كان إيان جالسًا مائلًا على سريره، يكتب ردًا ببطء، حرفًا حرفًا، غير مبالٍ بانتشار بقع الحبر.
راقبه كاين، مساعده، للحظات قبل أن يعلق بنبرة متذمرة “هل ستكتب الردود بنفسك الآن؟”
“نعم.”
“ما هذا التغيير المفاجئ في تصرفاتك؟”
“لن تكون الرسالة طويلة، لذا لا حاجة لمن يكتبها نيابةً عني.”
كان هذا تبريرًا سريعًا، لكن إيان وكاين، مساعده، كانا يعلمان أن الأمر ليس كما يقول.
كان يريد أن يضع صدقه في كلماته، أراد إيان، وليس الدوق الأكبر ديفان، أن يُظهر من هو حقًا.
وهذا شيء لا يمكن تحقيقه عبر شخص آخر يكتب نيابة عنه.
“ألا تخشى أن تخيب آمال الأميرة؟”
رد إيان دون رفع رأسه على تعليق كاين العابر “لو كانت امرأةً يصيبها الخذلان بسبب خط يدي السيء، لما أرسلت رسائل مليئة بالأهتمام باستمرار.”
“أنتَ تبدو جادًا جدًا رغم تظاهرك بالعكس.”
توقف صوت خربشة قلم الريشة للحظة، التفتت عينان زرقاوان داكنتان هادئتان نحو كاين.
“عندما يعاملني الطرف الآخر دون تكلف، أتخلى أنا أيضًا عن الرسميات، هذا كل ما في الأمر.”
“بالطبع، كما تقول.”
كانت نظرة رئيسه الهادئة، المكبحة للمشاعر، تحمل هيبة خفيفة حتى خارج ساحة المعركة، تجعل المرء يتجنبها دون سبب.
قرر كاين التوقف عن استفزاز إيان بتعليقات لا داعي لها، فمهمته، في النهاية، هي تنفيذ أوامر الدوق الأكبر إيان ديفان.
“إذا كان لديك وقت للثرثرة، تأكد من إرسال هذه الرسالة بشكل صحيح.”
دخلت الرسالة المطوية بعناية إلى المظروف مباشرة، بحيث لا يمكن قراءة محتواها.
بينما كان كاين يأخذ الرسالة من سيده ويهم بالخروج، ناداه إيان “لحظة.”
عندما التفت، رأى في يد إيان سلسلة فضية رفيعة.
كان كاين يعرف جيدًا ما هي هذه السلسلة.
“أنت لا تقصد إرفاقها مع الرسالة، أليس كذلك؟”
“…”
“أليست تلك ذكرى منها؟”
“إنها ليست ذكرى، بل تعلق مني.”
الامرأة التي أشار إليها كاين بـ’منها’ كانت والدة إيان، لكن، بالمعنى الدقيق، لم تكن هذه السلسلة ذكرى من والدته.
في طفولته، عندما بدأ إيان الصغير يتفوق على معظم فرسان القلعة في المبارزة، لاحظ والده مهارته وأبدى رضاه، وسأله عما يريده، اختار إيان هذه القطعة من خزينة القلعة لأنه أراد رؤية والدته المريضة سعيدة.
لكن هذه الزينة الجميلة والثمينة، التي اختارها لتناسب والدته، لم تصل إليها أبدًا، فلقد تدهورت صحتها بسرعة، وأصبحت السلسلة أمرًا ثانويًا ونُسيت لفترة.
‘الاحتفاظ بها دون استخدام هو حقًا تعلق مني.’
حتى بعد العثور عليها لاحقًا في جيبه، ظل يحملها عادةً، كان يعلم أن الاحتفاظ بها دون هدف لا معنى له، لكنه لم يستطع تخزينها أو إعادتها إلى خزينة عائلة الدوق الأكبر.
‘لذا، إذا تخليت عنها بهذه الطريقة…’
ربما كانت والدته ستفرح أكثر لوجود احتمال، ولو ضئيل، أن ابنها وجد أخيرًا شخصًا يعتمد عليه.
