9
كان هذا خداعًا تامًا. بعد عشر سنوات وخمس سنوات من التعلّم….أيعقل هذا؟
بل في الواقع، كان كل ما يجري مجرد خداع، فأقرّت أبيغيل بذلك سريعًا.
“ومعرفتكِ ببعضٍ من اللغة المشتركة للقارة الغربية يُعدّ بدايةً ممتازة. وبالطبع، بما أن أفراد العائلة الملكية جميعهم يجيدونها بطلاقة، فذلك هدفٌ يجب أن تبلغيه سريعًا. خلال هذا العام ينبغي أن تصلي لمستوى متقدّم. وأسرع طريقةٍ لشرح هذا التقدّم المدهش هي القول أنكِ موهوبة بالفطرة في اللغات..…”
تجمدت أبيغيل وقد فتحت فمها بدهشة من حديث لا تعلم أين يكمن منطقه، ثم فكرت بيأس في كيف يُفترض بها أن تتعامل مع عبقريةٍ كهذه بعد إنهاء كل هذا التقدّم.
“وبما أنكِ تتقنين بعضًا من لغة فيلوبير، فهذا يعني أن القراءة والكتابة الأساسية ممكنةٌ بالنسبة لكِ، لذا فإتقانها خلال هذا العام ليس أمرًا بعيدًا. يجب أن تتقنيها أيضًا قبل نهاية العام لتستكملي صورتكِ بشكلٍ لائق.”
“هل من الممكن أصلًا تحقيق هذا التقدّم الجنوني؟”
“في العاصمة الآن، مجرد إتقان اللغة المشتركة وحدها لا يكفي للتميّز. فالنبلاء هناك يعتبرونها أساسية، وكثيرٌ منهم يجيد لغاتٍ أخرى بدرجةٍ متوسطة على الأقل. أما ولي العهد الراحل فقد كان استثناءً؛ إذ كان يجيد ست لغاتٍ بطلاقة: لغتنا الملكية، واللغة المشتركة للقارة الغربية، ولغة فيلوبير، ولغة إيرينسيا، ولغة جينيت، ولغة هيلان الشرقية. وحتى الأمير الأول والرابع، المرشحَين الأقوى لولاية العهد حاليًا، يجيدان معظمها أيضًا. وكذلك حضرته هنا. لكن لا تقلقي، فهؤلاء جيلٌ متفوّق بشكلٍ غير عادي.”
واصل كايل حديثه وهو يبتسم، وكأنه يتعمد قول ما لا يمكن إلا أن يسبب الضغط.
“أما بالنسبة لبنات النبلاء، فمن النادر أن تجيد إحداهن تجيد حتى اللغة المشتركة جيدًا. بل كثيرٌ من رجال العاصمة أنفسهم لا يتقنون عدة لغات. صحيحٌ أن الملكة، والأميرة الأولى، والأميرة الثالثة يجِدن اللغة المشتركة ولغة فيلوبير ولغة إيرينسيا بطلاقة، لكن هذا استثناءٌ داخل العائلة الملكية، وهو سبب كونهن محطّ إعجاب الجميع.”
“لذا فميزة الأميرة الوحيدة الآن هي السرعة.”
أضاف راكييل تعليقه بينما بدأ رأس أبيغيل يؤلمها.
“إذًا…..يجب أن أتقن اللغة المشتركة، ولغة فيلوبير، ولغة إيرينسيا….وبسرعة أيضاً..…؟”
“والنتيجة؟ ستصبحين بالكاد في المستوى العادي. حتى لو أجدتِها كلها، فستكونين فقط ضمن المتفوقات من الأميرات. لكن بتلك السرعة، لن يجرؤ أحدٌ على وضعكِ في المستوى نفسه مع أيٍّ منهن.”
رمشت أبيغيل بدهشة وكأن ضربةً نزلت على رأسها.
ثلاث لغاتٍ أجنبية، تُنجز بإيقاع مجنون…..وكل هذا فقط لتصبح “عادية”. فكم يجب أن تصبح مجنونةً ليقال عنها مميزةً فعلًا؟
وبينما كانت ما تزال مصدومة، واصل كايل تدوين ملاحظاته بحماس.
