أخرج ديريك الكتاب الذي كان بحوزته وناوله لداينا.
فلوحظ بوضوحٍ على داينا أن ملامح وجهها قد اشْتَعَلَتْ سعادةً. بينما كان فريدين ينظر إلى ديريك بريبة وشك.
كان فريدين يعلم أن ديريك وداينا قد ابتكرا سرًا خاصًا بينهما منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكنه لم يكن يعرف حتى الآن ما هو هذا السر.
ثم تحدّث ديريك وهو يقدّم الكتاب،
“صاحبة السمو الأميرة داينا، هذه هديتي لكِ.”
تسلّمت داينا الكتاب وهي تحدّق فيه كأنه شيء ثمين للغاية.
“افتحيه.”
ثم فتحت داينا الكتاب بحذر، وعيونها تتلألأ. و اقتربت إيلين من جانب داينا وسألتها،
“داينا، ما هذا الكتاب؟”
“عن فن استدعاء الأرواح!”
“فن استدعاء الأرواح؟”
ففسّر ديريك الأمر،
“كنتِ تتساءلين عن ‘الأصدقاء’ الذين تراهم صاحبة السمو الأميرة داينا، صحيح؟”
أومأت إيلين بجدية.
كانت داينا تقول أحيانًا أنها تتحدث مع أصدقائها، وأن أصدقاءها يكلّمونها. وكانت إيلين تشعر بالقلق أحيانًا من هذا التصرف الخاص بابنتها.
لكنها ظنت أن الأطفال الصغار كثيرًا ما يخلقون أصدقاء غير مرئيين، ولم تهتم كثيرًا.
حتى أن إيلين حاولت أيضًا اكتشاف حقيقة وجود الأصدقاء الذين تراهُم داينا.
لكن، فن استدعاء الأرواح؟
لقد اختفى فن استدعاء الأرواح منذ زمن بعيد. و قد مرت مئات السنين على اختفاء جميع فناني استدعاء الأرواح، وعلى عدم ولادتهم.
و أصبحوا الآن كائناتٍ موجودة فقط في الأساطير.
كان ألكسيس، الذي كان يراقبهم من بعيد، أكثر من تفاعل بحساسية مع كلام ديريك.
“فن الأرواح؟ أليس هذا من بقايا الماضي الذي اندثر منذ زمنٍ بعيد؟”
كان، بصفته سيد برج السحر، مهتمٌ أيضًا بفن الأرواح إلى حد كبير.
قيل أن بعض الناس في الماضي البعيد استخدموا فن الأرواح والسحر معًا. وقد أصبح بعضهم سحرةً عظماء غير مسبوقين.
ومع ذلك، حتى ألكسيس، الذي عُرف بإتقانه لجميع أنواع السحر، لم يتمكن من الوصول إلى خيطٍ يقوده لفهم فن الأرواح.
رفع ديريك كتفيه بلا مبالاة أمام نظرات ألكسيس المشككة.
“إنه مجرد هديةٍ لا أكثر.”
“لا بد أن العثور على كتاب عن فن الأرواح كان أمرًا بالغ الصعوبة، أليس كذلك؟”
نظر ديريك إلى الكتاب بوجه تغشاه لمحة حنين. ويبدو أن التعب الظاهر تحت عينيه لم يكن سببه قلة النوم فقط، بل أيضًا تلك الهدية.
“لقد مررتُ بالكثير..…”
وبينما كان الآخرون يتبادلون الحديث، كانت داينا غارقةً في قراءة الكتاب.
أما إيلين، فجلست تقرأ مع ابنتها التي كانت على حجرها.
ورغم أن الكتاب كان محفوظًا في حالة جيدة، إلا أن قِدمه جعله صعب القراءة في بعض المواضع.
لكن داينا كانت منغمسةً تمامًا في الكتاب، وكأنها لا تشعر بنظرات الآخرين من حولها.
كانت عيناها الخضراوان اللامعتان والمفعمتان بالغموض تشبهانها كثيرًا.
وضعت إيلين رأسها على كتف ابنتها المحبوبة. وفي تلك اللحظة. شعرت بشيء غير مألوف، فتجمدت ملامحها.
واتجهت يدها نحو السيف عند خصرها. ثم شدّت بقوة على جسد داينا التي كانت تحتضنها.
“هذا غير معقول!”
صرخ ألكسيس دوّت في المكان.
“أمي، إنها قطة!”
رفعت داينا القطة التي ظهرت فجأةً بين ذراعيها.
و رغم أن دينا أطلقت عليه اسم “قطة”، كانت إيلين تعلم أنه ليس قطة. فقد كان تجسيدًا نقيًا للطاقة.
