بدأ أليكسيس بتحضير سحر الانتقال الآني بهدوء بجانب فريدين. لكن تدفق المانا في المنطقة كان غير مستقر للغاية، فلم يكن بالإمكان استخدام الانتقال الآني فورًا.
شعر أليكسيس بأن القلق بدأ يتسلل إلى قلبه شيئًا فشيئًا. فتذكّر الكلمات التي سمعها قبل قليل من فريدين.
“السيدة إيلين تصدت وحدها للعنة الإمبراطور.”
في اللحظة التي سمع فيها تلك الكلمات، استطاع أليكسيس أن يدرك على الفور ما الذي حدث لها.
لم يرد أن يصدق، لكن على الأرجح، ما قاله فريدين كان صحيحًا. فقد سمع مؤخرًا أن فريدين ورث القدرة الخارقة التي تنتقل في العائلة الإمبراطورية من جيل إلى آخر.
و سرعان ما شحب وجه أليكسيس.
‘حتى لو كانت سيّدة سيف، لا يمكنها تحمّل لعنة ساحر الظلام وحدها.’
إن كانت إيلين قد تصدّت للعنة الإمبراطور وحدها كما قال فريدين…..
‘فمن المؤكد أنها لن تنجو.’
وأثناء تحضيره للسحر، نقل أليكسيس هذا القلق إلى فريدين.
“سموك، معذرة، لكن إن كانت كلماتك صحيحة، فنحن بحاجةٍ فورية لمساعدة المعبد.”
“…….”
“علينا إبطاء تفاقم الأعراض قدر المستطاع. لكن وصول المعبد سيستغرق وقتًا طويلًا، وفي أسوأ الأحوال، قد لا يأتون أبدًا.”
كان فريدين قد وضع أسوأ السيناريوهات في حسبانه قبل أن يأتي إلى هنا. وكان يتوقع بالفعل أنهم قد لا يحصلون على دعم من المعبد، بسبب عداء البابا لهم.
“وإن ذهبنا إلى حيث توجد إيلين دون كهنة المعبد، فسنكون في خطر كذلك. فهي أصبحت الآن وسيطًا للعنة. وإن اقتربنا منها، قد تنتقل اللعنة إلينا أيضًا.”
“أعلم ذلك.”
أجاب فريدين بهدوء.
كان يعلم أن الأمر خطير. لكن، كما هو دائمًا، لم يستطع أن يدير ظهره لإيلين.
‘لا يمكنني السماح لها أن تموت.’
هل كانت والدته تعلم حتى بهذه اللحظة؟ وهل رأت الآنسة أسيلي هذه اللحظة في أحلامها أيضًا؟
تذكّر عيني الآنسة وهي تنظر إليه، تطلب منه إجابة،
“هل ستختار نفس الخيار كما في الماضي؟”
تلك العينان اللتان كانتا تلمعان بالإحساس بالواجب.
شعر فريدين بأن قلبه يتفتت. لابد أن لاختيارهم سببًا. ورغم غضبه من أنهم آذوها، إلا أن النهاية لا ينبغي أن تكون مأساوية.
حاول جاهدًا ألا يفكر بما قد يحدث بعد ذلك، لأنه كان يثق بالوعد بينه وبين قلادة والدته.
وبعد أن لاحظ أليكسيس مدى إصراره، تفقد الوضع من حولهم ثم،
“إن كان الأمر كذلك، فسأرافق سموك. لا يمكنني السماح لك بالذهاب وحدكَ.”
صحيح أن ساحر الظلام قد مات، لكن البرج الذي كان فيه الإمبراطور لا يزال مغطى بعددٍ كبير من الوحوش. و لا تزال الوحوش منتشرة، مما جعل الدوق أسيلي والفرسان غير قادرين على التحرك.
ففكّر أليكسيس أنه يجب عليه أن يبقى إلى جانب فريدين على الأقل.
“بإمكان سحرة برج السحر الآخرين الحفاظ على الحاجز.”
قال ذلك وهو يحدّق إلى الأمام، وعلى وجهه ملامح توتر وقلق.
“لكن، متى سيصل دعم المعبد يا ترى..…؟”
سحر الانتقال الآني كان أسرع في الاستعداد من وصول دعم المعبد.
“سحر الانتقال الآني جاهز، سموك.”
عند كلمات أليكسيس، التفت فريدين إليه.
“لكن كهنة المعبد لم يصلوا بعد.”
