3
“الأفضل ألا تعرف الملكة، لكن حتى لو عرفت، لا يهم.”
“إنها أمها. مستحيلٌ ألا تتعرف على ابنتها.”
“……صحيح. لكن حتى هذا لا يهم.”
لكن ثلاثة عشر عامًا…..زمنٌ طويل.
في هذا العالم، كثيرون يتغيرون قبل البلوغ وبعده. وإن لم تتعرف عليها، فذلك لن يكون ذنبها بالضرورة. ولكن عندها…..ستُصبح الأميرة مثيرةً للشفقة أكثر من اللازم.
“إلى هنا، حسنًا. فهمت جيدًا. لن يكون أحدٌ قادرٌ على معرفة أنني لستُ الأميرة. لكن..…”
“لكن؟”
“لماذا عليّ أن أفعل ذلك؟”
“لأنني بحاجةٍ إليكِ.”
“أعني، لماذا أنا؟”
“سمعتُ أن والدكِ…..انتحر؟”
“….…”
“وأمكِ طريحة الفراش، وإخوتكِ صغار، والديون هائلة، ولا تملكون إقطاعًا..…”
لم تفهم أبيغيل مغزى سرده لمآسيها واحدةً تلو الأخرى، فالتزمت الصمت.
مالَ الرجل بجسده قليلًا إلى الأمام وهو يضع ساقًا فوق الأخرى، وأكمل،
“سأضع لأمكِ أفضل الأطباء. وإن رغبت، سأجلب لها كاهنًا من أي دينٍ تؤمن به في هذا العالم. إخوتكِ سيتلقّون أرقى تعليمٍ ممكن في المملكة. سأدخلهم أفضل الأكاديميات…..ويلّاون، زيفن، غيرتينيو. اختاري أيها تشائين، في أي دولة. سيصبح إخوتكِ ما يريدون أن يكونوا. وسأسدد جميع ديونكم. وسيُمنح أخوكِ اللقب رسميًا، وإن كانت أرضكم الأصلية غير مريحة، سأمنحكم إقطاعًا جديدًا في مقاطعةٍ بعيدة. سأعيد شرف عائلتكم، وأمنحكم من الثروة ما يكفي لتعيشوا في رفاهيةٍ لثلاثة أجيال.”
“.……”
“فقط إن أصبحتِ الأميرة.”
“فقط إن أصبحتُ…..الأميرة؟”
“باستثناء إحياء أبيكِ الميت…..ستحُل جميع مآسي عائلتِكِ.”
ارتفعت زاوية فمه بابتسامةٍ ساحرة. وبينما تحدّق بها مأخوذةً، خطرت لأبيغيل صورة الشيطان الذي رأته في كتب القصص حين كانت صغيرة.
بالتأكيد…..هكذا يبدو وهو يغوي النساء بابتسامةٍ كهذه.
استفاقت أبيغيل بسرعة. هذا النوع من الصفقات…..كفيلٌ أن يُهلك ثلاثة أجيال إن تشابكت معه.
“……وماذا لو رفضتُ؟”
“مستحيل.”
ضحك ضحكةً قصيرة وكأنها ألقت نكتة.
“الأمر خطيرٌ جدًا. أنا أصلًا أنوي سداد ديوني خلال ثلاثين عامًا، ولهذا قبلت منصب الخدمة الدائم. أمنتُ تكاليف علاج أمي، صحيحٌ أنها ليست بقدر ما يمكنكَ توفيره، لكن هناك علاجٌ على الأقل. وبإمكاني تعليم إخوتي بما يكفي ليعتمدوا على أنفسهم. فلماذا عليّ أن-”
“تذكّرتُ أنني لم أذكر النقطة الأهم.”
قال ذلك ببساطة مقاطعاً، كمن يتذكر أنه نسي مفتاح بيته.
“الأميرة تعرضت للاغتيال. لكن وصيفتها نجت. وفي هذه الحالة، هناك عدة مصائر محتملة لهذه الوصيفة. الأول: تُتَّهم بالاغتيال وتُقتل بعد التعذيب. وهذا هو الأرجح. الثاني: تُتَّهم بالتواطؤ وتُقتل بعد التعذيب. الثالث: كيف تجرؤ على النجاة بينما الأميرة ماتت؟ فتُقتل.”
“….…”
“هل هناك طرقٌ أخرى للموت؟ كلها متشابهةٌ على ما أظن.”
“….…”
“هل ظننتِ أنهم سيمنحونكِ ميداليةً لأنكِ نجوتِ وحدكِ؟”
انفجرت ضحكةٌ خاوية من فم أبيغيل، فقبض الرجل على معصمها وسحبها نحوه.
“الخلاصة…..في اللحظة التي تنزلين فيها من هذه العربة وتتجهين إلى إدارة شؤون القصر…..ستموتين.”
همس قرب أذنها، وصوته يغرس الرعب فيها. قارتجفت أبيغيل، وزحفت برودة قاسية على مؤخرة عنقها.
“وبعبارة أخرى…..هذه هي فرصتكِ الوحيدة للنجاة. إن هربتِ، ستتعقبكِ الأسرة الملكية، وستُقتل عائلتكِ كلها.”
