الفصل السابع
وصلني خبرٌ بأن بطلاً آخر من حديث الناس، آينس غراهام، قد ظهر في قاعة الحفل.
وما إن دخل آينس قاعة الرقص حتى خيّم عليها الصمت من جديد.
كان المشهد شبيهاً بما حدث عندما دخلتُ أنا، لكنه بدا مختلفاً بشكلٍ طفيف.
أنظار الحاضرين لم تتجه كلها نحوه وحده، بل إن بعضهم كان يرمقني بنظراتٍ جانبية.
كنت أستطيع أن أستشفّ معنى تلك النظرات.
ربما كانوا يتطلعون إلى ما سيحدث بيني وبين آينس، وإلى أي صورة سنظهر بها أمام الجميع.
فالمعروف على السطح لم يكن سوى حقيقة واحدة: أنني وآينس قد طلقنا.
ولذلك كان من الطبيعي أن تكثر الأحاديث والتخمينات بين الناس.
وإذا ما جمعت الكلمات التي سمعتها في أروقة القاعة من قبل، فإن الرأي الغالب كان أن الطلاق سببه خيانة، إمّا مني أو من آينس.
لكنها في النهاية لم تكن سوى تكهنات.
لذلك كانوا يريدون أن يروا بأعينهم كيف سنتصرف حين نلتقي وجهاً لوجه.
فأي رد فعل كانوا يتوقعون؟
لا أعلم، لكن لا بد أنهم تمنوا رؤية شيء مثير أو مشهداً صاخباً.
لذا ما إن رأيت آينس يتقدم ببطء داخل القاعة، حتى أدرت وجهي بعيداً متعمّدة تجاهله.
فبعد أن وصل الأمر إلى الطلاق، لم أرد أن أُعطي من حولي سبباً ليفهموني خطأ إذا ظللت أحدّق به.
لم يكن الأمر يخصه وحده؛ حتى من أجلي، لم أرغب أن أكون عرضةً لمزيد من سوء الفهم.
العيون التي تراقبني الآن، بعدما فقدت كل سند، كانت نظراتها حادّة، مباشرة، بلا مواربة.
وعندما وصل آينس إلى وسط القاعة، تغيّر الجوّ تماماً بخلاف دخولي أنا، فقد غدت الأجواء مرِحة ودافئة.
بدأ الناس يتقاطرون نحوه، كلٌّ يسعى للحديث معه.
وكان من بينهم سيداتٌ بلغن سنّ الزواج.
انتظرن دورهنّ حتى يقتربن منه، ثم قدّمن أنفسهن بوجوه مشرقة وبشوشة.
الأمر لم يكن بحاجة إلى تفسير.
فآينس هو الدوق الوحيد في الإمبراطورية، كما أنه رجل أعمال يدير واحداً من أعظم بيوت التجارة في البلاد.
ولأنني كنت زوجته من قبل، لم يكن في استطاعتهنّ الاقتراب منه، لكن بعد طلاقنا، وهو أعزب الآن، فُتِح لهنّ الباب على مصراعيه.
الزواج منه يعني أن تصبحي زوجة الدوق الوحيدة في الإمبراطورية، إضافة إلى ثروة لا يمكن لأي أحد أن يحلم بها.
…لكن، من واقع تجربتي، كان كل ذلك مجرد سراب.
على أي حال، لم يكن أحد يعرف ما أعرفه، ولهذا حاولوا جاهدين أن يقدّموا له بناتهم أو أخواتهم.
فمن يدري؟ ربما يكون بينهنّ من تخطف قلب آينس.
أنا لم أنجح في كسب قلبه، لكن قد تكون إحداهنّ أكثر حظاً مني.
ولو حدث ذلك، فقد يتغير موقفه… وربما يظهر أنه عاشق مخلص على غير ما بدا لي.
…أياً يكن، لو ظهرت تلك المرأة، تمنيت فقط أن يعاملها أفضل مما عاملني.
يكفيني أنا أن أذبل بلا حب؛ لكن تكرار قصتي مع امرأة أخرى سيكون مأساةً تفوق مأساتي.
وبينما أتمتم بالدعاء ألا يتكرر شخص مثلي مرةً أخرى، أدرت جسدي تماماً مبتعدةً عنه، وتوجهت نحو الشرفة.
كان هناك بالفعل بعض الحاضرين يستمتعون بنسيم الليل، لكني بحثت عن شرفة فارغة وخرجت إليها.
