الفصل الثامن
حدّقت مطولًا في وجه الكونت مولدوفان. كان يحمل ملامح أسفٍ وحزن.
هل ما زلتُ أضع “آينس” في قلبي؟
إن قلت الحقيقة، فالجواب: نعم.
فلا يمكن أن أقطع حبًّا استمر لعشر سنوات بضربة سيف واحدة في لحظة واحدة. لكنني قررت الآن أن أواجه الواقع.
ومع ذلك، لا أدري كيف سيبدو هذا في أعين الآخرين.
خفضت بصري لبرهة ثم التقت عيناي بعيني الكونت مولدوفان مجددًا.
قلت:
“هل لي أن أسألك لماذا تطرح مثل هذا السؤال؟”
لم يكن مبالغة إن قلت إن هذه أول مرة ألتقي بالكونت مولدوفان هنا. صحيح أنه قال إنه التقى بي من قبل وتبادل معي بعض الحديث، لكن في ذاكرتي الحالية لا أثر لذلك.
ومع ذلك، ها هو يقف أمامي الآن، يستطلع ما في قلبي.
بصراحة، راودني الشك. ما الذي يريده مني؟ هل يخبئ نوايا سيئة؟
في الظروف العادية، كان يمكن أن أعتبر تصرفه مجرد إشارة اهتمام، لكن شيئًا ما جعلني أنقبض.
كيف لا أشك، وهو يقترب مني في وقت يراقبني فيه كل المجتمع المخملي بنظرات سخرية واستهزاء؟
حتى لو كان يقصد خيرًا، فلا أستطيع أن أثق به كليًا.
“هذا هو…”
فتح الكونت مولدوفان فمه بصعوبة، ثم أغلقه أكثر من مرة كما لو كان يجد صعوبة في البوح بأمرٍ ما.
كان هذا مغايرًا تمامًا لتصرفاته التي أبداها أول مرة على التراس.
صمتُّ منتظرة منه أن يتكلم من تلقاء نفسه.
عندها ابتسم ابتسامة محرجة بعض الشيء وقال:
“لقد أعجبتُ بالكونتيسة مارفيس منذ زمن بعيد.”
“…ماذا؟”
لم أفهم الموقف للحظة، واكتفيت بالتحديق به.
“قلت إنني أحببتك.”
“ماذا؟ منذ متى؟”
“منذ المرة الأولى التي رأيتك فيها.”
ارتبكت تمامًا من هذا الاعتراف المفاجئ، وأخذت شفتاي تتحركان دون أن تخرج كلمة.
لكن الكونت مولدوفان واصل حديثه ولم يتوقف:
“حين رأيت الكونتيسة مارفيس لأول مرة، كنتِ بالفعل مخطوبة لدوق غراهام.”
إن كان يقصد تلك الفترة، فهذا يعني أن الأمر يعود إلى أكثر من ثلاث سنوات على الأقل.
“لم يكن بمقدوري حتى النظر إليك. صحيح أنني اقتربت مرة واحدة وقدمت تحية عابرة، لكنني لم أستطع البوح بشيء. كيف لرجل مثلي أن يجرؤ على التعبير بمشاعره لامرأة مقدّر لها أن تصبح دوقة غراهام؟ لذلك ظللت أخفيها في داخلي طوال الوقت.”
“…هل هذا صحيح فعلًا؟”
سألت وكأنني لا أصدق، فابتسم هو ابتسامة محرجة.
“أتعلمين كم يبدو هذا مثيرًا للشفقة؟ رجل ناضج يعيش حبًا من طرف واحد لسنوات… أستطيع أن أتخيل كم تشعرين بالارتباك، يا كونتيسة مارفيس.”
ضحك ضحكة قصيرة بصوت خافت، لكن ذلك الصوت بدا شديد الأسى حتى شعرت بالشفقة عليه.
ومع ذلك، لم أستطع الرد بسهولة.
