انطلقت إيلين بخطواتها تُقاد من قِبل فريدين. وما إن غادرا ساحة التدريب حتى شعرت بنظرات الناس الحارّة تحيط بهما.
فمن الطبيعي أن تتركز الأنظار عليهما، فهما أكثر شخصين لفتًا للأنظار في الإمبراطورية.
فجأة، نظر فيردين إلى إيلين بعدما ابتعدا عن الأكاديمية.
“هل بإمكانكِ مرافقتي إلى القصر الإمبراطوري الآن؟”
ارتسمت ملامح الدهشة على وجه إيلين عند سماعها لكلامه.
“إلى القصر؟ هل هناك أمرٌ ما؟ هل زاد عدد الوحوش مؤخرًا؟”
وما إن سمعت كلامه حتى بدأت تتوارد إلى ذهنها كل أنواع الاحتمالات السيئة.
هل يا ترى الوحوش على الحدود باتت تفيض إلى حد لا يمكن السيطرة عليه؟
صحيح أن الدوق أسيلي قد وعد بإعفائها من واجب سيد السيف حتى تتجاوز الخامسة والعشرين، لكن ربما الوضع بات طارئًا إلى درجة تستدعي كسر ذلك الوعد.
إن كان الأمر كذلك، فسيكون من المفهوم أن يأتي فريدين إلى الأكاديمية رغم انشغاله.
لكن حين لاحظ فريدين تعابير وجه إيلين، أسرع بهزّ رأسه نافيًا.
“لا، ليس هناك أمرٌ طارئ. فقط هناك مكانٌ أود الذهاب إليه معكِ.”
“مكانٌ تود الذهاب إليه معي…..في القصر الإمبراطوري؟”
“نعم، أردت أن نذهب معًا إلى البحيرة التي تحدثتُ عنها سابقًا. وهناك أيضًا أشياء كثيرة أود أن أخبركِ بها.”
سعل فريدين بخفة. وأخذ يبحث بعينيه عن لِيليا، التي كانت تتلقى التحيات من طلاب قسم السحر أمام بوابة الأكاديمية.
تمامًا كما كانت إيلين محط الأنظار في قسم السيف، كانت لِيليا تتلقى نظرات الإعجاب من طلاب قسم السحر.
وبعد لحظات، ابتسمت لِيليا بعدما رأت فريدين وإيلين وركضت نحوهم.
“إيلين! كنت بانتظاركِ.”
كان وجه لِيليا مشرقًا للغاية. لم تكن تلك الفتاة الحزينة التي كانت دائمًا تحمل ملامح الكآبة.
فأدركت إيلين أن لِيليا، مثلها، قد تغلّبت على ماضيها المظلم.
“فريدين، سنستخدم سحر الانتقال الآني لاحقًا، لذا دعنا نتحدث وحدنا لبعض الوقت.”
عند سماع كلام لِيليا، التفت فريدين نحو إيلين. رغم أنه لم يكن يرغب بالابتعاد عنها ولو للحظة، إلا أنه شعر أن عليه أن يترك لها المجال الآن.
وسرعان ما ابتعد فربدين قليلًا.
عندها اقتربت لِيليا من إيلين وأمسكت بيدها. ثم بدأت تذرف دموعًا فجأة.
حاولت إيلين، بوجه مليء بالدهشة، أن تمسح دموعها. لكن لِيليا هزّت رأسها نافية.
“هذه دموع فرح.”
“دموع فرح؟”
“ظهر لي كاي في الحلم قبل فترة.”
قالت لِيليا ذلك وهي ترسم ابتسامةً مرتاحة.
“كان يبدو بخير. قال أنه ظهر في حلمي فقط ليطمئنني ويخبرني ألا أقلق عليه.”
“…….”
كانت أطراف أصابع لِيليا ترتجف.
“قال لي ألا أتعذب بعد الآن. و أن أعيش بسعادة. وقال أنه في مكانٍ رائع فعلًا.”
لم تكن على وجه لِيليا أي علامة تدل على التعلق أو الندم. أما وجه إيلين فقد بدا مشوهًا وكأنها على وشك البكاء.
“أنا سعيدةٌ لأجلكِ، لِيليا. حقًا…..سعيدة جدًا.”
أومأت لِيليا برأسها.
“ربما لم يكن سوى حلم، لكنني قررت أن أؤمن به.”
كان انتقام كاي قد انتهى على يد إيلين. وخمنت لِيليا أنها ربما رأت في الحلم ما كانت تأمله في أعماقها، كتعبير لا شعوري عن ارتياحها بعد نهاية الانتقام.
