سمعت صوت السائس وهو يعلن الوصول. أفقت من شرودي ونظرت إلى الخارج، فإذا بنا أمام محل الأزياء الذي تديره البارونة زافييه.
ما إن نزلت من العربة حتى دفعت ريفيت الأجرة للسائس. انتظرت حتى أنهت حسابها، ثم دخلت إلى محل الأزياء.
“مرحبًا بك، هل لديكم حجز؟”
اقتربت موظفة المحل وسألت. كانت موظفة قد رأيتها عدة مرات من قبل. وحين تعرفت على وجهي بعد لحظة، انحنت بعمق احترامًا.
“أيمكنني لقاء البارونة زافييه؟ هل هي بالداخل؟”
“نعم، سأرشدك.”
طرقت الموظفة على الباب الداخلي طَرق، طَرق، فجاء الإذن من الداخل بالدخول.
“يمكنك الدخول. هل أعد لك شايًا؟”
“لا حاجة، شربت من قبل أن آتي.”
“حسنًا.”
دخلت إلى غرفة العمل بعد أن انسحبت الموظفة. كانت الغرفة مليئة بالفساتين والبدلات الفاخرة.
“من…؟”
التفتت البارونة زافييه، التي كانت منهمكة في قص الأقمشة، إليّ. وحالما رأتني، تجمدت في مكانها.
“يا إلهي… سيسيليا؟”
“مر وقت طويل يا مونيكا.”
ابتسمت لها بوجه مشرق وأنا أنظر إلى البارونة زافييه التي بدت متجمدة من شدة الدهشة.
كانت البارونة زافييه، المصممة الشهيرة التي تدير محل الأزياء في العاصمة، صديقة طفولتي.
تبادلنا عناقًا قصيرًا، لكن وجهها كان ممتلئًا بالقلق.
“اجلسي هنا أولًا. مرّت ثلاثة أشهر كاملة.”
“آسفة لأني لم أزرْكِ كثيرًا.”
“لا بأس… سمعتُ عنك. لقد… تطلقتِ، أليس كذلك؟”
“… نعم.”
“هل أنتِ بخير؟”
كانت كلماتها اعتيادية، لكن لم أكن غبية لدرجة ألا أرى القلق الكامن فيها.
“أنا بخير. أفضل مما توقعت.”
“الحمد لله.”
ابتسمتُ لها بحرارة وأنا أرى ارتياحها.
“لكن ما الذي جاء بكِ؟ لا أظن أنك أتيتِ فقط لرؤيتي.”
“جئتُ لرؤيتكِ، وأيضًا لأفصل فستانًا جديدًا.”
“هه، لو لم تكوني بحاجة لفستان لما تذكرتِ أن تزوريني.”
“آسفة.”
لم أستطع إنكار كلامها، فاعتذرت بابتسامة محرجة.
“لا بأس. إذن، بما أنكِ جئتِ، أظنها حفلة القصر الإمبراطوري؟”
“نعم.”
“هل أنتِ مضطرة للذهاب؟ لن يُقال عنكِ كلام طيب هناك.”
“لكن لا أستطيع الاختباء إلى الأبد. يكفي أن أظهر عدة مرات، وستهدأ تلك الشائعات في النهاية.”
“… معكِ حق.”
تمتمت البارونة بوجه غير مطمئن، ثم هزت رأسها ونهضت.
“إذن فلنبدأ بالقياسات. سأصنع لكِ فستانًا يسطع أكثر من أي فستان آخر في الحفل.”
“شكرًا لكِ.”
امتننتُ لها من أعماق قلبي وهي تفكر لأجلي بصدق.
بعد أن أنهت قياساتي وحددنا نوع القماش ولونه، وأسلوب الإكسسوارات بشكل مبدئي، نهضتُ لأدعها تبدأ عملها.
فهي مصممة مشهورة في العاصمة، ولا شك أنها غارقة بطلبات مرتبطة بالحفل الإمبراطوري.
حتى إن سهرت ليالٍ عدة، فلن يكون وقتها كافيًا، لذلك لم أشأ أن أعطلها أكثر.
“إذن سأرحل الآن.”
“حسنًا. عندما يكتمل الفستان والإكسسوارات سأرسلها إلى قصر مارفيس.”
“أعتمد عليكِ.”
ودعتها أخيرًا وغادرت محلها.
لم يبقَ سوى أيام قليلة حتى موعد الحفل.
كان أول حفل أشارك فيه منذ طلاقي، لذلك لم أستطع منع قلبي من الاضطراب قليلًا.
—
في ظهر يوم الحفل، وصل الفستان والإكسسوارات.
كنت قلقة لتأخر وصولهما، لكن حين رأيت الفستان أدركت أن كل قلقي كان عبثًا.
لم تكن كلمات البارونة كاذبة حين وعدتني بأن أجذب الأنظار أكثر من أي أحد.
الفستان الأزرق السماوي الفاتح كان من طراز الأوف شولدر، يبرز العنق وعظام الترقوة. ومن الخصر النحيل انساب التنورة الواسعة، فتتمايل بخفة مع كل حركة صغيرة.
بمساعدة ريفيت، ارتديت الفستان، ثم وضعت العقد والأقراط المصنوعة من الياقوت الأزرق التي جاءت كطقم معه.
“أنتِ جميلة حقًا يا سيدتي!”
تنفست ريفيت بإعجاب وهي تساعدني في التزين.
رغم علمي أن كلامها يحمل بعض المبالغة، إلا أنني ابتسمت مسرورة.
