بفضل العناية المستمرة حتى أثناء العيش في قصر الدوقية، كان القصر نظيفًا لدرجة أن أي شخص يمكنه الانتقال والعيش فيه على الفور. دخلت القصر وأنا أحمل في صدري مشاعر الشوق.

“مرحبًا بعودتك يا سيدتي.”

كان الخدم والخادمات الذين سبق أن أجريت معهم مقابلات أثناء وجودي في قصر دوق غراهام قد استقبلوني.

“نعم، سررت برؤيتكم. أرجو أن تعتنوا بي جيدًا.”

ألقيت عليهم تحية قصيرة وتوجهت مباشرة إلى غرفتي.

“هل يمكنك الذهاب إلى دار المزاد ريفلين ومعرفة متى موعد المزاد القادم؟ وأيضًا تحقق من ماهية المعروضات.”

“نعم يا سيدتي.”

“وإذا صادف أن زهرة تييريا من بين المعروضات، فأخبرني فورًا. أما إذا كان هناك أحجار مانا معروضة، فسوف أشارك حتمًا، لذا تحقق من ذلك أيضًا.”

“أمركم.”

انحنى الخادم قليلًا وغادر لتنفيذ التعليمات.

أول ما كان علي فعله بعد مغادرة بيت دوق غراهام هو الحصول على زهرة تييريا.

المرض الذي أعاني منه، مرض ترينتز، هو مرض تتجمد فيه الجسد تدريجيًا مع فقدان المانا الداخلية لنشاطها.

لم أعلم بإصابتي به إلا منذ نصف عام فقط. كان صباحًا عاديًا كأي يوم آخر، لكن جسدي رفض التحرك بشكل غريب، فانزلقت من على الدرج. كان ذلك أول أعراض المرض.

ولعلاج هذا المرض، لا بد من الحصول على زهرة تييريا. هذه الزهرة لا تتفتح إلا في الليالي المضيئة بضوء القمر، وأكلها ينشّط المانا في الجسد.

كانت نادرة جدًا حتى أن الصيادين لم يكتشفوها إلا في مرات قليلة، وهي تُستخدم كمكوّن رئيسي لعلاج مرض ترينتز.

لكن، لم يكن المرضى فقط من يسعون إليها.

حتى السحرة وممارسو فنون السيف يتنافسون للحصول عليها، لأنها تعزز قدراتهم بشكل ملحوظ.

خلال نصف العام الذي مضى منذ إصابتي، ظهرت زهرة تييريا في المزاد مرة واحدة فقط. لكن شدة التنافس وارتفاع السعر جعلاني مضطرة للتخلي عن المشاركة.

ورغم أنني كنت في مكانة زوجة دوقة غراهام، إلا أن بدل المحافظة على المظهر المخصص لي لم يكن يكفي لتحمل تكاليف المزاد.

وبشعور من الأسف طلبت من آينس زيادة مخصصاتي، لكنه رفض حتى الاستماع إلي.

وكان ذلك من أكبر الأسباب التي دفعتني لاتخاذ قرار الطلاق.

لكن الآن، حتى لو ظهرت زهرة تييريا في المزاد مرة أخرى، فلدي من المال – بفضل التعويض الكبير – ما يكفي وأكثر لشرائها.

…… المسألة الوحيدة هي إن كانت ستُعرض مجددًا في المزاد أم لا.

ومع ذلك، لم يكن الوضع ميؤوسًا بالكامل. فإذا لم أتمكن من الحصول عليها لوقت طويل، فيمكنني استخدام أحجار المانا كحل مؤقت.

ولحسن الحظ، كنت قد حصلت بالفعل على كمية من أحجار المانا تكفيني لفترة.

—

“مرحبًا بك، بارونة مارفيس. أهلًا بكم في دار مزاد ريفلين.”

بعد أن تحقق الموظف عند المدخل من بطاقة هويتي ودعوة المزاد، حيّاني باحترام.

“هل تودين ارتداء قناع؟”

“لا، ليس ضروريًا.”

“إذن تفضلي بالدخول.”

اتبعت دليلي إلى الداخل.

كانت دار مزاد ريفلين واحدة من أكبر ثلاث دور مزادات في العاصمة الإمبراطورية غرانتي.

كنت قد زرتها عدة مرات من قبل لشراء أحجار المانا. وسبب مجيئي اليوم أيضًا هو الحصول على بعض منها.

هذه المرة، كان المعروض حجر مانا من الدرجة العليا جدًا واحد، و12 من الدرجة العليا.

أما الأحجار من الدرجة الدنيا أو المتوسطة فيمكن شراؤها مباشرة من برج السحر، لكن الأحجار العليا وما فوقها لا يستطيع سوى قلة قليلة صنعها، كما أن المعروض منها نادر جدًا، ولهذا يتم عرضها فقط في المزادات.

