ارتسم الاستياء على وجهه، لكنه مع ذلك لم يجد ما يعترض به على كلامي.
لقد تكرر هذا الأمر مراراً لا أعلم عددها. آينس، الذي لم يلقِ عليّ حتى نظرة من قبل، ما إن يتعلق الأمر بـ«كاديا» حتى يتدخل مراراً وتكراراً.
كنت أفهم تماماً ما الذي يقلقه.
مليون قطعة ذهبية، كتعويض لإحياء منزل باروني متواضع. لا شك أن هذا المال هو ما يثير قلقه. حتى وإن خرج المال من يده، فإن كونه الآن في يدي يجعله في غاية التوجس.
لكنني بدوري كنت أعلم جيداً حجم هذا المبلغ.
وأدركت تماماً أنه كل ما أملك.
قلت:
“لن أكون غبية لدرجة أن أهدر ثروتي على كاديا. ثم إنني لن أقع في حب أي أحد بعد الآن.”
لقد كرهت شيئاً اسمه الحب.
عشر سنوات قضيتها وأنا لا أرى سوى آينس، أحمل في قلبي حباً لرجل واحد كل هذا الزمن… ألا يكفي أن يتعب المرء بعد كل ذلك؟
لم أعد أظن أنني قادرة على أن أحب شخصاً آخر بهذا القدر، ولا حتى على أن أستقبل حب أحد.
فقال جدي مسانداً كلامي:
“نعم، يا آينس. بعد كل هذا الوقت من تجاهلك، ليس مناسباً الآن أن تتدخل في شؤون سيسيل. وإن كنت لا تعرف، فسيسيل فتاة حازمة، ولن تقع في ما يقلقك.”
لحسن الحظ، دعّم جدي كلماتي.
وانتهى الأمر بآينس إلى الصمت، يواصل تناول طعامه دون أن ينطق بكلمة.
قلت:
“آه، تذكرت. لدي طلب من الدوق.”
رفع حاجبه وقال:
“ألم تقولي إنك حازمة ولا تحتاجين إلى اهتمامي؟”
ابتسمت قليلاً وقلت:
“الأمر ليس لي. هو طلب يخص جدي. أرجو أن تسمحوا لي بلقائه على الأقل مرة في الأسبوع.”
نظر آينس إلى جدي للحظة، ثم أعاد النظر إليّ وأومأ برأسه.
“افعلي ما تشائين.”
“… شكراً لك.”
تلاشى قلقي من أن يرفض، وابتسمت مرتاحة. جدي كذلك ابتسم وكأنه راضٍ بما حدث.
وحده آينس ظل يرمقنا بوجه متجهم.
—
خلافاً لتوقعاتي بأن تكون مائدة العشاء مثقلة بالتوتر، مرّ الوقت بهدوء أكثر مما ظننت.
لم يحاول آينس أن يفتعل خلافاً معي، وكانت الأحاديث تجري في الأغلب بيني وبين جدي، فلم أشعر بالضيق كثيراً.
بين الحين والآخر، كان آينس يحدّق بي، لكن لم يبدو أنه يملك ما يقوله، فكان يسهل تجاهل الأمر.
لكن مع اقتراب نهاية الطعام، بدأ صدري ينقبض بألم شديد.
لم يكن الأمر خطيراً إلى حد لا يُطاق، بل مجرد ضيق في التنفس وألم يعيق الراحة.
سألني جدي، وقد لاحظ تغيّري أولاً:
“سيسيل؟ وجهك شاحب. هل تؤلمك بشيء؟”
أسرعت أنفي قائلاً:
“لا، لا. ربما أثقل الطعام معدتي قليلاً. لدي دواء دائم، سأتناوله وسأكون بخير.”
مددت يدي إلى جيبي، لكن التنفس الصعب جعل حركتي مضطربة، حتى أسقطت زجاجة الدواء على الأرض.
وفي اللحظة التي هممت فيها بالتقاطها، اجتاحني شعور غريب باجترار شيء من أعماقي.
ومن غير أن أستطيع تغطية فمي، انفجرت سعالاً حاداً ممزوجاً بشيء آخر.
“سيسيل!”
“سيسيليا!”
تذوقت طعم الحديد الكريه في فمي.
لم أفهم ما يحدث، أتنفس بعسر، وعيناي ترمش في ارتباك.
وحين نظرت إلى يدي، كانت ملطخة بالدم.
وما لبثت أن اجتاحتني نوبة أخرى، لتندفع الدماء مع سعال متقطع.
بدأ صوتي يتلاشى، وكأن أذني غمرها الماء.
ورأيت من حولي يتحركون ببطء غير طبيعي، وكأن الزمن يتمطط عمداً أمامي.
ثم فجأة، عاد كل شيء إلى سرعته المعتادة.
“سيدتي!”
ركضت ريفيت، التي كانت أقرب شخص إليّ، وهي تصرخ، ثم أسندتني بسرعة وبدأت تبحث في صدرها.
عرفت على الفور ما الذي تبحث عنه.
مهدئ مصنوع من زهرة «تييريا».
وكما توقعت، أخرجت ريفيت حبة من الزجاجة وأدخلتها في فمي، ثم ساعدتني على ابتلاعها بالماء.
رغم طعم الدم الممزوج بالدواء، اضطررت لابتلاعه لأتمسك بالحياة.
لم يحتج الأمر لوقت طويل. بخلاف الأدوية العادية، كان هذا المهدئ يعمل على الفور.
التعليقات لهذا الفصل " 17"