذ قدومها إلى الأكاديمية، إلا أن صورة إيلين في رأسه كانت لا تزال غبيةً وبائسة كما هي. بمعنى آخر، لم تكن سوى فتاةِ مناسبة تمامًا للعب بها…..لكن، كان هناك شيءٌ غريب.
“ما الذي كنتَ تراقبهُ هناك؟ وحتى أنكَ سحبت سيفك.”
كما قالت إيلين، كان رايمون ممسكًا بسيفه. و كان قد أكمل بالفعل وضعية الاستعداد للانطلاق في أي لحظة.
اقتربت إيلين من رايمون ببطء.
من المستحيل تصديق أنها نفس الشخص الذي كان يتحدث مع فريدين قبل قليل بذلك الضعف. فقد انبعث منها ضغطٌ هائل لا يمكن تجاهله.
أمالت رأسها قليلًا وسألته،
“لماذا لا تجيب؟”
هل لأن القمر قد ظهر؟
شعر رايمون أن إيلين ليسيروس التي تلمع عيناها تحت ضوء القمر بدت غريبةً للغاية.
ما السبب؟
‘اهدأ يا رايمون. الطرف الآخر هي إيلين ليسيروس. التوتر من أمرٍ كهذا مضحكٌ حقًا.’
لقد بلغ بالفعل مستوى فارس متقدم، أما إيلين التي أمامه فليست سوى مبتدئةٍ بالكاد بدأت تمسك السيف في قسم المبارزة.
حاول رايمون في داخله أن يقنع نفسه بالفارق في المهارة بينه وبينها، لكن جسده بدأ يتراجع للخلف ببطء. بينما كان سيفه المشدود في قبضته يبدو مؤسفًا في تلك اللحظة.
“غريب..…”
قالت إيلين ذلك وهي تضع يدها على غمد سيفها المربوط عند خصرها وتستله.
“ما الذي كنتَ تنوي فعله هنا؟ لماذا كنتَ تتسلل كجرذٍ وتراقبني أنا و سموه فريدين من بعيد؟”
كان رايمون ينوي أن يُفقد إيلين وعيها، ثم يُكمل المهمة التي كلفته بها كوريلّيا. وبينما كان يراقب الوضع من حوله، ابتعد فريدين وإيلين عن الآخرين، فظن أن هذه فرصته المثالية.
إن استمر في مرافقة فرقة الإبادة أكثر من ذلك، فقد يُصبح هو الآخر في خطر. لأنه كان يعرف جيدًا ما الذي سيحدث لاحقًا، فخطط لإيذاء إيلين، ثم استخدام ذلك كذريعةٍ للهرب.
نعم، كان أمرًا بسيطًا.
استعاد رايمون تركيزه وهو يسترجع خطته.
لا بد أن القمر قد سحره. كيف له أن يخاف من فتاةٍ صغيرة كهذه أمامه؟
لو أن أحدهم رأى حالته الآن، لكان سيتعرض للسخرية إلى الأبد.
شد رايمون قبضته على سيفه وتقدم ببطء نحو إيلين وهو يتحدث،
“آنسة إيلين، هل قلتِ بأنني جرذ؟…..أعتقد أنكِ فهمت الأمور بشكل خاطئ. أنا فقط تبعتكِ لأنكِ كنتِ مع سموه فريدين تتجهان لمكانٍ ما بمفردكما، وقلقت عليكما. مهما كنتِ مخطوبةً له، لا يجوز أن تدخلي غابةً عميقة في هذا الوقت المتأخر من الليل..…”
“كنتَ قلقًا عليّ؟”
“صحيح. أنتِ لا تملكين أي حذر. لا تثقي به كثيرًا، فهو شخصٌ لم يمضِ وقتٌ طويل منذ أن التقيتِ به. عليكِ أن تكوني حذرة، فسموه فريدين ليس مثلي.”
“ألا أثق به..…؟”
كانت تلك أكثر جملةٍ مضحكة سمعتها إيلين في حياتها.
ربما، لو أنها لم تُقتل على يد رايمون في الماضي، لكانت صدّقت كلامه. و كانت لتفكر، رايمون صديقي، هو في صفي.
لكن ما كسبته بعد أن فقدت حياتها، هو القدرة على التمييز بين من يستحق الثقة ومن لا يستحقها.
في اللحظة الأخيرة من حياتها، لم يحمها سوى فريدين وفِرقة فرسانه. أما هذا الرجل الحقير الواقف أمامها، فلا يملك أدنى حقٍ ليقول لها بمن تثق.
“رايمون، هل تعرف شيئًا؟ عندما يُغرس السيف في العنق، يكون الألم فظيعًا. والأسوأ أنكَ لا تموت مباشرة، بل تبقى تتلوى من الألم لفترة طويلة قبل أن تموت..…”
نظر إليها رايمون وكأنها مجنونة. كانت تتحدث بحيادية تامة عن أمرٍ بديهي، وهذا جعلها تبدو غريبةً ومخيفة في آنٍ معًا.