“لنبدأ لغة إيرينسيا بمجرد إتمام اللغة المشتركة. فاللغتان متشابهتان إلى حد كبير، لذا ستتقدمون فيها بسرعةٍ أيضًا. وسيكون لذلك أثرٌ هائل على شعب المملكة عندما يرون أميرةً كانت مُحتجزةً ثلاثة عشر عامًا، ثم تظهر خلال سنة واحدة وهي تتقن ثلاث لغات أجنبية.”
“لو قلتُ إنني قضيت ثلاثة عشر عامًا محبوسة ثم ظهرت فجأة…..أليس من المفترض أن يندهشوا فقط من أنني ما زلت أجيد لغتي الأصلية؟”
تمتمت أبيغيل بفتور. لكن كايل لم يأبه بكلامها.
“ستتغلبين على عشر سنواتٍ من دراسة الأميرة الثالثة في عام واحد! وكما قال الدوق، هذه هي النقطة الأساسية. صحيحٌ أن الشعب يثني على قدرات الأميرة الثالثة اللغوية، لكن عندما تحققين الأمر نفسه خلال عام، فلن يهتم أحدٌ بعد ذلك بتفوقها القديم. من سيجرؤ على مقارنتكِ بها؟ وستغتاظ الأميرة الأولى كثيرًا. قد لا تصلين إلى مستوى الأمراء الأول والرابع، لكن سرعتكِ ستجعلكِ في نظر الشعب في مرتبةٍ قريبة منهم، ولن تتراجعي أمامهم في المنافسة.”
كان من الواضح أن كايل يزداد حماسًا، وصار كلامه أكثر جرأةً تجاه العائلة الملكية، حتى أنه ضحك ضحكةً غريبة عندما تحدّث عن الأميرة الأولى.
“ألا يبدو هذا كله….مبالغًا فيه؟ بل ومستحيلًا أيضًا؟”
“قطعًا ليس كذلك! ما دمتِ تجيدين قليلًا من اللغة المشتركة، فخلال شهورٍ ستتقنينها بالكامل.”
“ومن سمح لكَ بالافتراض..…؟”
“لغة فيلوبير قريبةٌ من لغتنا، لذا بعد امتلاك الأساسيات ستحتاجين إلى ستة أو سبعة أشهرٍ فقط. تدرسين اللغة المشتركة وفيلوبير معًا، ثم ما إن تكملي المشتركة، تبدئين إيرينسيا، وبذلك يكفيكِ عامٌ واحد. وبصراحة؟ ليس عليكِ إتقان أي لغة غير المشتركة. يمكنكِ فقط معرفة الأساسيات في البقية…..ثم التظاهر بأنكِ تجيدونها. ولن يكتشف أحدٌ ذلك. وفي النهاية ستجيدينها فعلًا.”
“صحيح. دعينا نتقن اللغة المشتركة فقط، وأما البقية فبشكل عابر. وإن شك أحدٌ في الأمر، نقول إن المربية علمتكِ القراءة قليلًا، أو أنكِ تعلمتِ بنفسكِ من الكتب.”
نظرت أبيغيل إلى الرجلين مذهولةً وقد فقدت القدرة على الرد. فكلما تحدثا ازداد الأمر فوضوية.
“يقال أن بنات النبلاء في الأطراف لا يتعلمن إلا القراءة فقط، لكنكِ تلقيتِ تعليمًا عالي المستوى بالفعل. عندما قلتِ أنكِ درستِ تاريخ القارة، هل تقصدين النسخة الكاملة الصادرة عن المملكة، وليست نسخة الأطفال؟”
“نعم.”
“إذًا لديكِ معرفةٌ جيدة في التاريخ الأساسي. هل يناسبكِ الدخول مباشرةً في التاريخ المتقدم؟”
“أعتقد أنني سأتذكره عندما أسمعه……”
كان ذلك قبل سنوات، ولم يكن من الممكن أن يكون الأمر بخير الآن. لكن أبيغيل، وقد وصلت لمرحلة «ليحدث ما يحدث»، و اكتفت بهز رأسها.
