رآها وهي تمسح عرق جبينها وتتحدث مع طلاب قسم المبارزة، وكانت تضحك بين الحين والآخر مما أضفى على المشهد طابعًا رائعاً.
‘ما هذا…..إيلين ليسيروس؟…..هل كانت تعرف أن تضحك هكذا؟’
ذلك المنظر زاد من شعور رايمون بالغيظ.
“آنسة إيلين، قبل قليل لم أتمكن من إلقاء التحية جيدًا..…”
قال رايمون ذلك وحاول تلقائيًا أن يربت على رأس إيلين التي كانت تحمرّ خجلًا وتفرح كلما لمست يدُه رأسَها.
لذلك لم يخطر ببال رايمون ولو مرة واحدة أن إيلين قد ترفضه. فهذا أمرٌ لا يُصدق. فإيلين ليسيروس كانت دومًا فتاةً تتوق إلى الحنان.
صفعة–
تشنج وجه رايمون في لحظة. لكنه سرعان ما تظاهر بالإحراج وكأن شيئًا لم يحدث.
أبعدت إيلين يده عنها. ولم تكن مجرد دفعة بل كانت بقوة لا بأس بها. حتى أن يده احمرّت وتورمت بسرعة.
شعر رايمون بإحساسٍ غريب تجاه إيلين. فقد التقاها قبل عدة أشهر. وكانت حينها تتحدث إليه كالعادة وتحمر خجلًا.
كانت دائمًا تستقبله وتتعلق به كجرو صغير لا يعرف شيئًا. ولذا شعر رايمون بأنها تغيّرت بطريقةٍ ما.
في تلك اللحظة تحدثت إيلين بابتسامةٍ خجولة.
“أنا أتعرق كثيرًا، قد تكون رائحتي كريهةً يا رايمون.”
‘صحيح، لا يمكن أن يكون الأمر كذلك. لا يمكن أن تكون إيلين ليسيروس قد تغيّرت.’
تمتم رايمون بهذه الكلمات في نفسه.
“……هل لأنكِ التحقتِ بقسم المبارزة؟ لقد تغيرتِ قليلًا، إيلين.”
“مستحيل. و يبدو أنكَ لم تتغير على الإطلاق عن السابق…..وهذا يبعث على الارتياح حقًا.”
كانت جملةً تحمل معاني متعددة. فـ رايمون لم يتغير عن ماضيها إطلاقًا.
تلك الابتسامة، تلك الإيماءات، وحتى كونه نكرةً تافهة.
أرادت إيلين أن تشكره لأنه أراها نفس صورته التي لم تتغير.
لأنه بفضله، لن تشعر بأي ذنبٍ عند الانتقام.
ابتسمت ابتسامةً جميلة تخالف ما في داخلها.
كانت ابتسامةً فاتنة إلى درجة أن فيليب الذي كان بجانبها نظر إليها بدهشة.
***
“فِريدين لكسيا.”
نظر فِريدين إلى الرجل الذي نطق باسمه أمامه. كان رجلاً ذا بنيةٍ ضخمة تكاد تغطي الباب بالكامل، وترك انطباعًا قويًا.
الرجل الذي يقف أمام فِريدين الآن هو أحد الأعمدة الثلاثة التي تسند الإمبراطورية.
“لقد مر وقتٌ طويل، يا دوق أسيلي.”
من الغريب أن يتحدث الأمير بلغة الاحترام، بينما يُخاطبه الدوق بحديث غير رسمي، لكن الطرف الآخر كان الدوق أسيلي، سيد السيف. ما كان لأحد أن يجرؤ على مخاطبته بحديث غير رسمي، إلا إذا كان إمبراطورًا.
وبما أن الدوق كانت تجمعه علاقة صداقةٍ متينة مع والدة فِريدين، فقد استمر بأسلوب الحديث الذي اعتاد عليه منذ أن كان فِريدين صغيرًا، بشكلٍ طبيعي حتى الآن.
كان وجه دوق أسيلي نادرًا ما يبدو عليه الارتخاء،
وبما أنه ذو ملامح حادة بطبعه، فقد لا يُلاحظ ذلك بسهولة، لكن فِريدين، الذي عرفه منذ الطفولة، استطاع تمييز الفرق.
إلى جانب الدوق، كانت الآنسة أسيلي تشرب الشاي بهدوء. وكانت ملامح وجهها تنضح بالضيق والانزعاج.
