حاولت إيلين أن تفهم كلامها، ووضعت يدها بحذر على بطنها.
‘عائلة جديدة، هل يعني ذلك……’
فاحمرّ وجهها.
لقد مر وقتٌ منذ أن بدأت تعيش حياةً زوجية مع فريدين. و كانت قد فكرت أنها ستنجب طفلًا قريبًا، لكن الخبر جاء مفاجئًا.
“ستلدين أميرةً جميلة حقًا.”
“أميرة؟”
“وفي مستقبلٍ أبعد، سيولد أميرٌ أيضًا.”
لم تعرف إيلين ما الذي يجب أن تقوله.
“ستكونين حقًا، حقًا سعيدة.”
قالت ذلك ثم عانقتها القديسة. و لم تقل القديسة ولا تيتي أي شيء لفترة قصيرة. وبعد مرور بعض الوقت تكلمت القديسة وكأنها خلت من كل تردد.
“الآن يجب أن تعودي لتعيشي أيامًا سعيدة.”
قالت ذلك وهي تدفع كتف إيلين برفق.
***
في تلك اللحظة فتحت إيلين عينيها.
وأول من رأته عند فتح عينيها كان فريدين. و كان الأشخاص الذين كانوا يحيطون بها قد اختفوا جميعًا.
كانت عينا فريدين محمرتين من البكاء، وحين فتحت إيلين عينيها، أضاء وجهه فجأة.
فارتبكت من مظهر فريدين الشاحب. وسألته بحذر.
“هل مر وقتٌ طويل؟”
“مرّ حوالي ثلاثة أيام.”
ثم عانقها فريدين بقوة وهو يبتسم مطمئنًا.
كان تادوق أسيلي قد أوصى بعدم إزعاج إيلين، سواءً من قِبله أو من الآخرين، لذا كان الجميع حذرين قدر الإمكان.
“فريدين……يا إلهي، هل نِمتَ على الأقل؟”
“أنا بخير.”
وضع فريدين رأسه على كتف إيلين. و رغم أنه أجاب بأنه بخير، إلا أنه في الحقيقة لم يغمض له جفن طوال الأيام الثلاثة الماضية.
وقد أسند أعماله إلى ديريك وبقي بجانب إيلين يعتني بها دون أن يفارقها.
ثم أغمض عينيه متذكّرًا ما قاله الدوق أسيلي عندما بلغت إيرين حالة الإدراك.
“لا يجب على أحدٍ أن يلمسها. عندما يحين وقت الإدراك، يجب الحفاظ على الهدوء التام.”
قال الدوق أسيلي أن إيلين قد بلغت مستوى جديدًا. وأكد أن هذه لحظة حاسمة بالنسبة لها، وإن تعرّضت لصدمة فقد تتعرض لأضرار داخلية خطيرة.
وبعد سماع هذا، لم يكن فريدين قادرًا على النوم إطلاقًا. حتى أنه كان يتجاوز وجباته ليمكث بجانبها طيلة الأيام الثلاثة.
إيلين أيضًا أدركت بشكل غير مباشر أن فريدين كان في غاية القلق والمعاناة طوال فترة بقائها نائمة.
كان فيردين دائمًا كذلك. رغم أن إيلين أصبحت الآن من أقوى الأشخاص في الإمبراطورية ولا يُستهان بها، إلا أنه كان لا يزال يقلق على سلامتها.
أمسكت إيلين بيد فريدين، ثم وضعتها على بطنها. فرأته يفتح عينيه على وسعهما مندهشًا دون أن يفهم شيئًا.
“أتدري من قابلتُ أثناء لحظة الإدراك؟”
“من قابلتِ……؟”
“رأيتُ القديسة السابقة.”
“أمي؟”
“نعم، وقد أخبرتني بشيء.”
“….…”
“قالت أن أميرتنا الصغيرة في طريقها إلينا.”
توقفت يد فريدين. و كانت عيناه متسعتين لأقصى حد ممكن.
“هذا يعني أنكَ ستصبح أبًا. يا إلهي……”
ارتبكت إيلين، لأن فيردين عانقها بقوة مفاجئة. لكن سرعان ما تركها من بين ذراعيه.