لم تنطق إلا بكلماتٍ مختصرة بلا اهتمام، ومع ذلك فإن كايل بدأ يتمتم طويلًا وهو يكتب في دفتره،
تاريخ مملكة غرانتونيا، تاريخ اقتصاد غرانتونيا، تاريخ سياسة غرانتونيا، تاريخ ثقافة غرانتونيا، تاريخ مملكة إيرينسيا، تاريخ مملكة فيلوبير، سجلات ممالك جينيت، تاريخ القارة الشرقية، تاريخ الحرب الغربية الأولى، تاريخ الحرب الغربية الثانية، تاريخالحرب الأهلية الشمالية-الجنوبية…..
مصائب لا تنتهي. فبدأ وجه أبيغيل يشحب شيئًا فشيئًا.
“كتاب المعارف الأساسية لأطفال نبلاء غرانتونيا وإن كان مخصصًا للأطفال، إلا أن مضمونه ليس سطحيًا أبدًا. إنه كتابٌ بالغ الأهمية، يقتصر على أكثر المعلومات جوهرية. وما فوق ذلك لا يُكتسب إلا بالقراءة الذاتية، كما تعلمين. أما الفلسفة فسيُخصص لها معلمٌ ممتاز من معلمي العائلة الملكية بعد دخولكِ القصر، لذلك ليست ضمن مواد الثقافة التي يجب أن تتعلميها الآن. بسيط، أليس كذلك؟”
عند كلمة الفلسفة، أمسكت أبيغيل رأسها بكلتا يديها. فلم يكن في الأمر أي بساطة.
“وفقًا لإجراءات رفع أمر الإقامة الجبرية، وحين تطلب عائلة إيدلغارد حماية الأميرة—باعتباركِ وريثة لقبهم أيضًا—فإن أمامنا قرابة شهرين قبل الانتقال. أما علوم ورثة العرش مثل علم الحكم والسياسة والدبلوماسية والاقتصاد والفلسفة والقانون، فلن نبدأ بها هنا لأنها غير لائقة خارج الأكاديمية. لكن التاريخ، وإن كنت قد درستِ تاريخ المملكة بالفعل، سيعدّ متأخرًا إن بدأناه مع معلم القصر؛ لذا أقترح أن نعمل بجدّ قليلًا ونجتاز خلال الفترة القادمة: تاريخ الممالك الثلاث في القارة الغربية—غرانتونيا، فيلوبير، وإيرينسيا—بالإضافة إلى سجلات ممالك جينيت الثماني التي تتحدث لغتها. أظن أن هذا سيبدو طبيعيًا تمامًا تحت مسمى: «ثقافة واسعة اكتسبتها الأميرة وحدها داخل قصر الإقامة»…..ما رأيكِ؟ أما لغة فيلوبير فنؤجلها لما بعد دخول القصر، ولنركّز الآن على التاريخ مع ترسيخ اللغة المشتركة.”
“وتظن أنني سأقول أن هذا يعجبني؟”
كانت أبيغيل تتساءل بصدق أي ردّ يتوقع منها. فهي لا تستطيع الرفض أصلًا، وقد بدأت تتقبل مصيرها، لكن طريقة طرحه للسؤال كانت مستفزةً أكثر.
“الكم ليس كبيرًا إلى هذا الحد، وظننت أن الأميرة تستطيع تحمله. ألستِ كذلك؟”
“اشرح لي—بدقة وبالاعتماد على عناصر الأسلوب الصحفي الستة—كيف توصلت إلى أن هذا ليس حملًا زائدًا، وكيف راودكَ هذا الظن أصلًا. الآن. فورًا.”
للمرة الأولى شعر كايل بالغضب والعدائية المتدفقة من أبيغيل، فتوقف قليلًا.
“حـ…..حسنًا، إن اجتزتِ كتاب تاريخ واحد كل أسبوعين، فخلال شهرين يمكنكِ إكمال أربعة كتب بسهولة، كما أن-”
“هذا الحد الأدنى من المواد. فقط افعلي ما قيل لكِ.”
قاطع راكييل كلامه ببرود، وكأنه ضجر من مجرد الاستماع.