كادت إيلين أن تشهر سيفها وتهاجمه في الحال، لكنها توقفت بسبب حركة ألكسيس اليائسة.
“لا يحمل أي نيةٍ خبيثة.”
ذلك الكائن الذي اتخذ شكل قطة كان واقفًا بجانب داينا يحدق في إياين.
شكله كان بالتأكيد لطيفًا. فجسده الشفاف اتخذ شكل قطة تمامًا كما قالت داينا. ومظهره الذي يشبه القطة “تيتي” كاد يُضعف عزيمة إيلين للحظة.
لكنها كانت تعرف جيدًا أن هناك الكثير من الكائنات الشيطانية ذات المظهر اللطيف.
“أمي، القطة قالت أنها اشتاقت إليكِ.”
“داينا..…؟”
“إنها صديقة داينا. كانت مع داينا منذ أن كانت صغيرةً جدًا.”
وما إن أنهت داينا كلامها، حتى تقدم ألكسيس ووقف أمامهم. بينما كان يحدق في القطة التي أمامه بلا رمشة عين.
“سمو الأميرة داينا، إن لم يكن في الأمر تطفّل، ما الذي رأيتِه في الكتاب؟”
“هممم، صور فقط.”
“هل يمكن أن تسمحي لي برؤية ذلك الكتاب؟”
نظرت داينا نحو ديريك. وكان ديريك، الذي شحب وجهه من وقع المفاجأة، يومئ برأسه مرارًا وتكرارًا.
مدّت داينا الكتاب إلى ألكسيس. وبينما كان ألكسيس يتصفح الكتاب بسرعة، خرجت منه شهقة إعجاب.
“تلك القطة…..أظن أنها روح.”
تجمدا إيلين وفريدين في مكانهما من شدة الصدمة. وكذلك بقية الموجودين الذين كانوا يراقبون الموقف.
نظر فربدين نحو ألكسيس بوجه مذهول وسأله،
“روح؟”
“نعم، إنها روح. حتى أنا بالكاد أصدق، لكن يبدو أن سمو الأميرة داينا قامت باستدعاء روحٍ كاملة بمجرد رؤيتها لدائرة الاستدعاء السحرية.”
“هل هذا أمر ممكن؟”
“أنا نفسي لم أكن أعلم. إنها المرة الأولى التي أرى فيها روحًا أيضًا. كما تعلمون، لم يتبقَ أي مستدعي أرواح في القارة منذ مئات السنين.”
بدا ألكسيس متحمساً بشكل غير معتاد. فنظر فريدين إليه بعينين غريبتين.
كان ألكسيس شخصًا باردًا لا يُظهر أي حماس عادة. لكن عينيه الآن كانت تلمعان أكثر من أي وقتٍ مضى.
“علينا أن نتحقق من الأمر بدقة…..لكن يبدو أن سمو الأميرة عبقريةٌ بكل ما تحمله الكلمة من معنى.”
***
بعد انتهاء حفلة ميلاد داينا، كانت إياين تحمل وجهًا مشوشًا.
و كان فريدين واقفًا بجانبها حاملاً كاسيون بين ذراعيه.
أما داينا، فكانت تلعب مع الروح التي استدعتها دون أن تدرك أي شيء.
وبعد قليل، تسلقت إلى حجر والدتها.
“صديقتي قالت أنها صديقتكِ أيضًا يا أمي.”
“تقول أنها صديقتي..…؟”
نظرت إيلين إلى الروح بنظرة متشككة. فما كان من الروح، التي كانت جالسةً بهدوء بجانب داينا، إلا أن اقتربت منها.
كانت نظرات إيلين مليئةً بالحذر، لكن الروح أظهرت ملامح حزينة كأنها قد جُرحت بالفعل.
فتملّك إياين شعورٌ غريب من تصرفها، خاصةً عندما اقتربت الروح منها وأمالت رأسها عليها بدلال كأنها تحاول ملاطفتها.
ثم شعرت إيلين بإحساس غامض وهي تنظر إلى تلك الروح. لأنها كانت تشبه “تيتي” بحق.
“تيتي..…؟”
وعندما نطقت إيلين بذلك، رفعت الروح أذنيها بسرعة. وكانت عيناها الكبيرتان تحدقان بإيلين كأنها تجيبها بالفعل.
قالت أنها تيتي، و هي بالفعل تشبه تيتي.
“صديقتي تقول أن اسمها تيتي؟”
“لا، هذا اسم صديقةٍ قديمة لأمكِ.”
“لكن صديقتي تقول أنها تيتي.”
