0
لم يكن الأمر يحتاج للعودة إلى الأمس، بل حتى ساعةٍ واحدة مضت.
قبل ساعة فقط، كم كانت تعيش بسلام. و لو أن أحدًا رأى حالها الآن ثم رآها قبل ساعة، لَشَكَّ أولًا أنهما الشخص ذاته.
بهذا القدر كان مظهرها الآن مزريًا.
منذ انهيار عائلتها وسقوطها المدوي، لم تشعر ولو لمرةٍ أنها سعيدةٌ لكونها على قيد الحياة. لكن يبدو أن انخفاض الرغبة في الحياة، وغريزة البقاء، أمران منفصلان.
في تلك الدقائق القصيرة، راحت أبيغيل في سرِّها تستدعي أسماء جميع معابد العالم التي تعرفها والتي لم تؤمن بها يومًا، تكررها حتى كادت تبلى على لسانها.
تتوسلهم أن تبقى حيّةً فقط. وأقسمت عشرات المرات بأنها ستصبح شخصًا أفضل، وستعيش حياةً أكثر استقامة.
وذلك حين كان لديها متسعٌ من الوقت لتفعل.
لكن مهما فكرت، فإن ما يحدث معها الآن لا يمكن أن يكون مجرد عقوبةٍ لأنها لم تعش “باستقامة”. حتى أبيغيل فوجئت من نفسها بمدى رغبتها الجامحة في النجاة.
ثلاثة أشهرٍ كاملة وهي تخدم وحدها تحت إمرة الأميرة.
امرأةٌ لم تنحنِ يومًا، ولا حتى خفّضت رأسها أمام الأميرة نفسها، ها هي الآن راكعةٌ أمام رجل مجهول النسب، بوجهٍ جامد متصلّب، وذلك وحده مثالٌ صارخ على غريزة البقاء التي تجتاحها.
ولو كان بوسعها لتمددت على الأرض تمامًا وتوسّلت حتى بأخطاءٍ لم ترتكبها.
لكن لسوء حظها، لم يكن بإمكانها ولو أن تحني رأسها أمامه الآن.
الجو المشحون الذي كان كافيًا لتمزيق روح المرء اختفى، والرجل الذي يجلس الآن أمامها متربعًا، ينظر إليها بلا مبالاة.
أو بالأحرى، يبدو أن رأسه موجهٌ نحوها فحسب، لا أنه ينظر إليها حقًا.
لمحةٌ إلى عينيه كشفت أنه غارق في أفكاره الخاصة. فأدارت أبيغيل بصرها بقلق.
صحيحٌ أن هدوء الرجل أمرٌ يستحق الترحيب، لكنه لم يساعدها على الهدوء مطلقًا. فالمشكلة الأساسية لم تُحل.
أبقت عينيها منخفضةً قدر الإمكان، ترقب يد الرجل، والشيء الذي يَتَأرجَح داخل تلك اليد ذهابًا وإيابًا.
شفرةٌ فاخرة تفوح منها رائحة المال، بقدر ما هي شريرةٌ ولا فائدة لها.
إحدى الأشياء التي آمنت يقينًا طوال حياتها أنها لن تلامس عالمها، لا من حيث الخطر، ولا من حيث القيمة.
كان مجرد تلويحه بها في الهواء كافيًا للتهديد، لكن سوء حظها أن سيفه لم تكن تلوّح في الهواء، بل تتحرك أسفل عنقها مباشرة.
تلامس جلدها برفق، ثم تبتعد، ثم تعود، مرارًا وتكرارًا بلا نهاية.
كما لو كان يطرق بأصابعه على طاولة أو يهز قدمه بلا وعي، عادةٌ متكررة لا إدراك وراءها.
لكن المشكلة أنها ليست طاولة، والمُلامِس ليس إصبعًا، ولا حتى قدمًا.
بل سيف. سيفٌ تسيل منه الدماء إن جُرحت به، وينفصل الجسد إن قُطع به.
الشفرة الباردة كانت تلامس موضعًا أسفل عنقها كل ثانيتين تقريبًا، بنقراتٍ خفيفة متتابعة.