كانت مجرد تكهنات، لكن…
‘ابقَ على قيد الحياة.’
كانت هذه الكلمات الوحيدة التي تركتها له والدته، أن يبقى على قيد الحياة، مهما كان الأمر ظالمًا أو صعبًا، تمنت أن ينجو.
وهكذا نجا إيان، حصل على ثقة الإمبراطور ووصل إلى أعلى مراتب النبلاء.
لكن ما تبقى له كان قلبًا جافًا ومشوهًا، تجاهله حتى هو نفسه لسنوات طويلة.
كانت رسائل الأميرة شارتيه كقطرات المطر، تهطل واحدة تلو الأخرى على قلب لم يكن يعلم أنه جاف إلى هذا الحد.
لو استمر في العيش هكذا دون وعي، لكان الأمر مختلفًا، لكنه، بعد أن أدرك ذلك، وجد نفسه يأمل ألا تنقطع هذه العلاقة.
“تأكد من ألا يُفتح المظروف، وأرسله بحذر.”
في النهاية، انزلقت السلسلة الفضية إلى داخل المظروف قبل ختمه، لمع الزمرد المعلق عليها للحظة تحت الضوء ثم اختفى.
“لكن أليس هذا شيئًا ثمينًا بالنسبة لك، سمو الدوق الأكبر؟”
“ما فائدته إذا بقي في يدي دون أن يرى نور العالم؟، سيكون أفضل بين يدي من سيعتني به.”
أنهى إيان الحديث بإسناد رأسه إلى السرير وإغماض عينيه، سمع على الفور صوت مساعده المخلص وهو يغادر متفهمًا إرادته.
للعودة إلى العاصمة بسرعة، كان عليه أولاً أن يتعافى تمامًا من إصابته، تنهد إيان وهو يتذكر تعافيه البطيء أكثر مما توقع، الطريق كان لا يزال طويلاً.
* * *
كادت بيتي تُخرج دفتر يومياتها من الدرج عندما لاحظت منديلاً أبيض بجانبه.
“لم أعده في النهاية.”
كان هذا المنديل هو نفسه الذي قدمه لها فيليكس شارتيه عندما رآها مبللة بالماء، بعد أن أهملته لفترة طويلة وكادت تنساه، بدا إرجاعه الآن محرجًا.
“منديل واحد لن يُحدث فرقًا.”
لو كانت خادمة أخرى مكانها، ربما حاولت استخدامه كذريعة للاقتراب من فيليكس بوقاحة، لكن بيتي لم تكن تطمح إلى حلم مستحيل بالارتقاء اجتماعيًا.
“يجب أن أكتب الرسالة أولاً.”
بسبب الأميرة، التي رمت لها بورق فاخر وقلم الريشة في وقت مبكر من المساء وأرسلتها بعيدًا، كانت بيتي الآن في غرفتها.
كانت تعرف السبب جيدًا.
“أنا لا أريد حقًا أن أتورط…”
معرفتها بأن العلاقة بين الأميرة وفارس عائلة الدوق ليست عادية، مع إصرارها على التظاهر بعدم المعرفة، كانت أمرًا شاقًا.
“ماذا…؟”
عندما فتحت مظروف الرسالة، الذي لم تفتحه الأميرة حتى، لاحظت شيئًا يلمع بداخله، قلبته على السرير، فظهر عقد مزين بزمرد متألق.
نظرت بيتي بدهشة إلى الزمرد الشفاف المعلق على سلسلة فضية رفيعة، ثم التقطت الرسالة بسرعة.
{إصابتي ليست بالدرجة التي تستدعي قلقكِ، لذا لا داعي لأن تشغلي بالكِ بها، أتمنى أن يعجبكِ العقد المرفق.}
كان الخط، بشكل غريب، مختلفًا عن الرسائل السابقة، ويصعب قراءته، كان خطًا خشنًا ملطخًا بالحبر بسبب الضغط الزائد.
