أفاقت إيلين فجأةً ونظرت حولها. كان طلاب قسم فنون السيف الآخرون يحدقون بها أيضاً بوجوهٍ بدت وكأن أرواحهم قد غادرتهم.
“فيليب، ما الذي رأيناه للتو؟”
“إيلين تغلبت على السيد آمون..…؟”
هل بالغتُ حقاً؟
شعرت إيلين ببعض الندم بمجرد أن رأت ردود أفعالهم.
‘لقد اندمجت كثيراً في المبارزة.’
لكن، رغم ذلك، كانت مبارزةً ممتعة للغاية.
أدارت إيلين رأسها ونظرت أمامها من جديد. كان آمون يقف بوجه متوهج.
“كانت مبارزةً جيدة، الآنسة إيلين.”
عادت نبرة آمون إلى طبيعتها. و عندها فقط شعرت إيلين بالراحة. فآمون هيدور لم يكن يناسبه استخدام الألقاب الرسمية.
صافحت إيلين آمون، ثم أدارت رأسها لتتأكد من مصدر النظرة الحارّة التي كانت تشعر بها منذ قليل.
الدوق أسيلي. كان ينظر إليها وكأنه سيشعل بها النار.
وحين تبعت إيلين بنظرها إليه، نظر باقي الطلاب إلى الدوق أيضاً بوجوهٍ مصدومة. فقد كانوا منشغلين جداً بمبارزتها مع آمون لدرجة أنهم لم يلاحظوا وصول الدوق أسيلي.
“الدوق أسيلي!”
“متى وصل؟”
سارع الطلاب إلى وضع قبضة يدهم على صدورهم وانحنوا إلى الأمام. وكان آمون كذلك، إذ انحنى مثل بقية الطلاب بعينين مليئتين بالإعجاب.
من بينهم، كانت إيلين الوحيدة التي لم تنحنِ، بل حدّقت مباشرةً في دوق أسيلي. و نظر إليها الدوق بعينين لاحت فيهما لمعةٌ غريبة، وردّ نظراتها.
في الماضي، كانت تحمل تجاهه شعوراً ثقيلاً بالذنب. ولهذا كانت ترتجف كلما رأته، غير قادرةٍ على التصرف أمامه.
بل إنها ذات مرة فقدت وعيها في حفل فقط لأن عينيه التقتا بعينيها.
لكن في هذه الحياة، نجت الآنسة أسيلي، وبذلك تمكنت إيلين من التحرر من عبء الشعور بالذنب نحوه.
وبينما فكرت في ذلك، لم تنحنِ، بل اكتفت بإيماءةٍ خفيفة ومحترمة برأسها تجاهه.
كانت إيلين تدرك جيداً الاحترام العميق الذي يكنّه الآخرون للدوق أسيلي. ولو كانت فارسةً عادية، لانحنت له انحناءةً عميقة في مثل هذا الموقف.
لكن، بما أنها هي أيضاً سيدة سيف، لم ترغب في المبالغة في المجاملة. بل على العكس، شعرت بحافز التحدي كمبارزةٍ تقف على نفس مستواه.
راقبها الدوق بنظراتٍ بدت وكأنه يجد الأمر مسلياً، لكن إيلين تعمدت تجاهله.
وربما، لكونه هو أيضاً سيد سيف، قد شعر بشيء تجاهها. لكن بما أن الفرسان من نفس المرتبة لا يمكنهم قياس قوة بعضهم بدقة، فمن المرجح أن الدوق يراها فقط كطالبةٍ موهوبة في الأكاديمية.
بل وربما لهذا السبب تحديداً أظهر اهتماماً أكبر بها.
قد يكون راضياً عن تصرفها المتعجرف. فهو من النوع الذي يؤمن بأن العباقرة يجب أن يتحلوا بقليلٍ من الغرور.
ظهور الدوق في هذا المكان كان مفاجئاً، لكنه لم يكن يعني شيئاً بالنسبة لها. بل كان هناك ما يشغل بالها أكثر من ذلك.
أدارت إيلين نظرها بعيداً عن الدوق، ونظرت إلى أحد أطراف ساحة التدريب. فرأت رايمون، الذي كان يراقبها من بعيد.
شعرٌ أسود قصير، ووجهٌ ودود، وحضورٌ باهت بالكاد يُلاحظ. لكن إيلين كانت تعرف الآن أن ذلك الحضور الخافت كان متعمداً منه.