المذهل أن الجلد لم يُخدش، فقط ذلك اللمس الجليدي الخفيف المتكرر، لكنه وحده كان كافيًا لرفع رعبها إلى الذروة.
شدّت رقبتها بكل قوة خوفًا من أن تلامسها الشفرة عن طريق الخطأ، ولو شعرةٌ واحدة.
حتى لو كُتب لها الموت، فهي لا تريد أن تموت مقطوعة الرأس.
و بوجهٍ ينقبض بالهلع، رمقت أبيغيل ما خلف الرجل.
فوق السرير الملطخ بالدماء، كانت الأميرة التي لا شك أنها فارقت الحياة الآن. امرأةٌ مثيرة للشفقة، لكنها ليست في موضع يسمح لها بالشفقة على أحد.
كانت جثث القتلة متناثرةٌ حول السرير بوحشيةٍ مؤلمة.
أدارت عينيها إلى أقصى اليسار هربًا من رؤية سيدتها الميتة. فارتفع التوتر في عنقها أكثر.
كانت تدرك كم تبدو مثيرةً للسخرية، لكنها لم تملك خيارًا. و أرادت النجاة، ولم ترد رؤية المزيد من الجثث.
الرجل الذي بدا كمن يتأمل في عالمٍ خاص به رغم الفوضى، نظر إليها فجأةً بعينيه الخفيضتين، يحدّق فيها طويلًا.
ثم قطّب حاجبيه، بل عقدهما بانزعاجٍ واضح. يبدو أن مشهدها وهي ترفع رأسها بصلابة وتنظر إليه كالمجنونة لم يرق له.
“…..أرخي رقبتكِ.”
“….…”
“أتتجاهلين كلامي؟”
“….…”
“أيتها الوقحة، ألا تستطيعين الكلام؟”
“….…”
إن مجرد تحريك حنجرتها قليلًا في وجود هذا السيف سيعني نهاية رأسها، فكيف يريد منها أن تُرخي رقبتها وتتكلم في الوقت ذاته؟
لو لم تكن هذه الشفرة اللعينة موجودة، لرآها الآن ملتصقةً بالأرض تترجاه.
في قلبها، هي راكعةٌ ومتذللة بالفعل آلاف المرات.
“…..أنتِ.”
رأت عينيه تضيقان أكثر فأكثر، فارتجف جسدها رعبًا.
شعرت أن عقلها على وشك الفرار من الخوف. فحاولت الرد غريزيًا، لكنها لم تستطع أن تخرج صوتًا.
ليس حين تكون الشفرة ثابتةً تحت فكها مباشرة.
لكن الرجل، والمفاجأة، لم يوبّخها لعدم الإجابة. بل ظل يحدّق فيها طويلًا بعينيه الضيقتين، فقط يمعن النظر.
ثم تمتم بصوتٍ منخفض،
“شعركِ…..كستنائي مائلٌ للحمرة.”
لو أن سمو الأمير قال لها هذه الكلمات في الحلم، لارتجف قلبها فرحًا وغمرته السعادة، لكن سماعها من هذا الرجل، ولمجرد أنه هو من نطق بها، كان كفيلًا بأن يهزّ غريزة بقائها بعنف.
رفعت جفنيها المرتجفين بالكاد لتنظر إليه.
‘وأنتَ؟ بشعركَ الأسود القاتم الكئيب هذا تبدو وكأنكَ غيمةٌ ممطرة—.’
عندها تحركت شفتا الرجل مجددًا، فتوقفت عن تمتماتها الساخرة حتى في داخلها.
“حتى عيناكِ..…”
“…….”
“هاه، لون الملكة.”
نطق الرجل كلمة “الملكة” هكذا بلا اكتراث، فأطلقت عليه أبيغيل نظرةً مصعوقة.
كامرأةٍ نبيلة تلقت تعليمًا راقيًا، وكخادمة ملكية رفيعة مُدرَّبة جيدًا، كان هذا أمرًا لا يمكن التساهل معه مطلقًا.
حدّقت فيه بعينين واسعتين، وبلا صوت، ندّدت بوقاحته وخيانته الصارخة.
