حدّق آينس ببرود في فيكونت مولدوفان الذي كان جاثيًا على ركبتيه ويطلب النجدة دون أي مقدمات. كانت نظراته باردة خالية من أي مشاعر.
“تطلب النجدة؟ لا أفهم ما تقوله على الإطلاق. اسمع يا فيكونت مولدوفان. هل تدرك ما الذي تتفوه به الآن بعد أن أتيت دون سابق إنذار وركعت أمامي هكذا؟”
تمتم آينس بصوت خالٍ من النغمة. ارتعش جسد فيكونت مولدوفان عند كلمات آينس. قبض قبضتيه وعض على أسنانه. لكنه لم يأتِ إلى هنا ليعبر عن غضبه.
“لقد سمعت أنكم قمتم بقطع جميع قنوات التوزيع لمبيعات ومشتريات النقابة التجارية التي تديرها عائلتنا منذ مساء الأمس.”
بدأ فيكونت مولدوفان في ذكر السبب الذي جعله يأتي إلى هنا. ومع ذلك، تظاهر آينس بالجهل التام ومال برأسه بلامبالاة.
“هل حدث شيء كهذا؟ حسنًا، لا أعرف.”
كان مظهره طبيعيًا جدًا لدرجة أن فيكونت مولدوفان صرّ على أسنانه.
“الأمر لا يقتصر على نقابتنا التجارية فحسب. لقد سمعت أنكم استوليتم على جميع أعمال أصدقائي المقربين أيضًا.”
“وماذا في ذلك؟”
أطلق آينس صوتًا أنفيًا كأنه مهتم وعقد ذراعيه. ثم استند على ظهر الكرسي.
“هل هذا بسبب ما حدث بالأمس؟”
سأل فيكونت مولدوفان وهو يتذكر ما حدث أمام قصر فيكونت مارفيس بالأمس. نظر آينس إليه ورفع كتفه ببرود.
“أقمشة نقابة لانجرس التجارية ذات جودة جيدة نوعًا ما. ولكن يبدو أنها لم تُوزع على متاجر الملابس الراقية أو الخياطين بسبب سوء اختيار الموزعين. لذلك، قررت نقابة غراهام التجارية الخاصة بنا توزيعها. ستكون هذه فرصة جيدة لـ نقابة لانجرس التجارية.”
تحدث آينس بصوت غير مبالٍ. كانت نقابة لانجرس التجارية هي المورد الرئيسي لـ النقابة التجارية التي تديرها عائلة فيكونت مولدوفان.
“الأمر نفسه ينطبق على نقابة بولتين التجارية. فيكونت مولدوفان، معظم الأماكن لم تتمكن من تحقيق النجاح لأنها بقيت كمورد لـ النقابة التجارية التي تديرها. أنا ببساطة منحتهم فرصة.”
ابتسم آينس أخيرًا.
“كان الخيار لهم. لقد حكموا على أن البقاء مع النقابات التجارية التي تديرها أنت أو أصدقاؤك ذوي الجودة المتدنية سيجعلهم يحافظون على مستوى مبيعات متوسط فحسب.”
بعد أن أنهى آينس كلامه، نهض من مقعده وتوقف ببطء أمام فيكونت مولدوفان. ثم انحنى ليصبح في مستوى نظر فيكونت مولدوفان.
“فيكونت مولدوفان، ألا يجب أن تلوم نقص كفاءتك بدلاً من المجيء إليّ والتوسل طلبًا للنجدة؟”
همس آينس لفيكونت مولدوفان بابتسامة ساخرة. كان فيكونت مولدوفان يعض على أسنانه ويكبت المشاعر التي تندفع في داخله بسبب كلمات آينس. لكنه لم يستطع التحمل أبدًا وفتح فمه المغلق بإحكام.
“… هل هذا بسبب ما حدث بالأمس؟”
تحدث مولدوفان بصعوبة. أزال آينس الابتسامة التي كانت على فمه. على الرغم من عدم وجود إجابة، كان فيكونت مولدوفان يعرف جيدًا أن صمت آينس يعني الإيجاب.