كان من الأفضل لو التزم بالحديث باحترامٍ كامل أو بدون أي احترام، أما هذا المزج الغريب بين النبرة المهذبة والجافة معًا، فكان يستفز أبيغيل بشكلٍ فريد. بل إن وجوده نفسه كان يزعجها.
تاريخٌ واحد خلال أسبوعين؟ هل يعلمان أصلًا أن كل واحد من تلك الكتب يتجاوز الثمانمئة صفحة؟ ثلاثة آلاف ومئتا صفحة هي «الحد الأدنى»؟ حقًا إنهما لا يملكان ذرةً واحدة من مراعاة الآخرين.
زفرت أبيغيل بعمق، وبينما كان كايل يقلب دفتره ليستعد للانتقال إلى موضوع آخر،
“تعلمت الأميرة ركوب الخيل، والأهم من ذلك الرماية، ستكون ميزةً هائلة. فركوب الخيل مجرد أساس، لكنه يقلل من العبء التعليمي. أما الرماية…..فكم فتاةٍ نبيلة في المملكة، بل في القارة كلها، يمكنها الادعاء أنها درستها بجدية؟ صحيحٌ أن بعض النبلاء اليوم يستخدمون البنادق بدل الأقواس في الصيد أو كهواية راقية، وأن الضباط يعلّقون المسدسات على خصرهم كزينة، لكن قريبًا سيتغير العصر. ستأتي لحظةٌ يمكن فيها إطلاق عدة طلقات متتالية، ويمكن القتال فوق ظهر الخيل باستخدام البنادق.”
“أجل…..ذكرياتٌ جميلة فعلًا. والدي قال الجملة نفسها تمامًا عندما خسر نصف ثروته في مشروع تطوير تلك ‘البندقية متعددة الطلقات’.”
قالت ذلك بابتسامة، لكنه فهم الرسالة فورًا وأغلق فمه.
وكانت الرسالة: اسكت.
غريبٌ أنه يفهم التلميحات فورًا، ومع ذلك يصرّ على إغضابها كل مرة. ولأنها بالفعل لم تكن تتناول ذكريات جيدة، شعرت أنها بالغت قليلًا، لكن لم تشعر بالذنب أبدًا.
فتنهدت أبيغيل بخفة وهي تبتسم له،
“لكن أظن أن الوقت كان مبكرًا جدًا وقتها، وبصرف النظر عن فشل المشروع فأنا أتفق مع الفكرة نفسها. التغيير سيأتي فجأة، وصورة الجنود وهم واقفون مكانهم حاملين بنادق موسكيت لا تطلق إلا طلقتين في الدقيقة ستصبح قصةً من الماضي. حتى الآن المدى قصيرٌ والدقة سيئة، وخلال إعادة التلقيم من الأسرع أن ينهض الجندي ويركض بسيفه. فالبنادق ما تزال مجرد زينة. عندما تحمل سيفًا مصقولًا جيدًا، لا معنى لأن تضع كل آمالكَ على طلقةٍ واحدة.”
“هذا صحيح في الوقت الحالي على الأقل.”
“وإذا نزل المطر، تصبح بلا أي فائدة.…”
قالت ذلك بخفة غريبة مقارنةً بموضوع هو سبب موت والدها تقريبًا. وكأنها تحكي طرفة.
وللمرة الأولى منذ أيام التذبذب الذي عانته بعد وفاة الأميرة الأصلية، أظهرَت أبيغيل حماسًا حقيقيًا وهي تتحدث عن البنادق، فراح راكييل يحدق فيها باهتمام.
لم يسبق له أن رأى امرأةً تتحدث بحيوية عن الأسلحة النارية…..وبهذا القدر من الشغف.
ظهور البنادق في العالم مرّ عليه أكثر من مئتي عام، ومع ذلك ظلّ الفرسان ينبذونها باعتبارها سلاحًا غير إنساني، وحتى الجنود لم يكونوا يرحّبون بتزويدهم بالمسدسات، لأن ثِقَلها كان يفوق فائدتها الضئيلة بكثير.
