في وقت متأخر من المساء، وجهت الأميرة شارتيه، التي كانت تقرأ ورقة بكسل واضح، سؤالها إلى الخادمة بيتي.
في البداية، لم تدرك بيتي أن الأميرة تتحدث إليها.
لكنها سرعان ما أدركت أنهما الوحيدتان في الغرفة، فأومأت برأسها بسرعة وأجابت “نعم، أعرف الكتابة، سمو الأميرة.”
“حسنًا، هذا جيد، اكتبي رسالة نيابة عني.”
هبطت الورقة التي ألقتها الأميرة بعدم اكتراث على الطاولة، لمحت بيتي كتابة قصيرة بخط يد أنيق، وبرز شعار يرمز إلى عائلة الدوق الأكبر، وهو سيفان متقاطعان.
وأدركت على الفور من أين أتت الرسالة.
خشيت بيتي أن تُتَّهم بالتطفل على خصوصيات سيدتها، فأنزلت عينيها بسرعة “أي رسالة تقصدين، آنستي…؟”
“وأي رسالة عساها تكون؟، رد مزعج على الدوق الأكبر، والدي لا يُطاق حقًا!، بدلاً من أن يُشعر صاحب الدم الوضيع بالامتنان لزواجه مني، لماذا يطالبني بإظهار الاهتمام برسالة؟”
كان في همساتها غير المبالية نبرة ازدراء، مشيرة إلى أصل الدوق الأكبر كابن غير شرعي.
فهو لقد عزز مكانته في ساحات المعارك، وحصل على اعتراف متأخر بمرتبته.
على عكس نبلاء العاصمة، كان رجلاً ذا حركات جامدة ويتعامل ببرود وبأدب رسمي.
تذكرت بيتي الرجل ذا الشعر الأسود الذي رأته في حفل راقص أقامته عائلة الدوق، ثم أجابت فجأة “لكن كيف لي… أن أجرؤ على كتابة رسالة إلى سمو الدوق الأكبر…”
“ما بالكِ تتلعثمين هكذا؟، هذا مزعج.”
كان نبرة الأميرة اللاذعة كأنها حكم بالإعدام، نقرت بلسانها وأدارت رأسها بعنف، لمحت بيتي شعرها الأحمر الوفير اللامع، الذي لا يقل جمالاً عن وصفها بأنها أجمل وردة في العاصمة.
“لا تترددي، أنا لن أؤذيكِ، فقط إذا أديتِ المهمة التي أوكلتها إليكِ جيدًا.”
“نعم، نعم، فهمت.”
أدركت بيتي أن الأميرة المتقلبة كانت في مزاج متسامح بشكل غير معتاد، فكان عليها الإجابة بسرعة قبل أن تفوتها الفرصة.
كانت الأميرة فيفيان شارتيه، الابنة الوحيدة الثمينة لعائلة الدوق شارتيه، معروفة بطباعها النارية مثل شعرها الأحمر، ألم تُفرغ قبل أيام كوبًا من الشاي على رأس إحدى النبيلات اللواتي أغضبنها بتعليق غير لائق؟
ومع ذلك، لم يجرؤ أحد على لوم فيفيان شارتيه.
“الأمر ليس صعبًا، فقط اكتبي رسالة تسألين فيها عن أحواله بطريقة عادية.”
أخرجت الأميرة شارتيه ورقة فاخرة، ربما تساوي أجر بيتي لأسبوع كامل، كانت رئيسة الخادمات قد كلفت بيتي بتقديم شاي المساء للأميرة بسبب طباعها الهادئة.
تذكرت بيتي ذلك واختارت كلماتها بعناية “كتابتي أقل مهارة بكثير من كتابتكِ، يا آنستي، ألن يلاحظ سمو الدوق الأكبر ذلك؟”
يبدو أن أسلوبها في تملق الأميرة وتقليل شأن نفسها أعجب فيفيان، إذ ظهرت ابتسامة ماكرة على وجهها “بالطبع، كتابتكِ أقل من مستواي، هذا واضح، لكن الدوق الأكبر لا يعرف خط يدي، فكيف سيعرف؟، وبما أنها رسالة للمظاهر فقط، هل تظنين أنه سيقرأها؟”
ناولتها الأميرة قلم ريشة لا تستطيع بيتي شراءه حتى لو أنفقت راتب شهر كامل، وقالت “اكتبي، وأنا سأراجعها، إذا كانت جيدة، سأجعلكِ خادمتي الخاصة.”
كانت نبرتها الرقيقة تحمل إيحاءً بأن هذا المنصب هو ما يطمح إليه الجميع في القصر، غافلة تمامًا عن أن راتب الخادمة الخاصة يعادل ثلاثة أضعاف راتب الخادمة العادية، ولماذا كانت رئيسة الخادمات تتردد دائمًا في اختيار من تملأ هذا المنصب.
