الفصل 27
دخلتُ غرفة الاستقبال برفقة السيد تشيزاري ا بادرتُ أولاً إلى أن أعرض عليه الجلوس، ثم جلستُ في مقعدي. لم تمضِ لحظات حتى جاءت “ريفيت” وهي تحمل كعكات ما زالت دافئة، ثم أعدّت لنا الشاي أمام كل واحد منا.
قالت مبتسمة:
“هذا الشاي تم استيراده حديثاً من بيريكا. جرّبوه من فضلكم.”
فأجاب السيد تشيزاري:
“لن أرفض ذلك.”
تأمل الماستر رائحة الشاي أولاً، ثم ارتشف رشفة صغيرة منه. وبما أن الشاي جديد، فقد كنت أراقبه بقلق. لحسن الحظ، سرعان ما ارتسمت ابتسامة على وجهه.
قال وهو يضع الكوب:
“الرائحة طيبة والطعم لطيف. إنه رائع حقاً.”
ابتسمتُ مرتاحة:
“أشكرك على قول ذلك.”
ثم سألني فجأة:
“الآن تذكرت، قريباً سيُقام الاحتفال المخصص للإلهة كابريلد. هل ستشاركون يا سيدي البارون؟”
ترددت وقلت:
“الاحتفال….”
ففي كل ربيع، عند بداية موسم الزراعة، يُقام احتفال مكرّس للحاكمة كابريلد، رمز الأرض والخصب. وكان الناس يؤمنون أن إدخال السرور عليها يجلب موسم حصاد وفيراً. لذلك، كان الاحتفال مليئاً بالمرح والمشاهد المبهجة.
لكنني ـ للأسف ـ لم أكن أحب تلك الاحتفالات. خصوصاً أنني في حفل عيد ميلاد الإمبراطور السابق قضيت وقتاً كالغريبة المنعزلة. فلم أظن أن الوضع سيختلف إن حضرتُ هذه المرة.
أجبته بابتسامة باهتة:
“لا أظن أنني سأحضر.”
توقف السيد تشيزاري عن شرب الشاي، ونظر إليّ باستغراب. وضع الكوب على الصحن، وحدّق فيّ مباشرة.
“هل لي أن أسأل عن السبب؟”
ترددت قليلاً ثم قلت:
“لا يوجد سبب خاص… فقط، التجمعات الكبيرة تُرهقني بعض الشيء.”
لم أستطع أن أشرح أكثر، فالأمر كان محرجاً. تنهد تشيزاري وكأنه نادم:
“حقاً مؤسف. لقد أعددنا في برج السحرة أموراً كثيرة لهذا الاحتفال. كنت أود أن تراها. لكن لكل شخص أسبابه، ولن أفرض عليك الحضور.”
ثم أضاف سريعاً:
“أرجو أن لا يكون كلامي قد أزعجك.”
فابتسمت:
“لا أبداً، لم أشعر بأي ثقل. على أي حال، لقد أثرت فضولي حين قلت إن برج السحرة أعدّ شيئاً. ما هو؟”
ابتسم بخجل وأجاب:
“ليس بالشيء الكبير. مجرد سحر الوهم، وفي الختام عرض ألعاب نارية.”
ثم أردف قائلاً:
“ستُشاهدين الألعاب النارية حتى من قصر مارفيس. لذلك حتى إن لم تحضروا، أتمنى أن تستمتعوا بما حضرناه.”
أجبته بحماس:
“بالتأكيد سأفعل. أنا متشوقة لذلك فعلاً.”
لقد حضرتُ سابقاً احتفال الإلهة كابريلد في العاصمة، وشاهدت الألعاب النارية التي أعدّها برج السحرة. ما زلت أذكر جمالها الأخّاذ وهي تشتعل في السماء ثم تتلاشى. يومها تمنيت أن أشارك اللحظة مع آينس، لكنه لم يمنحني حتى ذلك.
الآن، وأنا أتذكر، أدرك كم كنتُ ساذجة. كنتُ أعلم أنه لم يعد يحمل لي مشاعر، ومع ذلك تمسكتُ بالأمل.
قطع السيد تشيزاري أفكاري قائلاً:
“هل تفكرين بأمر محزن؟”
تفاجأت:
“نعم؟”
كان يرمقني بعينين قلقتين.
“بدت ملامحك حزينة فجأة.”
ابتسمتُ بخفة:
“مجرد ذكريات قديمة. كنتُ أتذكر الألعاب النارية التي شاهدتها في أحد الاحتفالات.”
قال متردداً:
“هل كانت ذكرى سيئة؟ على حد علمي لم تفشل ألعابنا أبداً…”
أجبته:
“إنها مجرد أمور مضت. على أي حال، فكرة أنني سأراها مجدداً تفرحني. سأشاهدها من هنا بالتأكيد.”
ابتسمتُ محاولة تلطيف الجو، فارتاح ولم يعلّق أكثر.
ثم قال فجأة:
“… زورينا في برج السحرة يوماً ما.”
ترددت:
“برج السحرة؟”
“نعم. الآن وقد بتِ قادرة على الإحساس بالمانا، فتعلم طرق استخدامها هو ما يجعلك ساحرة. أبواب برج السحرة مفتوحة دائماً. ستُرحب بكِ الجميع متى أتيت.”
