فريدين نظر إلى إيلين من الأعلا. و كان يسمع أنفاسها الضعيفة، أنفاساً صغيرة تكاد تنقطع في أي لحظة.
مسح جبينها المبلل بالعرق، ثم طبع عليه قبلةً صغيرة.
رغم أن إيلين قضت على عدد كبير من الوحوش، إلا أن بعضها لا يزال يتجول في المكان.
لذا أقام ألكسيس حاجزًا ليمنع الوحوش من الاقتراب بينما كان فريدين يتفقد حال إيلين. كان في قلبه رغبةٌ في حماية نهاية الاثنين، التي قد تكون الأخيرة.
أخذ فريدين يلامس يد إيلين المرتجفة بلا توقف. و تمنى لو يستطيع أن يتحمل ألمها بدلاً منها.
عيناها أصبحتا سوداوتين بالكامل، ولم يعد يُعرف إلى أين تنظران. لكن فريدين كان يعلم أن نظرتها تتجه نحوه.
فإيلين كانت تبحث عن وجهه، رغم أنها لم تعد تراه.
أمسك فريدين بيدها التي كانت تتلمس الفراغ. وجعلها تلمس وجهه بيده.
ثم همست إيلين بصوت ضعيف.
“كنت……أريد أن أحمي الجميع.”
“….…“
“لم أكن لأمانع أن أضحي بحياتي إن كان ذلك سيغير كل شيء……”
“…….”
“لذا، أنا بخير.”
لا تدري كم تمنّت. كانت تتمنى أن تحمل هي وحدها تعاسة الجميع بدلًا عنهم. و ربما قد تحققت أمنيتها أفضل من أي أحد آخر.
بهذا، يكون كل شيءٍ قد انتهى.
إيلين كانت تؤمن بذلك بصدق. فلم يكن هناك نهاية تليق بها أكثر من أن تغمض عينيها بين ذراعي فريدين.
حتى في اللحظة الأخيرة، وجود فريدين بجانبها كان كافيًا ليمنحها السعادة.
“لا، سيدة إيلين. هذا ليس صحيحًا.”
“سموك فريدين……؟”
“بدونكِ، لا يمكن لأحد أن يكون سعيدًا. السعادة لا تكون هكذا.”
قال فريدين ذلك وهو يبتسم لإيلين. ورغم أنها لم تستطع رؤية ابتسامته، إلا أن ذلك لم يكن مهمًا.
“السعادة لا تكتمل إلا عندما نتشاركها. لا يمكن أن تُبنى على تضحيات الآخرين.”
“…….”
“ولذلك، فإن حياتي بدونكِ يا إيلين، لا معنى لها أيضًا.”
كان فريدين يعني كل كلمةٍ قالها بصدق.
العالم الذي ستعيش فيه إيلين بعد نجاتهما من هذا المكان سيكون مشرقًا وجميلًا لدرجة تبهر الأبصار. ولذلك، لم يكن قادرًا على السماح لها بالرحيل هكذا.
بدأ فريدين يتحدث بنبرةٍ يملؤها التوسل،
“أريد أن أرى معكِ أول زهرة تتفتح في الربيع، سيدة إيلين. خلف القصر الإمبراطوري الذي نشأت فيه يوجد بحيرة، وحولها تتفتح زهور الأرواح التي تفوق في جمالها ضوء الشمس.”
“…….”
“أريد أن أشم عبير زهور الأرواح معكِ. لا بأس إن بللتنا الأمطار ونحن معًا. وإن شعُرنا بالبرد، نعود إلى القصر لنجفف أجسادنا……”
قال فريدين ذلك وهو يمسح دموع إيلين التي كانت تنهمر من عينيها. حينها فقط أدركت إيلين أنها كانت تبكي.
“وإن لم يكن ذلك، فيمكننا أن ننطلق في رحلةٍ بلا وجهة، إلى أماكن لم نرها من قبل.”
ابتسمت إيلين بخفة عند سماع كلماته. فهي تعلم أن فريدين إن عاد من هنا حيًّا، سيصبح الإمبراطور، ولن يكون ذلك ممكنًا.
لكن لا أحد منهما تحدث عن تلك الحقيقة.
“أريد فقط أن أقضي معكِ أيامًا عادية، بكل بساطتها.”
أياماً عادية……ذلك النوع من الأيام الذي لم تعرفه في طفولتها، أياماً بسيطة تلامس القلب بخفة.
وكان فريدين يقول لها بأنه يريد أن يعيش تلك الأيام معها.
