رفعت جسدي الذي كان منبطحًا. لمجرد أنني حاولت أن أنهض، دوّى رأسي بألم ثقيل بسبب الصداع الحاد.
أسندت رأسي بيد واحدة بينما أضع الأخرى على الطاولة. كان جبيني ساخنًا تحت لمسة يدي.
قال صوت مألوف:
“سيدتي، لقد أحضرت الدكتور واط. أستأذن بالدخول.”
كان من المعتاد ألا يدخل أحد دون إذني، لكن على غير العادة، ريفيت دخلت دون انتظار موافقتي.
ربما لأنها كانت قلقًة من أن أكون في حالة خطيرة. كنت عاجزًة حتى عن رفع صوتي لأطلب منها الدخول، لذا كان ذلك حسن الحظ.
“سيدتي! هل أنت بخير؟”
اقتربت ريفيت على عجل ووجهها مفعم بالقلق، ثم التفت نحو الدكتور وات. أما الدكتور، فبعد أن تفحّصني، اقترب ووضع حقيبته الطبية على الأرض.
“سأقوم بفحص قصير.”
رفعت جسدي بصعوبة وأنعمت النظر فيه.
بدأ الدكتور وات فحصي بحذر، حتى وأنا بين الوعي والإغماء اتبعت تعليماته كما طلب.
وبعد أن تأكد من حالتي، أطلق تنهيدة ارتياح.
“لحسن الحظ، لا يوجد شيء خطير حتى الآن. صحيح أن المانا غير مستقرة، لكن يبدو أنك أرهقت نفسك. سأصف لك بعض الدواء، وأقترح أن تؤجلي كل أعمال اليوم والغد وتخلدي للراحة.”
“سأفعل ذلك.”
كنت بالفعل أشعر أن جسدي ثقيل جدًا، ولا أقدر على أي التزام آخر.
أخرج الدكتور بعض الأقراص من حقيبته، وضعها في علبة صغيرة وسلمها لريفيت، ثم جمع أغراضه وغادر مكتبي.
تابعت خروجه بناظري، ثم رفعت يدي لأمسك جبيني. بدا وكأنه أصبح أسخن مما كان قبل قليل.
“سيدتي، ربما من الأفضل أن تذهبي إلى غرفة النوم الليلة.”
قالت ريفيت وهي تقترب مني حاملًى الماء والدواء، وملامحها مفعمة بالقلق. كنت قد خططت لزيارة جدي بعد الظهر، لكن يبدو أن الأمر سيكون صعبًا اليوم.
تناولت الدواء الذي قدمته لي، وأطلقت تنهيدة منخفضة. شعرت بأن تنفسي أصبح ضيقًا.
وضعت الكوب على المكتب ورفعت رأسي نحو ريفيت.
“حسنًا… إذن هل يمكنك أن تساعديني حتى أصل إلى غرفة النوم؟ ليس لدي أي طاقة.”
“نعم، سيدتي.”
اعتمدت على ريفيت حتى أصل إلى الغرفة.
وخلال الطريق، كدت أن أسقط مرات عدة لولا دعمها. لو لم تكن بجانبي، لكنت انهرت بشكل مهين على الأرض.
وصلنا أخيرًا إلى غرفة النوم، واستلقيت على السرير. شعرت براحة غريبة حين لامستني برودة الأغطية.
“ريفيت، لن أتمكن من زيارة جدي اليوم. على الأرجح أنه كان ينتظرني، لكن من فضلك بلّغيه أنني لن أستطيع القدوم.”
“نعم، سيدتي. سأذهب حالًا، وسأترك خادمة أخرى بانتظارك في الغرفة المجاورة، فإذا احتجت شيئًا فقط دق الجرس.”
“حسنًا، شكرًا لك.”
رتبت ريفيت الأغطية بعناية فوق جسدي، ثم غادرت الغرفة.
—
“…رغم ذلك، يبدو أنه… كثيرًا… دكتور وات…؟”
سمعت صوتًا مشوشًا يتردد في أذني. لم أستطع تمييز سوى بضع كلمات، أما البقية فكانت كطنين غامض لا يمكن تفسيره.
كان الصوت مألوفًا، لكن لم يسهل عليّ تحديده.
حاولت أن أفهم ما يجري. أردت فتح عيني، لكن جفوني كانت ثقيلة للغاية، وكأنها ملتصقة.