لذلك لم تُذكر البنادق إلا بين مقامرين يبحثون عن ضربة حظٍ جديدة، أو أثرياء لا يجدون في أموالهم ما يشغلهم، أو نبلاء يرغبون في استعراض هواياتٍ راقية أو أسلحةٍ ثمينة للدفاع عن النفس، أو بين مسؤولي السياسات الباحثين عن مكان يصرفون فيه الضرائب.
وإن كان ثمة من يهتمّ بالبندقية أكثر من ذلك، فسيكون من صنف أولئك الذين يرون المستقبل مثلها أو مثل أبيها.
لقد كانت المرأة التي تتحدث عن البنادق فعلًا امرأةٌ استثنائية.
“كما توقّعت، أنتِ تعرفين الكثير.”
“لم أسمع سوى القليل وأنا صغيرة، لا أكثر.”
“يا صاحبة السمو….ما رأيكم في مفهوم: القائدة النسائية القوية التي تقود تيار العصر؟”
عندما وجه كايل السؤال إلى راكييل، مال برأسه جانبًا وكأنه يفكّر، أما أبيغيل فشعرت بقشعريرةٍ تنطلق من أسفل ظهرها وتصعد إلى كامل جسدها.
كانت ترجوه ألا يجرؤ على إلصاق مثل هذه الكلمات العظيمة والضخمة بجانبها بذلك الوجه الجاد. كانت ستتوسل إليه لو استطاعت. لكنها لم تستطع احتماله من شدة الإحراج.
“صحيح أن الرماية تعطي انطباعًا عن القوة العسكرية، لكنها أيضًا مرتبطةٌ بسلاح جديد لم يترسخ بعد، مما يكسبها طابعًا تقدميًا. وبما أن سموك امرأة، فستبرز لديكِ—مقارنةً بالأمير الأول والرابع—صورةٌ أكثر احتواءً ونعومة. لكن إن جعلنا الرماية أكثر من مجرد هواية بسيطة لسموك، فإننا نستطيع تعويض الانطباع بأن السيطرة السياسية أو العسكرية لديكِ قد تكون أضعف منهما. إلى جانب ذلك، فإن ميزة السلاح الحديث الذي تتعامل معه امرأة، يُمكّن من جمع كل الطبقات المؤثرة: القوى المحافظة المرتبطة بالشرعية الأصلية، والنخب الصناعية الصاعدة، وحتى التيارات التقدمية.”
عندما وصلت كلمات كايل إلى حد وصفها بـ“الشرعية الأصلية” رغم أنها من سلالة نبيلة متواضعة على حدود الشمال، كادت أبيغيل تموت خجلًا.
كانت تنظر إليه غير مصدّقةٍ كيف يقول هذا الكلام بهذا الثبات والوقاحة وكأنه يجهل الحقيقة تمامًا.
لقد أمضت أربع سنوات في العاصمة، وظنّت أنها أصبحت وقحةً بدرجة كافية، لكنها أدركت أنها لا تزال لا تصل إلى كاحلي هؤلاء.
“أظن أو الفكرة جيدة.”
“الكلمات كبيرةٌ للغاية…..أشعر بالحرج. ثم إن مهارتي في الرماية ليست شيئًا يستحق الذكر أصلًا.”
“هذه الكلمات العظيمة لا تهمّ في شيء، فهي تُقال فقط بيننا. المهم هو الانطباع، الانطباع الذي يحمله شعب المملكة حين يفكرون في الأميرة. الانطباع ليس حقيقةً بل وهم، وما داموا يحصلون على هذا الوهم المشابه لتلك الكلمات، فهذا يكفينا.”
الانطباع…..
شعرت أبيغيل أن الأمور أصبحت أعقد مما تخيلت. و تسللت إليها رعشةٌ خفيفة وكأن واقعًا غريبًا يصعد على أطراف أصابعها.
الملكة. كلمةٌ بعيدة كالسراب بدأ الواقع يتسرب إليها.
الواقع بدأ يتحرك.
ثم استمرت أحاديث كايل المرهقة عن “تطوير الملكات الذهنية” دون نهاية، لتغطي كل المجالات.