وضعت فنجان الشاي على الطاولة بقوة حتى صدر صوت طقطقة. كان هذا التصرف بعيدًا تمامًا عن الصورة النمطية للسيدات النبيلات المهذبات والمؤدبات، ومع ذلك، بدا أن الدوق أسيلي ينظر إليها بنظرة إعجاب وكأن تصرفها ذلك لطيفٌ في نظره.
أما فِريدين فقد عبس قليلًا وكأنه شعر بالإرهاق من هذا الدلال المفرط.
وفي تلك اللحظة، تغيّرت ملامح الدوق الذي كان يبتسم، ونظر بجدية نحو فِريدين.
“سمعت أنك قبلت خطوبتكَ من إيلين ليسيروس بكل سلاسة…..لا تقل لي أنك كنت تعرف؟ هل أظهرت لك قدرتكَ الخارقة موهبتها؟”
نظر فِريدين إلى الدوق أسيلي باستغراب. ومن خلال تعبير وجهه، أدرك الدوق أن فِريدين لا يعلم شيئًا عن موهبة إيلين.
وإن كان كذلك…..فلماذا إذًا؟
لم يستطع الدوق أسيلي أن يفهم الأمر.
فِريدين لكسيا لم يكن الأمير الطيب والملاك الوديع كما يعرفه الناس. بل كان شخصًا قادرًا على أن يصبح أكثر قسوةً من أي أحد، إن كان ذلك لحماية الأرواح التي يحملها على عاتقه.
ألم يفتعل قصة حب مع ابنته التي لا يطيقها فقط ليحمي من هم في صفه؟
لا يزال الدوق يتذكر تلك اللحظة التي تشابك فيها فِريدين وذراع ابنته بوجهٍ عابس وكأنهما مجبران على ذلك.
لم يكن باستطاعته أن يساعد فِريدين في صراعه ضد ديتريون بشكلٍ مباشر. فالإمبراطورية يحكمها الآن توازن دقيق بين ثلاثة سادة سيف، وكل منهم يراقب الآخر.
اثنان منهم إلى جانب الإمبراطور، ولذا فقد نشأ بينهم عرفٌ غير مكتوب يمنع التدخل المباشر في صراعات العائلة الإمبراطورية. لكن لا أحد يمكنه التدخل في علاقات أبنائهم.
‘لقد استخدموني بطريقةٍ غير مباشرة، هؤلاء الأولاد.’
ولهذا ظن الدوق أسيلي أن فِريدين قد أدرك موهبة إيلين، فقبل بالخطوبة ليستغلها.
فمن يُختار من قبل السيف، لا بد أن يملك موهبةً مذهلة. وإن كان فِريدين يبقي على هذه الخطوبة من أجل ذلك فعلًا، فلن يسمح له الدوق بذلك أبدًا.
فإيلين ريسوس، التي يُتوقَّع أن تكون سيدة السيف القادمة، لا يمكن أن تُعامَل كورقةٍ تُستَخدم ثم تُرمى،
وهذا أمرٌ لا يمكن أن يغفره أي شخص يسير في طريق السيف.
“لماذا تُبقي إيلين ليسيروس إلى جانبكَ؟ لا بد أنك تعلم أن الإمبراطور يُدبر شيئًا ما، أليس كذلك؟ ما الذي رأيته بعينيكَ بالضبط؟”
السبب في أن عائلة ليكسيا الإمبراطورية استطاعت الحفاظ على قوتها حتى الآن. هو “عينٌ ترى الحقيقة”.
وهذه القدرة الخارقة كانت لدى فِريدين ليكسيا. ولا أحد كان يعلم بذلك سوى الدوق أسيلي، وابنته، وقلةٌ قليلة من سكان المملكة المقدسة.
ولو أن الإمبراطور علم بالأمر، لما تردد للحظة في قتل فِريدين على الفور.
‘ليت بإمكانه استخدامها وقتما يشاء.’
فكر الدوق بذلك وهو يحدق في فِريدين.
عين الحقيقة كانت تُظهر له الحقائق التي يعرفها هذا العالم، أي ذكريات الماضي، بشكلٍ عشوائي ودون اختيار.
فِريدين لم يكن قادرًا على التحكم الكامل في تلك القدرة. لكنها كانت مفيدةً بما يكفي، ولهذا ظن الدوق أنه قد رأى موهبة إيلين عبر تلك القدرة.
لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك.