وكان الأمر كذلك بالنسبة لإيلين أيضًا.
“أنتِ أيضًا، يا سيدة إيلين، ترغبين أن نكون معًا. و ترغبين في أن تضحكي وتلعبي مع من تحبين، أن تعيشي حياةً تتقدمين فيها بالعمر مع من تحبين……لذا، من فضلكِ، لا تقولي كلماتٍ حزينة.”
ساد صمتٌ طويل.
كان الحاجز الذي أقامه أليكسيس قويًا. وداخل هذا الحاجز، شعرت إيلين وكأن العالم لا يحتوي سوى عليها هي وفريدين فقط.
“لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي لم نختبرها بعد. في الماضي الذي متُّ فيه، لم تكوني سعيدةً يا إيلين، أليس كذلك؟”
“…….”
“وإن لم تكوني موجودة……سأكون أنا أيضًا تعيسًا.”
عندما سمعته، تشوّه وجه إيلين بالألم. لكن الأوان كان قد فات بالفعل.
لم تخبر فريدين، لكن جسدها كان قد وصل إلى مرحلةٍ لا رجعة منها. فكل أحاسيسها كانت مشلولة.
البصر، اللمس……كلها بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا. و لم يتبقَّ لها سوى السمع، وحتى ذلك، بدأ يختفي ببطء.
كما لو أن لعنة الإمبراطور كانت تتحقق فيها، كانت تعيش نهايةً فظيعة.
“أنا……”
إيلين كانت تتمنى حقًا أن تعيش مع من تحب. لم تكن تريد أن تموت. فتحمل اللعنة وحدها كان مؤلمًا، ووحيدًا.
لم تعد تحتمل ذلك الشعور بالوحدة.
“لا أريد أن أكون وحدي.”
أرادت أن تعيش لحظاتٍ من الضحك والمرح مع الآخرين، كما في تلك الحفلة التي سمحت لها الآنسة أسيلي بحضورها ذات يوم.
“أنا……فريدين، في الحقيقة أنا……”
في تلك اللحظة، شعرت إيلين بأن اللعنة تنتشر من أعماق بطنها.
ألم تعفُّن جسدها من الداخل لم يتوقف. و كادت تصرخ، لكنها كتمت صرختها بالقوة.
ثم أمسكت إيلين بكمّ فريدين بقوة.
“أريد أن أعيش……أريد أن أكون مع الجميع. لا أريد أن أموت.”
كان محقًا……لو ماتت الآن، فلن تكون سعيدة.
أخيرًا، استطاعت الاعتراف بالحقيقة التي كانت تتجاهلها طوال الوقت.
حاولت إيلين أن تُبقي عينيها مفتوحتين، رغم أن جفنيها كانا يثقلان وكأنهما سيغلقان للأبد. فشعرت بالخوف.
في وقتٍ ما، كانت تتمنى الموت بشدة……أما الآن، فقد أصبحت تخشى الموت.
“صاحب السمو فريدين! السيدة إيلين! لا تقل أننا……وصلنا متأخرين!”
سمعت إيلين خطوات أقدام الآخرين. لكنها لم تستطع معرفة من الذي جاء.
هل كان الفرسان والسحرة بعد أن قضوا على الوحوش؟
بعينيها العاجزتين، لم تكن قادرةً على التأكد. ولأنها كانت قد فقدت تقريبًا كل حواسها، فإن الشيء الوحيد الذي استطاعت فعله هو محاولة الاستماع لما يقولونه قدر الإمكان.
لكنها سرعان ما تخلّت حتى عن تلك المحاولة. وبما تبقى لها من قوة، فتحت فمها وتحدثت،
“في الحقيقة……لم أكن سعيدة……”
“…….”
“كنت فقط……أريد أن أكون مع……فريدين……”
لكنها لم تستطع إكمال كلماتها، وأغشي عليها.
وفي اللحظة التي فقدت فيها وعيها، سمعت صوت امرأةٍ يشبه صوت المرأة من حلم لقاء تيتي، تهمس في أذنها،
[هذا يكفي يا صغيرتي.]
***
فتحت إيلين عينيها.
نظرت إيلين حولها بذهول، بعينين خاويتين.
نسمةٌ هادئة لامست عنقها، وعندها فقط استعادت وعيها بالكامل. كان الأمر يشبه تمامًا ما شعرت به عندما انتهت من حل كل ما حدث في الغرب.
أمامها وقفت المرأة التي رأتها عدة مرات من قبل، وكانت تيتي في حضنها، نائمة بوجهٍ هادئ ومطمئن.