لكنها سرعان ما قررت أن تؤمن بأن ذلك الحلم كان حقيقيًا. فقد كانت هذه أول مرة ترى فيها كاي في حلم منذ وفاته.
“أريد أن أصدق أنه جاء ليودّعني…..و أنه جاء لهذا السبب فقط.”
عانقت لِيليا إيلين وبكت بحرقة لفترة طويلة. أما إيلين فربتت بلطف على ظهرها، وبدأت تنقل لها كلماتٍ مطمئنة.
فعلت ذلك كي لا يرى الآخرون دموع لِيليا. وحين لاحظ طلاب الأكاديمية المشهد، ارتبكوا وابتعدوا بنظرات خجولة ثم هربوا من المكان.
“أهمم، أصبحت بخير الآن. شكرًا لكِ، إيلين.”
قالت لِيليا ذلك وهي تربت على كتف إيلين.
“لنكن بخير من الآن فصاعدًا. وأيضًا…..شكرًا لكِ حقًا، حقًا، على تحقيق انتقام كاي.”
“…….”
“بما أن كل الأشرار قد اختفوا، فلنَعِش جميعًا بسعادة من الآن فصاعدًا.”
أومأت إيلين برأسها بصمت بينما تستمع لكلمات لِيليا الدافئة.
***
بعد انتهاء حديث إيلين ولِيليا، وصل فريدين ونظر إليهما بوجهٍ مستغرب.
كانت عيونهما الاثنتين حمراوين ومنتفختين كما لو كانتا تبكيان.
كان من المفترض أنهما تحدثتا قليلًا، فكيف انتهى بهما الحال بهذا الشكل؟
رمق فريدين لِيليا بنظرةٍ حادة. لكن لِيليا تجاهلت نظرته ورفعت كتفيها ببرود.
وحين رأى فربدين ملامحها التي تُشبه أليكسيس، تنهد بعمق.
ثم سأل إيلين بوجه مملوء بالقلق،
“هل حصل شيءٌ يا إيلين؟”
“لا، لقد أخبرتني لِيليا بأخبارٍ مفرحة جدًا فحسب.”
لم تُخبر إيلين فريدين بتفاصيل ما جرى، لأنها شعرت أن الأمر لا يخصها حتى تتحدث عنه.
“ليس بالأمر الكبير. أعطني يدكَ بسرعة. سأستخدم سحر الانتقال الآني لكما معًا.”
أمسكت إيلين بيد لِيليا. فشعرت بدوار خفيف، وانقلبت رؤيتها للحظات.
وما إن استقرت، حتى وجدت نفسها خلف القصر الإمبراطوري، حيث توجد البحيرة الصافية.
خفق قلب إيلين بقوة أمام هذا المشهد الساحر.
فقد كانت بحيرة القصر من الأماكن التي تُدهش العين بجمالها. و أشعة الشمس الساطعة كانت تنعكس على سطح الماء اللامع كالمرآة.
“إيلين، هل تحبين الزهور؟”
سألها فريدين، فانغمست إيلين في التفكير. فلم يسبق لها أن فكّرت بعمق فيما تحبه أو تكرهه خارج نطاق السيف.
‘كنت أشعر بالراحة حين أرى الزهور على الطرقات.’
وبعد أن أنهت تفكيرها، أومأت برأسها.
“أعتقد أنني…..أحب الزهور. لست واثقةً تمامًا، لكنني كنت أستمتع بالنظر إلى أزهار البرية أثناء التدريبات أو خلال المهام.”
“فهمت. يسعدني أنكِ تحبينها.”
قال فريدين ذلك ونهض من مكانه.
“هل لي أن أذهب لمكانٍ ما قليلًا يا إيلين؟ سأعود بسرعة.”
أومأت إيلين برأسها، فمضى فربدين متجهًا إلى مكانٍ ما.
بينما كانت تنظر إلى ظهره وهو يبتعد، خطرت فكرةٌ في ذهن إيلين. و كانت في الواقع تتمنى لو بقي فيردين إلى جانبها.
‘لا بد أنه منشغلٌ بأمر مهم.’
من المؤكد أنه اقتطع من وقته المزدحم ليأتي معها إلى البحيرة.
عادت إيلين بنظرها نحو ضفة البحيرة. و لسببٍ ما، بدت أجمل مما كانت عليه لحظة وصولها.
أدركت حينها لماذا أراد فريدين أن يصطحبها إلى هذا المكان بالتحديد. فمجرد النظر إلى البحيرة كان يهدّئ اضطراب قلبها ويمنحه السكينة.