لكن أبيغيل لم ترغب في التفكير، لا قليلًا ولا كثيرًا، في ما ستدرسه بعد ثلاث سنوات. بل أنها شعرت أنه حتى لو وصلت الثلاث سنوات فلن ترغب بالتفكير أيضًا.
فكرة أنّ عليها أن تدرس بجنون حتى بعد ثلاث سنوات كانت صدمةً بحد ذاتها.
وعندما كادت خطط كايل التي لا نهاية لها تنقلب إلى السنة الرابعة، ظهرت هي من بين رفوف الكتب الممتدة بين مكتب الدوق، ظهورًا كأنه خلاص.
توقّف كايل عن حديثه المزعج، ونهض ليحييها بأدب، وحتى راكييل وقف ليقبّل ظهر يدها بألفة.
و كانت أبيغيل تتابع المشهد بعينين شاردتين بسبب إنهاكها من محاضرات المسار التعليمي. ثم أدركت فجأةً أن المرأة تراها لأول مرة، وأنها تنتظر منها التحية بصفتها أميرة.
كانت السيدة النبيلة في بداية الأربعينيات، شعرها مرفوعٌ بإتقان، وتضع نظارةً من صياغةٍ فاخرة، ويبدو عليها بوضوح وقار النبلاء العظام في العاصمة.
ورغم مظهرها الصارم والمتشدّد، إلا أنها ابتسمت بلطفٍ عندما التقت عيناها بعينيها.
وبما أنها دخلت إلى جناح الدوق بهذا الشكل، فلا شك أنها على علم بهويتها الحقيقية.
كان دائمًا غريبًا عليها أن تخاطب شخصًا يعرف الحقيقة وكأنها أميرةٌ حقًا، لكنها صارت تفعل ذلك الآن بقدرٍ من الطبيعية لم تكن تتوقعه.
“من تكونين يا سيدتي؟”
أدّت المرأة تحيةً ملكية راقية ورشيقة—التحية التي تعلمتها هي نفسها حدّ الملل، والآن تتساءل إن كانت قد أجادت أداءها يومًا كما تفعل السيدة أمامها.
“أتشرف بلقاء سمو الأميرة. أنا أغنيس غيلدي، كبيرة وصيفات جلالة الملكة.”
“أه! الكونتيسة غيلدي.”
“ناديني أغنيس، يا صاحبة السمو.”
كانت كبيرة وصيفات الملكة شخصيةٌ أسطورية بين الوصيفات، ونموذجًا يُحتذى به، وقد نالت لقب الكونتيسة بجدارة رغم أن ذلك نادرٌ جدًا.
ورغم أن انتماءها لعائلة مرموقة كان يتيح لها زيجاتٍ نفيسة، فإنها رفضت الزواج واختارت منصبًا دائمًا طوال حياتها.
لم يكن توارث النساء للألقاب أمرًا نادرًا في المملكة—وفي هذه الحالة كان يُخاطبن مثل الرجال—لكن حصول امرأةٍ على لقب مستقل بهذه الصورة كان نادرًا للغاية.
أغلب من يحصلن على تلك الألقاب كنّ وصيفاتٍ رفيعات في البلاط بوظائف دائمة، غير متزوجات، وقد مُنحن الألقاب لأجل التكريم، ورغم أنها ألقابٌ شرفية بلا إقطاع ولا وراثة، إلا أن الفرق في المعاملة بين وصيفة ذات لقب وأخرى بلا لقب كان كالسماء والأرض.
وكان بلوغ لقب “البارونة” يعتبر قمة النجاح بالنسبة لأي وصيفة مهما علت مكانتها، فكيف بمن وصلت إلى مرتبة الكونتيسة؟ كانت هذه المرأة بالفعل في قمّة القمم.
كما كانت أيضًا أحد الشخصيات التي تسببت في تعقيد حياة أبيغيل إلى هذا الحد، فهي من أدخلتها إلى جناح فيوليتا منذ البداية.
زفرت أبيغيل زفرة استسلام خفيفة.
نهضت من السرير وتوجهت إلى طاولةٍ صغيرة يتقابل عندها كرسيّان، مشيرةً لأغنيس بالجلوس بدلًا من الأريكة حيث كان راكييل يجلس. فجلست أغنيس بأناقة في المقعد المقابل لها.