“مقعدكم هو الرقم 137. هل أجهز لكم النبيذ أم الشاي؟”

“حضّروا شاي تشيف. وأما الحلوى فلتكن مادلين.”

“حسنًا، سيُقدَّم لكم فورًا.”

كانت مقاعد المزاد عبارة عن غرف صغيرة خاصة تُفتح أبوابها للدخول، مع فواصل جانبية تمنح بعض الخصوصية.

ومع ذلك، فبما أن القاعة دائرية حول المنصة، فلم يكن من المستحيل رؤية الآخرين من بعيد.

جلست أولًا على الكرسي. كان ناعمًا ومريحًا كما يليق بمقاعد مخصصة للضيوف المهمين.

وعلى الطاولة، وُضع جرس للمشاركة في المزايدة، ولوحة أرقام لإدخال قيمة المزايدة، بالإضافة إلى كتيّب يضم تفاصيل معروضات المزاد.

مددت يدي للكتيّب، فإذا بطرق على الباب يُسمع.

“لورد مارفيس، لقد أحضرت الشاي.”

“ادخل.”

دخل الموظف ووضع الضيافة على الطاولة ثم خرج.

رفعت فنجان الشاي وشممت رائحته. كان شاي تشيف بطعمه المرّ قليلًا يمنح صفاءً للذهن.

ارتشفت رشفة وأعدت الفنجان مكانه، ثم ألقيت نظرة على محيطي.

على المنصة، كان مغنٍ يرفّه عن الجمهور بأدائه، وعلى الجانب الآخر كانت أوركسترا مشهورة تعزف ألحانًا بديعة.

ابتسمت قليلًا من جمال الألحان، ثم حولت نظري. وكما هو متوقع من دار مزاد شهيرة، كانت المقاعد ممتلئة بالناس.

بعضهم ارتدوا أقنعة مزخرفة كي لا يُكشف عن هويتهم.

كنت أظن أن ارتداء قناع ليس ضروريًا، لكن يبدو أنني أخطأت. فقد شعرت بنظرات الناس الخفية تتسلل إلي.

كنت أعلم سبب ذلك.

فقط قبل أسبوع واحد، بعد طلاقي من آينس غراهام، انتشرت عني شائعات.

“امرأة تخلت عن المنصب الذي جمع بين المال والسلطة والمجد.”

“أيّ مشكلة كانت؟ هل في الدوق نفسه؟ أم في ليدي مارفيس؟”

أي وجبة ألذ لعشاق القيل والقال من هذه؟

لكن لم يكن بوسعهم السخرية من آينس غراهام، الذي كان لا يزال شابًا، موهوبًا، بل هو أيضًا رئيس واحدة من أكبر نقابتين تجاريتين في الإمبراطورية، والدوق الوحيد في البلاد.

لذا اختاروا السخرية من سيسيليا مارفيس، المرأة الشابة التي لم تملك سوى عمرها وجرأتها. فهذا أكثر أمانًا لهم.

لذلك لم أكن بحاجة حتى إلى الإصغاء لأعرف ما يُقال في الصالونات وحلقات النميمة.

الميزة الوحيدة هنا أن الجميع كانوا في غرفهم الخاصة، فلن يتجرؤوا على الثرثرة علنًا عني.

لو كنت أعلم أن هناك من سيتجرأ ويتفحصني بهذا الشكل، لطلبت قناعًا أنا أيضًا…… لكن فات الأوان للندم.

وبينما لم يكن طلاقي من آينس خطيئة، لم أشعر بأن علي الاختباء.

هل أزعجتني تلك الشائعات؟ نعم، لكنني قررت ألا أسمح لها بالتحكم بي.

وبينما كنت أستقبل نظرات الآخرين الجارحة، استرختُ على ظهر الأريكة ورشفت رشفة أخرى من الشاي بهدوء.

[سيداتي سادتي، شكرًا لانتظاركم. أهلًا بكم في دار مزاد ريفلين. أنا المسؤول عن إدارة هذا المزاد، تشابمان غانيك.]

ولحسن الحظ، لم يتأخر المزاد كثيرًا عن البدء. ومعه تحولت أنظار الناس إلى المنصة.

كان لا يزال هناك بعض النظرات الموجهة نحوي، لكن لم يكن علي أن أهتم بها.

أخذت الكتيّب الذي يحوي قائمة المعروضات بينما كنت أستمع بفتور إلى تعليمات المنظم عن القوانين والإرشادات.