ربما شعر فريدين بما يعتمل في داخلها بعد أن أنهت كل الانتقامات. وربما أحضرها إلى هذا المكان ليواسيها.
‘عندما يعود، سأقول له شكراً. سأخبره أنني سعيدةٌ للغاية لأنني رأيت هذا المنظر.’
كان عبق الزهور يملأ أنفها بلطف، والنظر إلى البحيرة الهادئة جعلها تشعر بالسلام الداخلي.
أغمضت إيلين عينيها للحظة، وبدأت تسترجع في ذهنها كل ما حدث حتى الآن.
مرت بالكثير من الآلام، وكانت هناك لحظاتٌ شعرت فيها أن لا مخرج مما تمر به. لكنها تجاوزت كل تلك المحن، وها هي الآن تقف في هذا المكان.
برفقة أكثر من أحبّته.
وحين فكّرت بذلك، شعرت بشعورٍ غامر بالرضا يملأ صدرها.
في تلك اللحظة، سُمع صوتٌ ناعم وعذب.
“إيلين.”
استدارت إيلين برأسها. و كان فريدين واقفًا هناك وهو يحمل باقة زهورٍ جميلة.
ومن مظهر الزهور في يده، عرفت إيلين تمامًا ما كانت.
بتلاتها البيضاء التي تشبه ندف الثلج، وعطرها الحلو، لا شك أنها كانت “زهور الأرواح” التي تحدث عنها من قبل.
وشكل الباقة غير المتناسق أوحى بأنها كانت من صنعه هو نفسه.
حين أدركت ذلك، شعرت إيلين بفيضٍ من المشاعر يملأ صدرها.
اقترب فريدين نحوها حاملًا الباقة.
“زهور الأرواح تتساقط في مثل هذا الوقت من السنة. صنعتُ هذه الباقة شيئًا فشيئًا أثناء إقامتي في القصر. فلطالما حلمت بذلك. إن كُتِب لي أن أنجو…..أردت أن آتي إلى هذا المكان مع من أحب.”
انعكست رقّةٌ في عيني فربدين وهو يبتسم.
لقد كان حلمه الدائم، أن يتأمل هذا المنظر الجميل برفقة من يحب. والآن، وقد صار هنا مع إيلين، شعر فيردين أخيرًا بالسعادة الحقيقية.
“هل…..ستقبلينها؟”
وكان ذلك الشعور متبادَلًا لدى إيلين أيضًا. فالإجابة لم تكن بحاجة إلى تفكير، إذ كانت واضحةً منذ البداية.
مدّت يدها بتروٍّ وأخذت باقة الزهور منه. وما إن أمسكت بها، حتى جذبها فريدين برفق إلى حضنه.
شعرت بأنفاسه قريبةً منها، وقلبها بدأ ينبض بقوة وكأنه سينفجر.
“أريد أن أقضي حياتي كلها معكِ، يا إيلين.”
في تلك اللحظة، أدركت إيلبن ما الذي كانت تقصده إيسيس عندما قالت لها إنها ستعيش أسعد لحظة في حياتها.
تلك اللحظة كانت الآن، بلا شك. اللحظة التي يهمس فيها من تحبه برغبته في البقاء معها مدى الحياة.
كانت تظن أنها شعرت بالسعادة من قبل، لكنها أدركت الآن أنها لم تكن سوى بدايات.
فالسعادة الحقيقية بدأت تحلّق في صدرها الآن. و نسيم دافئ حرّك خصلات شعرها بلطف.
تحدث فريدين وقد احمرّت وجنتاه،
“ما زال هناك الكثير مما أعددته، لكن قبل أن تذبل زهور الأرواح تمامًا، أردت أن-“
كانت إيلين قد أسندت جبهتها على صدره، ثم شدّت ذراعيها أكثر حوله وعانقته بقوة.
فبدا الذهول على وجه فريدين من شدّة المفاجأة. لأن إيلين كانت تبكي.
“إيلين؟ هل أنتِ بخير؟”
عندما سألها فربدين، كانت تهز رأسها مرارًا بلا توقف. وردّت بصوتٍ مختنق بالكاد،
“أنا أبكي من شدة الفرح.”
كانت دموعها ليست حزينة، بل كانت دموع فرحٍ عارم.
وأخيرًا، فهمت إيلين كلام ليليا عندما قالت أن دموعها كانت من دموع الفرح.
____________________
اااااااااااااااااااااااااااااااا
مافيه شي اقوله في ذا الفصل خل نبكي بس
كان ودي انه عطاها خاتم بس عادي ممدين😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 120"