لم يكن ذلك فحسب، بل كان جسدي كله أثقل من القطن المبتل.
قال الدكتور وات إن السبب كان إرهاقًا، لكن ربما كان هناك شيء آخر؟
قد يكون ذلك صحيحًا. وإلا لما تدهورت حالتي أكثر رغم أنني تناولت الدواء.
ربما أخطأ الدكتور هذه المرة في التشخيص.
فكرت أن أطلب من ريفيت أن يستدعيه مجددًا ليفحصني، لكن جسدي لم يستجب لرغبتي، وهذا كان محبطًا للغاية.
“سي… سيل… ليا؟”
عاد الصوت مجددًا، هذه المرة أوضح قليلًا.
عندها أدركت أن الصوت ليس لريفيت، بل لرجل.
(من يكون؟ هل هو آينس؟)
خطر ببالي اسمه تلقائيًا، لكن سرعان ما نفيت الفكرة.
ما السبب الذي قد يجعل آينس في غرفتي؟ ومع ذلك، لم يخطر ببالي أحد آخر.
شعرت بالزمن يمر ببطء وأنا أسمع حوارًا بعيدًا. ثم أحسست بيد تمسك بيدي.
كان ذلك مألوفًا، تمامًا كما يفعل الدكتور وات حين يفحصني.
ربما أعادوا استدعاءه بالفعل بسبب تدهور حالتي.
تمنيت أن ينتهي الفحص سريعًا ويعالجني، لأني لم أعد أطيق هذه الحال.
“عذرًا… قليلًا فقط…”
بعد تلك الكلمات، تسلل إلى فمي سائل دافئ. كان طعمه مرًّا ولاذعًا.
لكن بمجرد أن ابتلعت، شعرت براحة، إذ رطّب حلقي الجاف.
بل وأكثر من ذلك، بدأ جسدي يخف تدريجيًا.
وأخيرًا، استطعت رفع جفوني الثقيلة ورؤية ما حولي. كانت الرؤية ضبابية، والضوء يتشوش في عيني، ثم شيئًا فشيئًا استعاد بصري صفاءه.
ظهر السقف المألوف أمامي.
“سيسيليا، هل أنت بخير الآن؟”
كان الصوت الذي ظللت أسمعه يسألني. أدرت رأسي نحو مصدره.
والآن، لم أعد أحتاج سوى لصوته لأعرف من يكون.
“… دوق، ما الذي تفعله هنا؟”
ارتسمت على وجه آينس ملامح معقدة، بدا كأنه مستاء، أو ربما غاضب.
نظرت حولي. كنت متأكدة أنني سمعت صوت الدكتور وات، لكن الغرفة لم يكن فيها سوى أنا وآينس، وبعيدًا قليلًا، ريفيت واقفًة بتوتر.
ظل آينس يحدق بي طويلًا قبل أن ينطق:
“بعد أن قضيت يومين كاملين فاقدة الوعي، أول ما تقولينه هو هذا؟”
“ماذا؟ يومان…؟”
سألته بدهشة كبيرة.
“نعم، يومان.”
أجاب آينس بهدوء. هممت أن أستفسر مجددًا، لكنني تذكرت أن آينس ليس من النوع الذي يكذب أو يمزح في مثل هذه الأمور، فتراجعت.
يومان كاملان في غيبوبة؟! كنت أظن أنني نمت قليلًا فقط، لكن يبدو أنه لم يكن مجرد نوم.
“ما الذي حدث؟”
“ماذا تعنين؟ أن تقولي إنكِ غبتِ يومين عن الوعي؟”
“…لا. أقصد، لماذا أنت هنا يا دوق؟”
أمسكت رأسي المثقل محاوِلة رفع جسدي.
تقدّمت ريفيت بسرعة من خلف آينس لتساعدني، ورفعت وسائد إضافية خلف ظهري لتجعل جلوسي أكثر راحة.
ابتسمت لها بعيني شاكرة.
قال آينس بوجه مكفهر:
“ألستِ مهتمة بمعرفة سبب انهيارك أو حالتك الصحية؟”
بالطبع كنت مهتمة، لكن لم يكن ضروريًا أن أسأله هو تحديدًا. فذلك من اختصاص الدكتور وات.
التعليقات لهذا الفصل " 49"