“هل أنتِ بخير، إيلين؟ هل عانقتكِ بقوة……؟”
“فريدين، أنا سيدة سيف، هذا لا يؤثر فيّ أبدًا.”
قالت إيلين ذلك ضاحكةً بخفة.
“يبدو أن القضاء على وحوش الشِقّ سيكون صعبًا لفترة من الآن. كنت أنوي التخلص من الوحوش الخطيرة قبل حلول الشتاء.”
فأظهر فريدين ملامح حازمة وكأنه يطمئنها.
“لا بأس يا إيلين. آمون أصبح سيد سيف بعد تدريبه معكِ.”
“بلغ المستوى الذي كان يطمح إليه إذاً.”
“من أجل الإمبراطورية الآمنة التي تحلمين بها، سيبذل آمون جهده بدلًا عنكِ. لأنه مدينٌ لكِ.”
“يا له من مسكين، يبدو أن السيد آمون سيُرهَق قليلًا.”
“بالطبع، فقد اقترف ذنبًا في الماضي، وسيؤدي ذلك بكل سرور.”
كانت إيلين تعلم جيدًا ما هو الذنب الذي يقصده فريدين. فقد كان يشير إلى الحادثة القديمة جدًا حين تجرأ آمون وافتعل شجارًا مع إيلين.
رغم مرور وقت طويل، إلا أن فريدين على ما يبدو لم يغفر له بعد.
وبينما كان يتحدث بثقة عن استغلاله لآمون دون تردد، لم تستطع إيرين منع نفسها من الانفجار ضاحكة.
***
وكما قال فريدين، بدأ آمون، الذي أصبح سيد سيف، في القضاء على الوحوش المنتشرة في الإمبراطورية بكل جد.
وقبل أن يحل الشتاء، كان قد قضى على معظم الوحوش في المناطق المختلفة، ونال اعترافًا على جهوده، وحصل على فرقة الفرسان الخاصة به.
كما علمت إيلين أن آمون تمكّن أخيرًا من نيل موافقة الدوق أسيلي على الزواج. و لقد أثمرت جهوده المؤثرة والمضنية في النهاية.
و بعد مرور الشتاء، أنجبت إيلين ابنتها. وكان اسم الابنة داينا ليكسيا.
ولم تمضِ بضع سنوات حتى أنجبت ولدًا آخر. وسُمي الولد كاسيون ليكسيا.
***
كان فريدين يشعر مؤخرًا أن حياته أشبه بالحلم.
فحياته كإمبراطور كانت مزدحمةً كل يوم. فهناك الكثير مما يجب التفكير فيه، والكثير مما يجب فعله.
لكن بعد أن يُنهي كل أعماله ويعود إلى قصره، كان بانتظاره زوجته العزيزة وابنه وابنته.
‘عائلة.’
كانت تلك الكلمة تشعره دائمًا بوخزٍ دافئ في صدره رغم غرابتها عليه.
ابنته داينا كانت تشبهه كثيرًا في ملامحها. أما ابنه كاسيون، فكان نسخةً عن إيلين.
ورغم صغر سنه، فقد كان يملك موهبةً بارزة في فنون السيف.
“جلالتك، فريدين……ها أنت شارد الذهن من جديد.”
عند سماعه صوتًا متضجرًا، التفت فريدين برأسه. و كان ديريك ينظر إليه بتعبيرات لا تخلو من التوبيخ.
و كان هناك ظلٌ قاتم واضح تحت عيني ديريك. فبعد تخرجه من الأكاديمية، التحق ديريك بالقصر الإمبراطوري، وسرعان ما صعد بشكل صاروخي حتى وصل إلى منصب رئيس الوزراء.
رغم أنه منصبٌ مشرف، إلا أن الظلال تحت عينيه كانت تزداد عمقًا يومًا بعد يوم.
“لنُنْهِ الأمور مبكرًا اليوم.”
فهز ديريك رأسه وكأنه يئس منه.
“لكن لدينا جبلٌ من المهام التي لا تزال عالقة.”
“أليس اليوم حفلة ميلاد داينا؟”
“سأتغاضى هذه المرة فقط.”
قال ديريك ذلك وهو ينهض من مكانه فجأة.
و شعر فريدين بابتسامةٍ تنفلت منه دون قصد، فرغم كلام ديريك، إلا أن أكثر من كان ينتظر هذا اليوم كان هو.