لم يكن بإمكان بيتي إبقاء الأميرة تنتظر، جلست بعدم ارتياح على المقعد المقابل الذي أشارت إليه الأميرة، وأمسكت بقلم الريشة، ووقعت عيناها بشكل طبيعي على محتوى رسالة الدوق الأكبر ديفان الموضوعة بجانب الورقة الفارغة.
* * *
{الأميرة شارتيه،
سيتم تحديد التفاصيل المتعلقة بالزواج بعد عودتي إلى العاصمة ولقائي بجلالته.
أتمنى ألا تشغلي بالكِ بهذا الأمر كثيرًا.
إذا احتجتِ إلى شيء، أرسلي خبرًا إلى عائلة الدوق الأكبر، وسيتولى الخادم الترتيبات.}
* * *
كانت رسالة خالية من التحيات التقليدية أو العبارات الزائدة، موجزة ومباشرة، بدت الرسالة، المكتوبة بخط يد أنيق، أقرب إلى إعلان رسمي بدلاً من رسالة، ليس من المستغرب أن تجد الأميرة، المعتادة على المديح والمظاهر، هذا النوع من الرسائل مزعجًا.
“فقط أخبريه إنكِ فهمتِ محتوى رسالته، وأنني أيضًا لا أرغب في الزواج بسرعة.”
كانت الأميرة تُومئ برأسها بنفاد صبر، وتعبير الإزعاج واضح على وجهها، لاحظت بيتي مزاجها، فأمسكت بقلم الريشة بحذر وبدأت بكتابة الرسالة.
* * *
{إلى سمو الدوق الأكبر ديفان،}
* * *
كتبت الاسم بسهولة، لكنها شعرت بالحيرة حيال المحتوى، بينما كانت تفكر، تذكرت حادثة واحدة مرتبطة به.
في ليلة الحفل الراقص الذي أقامته عائلة الدوق، وبينما كانت بيتي لا تزال غير متمرسة في عملها كخادمة، اصطدمت بالدوق الأكبر وسقطت، مكسرة كأسًا.
‘سمو الدوق الأكبر، أرجوك سامحني على وقاحتي، أنا حقًا آسفة.’
‘هل أنتِ بخير؟’
توقعت بيتي، وهي تقف بسرعة وتنحني مرتبكة، أن ينفجر غضبًا، لكنها تفاجأت بنبرته الهادئة.
‘ماذا؟’
‘الكأس تحطم، هل أصبتِ؟’
رفعت رأسها دون قصد، فالتقت عيناها بعينيه الزرقاوان الداكنتان، بينما كانت تنظر إليه بدهشة، بدأ الدوق الأكبر ينحني ليلتقط شظايا الكأس، غير مبالٍ بالنبيذ الذي تلطخ بمعطفه الداكن.
‘سمو الدوق الأكبر، دعني أتولى التنظيف، كيف يمكن لسموك أن يفعل هذا بنفسه…’
لكن محاولتها للمساعدة، ولو بيديها العاريتين، أوقفها الدوق الأكبر، أمسك يدها ليساعدها على الوقوف، وشعرت بدفء خفيف من خلال قفازه.
‘لا بأس، لن ألومكِ، فاذهبي.’
‘لكن…’
‘من الأفضل استدعاء من يتولى التنظيف لاحقًا.’
كان صوته الهادئ، وكأن شيئًا لم يحدث، يبدو لطيفًا بشكل غريب، اعتادت بيتي على الأجواء المتوترة في بيوت النبلاء الكبار في العاصمة، لكنها فكرت حينها: إذا مات مثل هذا الشخص في ساحة المعركة، فقد يفقد العالم بعضًا من نوره.
‘عندما أفكر في تلك اللحظة…’
حتى من دون تجميل، شعرت أن الرسالة إليه ستحمل الدفء تلقائيًا، وبدأ قلم الريشة في يد بيتي يتحرك مجددًا.
* * *
{إلى سمو الدوق الأكبر ديفان،
تحولت أجواء العاصمة إلى صيفًا حار، وأتساءل كيف هي الأحوال حيث أنت.
سمعت أن جلالته سيزور القصر الصيفي لقضاء العطلة، لذا من المحتمل أن يرافقه أفراد عائلة الدوق أيضًا.
لذا، أرجو منكَ إرسال رسالتك التالية إلى قصر مير.
أما بالنسبة للزواج، فأنا واثقة أن سموك سيتولى الأمر على أكمل وجه.
أنتظر عودتك بفارغ الصبر.
وأتمنى لك السلامة.