ما إن فتحت الباب حتى هبّت نسمة باردة.
كان النهار دافئاً، لكن الليل صار بارداً جداً.
فكرت أنه من غير المناسب البقاء طويلاً في الخارج، لكني لم أستطع احتمال البقاء في القاعة أكثر.
خصوصاً أن آينس كان هناك، ومشاركته نفس المكان كان عبئاً ثقيلاً عليّ.
قلت في نفسي: “حين يدخل جلالته الإمبراطور القاعة، سأبقى قليلاً ثم أغادر مباشرة.”
تنفست طويلاً وأنا أحدّق في السماء.
كانت الشمس قد غربت لتوّها، وبدت بعض النجوم تلمع في الأفق الرمادي الداكن.
قبل أيام فقط، حين كنت أحضر الحفلات، لم يكن لي أن أرى النجوم.
فقد كنت دائماً محاطة بالناس، مشغولة بالحديث، بلا وقت للالتفات إلى السماء.
لكن الظروف تغيّرت، وأصبح لدي متسع من الوقت للتأمل في النجوم وعدّها.
ربما كان هذا أثراً إيجابياً وحيداً.
وضعت كأس النبيذ على حافة السور، وبدأت أعدّ النجوم.
كلما زاد اضطراب قلبي، بدت النجوم أكثر جمالاً في لمعانها.
لا أدري كم وقفت هكذا، لكن فجأة أحسست بحركة خلفي.
ثم سمعت صوت الباب يُفتح.
“أوه، يبدو أن أحداً سبقني إلى هنا.”
جاءني صوتٌ خجول بعض الشيء.
استدرت لأرى من دخل إلى الشرفة.
كان وجهه مألوفاً، لكني لم أستطع تذكّر من يكون.
قال وهو يبتسم باعتذار:
“أرجو أن لا أكون قد أفسدت راحتك.”
أجبته بهدوء:
“لا، لا بأس. إن شئت فابقَ هنا، وسأنتقل أنا.”
لكنه هزّ يديه بسرعة وقال:
“لا يمكن أن أسمح بذلك. أنا من جاء متأخراً.”
وبينما كنت أهمّ بحمل كأس النبيذ والعودة إلى الداخل، لوّح بيده مانعاً وهو يضحك ابتسامة خفيفة.
كان وسيماً، لا يقل جمالاً عن آينس، حتى أن عيني انجذبت إليه دون قصد.
قال بلطف:
“إن لم يكن الأمر يزعجك، هل تسمحين لي بمشاركتك الشرفة؟”
أجبته مبتسمة بدافع اللياقة:
“ولِم لا؟ تفضل.”
تنفّس بارتياح وكأن حملاً انزاح عن صدره، ثم وضع كأسه على السور وبدأ يخلع معطفه.
تساءلت في نفسي عما يفعله، وفجأة وجدته يلقي بمعطفه على كتفي.
“ماذا…؟”
نظرت إليه بدهشة، فابتسم وهز كتفيه.
“بهذا اللباس ستُصابين بالبرد. ارتديه ما دمتِ هنا.”
“…آه.”
حينها فقط شعرت بالدفء يتسلل من المعطف، فقد احتفظ بحرارة جسده بعد أن ظل مرتدياً إياه.
كانت لفتته غير متوقعة، وراودتني رغبة في رفضها، لكنني لم أشعر أن وراءها أي نوايا سيئة.
فترددت قليلاً ثم عدّلت المعطف فوق كتفي، وأخفضت رأسي شاكرة:
“شكراً لك. سأعيده لك لاحقاً.”
ابتسم وقال:
“على راحتك. بالمناسبة، اسمي كاديا مولدوفان.”
ابتسم ابتسامة مشرقة وهو يعرّف نفسه.
اسم “مولدوفان” لم يكن غريباً على مسامعي.
فقلت بعد أن استجمعت ذاكرتي:
“أأنت اللورد مولدوفان، صحيح؟”
أومأ مؤكداً:
“يبدو أنك تتذكرين. لقد تشرفنا بالتحية من قبل، لكن من الطبيعي أن تنسي، فملامحي عادية.”
لكنه لم يكن عادياً أبداً؛ بل كان وسيماً بما يكفي لأن يلتفت المرء إليه مرةً ثانية.