“أيها الدوق، ألم تنفصل عن بارونة مارفيس وتصبحا غريبين عن بعضكما البعض؟”
سأل فيكونت مولدوفان آينس مباشرة. لم يستطع التفكير في أي سبب آخر لتدخل آينس في النقابة التجارية التي يقودها فيكونت مولدوفان.
لكن كان من الصعب على فيكونت مولدوفان استيعاب هذا الوضع.
آينس وسيسيليا كانا مطلقين ومنفصلين. كانت الشائعات تقول إن آينس كان يرغب في الطلاق باستمرار، وقبلت سيييليا الطلاق مقابل الحصول على مبلغ ضخم من النفقة من آينس.
إذا كانت هذه الشائعات صحيحة، لم يستطع فيكونت مولدوفان أن يفهم سبب تدخل آينس إلى هذا الحد.
نظر آينس إلى فيكونت مولدوفان بجدية. كان شخصًا لا يملك أي شيء مميز باستثناء مظهره الجيد.
على الرغم من أنه كان يحمل لقب فيكونت، إلا أن الأعمال التجارية التي كان يديرها لم تحقق أي نتائج جيدة، والأدهى من ذلك أن أصدقائه الذين كان يرافقهم كانوا مجرد متسكعين يتملقون النبيلات ويستولون على ثرواتهن بعد خداعهن.
وأصبحت سيسيليا هي الهدف لفيكونت مولدوفان.
اعتقد آينس أن سيسيليا لن تقع في شباك هؤلاء، لذلك لم يتخذ إجراءً آخر بخلاف التحذير.
لكن هذا كان سوء تقدير.
بعد الحفلة الراقصة، شعر آينس بمشاعر قاسية تغلي بداخله عندما رأى سيسيليا وفيكونت مولدوفان معًا في العاصمة.
في البداية، اعتبر تلك المشاعر استياء و انزعاج.
كان هدف مجموعة فيكونت مولدوفان واضحًا. كانوا يطمعون في النفقة التي حصلت عليها سيسيليا بعد طلاقها من آينس.
يمكن للمرء أن يجد الإجابة بسرعة بمجرد التفكير قليلاً، لكن سيسيليا لم تبدو كذلك. بل كانت تدافع عنه، مما جعل آينس يشعر بالإحباط الشديد.
ومع ذلك، سرعان ما تفهم آينس سيسيليا. كان هناك سبب لعدم تمكن سيسيليا من إدراك نية فيكونت مولدوفان.
كان من المحتمل أن سيسيليا قد عانت كثيرًا بسبب الطلاق كحدث كبير، بالإضافة إلى أنها أصبحت ضعيفة بسبب مرضها.
ولهذا السبب، لم يكن أمام آينس خيار سوى التدخل.
حتى الآن، كان آينس يتحمل الأمر لأنه لم يرَ أي حركة كبيرة من فيكونت مولدوفان، لكنه بالأمس رأى فيكونت مولدوفان وهو على وشك استخدام العنف ضدها.
لم يعد بإمكانه التغاضي عن فيكونت مولدوفان بعد الآن.
“أيها الدوق انت والبارونة مارفيس أصبحتم غرباء، فلماذا تفعل هذا؟ هل أنت واقع في حب البارونة مارفيس؟”
استجمع فيكونت مولدوفان شجاعته وسأل آينس مرة أخرى. بما أن آينس لم يجب، لم يكن لديه خيار سوى طلب إجابة أكثر وضوحًا.
“كيف يمكن أن نصبح غرباء تمامًا بمجرد الطلاق؟ لقد كانت زوجتي يومًا ما، وكانت سيدة دوقية غراهام. وتجرأت أنت على التعدي على سيسيليا. دون أن تعرف حجمك.”
كانت نظرة آينس عنيفة كأنها نظرة وحش مفترس. بدا وكأنه سيقطع رقبته على الفور إذا تفوه بكلمة غير لائقة أو أثارت استياء آينس.
وفي الواقع، إذا قرر آينس ذلك، فلن يكون فيكونت مولدوفان خصمًا له.