فيفيان شارتيه.}
* * *
اكتملت الرسالة بسرعة، تحمل تحيات وأخبارًا موجزة، لم تكن تشبه أسلوب الأميرة فيفيان شارتيه، لكنها كانت نموذجية لآنسة نبيلة مطيعة، على الرغم من صعوبة التفكير في محتوى الرسالة، لم تكن الكتابة نفسها صعبة، بفضل والدتها التي علمتها القراءة والكتابة بعناية رغم ظروفهم المتواضعة، كما أن تذكر الدوق الأكبر جعل الكتابة أسهل.
“همم… جيدة.”
انتزعت الأميرة الورقة بحركة حادة، فخدشت أظافرها يد بيتي، تذكرت بيتي خادمة أخرى هربت باكية بعد أن خدشت الأميرة خدها بسبب تقليم أظافرها بشكل سيء.
“أعجبتني، خصوصًا هنا عندما كتبتِ، فيفيان شارتيه، فيجب أن يعرف ذلك الرجل من أي عائلة أنا.”
كانت الأميرة تكتب اسمها وعائلتها حتى في رسائلها إلى صديقاتها النبيلات، مع ختم يحمل شعار العائلة، لاحظت بيتي ذلك من خلال إلقاء نظرات خاطفة أثناء قراءة الأميرة لرسائلها.
“من الآن فصاعدًا، إذا اضطررتِ للرد على رسائل الدوق الأكبر، افعليها هكذا.”
طوت الأميرة الرسالة دون تردد، ووضعتها في مظروف “اخرجي الآن، وتأكدي ألا يزعجني أحد.”
بدت فيفيان شارتيه قد فقدت اهتمامها بالموضوع، ولوحت بيدها بلا مبالاة لتطرد بيتي، لم تكن بيتي تعلم حينها أنها ستصبح مضطرة لإرسال رسائل دورية إلى الدوق الأكبر.
* * *
“سمو الدوق الأكبر، لقد وصلت رسالة من عائلة الدوق.”
رفع إيان رأسه عندما ناداه مساعده فجأة، كان منغمسًا في التفكير، يحدق في خريطة موضوعة في منتصف الخيمة.
“من عائلة الدوق؟”
“نعم، مكتوب عليها… الأميرة فيفيان شارتيه.”
عبس إيان قليلاً، لكنه فتح المظروف وتفقد المحتوى، لاحظ أولاً خط اليد الهادئ والأنيق، الذي لا يتناسب إطلاقًا مع طباع الأميرة ذات الشعر الأحمر الناري.
‘كلانا لا يرغب في هذا الزواج بصدق، أليس كذلك؟، لذا فلنقتصر على الآداب الضرورية فقط.’
تذكر موقفها الذي بدا منزعجًا من مجرد التحدث إليه، كانت الأميرة، التي تفوقت غطرستها على الإشاعات، لا تثير اهتمامه كثيرًا، لكن ذلك كان انطباعه الأول عنها.
‘لكن هذه الرسالة… مفاجئة.’
مرر إيان يده على الجمل المكتوبة بعناية حتى النقطة الأخيرة، كان المحتوى عاديًا، لكنه لسبب ما علق في ذهنه، كان من المدهش أن ترسل الأميرة شارتيه، التي كانت متعجرفة معه، ردًا بهذه اللباقة.
“ما الخطب؟”
“خط يدي العكر يبدو واضحًا بجانب خط يدها هذا.”
ذو أصل وضيع، صاحب دم حقير، وكتابته السيئة، التي تعلمها متأخرًا ولم يتمكن من تحسينها، كانت نقطة ضعف صغيرة تثبت الإشاعات.
“بالنسبة لشخص في مقام سموك، هذا ليس عيبًا، فمن سيهتم بخط اليد؟”
ضحك إيان لدفاع مساعده الحماسي، كأن الإهانة وجهت إليه شخصيًا.
“لكن، هل ستتزوج حقًا من الأميرة شارتيه؟”
“إذا كان جلالته يريد ذلك، فسيكون أمر هكذا.”
تنهد إيان بخفة، وطوى الرسالة بعناية ووضعها على جانب الطاولة، لكنه وجد صعوبة في التركيز على الخريطة مجددًا.
— وأتمنى لك السلامة.
كان يعلم أنها مجرد تحية شكلية، لكن الجملة الأخيرة ظلت تتردد في ذهنه في اليوم التالي، واليوم الذي يليه، ربما لأن القليلين فقط تمنوا له السلامة بهذا الوضوح في حياته، نسي الرسالة بعد فترة، معتبرًا أنها أثرت فيه لأنها غير مألوفة، ولم يرسل ردًا، لكن وصلته رسالة أخرى أطول بكثير مما توقع.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"