“شكرًا لكِ على قول ذلك.”
“الآن لم يتبقَّ سوى أن نذهب.”
وبينما كنا نجهز، كان الوقت قد تجاوز السادسة.
الحفل يبدأ في السادسة مساءً، وعادة ما يظهر جلالته الإمبراطور في الثامنة.
لا يمكن أن أصل متأخرة إلى حفل عيد ميلاده، لذلك كان عليّ أن أتحرك الآن.
المسافة بين القصر ومنزلنا تستغرق نصف ساعة بالعربة، فإن خرجنا حالًا فلن نتأخر.
“هل العربة جاهزة؟”
“إنها بانتظاركم أمام القصر.”
“حسنًا، فلنذهب.”
ربّتُ على كتف ريفيت شاكرةً، ثم خرجنا.
ركبت العربة، بينما جلست ريفيت بجانب السائس.
“انطلق.”
“أمركِ، يا سيدتي.”
بدأت العربة تتحرك.
أغمضت عينيّ متوقعةً ما ينتظرني من تعب، راغبةً في اغتنام لحظة راحة قصيرة.
في الحفل، لا بد أن أنظار الناس ستتجه نحوي…
كنت أقول لنفسي إن هؤلاء الناس لن يؤثروا فيّ حقًا، لكني كنت أعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة.
قررت هذه المرة أن أظهر لبضع ساعات فقط ثم أعود.
كنت أتمنى لو أن أحدًا لا يحدثني أصلًا، وحاولت أن أهدئ نفسي بهذه الفكرة طوال الطريق.
وأخيرًا، توقفت العربة أمام قاعة الحفل في القصر الإمبراطوري.
بمساعدة ريفيت نزلتُ من العربة، ونظرت إلى القاعة المهيبة أمامي.
قبل طلاقي من آينس، حين كنتُ دوقة غراهام، لم تكن هذه القاعة مكانًا صعبًا عليّ.
كان الجميع لطيفين معي بفضل اسمي ومكانتي. لم يجرؤ أحد على مضايقتي، ولم أسمع سوى كلمات معسولة.
أما الآن فالوضع مختلف.
بعد أن تطلقت من آينس، لم أعد دوقة غراهام.
ها أنا أدخل هذه القاعة بصفتي الحقيقية، كونتيسة مارفيس.
ولم تعد هذه القاعة دافئة ولا ودودة كما كانت.
لا تنتظري شيئًا، ولا تعتمدي على أحد.
فهم لم يعطوني قلوبهم من البداية، لذلك لن ألومهم إن أعرضوا الآن.
استنشقت نفسًا عميقًا ثم أخرجته ببطء، وخطوت إلى الأمام.
دخلت عبر البوابة، وسلكت الممر المألوف حتى وصلت إلى مدخل القاعة. كان أحد الخدم هناك يراجع قائمة الأسماء. فتقدمت نحوه.
حين وقفت عند المدخل، فتح الخادم الباب وصاح بصوت عالٍ:
“دخول الكونتيسة سيسيليا مارفيس!”
وفجأة، ساد الصمت في القاعة المزدحمة كأن ماءً باردًا صُبّ عليها.
وبينما أخطو إلى الداخل، لمحت جميع العيون تتجه إليّ.
لم أتوقع أن يثير مجرد ظهوري كل هذا الانتباه. يبدو أن طلاقي من آينس كان حدثًا ضخمًا بالفعل.
شعرت بحرارة النظرات تخترقني، لكنني لم أنحنِ قيد أنملة. رفعت رأسي وشددت ظهري، ودخلت بخطوات ثابتة.
تتبعني العيون مع كل خطوة.
وفي عزف الأوركسترا، لم يكن يعلو سوى وقع خطواتي.
تظاهرت بعدم المبالاة، ثم وقفت جانبًا وأمسكت كأسًا من النبيذ.
كنت أعلم أنني لو بقيت واقفة دون فعل شيء، فلن تكف الأنظار عن التحديق بي.
بينما كنت واقفة في زاوية قاعة الحفل أرتشف النبيذ بهدوء، بدأت النظرات الموجهة إليّ تختفي واحدة تلو الأخرى.
وسرعان ما امتلأت القاعة مجددًا بأصوات الأحاديث بعدما كان الصمت يخيّم عليها ولم يبقَ سوى صوت الموسيقى.
لكن ابتعاد الأعين عني لا يعني أن الاهتمام قد زال أيضًا.
وقفت ساكنة، فبدأت ألتقط بعض الكلمات المتناثرة من أحاديث الناس من حولي:
ـ دوقة غراهام… طلاق… عيب… نفقة… كيف تجرؤ… على شاكلتها… أمر طبيعي…
كلمات متقطعة لامست أذني. ولم أكن بحاجة للاستماع بتركيز لأفهم ما الذي يدور في خلدهم.
تظاهرت بأني لم أسمع شيئًا، وارتشفت بهدوء رشفة أخرى من كأس النبيذ.
لو كان الأمر في السابق، لكان الناس قد تدفقوا نحوي مسرعين للتحية والحديث.
لكن هذه المرة لم يقترب مني أحد.
كان في ذلك شيء من الخواء، نعم، لكنه في الوقت نفسه نعمة، إذ لم يتجرأ أحد على المجيء ليسخر مني وجهًا لوجه.
وبينما كنت أنتظر مرور الوقت بهدوء في زاوية القاعة، فُتح مدخل القاعة فجأة، ودوّى صوت الخادم عاليًا:
“دخول دوق آينس غراهام!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"