نظر أليكسيس إلى فريدين، وكانت نظراته تنطق بوضوح، “حتى لو ذهبنا دون كهنة المعبد…..لن نتمكن من فعل شيء يُذكر. قد لا ترغب السيدة إيلين في رؤيتنا أيضًا. ومع ذلك…..هل تنوي الذهاب إليها حقًا؟”
فالذين يُصابون باللعنة غالبًا ما يتحولون إلى مظهر بشع، وربما لم تكن السيدة إيلين ترغب في أن يراها أحد بتلك الهيئة المزرية.
لكن فريدين هزّ رأسه بحزم، رافضًا كل تلك المخاوف.
“لا وقت للتفكير. سننتقل معًا، نحن فقط.”
***
لم تكن إيسيس قادرةً على استعادة هدوئِها الكامل.
فبعد مغادرتها للمعبد، حاولت فورًا استخدام سحر الانتقال الآني. لكن بسبب حديث الساحر عن عدم استقرار المانا بالقرب من أكاديمية أتينس، لم يكن أمامها سوى التوقف مؤقتًا.
“يبدو أن الانتقال الآني إلى أكاديمية أتينس سيأخذ بعض الوقت. لا نعلم ما الذي حدث هناك بالضبط، لكن.…”
ضربت إيسيس الأرض بقدمها بقلق. وكان الكهنة وهيلِيكس الذين بجانبها يشعرون بالتوتر ذاته.
لكن قلق إيسيس كان أشد من قلقهم جميعًا. فمنذ أن تجاوزت قوتها المقدسة قوة البابا، أصبحت إيسيس قادرةً على رؤية مايحدث تقريباً.
رغم أنها سمعت أن بعض أصحاب القوة المقدسة العظيمة يمكن أن يرو او يسمعو البعيد، لم تتخيل قط أن تكون هو من بين هؤلاء.
‘مع ذلك، هناك ما هو أكثر إدهاشًا من هذا…..’
وهو…..أنها تستطيع سماع صوت قلادة القديسة التي تحتوي على جزءٍ من قوتها.
[يا له من فتى متغطرسٍ لا يُطاق.]
نظرت إيسيس من حولها إثر سماعها ذلك الصوت في رأسها. لكن لم يكن أحد غيرها يسمعها.
إيسيس لم تستوعب بعد حقيقة أنها الوحيدة القادرت على سماع صوت القلادة.
[فِريدين ليكسيا…..لبيّتُ له أمنيته، والآن يهددني؟ لا عجب، إنه ابن القديسة، جريءٌ بلا حدود. هل يدرك كم من قوتي استخدمت كي أعيد الزمن إلى الوراء؟!]
بينما كانت تسمع كلماتها، تذكّرت إيسيس شخصيات القديسة السابقة. سواءً القديسة السابقة أو الآنسة أسيلي، كنّ جميعًا ذوات طباعٍ حادة.
وتذكّرت كم صُدمت حين سمعت صوتها أول مرة.
تنهدت إيسيس بصوتٍ خافت.
“هاه…..جسدي مرهق..…”
ففي كل مرة تسمع فيها صوت القلادة، تشعر بجسدها ينهار من الثقل. فالقلادة هي تستخدم قوة إيسيس المقدسة.
[أوه، لم أفكر بكِ بما فيه الكفاية. لكن لم يكن لدي خيارٌ سوى أن أستعجلكِ. إن تأخرنا، ستكون تلك الفتاة في خطر.]
عند سماعه كلمات القلادة، صمتت إيسيس، وارتسمت على وجهها ملامح الجدية.
كما قالت، كانت إيسيس اعلم جيدًا كم كانت إيلين تتألم في تلك اللحظة بالذات.
[لقد مررتُ بالكثير من التجارب والأخطاء كي أفي بوعدي. لا يمكننا التأخر. فهذه هي الفرصة الأخيرة.]
***
“هاه…..هاااه..…”
كانت إيلين تلهث بأنفاسٍ متقطعة. و كانت تشعر بألمٍ فظيع.
كلمات الإمبراطور عن أن جسدها سيتعفن بالكامل وتموت لم تكن كذبًا. فقد كانت تحتضر، وحيدة.
رغم أنها مرت بأزماتٍ كثيرة من قبل، إلا أن هذا الألم كان أقسى ما شعرت به في حياتها.
لكن المفارقة أن لحظة اقتراب الموت هي ما جعلتها تصبح أقوى من أي وقت مضى. فاستطاعت إيلين أن تشعر بذلك بوضوح غامض.
إن مُنحت القليل من الوقت، فإنها قد تبلغ مستوى في فنٍ في السيف لم تكن لتتخيله يومًا.
مدّت يدها نحو السقف. وكان الإحساس في أطراف أصابعها التي اعتادت أن تمزق بها الوحوش، حادًا ومخيفًا إلى حد القشعريرة.