أجبته:
“سأحاول تخصيص وقت لذلك. في الحقيقة، كنتُ فضولية حول ما بداخله.”
“أخبريني بالموعد مسبقاً، وسآتي لاستقبالك شخصياً.”
ضحكتُ بخجل:
“من قِبلك مباشرةً يا ماستر تشيزاري؟ سيكون شرفاً لي.”
واصلنا الحديث ونحن نتذوق الشاي والكعك. ورغم أن استشعار المانا استنزف قواي، إلا أنني استمتعت حقاً بالحديث معه. لم أشعر بالوحدة.
قبل الطلاق كنت وحيدة، لا أحظى باهتمام آينس. وبعد الطلاق، كنتُ وحيدة لأنني أصبحت بمفردي. لكن حين أتحدث مع ريفيت أو السيد تشيزاري، كنت أشعر أنني لست وحدي، وهذا يمنحني بعض السلوى.
قال أخيراً:
“أظن أنه حان وقت رحيلي. الشاي لذيذ لدرجة أنني كنت أود البقاء أطول، لكن لدي التزامات أخرى.”
عندها فقط أدركت أن الساعة قد بلغت الرابعة. وقفتُ معه، مرافقةً إياه حتى الباب.
قال مبتسماً:
“لم تكوني مضطرة لذلك، لكن ما دام ستودعينني، فلن أغادر وحيداً.”
ضحكتُ بهدوء، وسرنا معاً حتى البوابة. فتح الخدم البوابة، ثم التفت تشيزاري قائلاً:
“لقد كان الشاي رائعاً. إلى اللقاء غداً.”
فأجبته:
“نعم، عُد بسلام يا سيد تشيزاري.”
راح يبتعد بخطوات ثابتة. بقيتُ أتابع ظهره حتى شعرتُ فجأة بنظرات من بعيد. استدرتُ، فتصلبتُ في مكاني. كان المشهد مألوفاً جداً.
همستُ دون صوت:
“…”
لم أستطع حتى أن أنطق باسمه.
آينس غراهام. كان واقفاً قرب منزلي يراقبني.
ظللتُ جامدة، أحدّق به. ثم بدأ يقترب ببطء حتى وقف أمامي. لكن شيئاً ما كان مختلفاً فيه. كان شاحباً على نحو غريب، والهالات السوداء تحت عينيه واضحة، كأنه لم ينم منذ أيام. لم يكن ذاك الرجل المتكامل المظهر الذي عرفته دائماً.
تذكرتُ مرة وحيدة بدا فيها بهذا الشكل، يوم عاد جثمان والده، أليكس غراهام. وقتها كان آينس ممزقاً من الداخل.
الآن، رؤيته على هذه الحال جعلت قلبي يعتصر. لكن… لماذا جاءني بهذا الشكل؟
حدقتُ فيه مراراً بذهول، بينما هو لم يرفع عينيه عني. حتى عيناه الزرقاوان بدتا قاتمتين على غير العادة.
قلتُ ببرود وأنا أعقد حاجبيّ:
“يا دوق غراهام، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ظننت أن حديثنا انتهى ذاك اليوم. هل بقي لديك ما تريد قوله؟”
لم أرد أن أضعف. سئمت من كوني الطرف الأضعف دائماً. لمجرد أن حاله يبدو سيئاً لا يعني أن عليّ أن ألين نحوه. هو دوق غراهام، وسيجد من يهتم به غيري. أنا الآن وحدي، وإن انشغلت به فلن أجني سوى المزيد من الألم.
بقي صامتاً طويلاً، ثم التفت ينظر إلى الطريق الذي غادر منه الماستر تشيزاري قبل قليل.
قال آينس بصوت جاف وهو يعاود النظر إليّ:
“يبدو أن السيد تشيزاري بات يتردد كثيراً على قصر مارفيس.”
أجبته باقتضاب:
“نعم، هكذا صار الأمر.”
لم أرَ داعياً للتفصيل، فاكتفيت بجواب قصير. عندها زفر آينس تنهيدة خافتة.
“أظن أن السبب هو تلك المضاعفات التي تعانينها، أليس كذلك؟”
ابتسمتُ بمرارة:
“تعرف الأمر جيداً إذن. والآن… هل تصدق أخيراً؟ كل ما قلته لك عن مرضي ومضاعفاته.”
أومأ برأسه قائلاً:
“نعم، أصدق.”
كان جوابه قصيراً إلى حدّ السخف. ثم صمت مجدداً، يحدّق بي من علٍ دون أن ينبس بكلمة.
بدأت أشعر بعدم الارتياح من نظرته، وكنت على وشك أن أفتح فمي لأجد ذريعة كي أنهي اللقاء وأعود إلى القصر، لكن فجأة قال:
“أنا أيضاً أستطيع.”
تجمدت في مكاني:
“… ماذا؟”
قطبت حاجبيّ باستغراب من كلماته المبتورة التي لم ترتبط بسياق. وبعد لحظة، أدركتُ متأخرةً ما الذي كان يقصده، لكن لم أستطع أن أنطق المعنى بصوت عالٍ.
أما هو، فلم يبدُ عليه أي حرج. ظل ينظر إليّ بوجه خالٍ من الانفعال وهو يكرر:
“قلتُ لك… أنا أيضاً أستطيع أن أفعلها. أستطيع أن أُوجّه المانا الكامنة داخل جسدك.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 27"