“قد يكون هذا أول لقاءٍ لنا يا سمو الأميرة، لكني رأيتكِ سابقًا من بعيد. لقد تغيّر وجهكِ كثيرًا منذ ذلك الحين.”
‘كل هذا بفضل اختياراتكِ الرائعة.’
خرجت من بين شفتيها ضحكةٌ عصبية رغمًا عنها، لكنها الآن ارتبطت بهم ولا مفر. فرفعت شفتيها بجهد، لترد بابتسامة مهذبة.
“لا بأس.”
“بل كيف لا بأس! لابد أن جسدكِ قد خاف كثيرًا وسط ما حدث! يجب أن تستعيدي توازنكِ الغذائي لتستعيدي توازن الجسد. يا سيد ثورنتون، لقد أحضرتُ قائمةً بسيطة لطعام سمو الأميرة، فلتسلمها إلى كبير طهاة القصر.”
كانت “القائمة البسيطة” التي سلمتها لأغنيس مجرد دفترٍ حريري صغير، لكنه بدا لا يقل عن ثلاثمئة صفحة.
يبدو أن مفهوم “بسيط” و“غير مرهق” في هذا المكان معيبٌ تمامًا.
أخذ كايل الدفتر باحترام، ثم وقف دون أن يتحرك خطوة. فرفعت أغنيس حاجبها وكأنها تقول: ما الذي تنتظره؟ تحرك.
“سيد ثورنتون؟”
ردّ كايل بنظرةٍ محترمة ظاهرًا، لكنها تحمل بوضوحٍ معنى: وهل يجب أن أذهب الآن تحديدًا؟
“تقصدين الآن يا كونتيسة؟”
“بالطبع! يجب أن تتناول سمو الأميرة أفضل طعام بدءًا من غداء اليوم. آه، يا سمو الأميرة، هل تناولتِ فطوركِ؟”
عندما فتحت أبيغيل عينيها صباحًا، كانت الملكة جالسةً عند رأسها، والآن وصلت إلى هذه اللحظة. أي فطورٍ تتحدث عنه؟
“لم آكل بعد-”
لم تكمل عبارتها حتى وجّهت أغنيس نظرة لومٍ حادّة إلى راكييل.
“في غرانتونيا لا نترك حتى ضيفًا عابرًا دون أن نقدم له وجبة. تلك هي طبيعة أهل مملكتنا. يا سمو الأمير، أو بالأحرى يا سمو الدوق، كيف يمكنكَ-؟”
“كايل.”
قُطعت كلمات أغنيس وهي ما تزال في بدايتها، حين نطق راكييل اسم كايل بحدةٍ مختصرة، تحمل بين طياتها عشرات الجمل.
وكأنما يقول له: خذ ذلك الدفتر اللعين وانزل حالًا إلى الطاهي. هل يجب أن أتحمل خطبةً طويلة أخرى عن عادات الغرانتونيين؟ إن خرجتَ من الباب الآن وعدت متظاهرًا بأنكَ اخترت وجبتي الفطور والغداء من الدفتر، سأكون بمنأى عن سماع أي موعظة إضافية كطفل صغير يُوبَّخ أمام عمّته.
كانت تلك الرسالة الصامتة واضحةً تمامًا.
تبادل الاثنان نظراتٍ في الهواء، نظرةً غير متكافئة تمامًا، و قد شاهدتها أبيغيل بوضوح. وشعرت بشيءٍ غريب…..
“…..سأذهب.”
وغادر كايل وهو يحمل خلفه نظرة الشفقة التي رمقته بها أبيغيل.
______________________
كايل يالثرثار وش ذاه تعبت ترا مادققت في الترجمة اصلا من بيقرا عن السياسه؟ حتى أبيغيل عطته ميوت في راسها
سوو سكيب لكايل الا اذا عطاه راكييل نظره😂
راكييل ياصبره يسمع هذر كايل كل يوم؟😭
المهم الكونتيسه ونيسه 🤏🏻 شكلها جايه عشان تزبرك ابيغيل
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 9"