مرت عشرات السنين وهي تطمح لذلك المستوى، والآن، شعرت وكأنه قاب قوسين أو أدنى منها.
كانت تشعر الآن بيقين أنها لو واجهت الدوق أسيلي في نزال كما في السابق، لتغلبت عليه هذه المرة.
لكن…..هذا هو الحد.
لن تتمكن من رؤية نهاية طريق السيف. لم يكن هناك مكانٌ لها في هذا المستقبل المتغير.
وبما أنها سيّدة السيف، فهي تدرك أكثر من أي شخص آخر.
فالألم الذي بدأ من أطراف أصابعها سيمرّ عبر أعضائها الداخلية، وسرعان ما سيصل إلى أخمص قدميها….و بعد ألمٍ مرعب، ستبدأ حواسها بالتلاشي تدريجيًا.
جسدها، الذي بلغ ذروة فن السيف، كان يقاوم اللعنة، لكنه كان حتمًا سيُهزم.
سيتوقف جسدها عن العمل، وستلقى الموت على هذا النحو.
“هاااه..…”
تنهدت إيلين لا إراديًا. ورغم أنها كانت تدرك أن النهاية قد اقتربت، شعرت بغصةٍ في صدرها، لكنها لم تكن حزينة.
فالألم الذي اجتاح كل حواسها طغت عليه مشاعر فرح غامر. و لم تستطع إيقاف دموع الامتنان المتدفقة من قلبها.
لقد أنقذت فريدين في النهاية. وأنقذت أيضًا فرسانه. ولهذا، كانت إيلين الآن أكثر سعادةً من أي وقتٍ مضى.
‘إذاً…..هذه هي النهاية الحقيقية، أليس كذلك؟’
أدركت إيلين في تلك اللحظة أن هذه هي نهايتها الحقيقية.
و كما كانت في طفولتها، احتضنت إيلين جسدها المتألم وانكمشت على نفسها.
هناك كلمات كثيرة لم تُنطق ظلت عالقةٌ في صدرها، لكنها لم تندم على شيء.
وإن كان هناك ما تندم عليه حقًا، فهو أنها ستموت دون أن ترى وجه فربدين مرةً أخيرة.
‘كنت أود أن أرى وجهه للمرة الأخيرة…..’
شعرت إيلين أن رؤيتها بدأت تبهت تدريجيًا. ثم…..أصبحت الدنيا سوداء.
توقفت وظائف جسدها، ولم تعد ترى شيئًا.
ورغم أنها كانت مستعدةً للموت، إلا أن خيبة الأمل تسللت إلى قلبها.
لو كانت ستموت، فقد كانت تتمنى فقط أن ترى وجه فريدين للمرة الأخيرة. لكن حتى هذا لم يعد ممكنًا.
“فر….ـيدين.…”
نادته باسمه، دون أن تتوقع ردًا.
“سيدة إيلين.”
لكن فجأة، وصلها صوتٌ مألوف. فرمشت عيناها التي لم تعد ترى، بتعجب.
ثم شعرت بأن درع المانا الذي كانت قد صنعته قد اختفى.
ورغم أنها لم تكن ترى، شعرت بوجود فريدين وأليكسيس إلى جوارها.
‘هل من أزال درع المانا هو سيد البرج..…؟’
شعرت بحرارةٍ دافئة على خدّها. لقد كانت لمسة فريدين، الذي كان يمرّر يده على وجهها بأسى.
كانت لمسته واضحة.
شعرت إيلين بأن الكلمات علقت في حلقها. فوجود فيردين في هذا المكان أرعبها.
و في وضع كهذا، حيث يمكن أن تنتقل إليه اللعنة، قام بلمسها.
كانت قد أنشأت درع المانا حول جسدها خصيصًا لتحمل اللعنة وحدها، ولكن بعد أن أزال أليكسيس ذلك الدرع، بات فريدين في خطر.
وبصوت بالكاد يُسمع، كأن أنفاسها ستتوقف في أي لحظة، تحدثت،
“اهربوا…..مني….”
حاولت أن تُبعد فريدين الذي اقترب منها، لكن يدها التي اسودّت من اللعنة لم تعد تملك قوةً للدفع.
“هذا المكان…..خطير. إن بقيتَ بقربي، ستنتقل إليكَ اللعنة..…”
“أن تُصيبني اللعنة، أفضل من أن أترككِ لوحدكِ.”
قال فيردين ذلك وهو يربّت على رأسها برفق.
وبتلك الكلمات، لم تستطع إيلين، التي حاولت دفعه بعيدًا، إلا أن تبقى متجمّدة بذهول.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 114"