أحبّني؟
“…لقد كان الأمر مفاجئًا جدًا، أليس كذلك؟”
تلاشت ابتسامته تدريجيًا ثم سألني بنبرة متوترة.
قلت:
“آسفة. أظن أنني بحاجة لبعض الوقت لأرتب أفكاري.”
هل كان كلامه صادقًا فعلًا؟
“أعتذر. لم أكن أريد أن أعترف بهذه الطريقة. أعلم أن قلبك مشوش بما فيه الكفاية، وأظن أنني جعلت الأمر أكثر اضطرابًا.”
“لا بأس. أنا من سألتك أولًا.”
“إنك لطيفة حقًا.”
قال ذلك، ثم أخذ كأس النبيذ بيده وأفرغ ما تبقى فيه دفعة واحدة.
“إذن سأغادر الآن. أخشى أن أكون قد أثقلت عليك. لكن إن رتبت أفكارك يومًا ما، أرجو أن تخبريني. سأنتظر.”
كانت رائحة الكحول تفوح من أنفاسه.
وبعد أن قال هذا واستدار لينصرف، توقف فجأة وعاد يلتفت إليّ:
“وبالنسبة للمعطف… رديه متى ما شئتِ.”
“آه… نعم.”
بعد أن سمع جوابي، ابتسم براحة وغادر التراس.
بقيت وحيدة هناك أحدّق في ظهره وهو يبتعد.
كان المعطف الملقى على كتفي ثقيلًا بعض الشيء، لكنني لم أجرؤ على خلعه وإرجاعه الآن حتى لا أجرح مشاعره.
وبينما أنا كذلك، عمّت الضوضاء في قاعة الحفل.
سرعان ما أدركت السبب وأسرعت بالدخول.
“ليتقدم جلالة الإمبراطور!”
كما توقعت، كانت الفوضى بسبب دخول جلالته.
وما إن رأيت الإمبراطور يدخل من البوابة حتى انحنيتُ مثل باقي النبلاء رافعة طرف فستاني قليلًا.
قال بصوت جهوري وهو يعتلي المنصة:
“هاها، لم أتوقع أن يأتي هذا العدد الكبير لمناسبة كهذه. لا يسعني إلا أن أكون مسرورًا للغاية.”
بدأ يلقي كلمات شكر عامة، ويقول إنه سعيد بالتهنئة.
ثم أنهى خطابه قائلاً:
“فلينعم الجميع بالاحتفال.”
وبعد كلامه، انقسم النبلاء مجددًا إلى مجموعات صغيرة يتبادلون الضحكات والحديث.
أما أنا، فبقيت وحيدة.
وبينما أتفحص المكان بعيني، رأيت الكونت مولدوفان من بعيد يتحدث مع بعض النبلاء. كان يضحك ابتسامة مشرقة، مختلفة تمامًا عن تلك التي أظهرها حين كان معي.
وفجأة التقت عيوننا.
ابتسم لي الكونت مولدوفان ابتسامة عريضة، ثم أومأ برأسه تحية. فأجبته أنا أيضًا بانحناءة خفيفة.
“يبدو أن علاقتك بالكونت مولدوفان جيدة.”
تجمد وجهي فجأة عند سماعي صوتًا مألوفًا خلفي.
“دوق غراهام…”
اقترب “آينس” دون أن أشعر.
وقف إلى جانبي مكتف اليدين، وعيناه تتبعان نفس الاتجاه الذي كنت أنظر نحوه. وهناك، يقف مولدوفان.
“منذ متى صرتِ قريبة من الكونت مولدوفان؟”
سألني بصوت أشبه بالتحقيق.
قطبت جبيني منزعجة من تدخله:
“هل أنا مجبرة على إخبارك بذلك؟ إنه أمر يخص حياتي الخاصة.”
“هل كنتِ على صلة به حتى قبل طلاقنا؟”
رغم أنني أبديت انزعاجي بوضوح، إلا أن آينس واصل حديثه دون أن يزيح نظره عن مولدوفان.