ابتسمت المرأة لإيلين بابتسامةً مليئة باللطف، ثم بدأت تروي حديثًا طويلاً.
“حتى القديسة لها حدودٌ في استخدام قواها. لقد استخدمت قدرًا كبيرًا من قوتي لكي أعيد الزمن إلى الوراء.”
قالت ذلك وهي تمسح على رأس تيتي بين ذراعيها.
“بما أن القوة محدودة، وُضعت عدة سيناريوهاتٍ للمستقبل. كانت محاولةً لتفادي الفشل، لأني لن أتمكن من إعادة الزمن مرة أخرى.”
ثم تابعت المرأة،
“أحلام القديسات قد تكون لمستقبلٍ محتمل كان من الممكن أن يحدث. و في بعض السيناريوهات، مات فيردين. وفي بعضها، تم القضاء على فرسانه بالكامل.”
قالت المرأة ذلك، وقد علت وجهها نظرة أسى حقيقية.
“في الغرب، كان من الممكن أن يموت إيسيس وهيليكس. وكان من المحتمل أيضًا أن يُباد الغرب بأكمله.”
“وفي أحد الأحلام، لم تتمكني من حماية كارون من الكونت ليون. وكان هناك مستقبل قُتلتِ فيه على يد الماركيزة كورِيليا.”
كانت كلها مستقبلاتٌ مرعبة لا تطيق حتى مجرد التفكير بها. و مستقبلات لا يمكن لإيلين أن تجد فيها السعادة أبدًا.
ولمنع حدوث تلك الكوارث، استطاعت الآنسة أسيلي رؤية أحلامٍ مستقبلية.
فالسعادة، باعتبارها أمنيةً مجردة وغامضة، كان تحقيقها صعبًا للغاية.
“لذلك كان يجب عليكِ أن تدركي……ما هي السعادة الحقيقية. لأن هذا الوعد سيتغير وفقًا لإرادتكِ.”
مرت في عقل إيلين لمحةٌ من حلم قصير، كأنها ذكرى من عالمٍ آخر.
رأت نفسها تستمتع بأشعة الشمس الدافئة، مغمضة العينين، وهي تستند برأسها إلى كتف فريدين.
ورأت الآنسة أسيلي، التي غرقت في نوم أبدي، تستيقظ وتبتسم بوجهٍ مشرق.
و آمون وليليا يتجادلان، بينما ديريك ينظر إليهما ويهز رأسه بضجر. أما هيليكس، فكان يتدرّب بصمت على سيفه.
ثم انقلبت الرؤية، وتغيّر المكان. و وجدت إيلين نفسها في مكانٍ لم تره من قبل في حياتها.
كانت تغريدات العصافير تتردد من حولها، وكانت هناك بحيرة. كانت البحيرة التي رأتها أمام عينيها صافيةً لدرجة بدت وكأنها تعكس حتى أعماق قلبها.
و كانت هناك بتلات زهور جميلة، تخطف الأنفاس، كانت تتطاير في الأرجاء.
عندها أدركت إيلين أن هذا هو المكان خلف القصر الإمبراطوري الذي تحدث عنه فريدين.
ومن هناك، اقترب فيردين منها وهو يبتسم، وناولها زهرة. ثم سُمعت مجددًا صوت المرأة،
“أنتِ تعرفين بالفعل ما الذي عليكِ فعله، أليس كذلك؟”
حينها فقط، فتحت إيلين فمها لأول مرة،
“أريد……أن أعود. لأكون سعيدة، يجب أن أعود.”
“مياو!”
صرخت تيتي، وهي تنظر إلى إيلين من بين ذراعي المرأة.
“تقول تيتي أنها قطةٌ تتحلى بالكثير من الصبر.”
“…….”
“وأنها تستطيع الانتظار طويلًا جدًا، لذلك تطلب منكِ أن تعودي ببطء، و على مهلكِ.”
لا تتذكر إيلين ما الذي قالته ردًا على تلك الكلمات. فكل ما بقي في ذاكرتها هي تيتي، التي كانت تصدر صوت خرخرة ناعم، وتلك المرأة التي كانت تبتسم لها بلطف وهي تنظر إليها.
___________________
يعني رجعت؟ 😭
اخيرااااا خلصنا تعاسه هاهاهاهاهاهاعاهاهاهاهاا
فريدين يجننننن وانكتمت يوم قالت له ايلين ابي اعيش😔
بس خلااص خلااااااااعص
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 115"