“يبدو أن القدر لا يترك الإنسان ليموت هكذا ببساطة. أليس كذلك؟”
تمتم بكلماتٍ مبهمة قبل أن يلتوي فمه بابتسامةٍ جانبية.
‘آه….وسيم…..’
للحظة نسيت أن حياتها مُهدّدة، وحدّقت فيه مسحورة، ثم عادت فجأة تضيق عينيها بحذر شديد.
هل هذا الرجل مختل؟ لماذا يبتسم هكذا؟
بدا وكأنه ابتلع شيئًا غريبًا دون أن تلاحظ، يضحك بشكلٍ مريب، ثم فجأة أعاد السيف إلى غمده.
حين اختفى النصل الذي كان يهدد حياتها كل ثانيتين، تنفست أبيغيل الصعداء غريزيًا.
في ثوانٍ، مرّ شريط أحداث الساعة الماضية سريعًا في عقلها.
الليل الهادئ، وقع أقدامٍ متسارعة من بعيد، الباب الذي فُتح بعنف، والقتلة الذين اقتحموا الغرفة.
خفّضت قوة قبضتها التي شدّتها بقسوةٍ حتى خدرت أطراف أصابعها. عندها فقط بدأت يدها ترتجف فوق فستانها.
شعر أبيغيل الكستنائي المائل للحمرة، الذي ورثته عن والدها، كان مصادفةً مشابهًا جدًا لشعر الأميرة التي تخدمها.
الرجال الذين اندفعوا إلى الغرفة بوحشية، ارتبكوا قليلًا أمام هذا التشابه غير المنطقي. فالمعلومات التي معهم عن الهدف لم تكن تنطبق على امرأةٍ واحدة، بل اثنتين.
حتى لون العيون بدا متقاربًا تحت ضوء الغرفة الخافت.
أخضرٌ داكن، وأخضر أفتح شفاف.
ارتباكهم في تحديد أيهما الأميرة، سرعان ما تحول إلى سؤالٍ أكثر بساطة…..هل يقتلونهما معًا، أم أيهما أولًا؟
كان كل ما استطاعت أبيغيل فعله حفاظًا على شرفها، أن لا تقول أنها ليست الأميرة…..رغم أن ذلك لم ينقذ سيدتها في النهاية.
لم تمضِ لحظات حتى غُرِزَت السيوف في جسد الأميرة. وفي اللحظة التي جاء فيها دورها، ظهر أمامها هذا الرجل.
كما لو أنه تجسّد من نور.
حين أدركت وجوده، كان فرسانه قد فرغوا بالفعل من ذبح القتلة جميعًا. و بدا الأمر كإنقاذٍ بما يكفي….. إلى أن وضع هو سيفه على عنقها هي.
كانت لحظاتٍ بالغة القسوة.
رمشت أبيغيل ببطء وسط زحام أفكارها.
لم يعد الرجل يهتم بعنقها، لكن نظراته الغامضة ملأت فراغ السيف، وأثقلت عليها.
ورغم ذلك…..مجرد ابتعاد النصل عنها منحها سلامًا هشًا يكفي لتنهار.
خرجت منها تنهيدة راحة، وضحكةُ راحة، ودموع راحة….كلها في لحظة واحدة.
لكن الرجل بدد طمأنينتها بجملته التالية،
“ستصبحين أنتِ تلك الأميرة.”
و قبل أن يستوعب عقلها الكلمات، كانت تُسحب بعيدًا بالفعل، تبكي وتضحك في الوقت ذاته…..كالمجنونة.
______________________
هاي ذي المجنونه البطله والي كان يهددها وخذاها هو البطل 😘
ذي مقدمه وتشرح يعني لأن الفصل الجاي تكمله
الروايه فصولها شوي بس مدري كم العدد بالضبط لأني اترجم من مجلد واقسم الفصول على كيفي✨
المهم ان شاءالله تعجبكم والي مايعجبه به غيرها واحد تنقوا
وذي حساباتي عشان تتنقون : تويتر Dana_48i
انستا: dan_48i تلقرام: dan_xor
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 0"