كان رايمون يرددُ بشيء نحوها، فقرأت حركة شفتيه،
‘إيلين! مر وقتٌ طويل.’
كان يبتسم بصدق وسعادة وكأنه سعيدٌ حقاً برؤيتها. و بمجرد أن رأته، شعرت إيلين وكأنها تُسحب من حلمٍ غريب وسعيد إلى أرض الواقع.
‘لقد كان هذا اليوم…..غريباً حقاً.’
كارون كان قلقاً عليها، والآنسة أسيلي ابتسمت لها وتحدثت بلطف، وآمون، كان يتصرف وكأنه يعترف بها ويقرّ بقيمتها.
لكن كل ذلك لم يكن سوى أشبه بحلم. أما واقع إيلين الحقيقي، فكان هنا، في هذا المكان.
فكرت بذلك، ثم لوّحت بخفة بيدها مجيبةً على ابتسامة رايمون.
‘السعادة لا تليق بي.’
تذكّرت الكلمات التي اعتادت زوجة الماركيز قولها لها في كل حصة تدريبية،
“أنتِ لن تكوني سعيدةً أبداً، إيلين.”
كانت معتادةً على رؤية رايمون وهو يبتسم. فقد كان يبتسم لها دائماً بذلك الشكل كلما رآها. وفي الماضي، كانت تحب تلك الابتسامة.
لو أنه فقط لم يكن يبتسم بهذا الشكل حتى في اللحظة التي قتلها فيها…..
‘ربما، فقط ربما، لما شعرت الآن برغبة في التقيؤ.’
كان موضع الطعنة في رقبتها من حياتها السابقة يؤلمها بشدة وكأنه تجمّد من البرودة.
***
كان رايمون في تلك اللحظة يراقب درس إيلين عن بُعد لبعض الوقت. وكان فرسان الكتيبة الأولى قد غادروا المكان منذ زمن طويل حفاظاً على سلاسة الحصص الدراسية للطلاب.
لكن لسببٍ ما، كان الدوق أسيلي، بذلك الجسد الضخم، واقفاً وحده يحدّق في إيلين ليسيروس دون أن يشيح بنظره. ولو كان رايمون مكان إيلين، لشعر بالضغط من تلك النظرات المثابرة.
‘ما هذا..…؟ هل هي بارعةٌ فعلاً؟ لا عجب أن كورِيليا كانت قلقة. هل هذه هي موهبة عائلة ليسيروس؟ كيف تمكّنت من خداعنا والتدرّب على فنون السيف بهذا الشكل؟ هذا يثير القشعريرة.’
ومع ذلك، ابتسم رايمون وهو يحدّق بإيلين، دون أن يبدو عليه القلق.
فحتى لو كانت نبتةً واعدة ستنمو لتصبح شجرة عظيمة، يمكن سحقها قبل أن تزهر. وذلك كان ما تتقنه كورِيليا أفضل من أي أحد آخر.
ما عليه سوى تنفيذ المهمة التي أوكلتها إليه، وعندها ستحلّ جميع الأمور. فمهما كانت بارعةً في قسم فنون السيف، طالما لم تخض قتالاً حقيقياً، فلن تكون أكثر من هاويةٍ صغيرة تحلم بأن تصبح فارسة.
هكذا فكّر رايمون بينما استعاد في ذهنه الحديث الذي دار بينه وبين كورِيليا.
خططها كانت دائماً مثالية، ولا تعرف الفشل. كانت ترتكب أحياناً تصرفاتٍ مجنونة، لكنها تمتلك ذكاءً لامعاً وقدرةً هائلة على المراوغة.
بعد مغادرة الحارس، شرحت له كورِيليا خطتها التالية،
“سيأمر الإمبراطور قريباً فريدين بالذهاب إلى أراضي شعب الذئاب، للقضاء عليهم وإنقاذ الرهائن. أعني أولئك اللاجئين عديمي الفائدة. وبما أنه ارتكب خطأً فادحاً في مهمة القضاء على الوحوش، فلن يكون أمامه خيارٌ سوى الامتثال.”
شعب الذئاب، إذاً…..
عندها، أدرك رايمون أن الإمبراطور قد عقد العزم هذه المرة حقاً.
