الفصل 12
“هل يكون الأمر دائمًا على هذا النحو؟”
قالت كاديا بعد صمتٍ دام لوقتٍ ليس بالقصير.
أدركتُ مغزى كلامها وهززت رأسي نفيًا.
“كلا. هذه أول مرة يحدث فيها شيء كهذا.”
“… هذا يبعث على الارتياح إذن.”
عندما رأيتها تقول ذلك بصدق، ابتسمتُ بخفوت.
حقًا، لم أستطع أن أفهم لماذا أظهر آينس فجأة مثل هذا السلوك.
“يبدو لي أن الدوق يكنّ مشاعر تجاه سيسيليا.”
“هذا غير ممكن.”
نفيتُ كلام كاديا.
لا يمكن أن يكون لآينس أي مشاعر نحوي. كل ما فعله كان مجرد تنفيس عن غضبٍ تجاه وضعٍ لم يستطع السيطرة عليه.
وربما، خلال السنوات العشر الماضية، كان يراني مجرد ملكيةٍ تخصه. ولهذا، بعد الطلاق، بدأ يضايقه أن يراني أختلط بالآخرين.
“ثم إن كانت تصرفاته قبل قليل نابعة من أنه يحبني فعلًا، فأنا أفضّل أن أوفر على نفسي مثل هذا الحب.”
“صحيح. إنه عنيف بطبعه.”
ضحكتُ قليلًا وأنا أرى كاديا يوافقني الرأي.
وبعد أن مشينا فترةً طويلة، وصلنا أخيرًا إلى النافورة.
كان يبدو أنه يريد مرافقتي حتى القصر، لكنني كنت قد طلبت عربة للأجرة تنتظرني منذ خروجي.
“إذن، أراكِ في المرة القادمة.”
“حسنًا. شكرًا لكِ لأنك قبلتِ أن تكوني صديقتي، يا سيسيليا.”
وبهذا اللقاء القصير افترقتُ عن كاديا، وعدتُ إلى القصر.
لقد كان يومًا مرهقًا بشكلٍ استثنائي.
—
كان آينس غراهام واقفًا متسمّرًا في مكانه، يراقب ظهر سيسيليا والكونت مولدوفان وهما يبتعدان.
(صديق؟)
لم يزل حتى تلك اللحظة يشعر بالذهول من كلمة “صديق” التي تفوّه بها الكونت مولدوفان.
كان لدى آينس أسباب واضحة تدعوه إلى الحذر من الكونت، ومحاولة إبعاد سيسيليا عنه.
فبحسب ما يعرفه، كان الكونت كاديا مولدوفان وأصحابه سيئي السمعة معروفين بانحطاطهم.
عادةً ما كانوا يغوون سيداتٍ ثريات ثم ينهبون أموالهن مرارًا وتكرارًا.
ومع أنه كان على علمٍ بوجودهم منذ زمن، إلا أنه لم يعرهم أي اهتمام، لأنهم لم يشكلوا خطرًا مباشرًا عليه.
لكن في حفل الرقص احتفالًا بميلاد الإمبراطور، صادف آينس مشهدًا لم يكن يتوقعه:
سيسيليا والكونت مولدوفان يتحادثان بلطف على الشرفة.
بمجرد أن رآهما، أدرك أن سيسيليا ستكون هدف الكونت التالي.
من المؤكد أن الأخير طمع في ثروتها واقترب منها طمعًا في استدراجها.
ذلك المليون غولد الذي منحها إياه آينس كتعويض عند الطلاق…
كان مبلغًا كبيرًا لدرجة أنه هو نفسه وجد صعوبة في دفعه دفعةً واحدة، فكيف بمقامرين تافهين اعتادوا العيش على نهب النساء؟
ولو ترك الأمور تسير على هذا المنوال، فسينتهي الحال بسيسيليا وقد نهب الكونت كامل ثروتها.
لذا، وبشكل غير مألوف منه، تدخل في الأمر، وكانت النتيجة ما جرى قبل قليل.
حتى أنه حذّره في الحفل عندما أعاد له معطفه، طالبًا منه ألا يتورط في حماقات. لكن، وبعد أيامٍ قليلة، فوجئ برؤيته يتجول مع سيسيليا في المدينة.
كان الاثنان يبتسمان لبعضهما بودّ.
لم يعرف آينس كيف يصف شعوره عندما رأى سيسيليا تضحك بخفة إلى جانب الكونت، غير مدركة أنها تقع ضحية خداع. كل ما شعر به كان انزعاجًا عميقًا.