هز فِريدين رأسه ردًا على كلام الدوق.
“هذا أمرٌ لا أستطيع أن أخبركَ به.”
من المؤكد أن فِريدين رأى شيئًا ما يتعلق بإيلين. لكن ذلك لم يكن موهبةً متألقة، ولا صورة فتاة نبيلة سعيدة من عائلة الماركيز.
ما رآه كان طفلةً صغيرة وضعيفة، مختبئةٌ تحت السرير،
تكتم بكفها أنفاس بكائها خوفًا من أن يُسمع صوتها. وكان هذا المشهد يشبهه في ماضيه بشكلٍ مفجع.
كان من الصعب عليه أن يفهم ذلك. فإيلين ليسيروس كانت تُعرف بأنها جوهرة عائلة الماركيز، آنسةٌ نبيلة مدللة ومحبوبة، ولم يكن أحدٌ يشك في ذلك.
وكان الناس يظنون أن دلال الماركيز الزائد لها هو ما جعلها فتاةً شريرة متعجرفة. لذا لم يكن فِريدين يصدق أن إيلين قد عاشت طفولةً بتلك البشاعة.
لكن قدرته كانت تقول له أن تلك هي الحقيقة.
بعد ذلك، لم يقل اادوق أسيلي شيئًا آخر، فقد وخزته ابنته في خصره وهي تعبس بانزعاج.
“أحيانًا، يا أبي، هناك أمورٌ يتمنى الإنسان لو يستطيع إخفاءها. وإذا كانت ذكرياتاً مؤلمة، فالرغبة في إخفائها تكون أشد.”
“….…”
“لذلك عليك أن تنتظر حتى يُخبركَ الشخص بنفسه. فهناك ذكريات، مجرد تذكرها يُسبب الألم…..فلا تحكم عليها من خلال الشائعات فقط. تمامًا كما يظن الناس عني أنني أعيش مرتاحةً وسعيدة فقط لأني ابنة الدوق ومُلقبة بالقديسة.”
بدأ الدوق يتلعثم بكلامه بعد سماع كلمات ابنته. فلم يكن هناك أحد غيرها يستطيع أن يُسكت الدوق أسيلي بالكلام فقط.
“لكن الواقع ليس كذلك، أليس كذلك؟ أنا أتألم دائمًا.
الناس يقولون أنهم يتمنون لو يكونون أبناءً للدوق أسيلي حتى لو كانوا مرضى، وإنهم لو وُلدوا قديسين مثلي لعاشوا حياةً مريحة، لكن كل هذا بعيد عن الحقيقة. إنهم لا يرون سوى السطح، ويحكمون بما يروق لهم فقط.”
“.……”
“ثم…..أنا لا أظن أن الآنسة إيلين إنسانةٌ شريرة. لقد كانت تشبهكَ يا أبي.”
عند سماع كلماتها، بدت علامات الانزعاج على وجه فِريدين.
لم يكن يفهم أبدًا كيف يمكنها تشبيه إيلين بذلك الدوق الضخم الذي يشبه الجبل. بل هو رجل في منتصف العمر وله شاربٌ أيضًا.
بالطبع، كان يعلم أن ابنة الدوق لم تكن تقصد الشكل،
لكن سماعها تقول إن إيلين تشبه ذلك الرجل لم يُعجبه على الإطلاق.
“ثم إن الآنسة إيلين صديقتي.”
توقفت لوهلة وكأنها غرقت في التفكير.
“رغم أنني أظن أنني الوحيدة التي تعتبرها كذلك…..حتى الآن.”
شعر فِريدين بأن كلامها هذه المرة كان منطقيًا على غير العادة.
إيلين لم تكن شريرة. فالناس دائمًا يحكمون على الآخرين من مظهرهم الخارجي أو من الشائعات التي يسمعونها.
وربما هو نفسه، بالنسبة للناس، يبدو أميرًا مثاليًا يعيش حياةً هادئة ومريحة. لكن ما الحقيقة؟
والده يحاول قتله، وإخوته يملؤون قلوبهم بالكراهية تجاهه.
_________________
كل الابطال موجوعين ودي اضمهم 🫂
الدوق يجنن وش ذا الاب الرايع😭
شسمه طلع كل الي بين فريدين وأسيلي تمثيل🤏🏻 وناسه حتى قوة فريدين حلوه
الي شافه في ايلين يبي له صياح زياده😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 23"