ولم تختلف المعروضات كثيرًا عن المعتاد: طقم إكسسوارات ياقوت أزرق صاغه صائغ شهير، خزف مزخرف من الشرق البعيد…

كنت أعلم مسبقًا أن زهرة تييريا ليست ضمن هذه المرة، لكن خيبة الأمل ظلت تسيطر علي.

متى ستُعرض تلك الزهرة مجددًا في المزاد يا ترى؟

ربما من عثر عليها هذه المرة قد يبيعها مباشرة إلى برج السحر قبل أن تصل إلى قاعة المزاد.

ربما احتياطًا كنت قد طلبت سابقًا من أحد موظفي نقابة غراهام أن يبحث عن زهرة تييريا، لكن بعد الطلاق، لم يعد منطقيًا أن أتوقع من نقابة غراهام أن تحصل عليها خصيصًا من أجلي.

كما أنني لم أكن أستطيع الذهاب بنفسي لتسلق الجبال بحثًا عنها.

فزهرة تييريا نادرًا ما تتفتح بين الجروف الخطرة ذات التضاريس الوعرة. بل إنها لا تزهر إلا في منتصف الليل حين يغمرها ضوء القمر. لم يكن منطقيًا أن أتمكن من العثور عليها بنفسي.

لذلك لم يكن أمامي سوى انتظار اللحظة التي تُسجَّل فيها تلك الزهرة في قائمة معروضات أحد المزادات.

[إذن، فلنبدأ المزاد! أول معروض هو لوحة ديار تروغر بعنوان <ليلة ممطرة في الشارع>.]

وبينما كنت غارقة في أفكاري، بدأ المزاد.

راح الآخرون يراجعون المعروضات التي تثير اهتمامهم ويدخلون المزايدة، أما أنا فكنت أنتظر لحظة عرض أحجار المانا.

ولم يبدأ المزاد على الأحجار إلا بعد مرور ثمانية معروضات.

[المعروض التاسع هو حجر مانا من الدرجة العليا. يُباع كمجموعة مكونة من اثني عشر حجرًا. نبدأ بسعر 10 ذهبيات.]

بدأ السعر منخفضًا، لكنني كنت أعلم أنه سيقفز بسرعة.

عادةً ما يبلغ متوسط سعر الحجر الواحد من هذه الدرجة نحو 20 ذهبية. وبما أن هناك اثني عشر حجرًا معروضًا، فالسعر المناسب يقارب 240 ذهبية.

توقعت أن يُحسم السعر بين 200 و300 ذهبية، لذلك قررت الانتظار حتى يقترب من 200 ذهبية، ثم أدخل المزايدة.

[العميل رقم 83، 229 ذهبية. هل من مزايد آخر؟]

وبعد وقت قصير، قفز السعر بالفعل إلى 229 ذهبية.

أدخلت 240 ذهبية في لوحة الأرقام بجانبي.

[نعم، العميل رقم 137، 240 ذهبية. هل من مزايد آخر؟]

كان هذا السعر هو القيمة الحقيقية تقريبًا. حتى لو ارتفع قليلًا، فلن يكون مبالغًا فيه.

بهذا المستوى، من الطبيعي أن يدخل شخص آخر المنافسة.

[ارتفع مجددًا. العميل رقم 204، 260 ذهبية. هل من مزايد آخر؟]

من هنا يبدأ نطاق المزايدة الذي لا يشارك فيه عادةً إلا من يرغب حقًا في الشراء.

وضعت يدي على اللوحة وأدخلت 280 ذهبية.

وما إن أعلن المنظم السعر حتى رفع العميل رقم 204 السعر مرة أخرى بـ20 ذهبية.

وبين مدّ وجزر عدة مرات، قفز السعر إلى أكثر من 380 ذهبية.

[هل من مزايدة أعلى من 380 ذهبية؟ إن لم يكن هناك، فسيُباع للعميل رقم 204 بعد العد حتى خمسة. خمسة…]

380 ذهبية كان مبلغًا يتجاوز المتوسط بكثير.

[أربعة.]

شراء الحجر بذلك السعر لا يعني سوى الخسارة.

إن لم يكن المزايد بحاجة ماسّة إليه مثلي، فالأفضل أن ينتظر فرصة أخرى.

[ثلاثة.]

وضعت يدي فوق لوحة الأرقام، مستعدةً لإدخال السعر قبل انتهاء العد، بينما كنت أتساءل من ذلك الشخص الذي يريد أحجار المانا بشدة إلى هذا الحد.

ربما كان شخصًا في موقف مشابه لي.

[اثنان.]

لكن، ما إن وجهت بصري إلى المقعد رقم 204، حتى تجمدت في مكاني.

[واحد.]

كان الجالس هناك هو آينس.