لم يكن يعرف ما الذي حدث لإيلين، لكنه كان متأكدًا من أنها أصيبت في رأسها.
‘هل قامت كوريلّيا بتأديبها بقسوة شديدة؟ قلت لها أن تكون معتدلة…..’
صُدم رايمون حين اكتشفت إيلين أنه كان يراقبها سرًا، لكن حين فكر بالأمر، أدرك أن ذلك لا يؤثر على تنفيذ مهمته بأي شكل.
خلال الشهرين الماضيين من مراقبته لها، شعر رايمون بوضوحٍ أن إيلين قد تغيّرت. فلم تعد تلك النظرات الوديعة التي يسهل السخرية منها موجودة، بل صارت تنظر إليه دومًا بعينين يصعب فهمهما.
رايمون استغرب من سبب تغيّرها، لكنه لم يُعِر الأمر أهميةً كبيرة. فبغض النظر عن مدى تغيّرها، فهي في النهاية تبقى إيلين ليسيروس.
وكان واثقًا بأنها لن تصمد طويلًا، وستعود لتتوسل إليه وتطلب منه الحب من جديد. فلا أحد في الأكاديمية سيحب إيلين.
ومهما ارتكب من أفعالٍ هنا، ومهما قالت هي من كلمات، لن يكون هناك من يصدق إيلين.
ولم يعتقد إطلاقًا أن فتاةً مثلها، التي أطاعت كوريلّيا طيلة حياتها، يمكنها أن تفعل شيئًا بإرادتها. فقد عرفها منذ أن كانت صغيرةً جدًا.
إيلين ليسيروس، التي كانت تجلس في برج قصر الماركيز بعيون حزينة، عاجزةً عن فعل أي شيء. تلك الصورة ترسخت بقوة في ذاكرته.
نعم، كانت شخصًا لا يعرف سوى الانتظار.
“إيلين، لا أعرف ما الذي تهذين به…..لكن تعالي أولًا. سأوصلكِ إلى موقع التخييم. وبعدها لنتحدث بهدوء.”
اقترب رايمون من إيلين بنية السيطرة عليها. كان ينوي أن يضربها على مؤخرة عنقها لتفقد الوعي، ثم يُكمل خطته كما رسمها تمامًا.
تألّق السيف في يد رايمون تحت ضوء القمر. وفي تلك اللحظة، قلّص المسافة فجأةً وأمسك بذراع إيلين.
‘كما توقعت.’
ابتسم إيلين بسخرية. و لم تُبدِ أي مقاومة حتى وهو يمسك بذراعها.
‘صحيح، ذلك الإحساس الغريب الذي شعر به سابقًا لم يكن إلا وهمًا.’
أدار رايمون سيفه بسرعة ليضرب مؤخرة عنقها. و كانت حركته سريعةً للغاية، وقرب المسافة جعله واثقًا أن حتى فارسًا من المستوى العالي لن يتمكن من صدّها.
لكن الضربة لم تصل إلى إيلين.
ولم يدرك رايمون ما الذي حدث له. فقد سقط السيف من يده قبل أن يلمسها. لكن السيف لم يكن الشيء الوحيد الذي سقط.
رأى إيلين تصد بقوةٍ وهدوء بقع الدم التي تطايرت، مستخدمةً سيفها بدقة مذهلة.
كانت ضربةً نظيفة بشكلِ لا يُصدق. لكن…..من أين جاءت تلك الدماء؟
حدّق رايمون بتعبيرٍ شارد نحو تلك القطرات المتناثرة.
‘يدي..…؟’
كانت يده ملقاةً على الأرض بجانب السيف. و في تلك اللحظة، تجمد عقل رايمون، ولم يستوعب ما الذي حدث.
استعاد وعيه فقط عندما اجتاحه ألمٌ لا يمكن وصفه بالكلمات.
“أغغ—!”
أراد أن يصرخ، لكن يد إيلين كانت أسرع، فأطبقت على فمه.
“رايمون، أنا أكره الجبناء حقًا.”
تمكن من لفظ كلماته بصعوبة من بين أصابعها التي تُكممه.
“أر…..أرجوكِ…..لا تقتليـني.…”
لم يعد يهمه كيف استطاعت إيلين أن تسحقه بهذا الشكل. وكان كل ما يشغل تفكيره الآن هو، سيموت. قد يموت حقًا. حتى أنه فقد كل إرادته للقتال.
كانت إيلين تعرف تمامًا من أين ينبع ذلك الخوف الذي يسيطر عليه. فهي لم تعد تكبح الهالة التي تميز سادة السيف الحقيقيين، والتي كانت تخفيها دائمًا.
كان يشعر بها بغريزته. تلك الفتاة الصغيرة الواقفة أمامه…..قادرةٌ تمامًا على قتله.
نظرت إليه إيلين بوجه خالٍ من أي تعبير وتحدثت إليه.
وفي ذلك الوجه الخالي من أي مشاعر بشرية، شعر رايمون برعب مطلق.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 26"