في الحقيقة، لم أتحدث معه حديثًا مباشرًا سوى اليوم، ولا يمكن القول إن بيننا صلة. لكن سماع آينس يكرر ذلك جعلني أشعر بالعناد.
“ولماذا أنت مهتم؟”
“المعطف على كتفيك… أهو ملك للكونت مولدوفان؟”
“دوق غراهام.”
تجاهل سؤالي تمامًا وألقى بسؤاله الخاص، مما أثار في نفسي رغبة أكبر في التحدي.
حولت بصري نحوه ثم عدت أنظر إلى مولدوفان من بعيد، حيث كان يتحدث مع أصدقائه.
لمحنا لوهلة، لكنه ما إن رأى آينس يقف بجانبي حتى أدار رأسه بارتباك.
“وماذا لو كنت قريبة من الكونت مولدوفان فعلًا؟”
“……”
“وماذا لو كانت بيننا صلة حتى قبل الطلاق؟”
ألقيت عليه هذه الكلمات لأرى ردة فعله، لكنه لم يجب.
اكتفى بأخذ كأس من صينية خادم مارّ وارتشف النبيذ ببطء.
ثم قال بثقة غريبة:
“لا. أنت لم تكوني على صلة به. لم تتبادلا حديثًا جديًا إلا اليوم.”
كان يتكلم وكأنه يعرف كل شيء.
قلت ببرود:
“هل أجريتَ تحقيقًا عني؟”
“مستحيل.”
ارتشف النبيذ ثانية، فألقيت عليه نظرة جانبية ثم عقدت ذراعي، أحدّق فيه بثبات.
قال فجأة:
“إياك أن تقتربي من الكونت مولدوفان أكثر من هذا. خذيها نصيحة مني.”
ثم شرب رشفة أخرى.
تنهدتُ بعمق ونظرت إليه.
“دوق غراهام… لا أفهم لماذا تتصرف هكذا. ألم أقل لك سابقًا؟ مهما فعلتُ بعد الآن، لا شأن لك به. لم تهتم بي طوال ذلك الوقت، فلماذا الآن؟”
كنت أشعر بثقل في صدري من هذا الاهتمام الذي بات عبئًا.
حتى الآن، حين كنت أتوسل اهتمامه لم يرمش له جفن، فلماذا إذن يتصرف هكذا بعد الطلاق؟
“الآن، يا دوق غراهام، نحن مجرد غرباء.”
ما إن أنهيت كلامي حتى حوّل آينس نظره من الكونت مولدوفان نحوي مباشرة.
“لم أكن أرغب أصلًا في أن أهتم بك.”
“إذن لِمَ لم تواصل تجاهلي كما كنت تفعل؟”
“كنت أود ذلك أيضًا.”
أجاب آينس بإيجاز، ثم سلّم كأس النبيذ إلى الخادم المار بجواره. وبعد أن صارت يداه فارغتين، شبك ذراعيه وأخذ يحدق بي من علٍ.
لم أشعر في نظرته تلك بأي أثر لمشاعر مودة أو محبة. لذلك، لا يمكن أن يكون سؤاله قبل قليل عن مولدوفان بدافع الغيرة.
فلماذا إذن يسأل عن علاقتي به؟
وبينما أنا غارقة في استغرابي، مد آينس يده وأخذ المعطف الذي وضعه الكونت مولدوفان على كتفي.
“آينس!”
ناديت اسمه دون وعي، وقد تملكني الذهول.
توقف آينس لحظة قصيرة، لكن ذلك لم يمنعه من المضي في تصرفه.
“مهلاً!”
نادى على خادم كان واقفًا على مقربة. فأسرع الخادم نحونا مطأطئ الرأس.
قال آينس:
“أعد هذا المعطف إلى الكونت مولدوفان. وبلّغه أن يتوقف عن تصرفاته غير المجدية.”
“…أمرُكم، يا مولاي.”
أخذ الخادم المعطف من يده وغادر مسرعًا باتجاه مولدوفان.
أما أنا، فلم أستطع سوى التحديق في المشهد بذهول.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"