بل إنه وجد تعريفًا مناسبًا لذلك الإحساس:
إنها مجرد ضيق ناتج عن رؤية المليون غولد الذي أعطاها إياه كتعويض، يوشك أن ينتقل إلى جيوب رجلٍ منحط.
فضلًا عن ذلك، كانت سيسيليا زوجته السابقة.
ولو شاع خبر أنها خُدعت من قبل مقامر تافه وسُلبت أموالها، فصورته هو أيضًا ستتأثر بلا شك.
أراد أن يخبرها الحقيقة ويبعدها عن الكونت، لكن الغريب أنه كلما وقف أمامهما عجز عن التحكم بتصرفاته وكلماته.
وكأن عقله قد تجمد.
وربما كان السبب أنه سمعها تنادي الكونت باسمه، ورآه هو أيضًا يخاطبها باسمها.
بضع أيام فقط، وتمكنا من أن يصلا إلى درجة تبادل الأسماء؟
تلك هي سيسيليا ماربِس نفسها؟
سيسيليا التي عرفها لم تكن تفتح قلبها للآخرين بسهولة.
حتى في طفولتها، احتاج أن يراها مراتٍ عديدة قبل أن تبتسم له ابتسامةً بسيطة.
لكنها الآن، وخلال أسبوعٍ واحد منذ عيد ميلاد الإمبراطور، راحت تنادي الكونت مولدوفان وكأنها تعرفه منذ زمن بعيد.
ثم يعلنان أنهما أصبحا “أصدقاء”.
سيسيليا ماربِس وكاديا مولدوفان!
سيدة كانت زوجة دوق غراهام، أرفع نساء البلاط، تتخذ من محتالٍ يعيش على نهب النساء صديقًا لها؟
هذا أمر لا يُعقل، ولا ينبغي أن يحدث أبدًا. حتى لو افترضنا أن الكونت تاب فجأة وأراد صداقتها بصدق… وهو أمر مستحيل أصلًا.
ابتسم آينس بسخرية وهو يتتبع بأعينه أثر الاثنين وقد غابا عن الأنظار.
“جاكسون.”
ناداه فجأة.
اقترب المساعد الذي كان في انتظاره وانحنى.
“اجمع لي معلومات مفصلة عن كاديا مولدوفان.”
“أمرٌ مطاع.”
“وعن أولئك الذين يرافقونه أيضًا.”
“نعم، يا دوقي.”
وبعد أن استمع إلى الرد الفوري، استدار آينس ببطء.
—
“سيدتي، وصلتنا كتيبات من دار المزادات.”
قدمت خادمة أخرى بعض الأوراق إلى ريفيت، التي تفحصتها ثم سلمتها لي باحترام.
لقد كانت كتيبًا من دار مزادات ريفلين، التي كنت قد زرتها منذ مدة قصيرة.
على الأرجح أن ريفيت جلبتها لي لأن حجر المانا قد عُرض في المزاد.
كنت في ذلك الوقت أستهلك حجر مانا متقدمًا واحدًا أسبوعيًا.
وكان بحوزتي سبعة من هذا النوع، وأربعة من الأحجار الأعلى مرتبة.
ولأنني لم أكن أعلم كم سأحتاج بعد ذلك، أو متى ستُعرض أحجار جديدة، كان علي أن أشتري أكبر قدرٍ ممكن منها متى سنحت الفرصة.
وبينما كنت أتفحص الكتيب ببطء…
“… ما هذا؟”
فوجئت بوجود غرض غير متوقع معروض فيه.
“سيدتي، يبدو أن زهرة تييريا ستُعرض في مزاد ريفلين هذه المرة.”
كنت أحدق في الصورة مذهولة غير مصدقة، فابتسمت ريفيت مؤكدة الخبر.
رغم كلامها، لم أستطع التخلص من شعور أنني أحلم، وظللت أحدق في الرسم.
زهرة تييريا ستُعرض في المزاد؟
“متى سيُقام المزاد؟”
تصفحتُ الصفحة الأولى بسرعة. كان مكتوبًا فيها: 23 مايو.
“هذا الجمعة.”
كما قالت ريفيت، كان المزاد سيقام يوم الجمعة القادم.
أسبوعٌ واحد فقط.
شعرت بالأمل ينتفض داخلي، فنهضت فورًا.
لم أستطع البقاء جالسة.
رغم أن المزاد لم يُعقد بعد، إلا أن عليّ أن أستعد جيدًا، فأنا عازمة على الحصول على زهرة تييريا هذه المرة مهما كلّف الأمر.
كان متوسط سعرها في المزادات نحو 300 ألف غولد، بينما كنت أملك مليونًا و130 ألفًا تقريبًا.
ومنذ طلاقي لم أكن قد أنفقت الكثير، لذا بقي المبلغ شبه كامل.