غير أنني لم أتذكر عنه سوى اسمه، فابتسمت باعتذار:
“أعتذر. حينها لم أكن في حالة تسمح لي بالتركيز، فكل ما حفظته كان اسمك فقط. اسمي سيسيليا مارفيس.”
لم تكن ذاكرتي قوية بما يكفي لأتذكر كل من مرّوا بي مروراً عابراً.
وخلال فترة كوني دوقة غراهام، كان الكثيرون يقتربون لمجرد إلقاء التحية عليّ، ولم يكن ممكناً أن أحفظ وجوه الجميع.
لكن عندما أفكّر بالأمر الآن، أدرك كم كانت تلك العلاقات سطحية، إذ تبيّن لي بعد الطلاق أن لا أحد منهم يلتفت إليّ.
مع أنني كنت أعدّ نفسي قريبة من كثيرين، ها أنا الآن وحيدة لا يقترب مني أحد.
قال بلطف:
“أعلم ذلك جيداً، يا ليدي مارفيس.”
اقترب بخطوات واسعة حتى وقف بجانبي، ثم رفع رأسه إلى السماء مثلما فعلت أنا.
أما أنا فاكتفيت بالاستناد إلى السور، أحدّق في كأس النبيذ الذي لم يبقَ فيه الكثير.
وكانت أصوات الموسيقى الراقية من الداخل تمتزج مع ضحكات الناس، لتصنع خلفيةً هادئة بيننا.
ثم قال بصوت عميق:
“أليس الناس جاحدين بحق؟”
ترددت كلماته مع أنغام الأوركسترا وضحكات القاعة، مزيجةً بين العذوبة والمرارة.
نظرتُ إليه نظرة خاطفة ثم أومأت برأسي.
“لا أستطيع أن أنكر ذلك تماماً.”
كان من المؤلم والمستفز حقاً أن يتقلب الناس في مواقفهم كما يتقلب المرء كف يده، لمجرد أن الظروف تغيّرت.
صحيح أنني كنت أفهم موقفهم إلى حد ما، لكنني لم أكن رحبة الصدر لدرجة أن أتقبّل كل شيء بابتسامة.
تلك النظرات التي وُجّهت إليّ منذ قليل، وتلك الألسنة التي همست باسمي، وذلك الضحك الممزوج بالسخرية… كل ذلك كان كسهام انغرست في قلبي، ولم يكن أيّ منها بلا أثر.
قال اللورد مولدوفان بنبرة هادئة:
“لابد أن الأمر يجرحك. فحتى وقت قريب، كانوا جميعاً يتنافسون لكسب ودك، أما الآن فلا يلقون إليك حتى نظرة عابرة.”
كانت كلماته تضغط على جرح أعرفه جيداً، مما جعل حديثه ثقيلاً على صدري، لكنني لم أُظهر أي انزعاج، بل تعمّدت أن أرسم ابتسامة متكلفة على وجهي.
“لقد كان مجرد نوع من العلاقات… لا أكثر.”
قلت ذلك عرضاً، بينما أوجه بصري نحو داخل قاعة الحفل.
في الطرف البعيد، وسط حشد من الناس، كان آينس واقفاً يتبادل الحديث مع بعضهم.
وفجأة، رفع رأسه ونظر باتجاهي.
فتقابلت أعيننا.
أسرعت بتحويل نظري بعيداً، وتظاهرت وكأن شيئاً لم يحدث، موجّهة تركيزي نحو اللورد مولدوفان.
كان ينظر إلى السماء، لكنه أحس بنظراتي فالتفت إليّ.
ارتسمت على وجهه ملامح اعتذار، وعقد ما بين حاجبيه كما لو كان يشعر بالذنب.
“يبدو أنني بليد اللسان… لقد فتحت موضوعاً غير مريح. أعتذر.”
هززت رأسي بلطف وقلت:
“لا بأس، الأمر لا يزعجني.”
ظلّ صامتاً بعدها، لم ينبس بكلمة، واكتفى بالتحديق بي طويلاً.
تساءلت في نفسي عن سبب نظراته هذه، ومع مرور اللحظة شعرت بالحيرة أكثر.
ثم فجأة، ابتسم ابتسامة خفيفة ممزوجة بالمرارة وقال:
“ولكن، يا ليدي مارفيس…”
“نعم؟”
تردد قليلاً، وكأنه لا يجد الجرأة على قول ما في نفسه، ثم أخيراً نطق متحفظاً:
“هل ما زلتِ تحتفظين بمكانٍ لدوق غراهام في قلبك؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"