كان آينس دوق الإمبراطورية وواحدًا من أساتذة السيف القلائل. كان من الواضح أن فيكونت مولدوفان، الذي لم يتدرب على المبارزة إلا لتقوية جسده، لن يتمكن من صد سيف آينس بشكل صحيح.
عبس فيكونت مولدوفان وغطى رقبته بحذر ونظر إلى آينس.
“حسنًا، بما أنك ذكرت ما حدث بالأمس، فمن الأفضل أن ننتقل إلى ذلك الأمر.”
“ذ… ذلك…”
أدرك فيكونت مولدوفان أنه اختار مقدمة خاطئة. ولكن قبل أن يتمكن من إيقاف آينس، فتح آينس فمه ببطء وهو ينظر في عيني فيكونت مولدوفان.
“سمعت أن سيسيليا رفضت زيارتك عدة مرات. لكن ماذا فعلت أنت؟ تجاهلت رغبة سيسيليا وحاولت إيذائها. أليس كذلك؟”
بمجرد تذكر ما حدث في تلك اللحظة، شعر آينس بغضب شديد يشتعل في داخله مرة أخرى.
إذا لم يصل آينس في الوقت المناسب، لكانت سيشيليا وخادمتها قد تعرضتا لعنف فيكونت مولدوفان. تذكر هذا الأمر جعل الغضب الذي كان يقمعه بصعوبة يعاود الاشتعال فيه بشدة.
“كيف يجب أن أفسر ذلك؟”
“هذا… لأن فيكونت مارفيس كانت تدفعني بعيدًا باستمرار… لم يكن لدي خيار سوى زيارتها، وهذا ما حدث. لم تكن نيتي هي ضرب فيكونت مارفيس في البداية…”
دافع فيكونت مولدوفان عن نفسه بتردد. لكنه كان مجرد عذر واه.
“هل تقول إنه يجوز لك ممارسة العنف إذا كانت الظروف لا تسمح؟ إذاً، أنا أيضًا، بما أنني لا أتفاهم مع شخص مثلك أتاني بوقاحة، يمكنني ممارسة العنف دون خيار، أليس كذلك؟”
أنهى آينس كلامه وهو يلمس السيف المعلق على خصره. أحدثت السلسلة المثبتة على السيف صوتًا مزعجًا. ارتعش جسد فيكونت مولدوفان وابتلع ريقه، وكأن ذلك الصوت يهدد حياته.
“هذا أيضًا هو أقصى درجات ضبط النفس مني مراعاةً لـ سيؤيليا. لو كان الأمر بيدي، لكنت أرغمت عائلة فيكونت مولدوفان على الإفلاس وجعلتك عبدًا في قصري، لكن سيسيليا لن ترغب في ذلك. إنها طيبة القلب إلى هذا الحد.”
تمتم آينس بهدوء. ظل آينس صامتًا ورأسه مُنكس، ثم أخذ نفسًا عميقًا وبدأ ينهض ببطء. لم يستطع فيكونت مولدوفان رفع رأسه وظل يحدق في حذاء آينس فقط.
“بالنسبة لمشكلة النقابة التجارية، لم لا تطور قدراتك وتستعيدها بنفسك؟ لن أمنعك من ذلك. لكن لن يكون الأمر سهلاً. فـ نقابتك التجارية المتواضعة لن تكون أكثر جاذبية من نقابة غراهام التجارية.”
“…”
استدار آينس وعاد إلى مقعده وجلس. بعد ذلك، لم يعطِ أي اهتمام لفيكونت مولدوفان الجاثي على ركبتيه، وكأنه لم يكن موجودًا.
ظل فيكونت مولدوفان جالسًا على نفس الوضع، ثم نهض متأخرًا. حدق في آينس بنظرة مليئة بالإحباط، ثم خرج من المكتب وهو يتعثر في مشيته.
حدق آينس ببرود في الباب الذي غادر منه فيكونت مولدوفان، ثم سحب بصره أخيرًا.
التعليقات لهذا الفصل " 64"