هل ينوي الإمبراطور فعلاً التخلص من ابنه الثاني، الذي يراه شوكةً في عينه؟
“فريدين ليكسيا و فرسانه الاحتياطيين سيخرجون في الحملة دون شك. يُقال أن الكونت ليون سيرافقهم، لكن لن يكون هناك دعمٌ فعلي.”
“سيُقتل عددٌ كبير منهم إذاً.”
“صحيح. لكن بما أن هناك من يدعم فريدين ليكسيا أكثر من الأمير الأول ديتريون، فلا بد أنه يثير استياء الإمبراطور. ربما يقاوم الآن بكل ما لديه للبقاء على قيد الحياة، لكن ما الفائدة؟ أياً كان ما سيفعله، فالإمبراطور لن يتوقف حتى يقتله.”
“….…”
“أنا متحمسة جداً لتلك اللحظة. إن مات الأمير الثاني، فمن المؤكد أن إيلين ستلوم نفسها. ستظن أن كل شيء بدأ ينهار منذ خطوبتهما. رغم أنهما في الواقع في نفس المأزق تماماً.”
وفجأة، وكأنها تذكرت شيئاً، واصلت كورِيليا كلامها،
“تُرى، كيف ستشعر إيلين إذا مات خطيبها بسبب هذه الحملة؟ لقد أصبحت مغرورةً جداً منذ انضمامها إلى قسم فنون السيف…..قد يكون من الممتع أن أسحقها لدرجة تجعلها غير قادرةٍ على الإمساك بالسيف مجدداً.”
يا لها من شيطانة.
هزّ رايمون رأسه وهو يسمع كلمات كورِيليا.
“لن تتمكن من الهرب هذه المرة. سيد سييفٍ مر من هنا صدفة؟ لنرَ إن كان الحظ سيبتسم لها مرتين.”
نعم، هذه المرة لن يحدث ذلك.
فكر رايمون بهدوء فيما يجب عليه فعله.
كان يخطط لمتابعة مهمة فريدين ليكسيا بهدوء، وعندما تطأ قدمه أرض شعب الذئاب، كان يعتزم أن يتركه وإيلين بمفردهما.
وعندما يحين ذلك الوقت سيتخذ الإجراءات اللازمة حتى لا تتمكن إيلين من إمساك السيف مجددًا.
كيف سيفعل ذلك؟ رغم أنه لا يزال يكن لها بعض المشاعر، فإنه كان يخطط أن يجعلها تشعر بألمٍ أقل قدر الإمكان.
‘لو كان بإمكاني خلق حادث عارض…..’
في تلك الحالة، ستستمر إيلين في التعلق به كالأحمق.
وإن حدث ذلك، سيكون من السهل عليه أن ينسحب من المهمة بحجة إصابتها.
ومع هذه الأفكار، نظر رايمون إلى إيلين. رؤيتها تتعرق وهي تقاتل بالسيف كانت لا تختلف عن باقي الطلاب.
‘إن فعلت ذلك، فلن يكون الأمر ممتعًا.’
كان قد تخيل مشهد إيلين وهي تشعر بالإحباط في قسم فنون السيف دون أن تحقق أي شيء، لكن تبين أنها كانت تتأقلم بشكلٍ جيد أكثر مما كان يتوقع.
أبدى رايمون تعبيرًا غير راضٍ.
إيلين، التي كانت دائمًا وحيدةً في قصر الماركيز، كانت مختلفةً تمامًا عندما تكون بين الآخرين.
كانت تظهر بشكل أفضل عندما كانت تشعر بالإحباط. وفي كل مرة، كان وجهها المليء بالأمل تحت تأثير دفء يده الضئيلة هو الأكثر سخافة…..
فور انتهاء الدرس، بدأ الطلاب يضعون سيوفهم في أماكنها ويجمعون أمتعتهم. وفي نفس الوقت، ترك الدوق أسيلي الذي كان بجانب رايمون، مكانه وكأن أعماله قد انتهت.
لكن نظرته لم تبتعد عن إيلين حتى اللحظة الأخيرة.
________________
يع رايمون يقرف
الدوق شكل نظرته تغيرت لإيلين يضحك تكفى خذها من هنا😭
الحمله ذي تروع ايلين لو راحت معهم شكل مافيه حل الا انها تطلع لهم موهبتها الصدقيه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"