تجمدت إيلين في مكانها. كيف يمكن أن تُستدعى تيتي كروح تابعة لداينا؟
صحيحٌ أن شكل الروح وتصرفاتها كانت تشبه تيتي كثيرًا، لكن…..
“كان اسمها تيتي إذًا! لهذا قالت أنها لا تحتاج إلى اسم.”
احتضنت داينا تيتي بحماس بريء دون أن تفهم شيئًا.
“تيتي كانت تحميني منذ أن وُلدت.”
وضعت إيلين يدها على فمها لتكتم شهقتها. و راودتها مجموعة من الأحداث التي لم تغادر ذاكرتها.
حين اعتلى فريدين العرش الإمبراطوري، كان لا يزال هناك من أتباع الإمبراطور السابق من يتحرك في الخفاء.
وفي إحدى المرات، أثناء خروج إياين في حملة عسكرية مهمة، تجرأوا على تحدي فريدين، بل وحاولوا اغتيال داينا.
لكن من حاولوا إيذاء داينا تعرضوا لمصير مجهول، وكأن شيئًا كان يحميها.
حتى القتلة لم يتمكنوا من الاقتراب منها. فقد كانت تيتي بجانب داينا دومًا، و تحميها. بهيئة روح.
لا تعلم كيف أصبحت تيتي روحًا. لكن مجرد معرفتها بأن تيتي كانت دائمًا بقرب ابنتها، كان كافيًا لجعل دموعها تنهمر.
“تيتي تقول أنها تريد الذهاب إلى أمي.”
أومأت إيلين برأسها ببطء. فصعدت تيتي إلى حجرها. وداهم إيلين شعورٌ لا يمكن وصفه بالكلمات.
كانت تيتي أول صديقةٍ لها في طفولتها، عندما كانت وحيدةً تمامًا. و الآن أصبح لدى إيلين الكثير من الأصدقاء…..
لكنها كانت تشعر بالوحدة الشديدة في ذلك الوقت. و لم تستطع نسيان تلك القطة التي اقتربت منها في الأكاديمية حين كانت وحيدة.
كانت أول صديقة تعرفت عليها في حياتها. لكنها كانت أيضًا أول من رحل عنها.
ذلك اليوم الماطر الذي ودعت فيه تيتي وهي تبكي سيظل محفورًا في ذاكرتها حتى لحظة موتها.
مدّت إيلين يدها المرتجفة لتمسح على تيتي. فأغمضت تيتي عينيها وبدأت تصدر صوت خرير ناعم، وكأنها تستمتع باللمسة.
ثم اقترب فريدين سريعًا من إيلين، فقد رأى الدموع تلمع في عينيها. ونظرا داينا وكاسبون إلى إيلين بعيون مليئة بالدهشة.
وبصوت قلق، راح أفراد العائلة يسألونها،
“أمي، هل تبكين؟”
“هل حدث شيءٌ محزن؟”
“إيلين، هل أنتِ بخير؟”
هزّت إيلين رأسها بسرعة نافية. فلم تكن تريد أن تقلق أطفالها أو فريدين.
وبدلاً من أن تبكي، ابتسمت.
“لا، أنا فقط سعيدةٌ جدًا. سعيدةٌ جدًا لهذا السبب.”
مالت داينا برأسها متأملةً كلام والدتها، ثم ما لبثت أن أومأت بحماس وكأنها تشاركها نفس الشعور.
“أنا أيضًا سعيدة!”
أمسكت داينا بيدي فريدين وإيلين. وكاسيون فعل الشيء نفسه. فقد تبع داينا وأمسك بيدي والديه أيضًا.
“أنا سعيدةٌ لأنكِ أمي.”
أطلقت تيتي مواءً عاليًا وكأنها توافقها.
“ميااو!”
“وأنا سعيدةٌ لأنكَ أبي.”
نظرت داينا إلى كاسيون بنظرة جانبية.
“كاشيون يتصرف بلؤم أحيانًا…..لكنني أحب كونه أخي. فلو لم يكن موجودًا، كنت سأشعر بالحزن.”
ثم ارتمت داينا في حضن إيلين.
“شكرًا لأنكِ أنجبتني كابنتكِ، لقد كان هذا أفضل يوم ميلاد على الإطلاق.”
فعانقت إيلين داينا بقوة وأجابت،
“شكرًا لأنكِ أصبحتِ ابنتي، داينا. أمكِ تحبكِ يا ابنتي.”
____________________
اشوا داينا مب قديسه
المهم كاسيون المؤلفه سافهته ياعمري عليه 😂
تخيلوا ذولا جابو عيال وكشفوا قوتهم في اربع فصول واراسيلا وداميان 12 فصل وتو اراسيلا حامل ماولدت 😭😭😭😭😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 125"