كان ديريك يحتضن كتابًا بين يديه وكأنه شيءٌ ثمين. و كان ذلك هدية ميلاد أعدّها لداينا منذ عدة أشهر.
ثم أسرع فريدين بخطاه. وعندما وصل إلى القصر حيث تمكث إيلين، أشرق وجهه.
عندها، تقدّم آمون بخفة ووقف بجانبه بمزاح.
“فريدين، لماذا تأخرت؟!”
و إلى جانب آمون كانت تقف الآنسة أسيلي، وقد استعادت عافيتها تمامًا. وفي حضنها كان طفلٌ صغير بملامح مليئة بالمشاكسة.
كان ذلك هو ابن آمون و الآنسة أسيلي، جيرالد هيدور.
وعندما رآه ديريك، نقر لسانه بضيق.
“حتى المشاكس أتى. يبدو أنه سيزعج الأميرة داينا مجددًا.”
فاحمرّ وجه جيرالد من كلام ديريك، بينما نظر إليه فيردين بإعجاب.
كان جيرالد يشبه والدته تمامًا في ملامحه الهادئة، لكن رغم شكله الوديع كان مشاكسًا إلى حد كبير. و ذكّر فريدين بآمون عندما كان طفلًا.
لكن من يعرف الآنسة أسيلي جيدًا يدرك تمامًا أن جيرالد قد ورث شخصيتها أيضًا.
وربما لهذا السبب، كان الدوق أسيلي يكنّ حبًا كبيرًا لحفيده.
صرخ جيرالد وهو يحدّق في ديريك بغضب،
“ديريك غبي!”
“أوه، أيها الصغير، نسخةٌ مصغرة من آمون!”
تبادل فريدين التحية مع الآنسة أسيلي، ثم اتجه للبحث عن إيلين.
وكان على جانبيها يجلس طفلان، واحدٌ عن يمينها والآخر عن يسارها.
كانت داينا، ذات الشعر الأشقر الجميل الذي ورثته عن والدها، وكاسيون، ذو الشعر البني المُحمر الذي ورثه عن إيلين، يجلسان إلى جانبيها.
“أبي!”
ركضت داينا نحو فريدين بسرعة ما إن رأته، لكنها تعثرت وكادت أن تسقط. فأسرع فريدين نحوها واحتضنها بسرعة وقد فزع.
وعلى عكس كاسيون، الذي ورث عن إيلين موهبتها في الحركة والرشاقة، كانت داينا طفلةً ضعيفة جدًا.
فمنذ صغرها كانت تمرض كثيرًا، وكان من المعتاد أن تراها تحدق في الفراغ وتتمتم بكلماتٍ غامضة.
“داينا، عليكِ أن تكوني حذرة.”
فابتسمت داينا بسعادة وعانقته.
“لكنهم قالوا لي أنكَ قادم، يا أبي. كنت سعيدة جدًا ولم أستطع الانتظار.”
“هم؟”
“نعم، أصدقائي.”
أومأ فريدين برأسه وكأنه فهم، رغم غرابة كلامها. ثم همس لها وكأنه يسأل عن سرّ.
“فهمتُ……وهل قالوا لكِ شيئًا آخر؟”
“قالوا أن المطر سيتساقط اليوم.”
قطّب فريدين حاجبيه ونظر إلى السماء التي كانت مشمسة تمامًا ولا أثر لأي غيوم. ولهذا أُقيم الحفل في الهواء الطلق. فحتى السحرة كانوا قد تنبؤوا بأن المطر لن يهطل اليوم.
انحنت داينا بخجل وهمست وكأنها تفشي سرًا.
“في الحقيقة، أصدقائي قالوا إن بإمكانهم منع المطر لأن اليوم يوم ميلادي.”
“حقًا؟ إنهم أصدقاءٌ رائعون.”
أومأت داينا بسعادة.
نعم، إنهم أصدقاءٌ رائعون.
ثم همست مرة أخرى وكأنها تكشف سرًا حقيقيًا.
“لكنني طلبت منهم أن يُنزِلوا المطر! فأنا في الحقيقة أحب المطر كثيرًا.”
ابتسم فريدين، وفكر أنه في يوم ميلادها القادم سيطلب من ليليا أن تُنزل المطر لها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 124"