لو كتبها شخص آخر نيابة عنه، لما بدا هكذا، لم يكن تشوهًا بسبب الإصابة، بل كان مختلفًا حتى في التفاصيل الصغيرة.
‘هل يعقل… أن شخصًا آخر كان يكتب الرسائل من قبل، والآن هو يكتب الرسائل بنفسه؟’
شعرت وكأنها اقتربت خطوة من الدوق الأكبر، وفهمت لماذا حاول إخفاء خط يده في البداية، في الوقت نفسه، شعرت برضى خفيف لأنه قرر أن إخفاء ذلك لم يعد ضروريًا معها.
إضافة إلى ذلك، حقيقة أن الرسالة كتبها بنفسه، ودون ذكر مرسل أو متلقٍ، جعلت قلب بيتي يدق بسرعة، بدت كما لو كانت موجهة مباشرة إلى بيتي، المختبئة خلف الأميرة شارتيه.
إذن، هذا العقد، مثل الرسالة، كان هدية ذات معنى وصلت عبر يديه مباشرة، لم يكن مفاجئًا أن يد بيتي، التي التقطت قلم الريشة أمام المكتب، ترتجف بحماس.
* * *
{إلى سمو الدوق الأكبر ديفان العزيز،
شكرًا لإخباري بسرعة أنك بخير.
بما أنني لا أستطيع رؤيتك مباشرة، كنت قلقة جدًا بشأن حالتك.
بالمناسبة، إذا كنت محقة، فإن الرسالة التي تلقيتها للتو كتبتها بنفسك، سمو الدوق الأكبر، أنا سعيدة للغاية لأنك تولي رسائلي هذا الاهتمام.
حتى لو لم يكن خط يدك أنيقًا، لا بأس، أتمنى أن تستمر في الكتابة بنفسك، وسأكون أكثر سعادة.
أعتقد شخصيًا أن ما يهم في الرسائل هو القلب الموضوع فيها، بغض النظر عن شكل الخط.
لذا، يمكنك إرسال الرسائل كما يحلو لك، وبالطبع، إذا كان الرد يزعجك، فلا بأس بعدم الرد.
ولأخبرك بسرًا بيننا، لقد كنت أنا أيضًا في طفولتي سيئة الخط جدًا.
حتى الآن، عندما أفقد تركيزي، تميل عادات تلك الأيام إلى الظهور.
كالعادة، أتمنى أن تكون بأمان من الآن فصاعدًا.
فيفيان شارتيه.
ملحوظة: نسيت ذكر أن العقد الزمردي الجميل وصل بسلام، أتمنى ألا يكون من مقتنيات عائلة الدوق الأكبر، وإلا قد أشعر بالحرج وأضطر لإعادته.
ملحوظة إضافية: من وجهة نظر المتلقية، لن أعيده حقًا، فاطمئن، كانت الملحوظة السابقة مجرد تعبير عن امتناني الكبير للهدية.}
* * *
يبدو أن الأمر السابق بأن تختم بيتي الرسالة بدلاً منها كان مريحًا للأميرة، منذ ذلك الحين، أوكلت الأميرة شارتيه ختم جميع الرسائل المرسلة باسمها إلى بيتي.
كانت هذه الرسالة إلى الدوق الأكبر، بالطبع، تختمها بيتي بنفسها أيضًا.
الأميرة لم تعد تلمس هذه الرسائل حتى.
‘يجب أن أختمها بسرعة قبل أن يبرد الشمع.’
في البداية، كانت قلقة من ارتكاب خطأ، لكنها الآن أصبحت بارعة في مراقبة قطرات الشمع والختم.
“سمو الأميرة، لقد وصلت هذه مع الرسالة التي أرسلها سمو الدوق الأكبر بالأمس.”
نظرت بيتي بفخر إلى الختم الموضوع بعناية، ثم أخرجت العقد من جيبها فجأة.
“ما هذا؟”
“هدية من سمو الدوق الأكبر، كانت داخل المظروف…”
على عكس الهدايا الكثيرة التي وصلت سابقًا، بدا هذا شيئًا يحمل معنى خاصًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"