حتى لو بلغ سعرها في المزاد رقمًا قياسيًا جديدًا، فلن يتجاوز 400 ألف غولد، وهو مبلغ أستطيع تحمله بسهولة.
“عليّ أن أزور الدكتور وات.”
الدكتور وات هو الطبيب الأشهر في العاصمة، وكان طبيبي الخاص منذ أن كنت في قصر الدوق غراهام.
ورغم أن الأمر مبكر قليلًا، إلا أن علي أن أطلب منه بدء التحضير لصناعة علاجٍ لمرض ترينتز.
—
بمساعدة ريفيت، أنهيت استعداداتي سريعًا وغادرت القصر.
استدعيت العربة المعتادة وصعدت متجهة نحو عيادة الدكتور وات.
حتى اهتزاز العربة المتمايلة اليوم بدا مبهجًا لي.
“يا معالي الكونت، لقد وصلنا.”
ما إن سمعت كلام السائق حتى نزلت من العربة، فإذا بعيادة الدكتور وات تقف أمامي.
دخلت مباشرة إلى الداخل.
ومع فتح الباب، رن جرسٌ بلحنٍ رنان.
“آه، سيدتي!”
نهض الدكتور وات، الذي كان بالداخل، واقفًا على الفور عندما رآني.
“كيف تخرجين بنفسك هكذا بدلًا من استدعائي إليكِ، سيدتي؟”
“هل كنت بخير مؤخرًا؟”
“بفضل عنايتك واهتمامك، أنا بخير تمامًا. تفضلي بالدخول. سأُقدّم لكِ شايًا نافعًا للصحة.”
“شكرًا لك.”
قادني الدكتور وات إلى الداخل.
جلست على الأريكة، بينما كان يضع إبريق الماء على النار.
“هل هناك أمر عاجل؟ أم أن صحتكِ ساءت في موضعٍ ما؟”
قال ذلك وهو يدفع نظارته إلى أعلى بأنامل قلقه، فأشرتُ برأسي نفيًا.
“لا، بل على العكس تمامًا. لقد جئتُ ومعي خبر سار.”
“خبر سار، تقولين…؟”
“يبدو أنني سأتمكن من الحصول على زهرة تييريا هذا الأسبوع.”
“زهرة تييريا؟!”
تفاجأ الدكتور وات بشدة وحدّق بي بعينين متسعتين.
“يا له من خبر عظيم! كنت في قلقٍ دائم من أن لا نتمكن من العثور عليها أبدًا. هذا يبعث على الطمأنينة.”
“شكرًا لك. ولهذا جئت إليكِ اليوم، لأني أود أن أوكلك بصناعة علاجٍ لمرض ترينتز.”
“إذن يجب أن أبدأ بجلب بقية المكونات من الآن.”
ابتسم الدكتور وات بخفة، وفي هذه الأثناء بدأ الماء في الإبريق يغلي.
سرعان ما أعد الشاي ووضعه على الطاولة أمامي.
“يوم الجمعة، فور انتهاء المزاد في دار ريفلين، سأرسل إليك الزهرة. فكم من الوقت سيستغرق إعداد العلاج؟”
“إن بدأت بتجهيز المكونات الأخرى الآن، فالأرجح أنه سيكون جاهزًا في منتصف الأسبوع القادم.”
“هذا مطمئن.”
“مطمئن فعلًا. لكن سيدتي، كما تعلمين، صحيح أن العلاج المصنوع من زهرة تييريا قادر على شفاء مرض ترينتز، إلا أن آثاره الجانبية ستكون شديدة.”
“… أعلم ذلك.”
فالعلاج يعمل على إجبار المانا داخل الجسد على التنشيط بالقوة، مما يسبب ضغطًا هائلًا على الجسم.
أعراضه المعروفة تتضمن: الصداع، الغثيان، نفث الدم، الدوار، وضيق التنفس.
كما أن المانا، حين تُفرط في نشاطها، قد تخرج عن السيطرة مسببة مضاعفات أخطر.
كانت تلك الآثار الجانبية تمثل مخاطرة كبيرة بحد ذاتها، لكنّها على أي حال أفضل بكثير من أن يستفحل المرض حتى يتصلب الجسد وينتهي بالموت.
“سأتواصل معكِ فور تجهيز الدواء.”
“أعتمد عليك.”
“بالطبع، اتركي الأمر لي.”
شربتُ رشفةً من الشاي وأنا أنظر إلى وجه الدكتور وات المبتسم بوداعة.
مع دفء السائل الذي انساب إلى داخلي، شعرتُ بكل توتراتي تتلاشى.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"