أطبقت أبيغيل شفتيها. وبعد أن ظل يراقب وجهها بصمت، أرخى قبضته.
جلست على حافة المقعد تنظر إلى طرف تنورتها، ثم رفعت عينيها إليه. و كان لا يزال يحدّق بها. فحاولت أن تبدو هادئة، متمالكةً، غير منهزمة،
“ماذا ستفعل إذاً؟ أعني…..نصّ قصتكَ، دوق.”
“اختلّت الخطة، وعلينا صياغتها من جديد. سنبدأ بموتكِ.”
“ألم تقل أن هذا هو طريق نجاتي؟!”
اندفعت بالصياح من الصدمة، لكنه لم يبدُ مهتمًا، سوى برفةٍ بسيطة في حاجبه.
“أقصد اسمكِ هو الذي سيموت.”
“……اسمي؟”
“اندلع حريقٌ مجهول السبب في جناح الأميرة المعزولة. ودوق إيديلغارد، ابن شقيق الملكة، كان أول من اكتشفه أثناء خروجه من لقاءٍ متأخرٍ معها، فسارع لإنقاذ ابنة عمّته. لحسن الحظ نجت الأميرة بفضل تضحية وصيفتها أبيغيل ديلوا، التي أنقذت سيدتها لكنها قضت نحبها في الحريق. وبعد ذلك، يُعاد اعتبار عائلة ديلوا، ويُمنحون إقطاعًا ومكافآتٍ تعادل تكريم إنقاذ أحد أفراد الأسرة الملكية.”
يا لها من حكايةٍ تمزّق القلب، ابنةُ من تكون؟
ومهما كان وجه أبيغيل مذهولًا، واصل الرجل سرد حبكته المسرحية ببرود.
“بعد الحريق، لم يكن بالإمكان ترك الأميرة المذعورة وحدها، ولا كان من الممكن اصطحابها إلى إدارة شؤون العائلة الملكية لأنها كانت في حالة إقامةٍ جبرية، كما لم يكن من الممكن أخذها إلى الملكة خشية أن تصاب بصدمة، لذلك اضطر الدوق الوحيد، ابن خالها، إلى استضافتها مؤقتًا في قصره. وبما أنه لم يعد هناك قصرٌ يمكن خدمتها فيه بعد الحريق، فإن الدوق سيحمي الأميرة بصفته وصيًا عليها، مع الحفاظ على نفس مستوى الحراسة الأمنية المشددة كما كان في فترة الإقامة الجبرية.”
“….…”
“وهذه هي اللحظة التي سنكسب فيها بعض الوقت. إنها الفترة التي ستصبحين فيها الأميرة الحقيقية.”
“وماذا بعد؟”
“لكن المفاجأة، أن الأميرة لم تكن غبيةً كما كان يُشاع، بل كانت طبيعيةً تمامًا. لقد عانت في طفولتها من تأخرٍ بسيط في النمو ومن بعض الاضطرابات النفسية لفترةٍ وجيزة، لكنها كانت نتيجة مرضٍ طويل أصابها في سن مبكرة، وسرعان ما تعافت منه بعد نفيها وعادت إلى طبيعتها ونضجت. غير أن مربيتها ووصيفتها المقربة كانا أيضًا في حالة إقامة جبرية، لذا لم يكن هناك سبيلٌ لإيصال خبر تعافيها إلى العالم الخارجي. كانت الأميرة تتلقى التعليم من مربيتها ووصيفتها، وتقرأ الكتب بنفسها في مكتبة القصر المعزول، فاكتسبت بذلك قدرًا كبيرًا من الثقافة والمعرفة.”
“لحظة، لستُ متأكدةً من مسألة كونها طبيعيةً تمامًا، أما عن الثقافة فحتى أنا لم أتمكن من اكتساب الكثير منها بسبب ظروفي الخاصة.”
“لا بأس، لدينا بعض الوقت على أي حال. قلت لكِ أننا سنكسب وقتًا، أليس كذلك؟”
“……تابع.”
“وهنا تنتهي المسرحية. في الوقت الحالي، الصراع على وراثة العرش قائم بين الأمير الأول، ابن المحظية الأولى بيتيس، والأمير الرابع، ابن المحظية الثالثة كاترين.”
توسعت عينا أبيغيل بدهشةٍ من تبدل الموضوع المفاجئ، فابتسم الرجل ابتسامةً غامضة.
“فيلهيلمينا، كالليفي، أريان. هل تعرفين من هن؟”
“إنهن أسماء الملكات عبر التاريخ.”
حدقت أبيغيل به وكأنها لا تصدق ما يقول، فابتسم بخفة وأضاف،
“وكلّهن بنات الملكة الشرعيات.”
شحب وجه أبيغيل فجأة، والرجل نظر إليها برضا.
“حسنًا، يبدو أنكِ أسرع بديهةً مما توقعت.”
“إذاً، ما تعنيه هو..…”
تلعثمت وهي تتحدث بسرعةٍ دون أن تخاطبه بلقب رسمي، وكأن أحدهم ضرب رأسها بمطرقة.
“حتى لو أنجبت المحظيات أمراء، فلن يكون لهم أي أحقيةٍ في العرش. فالملكة، إذا أنجبت ابنةً شرعية، تكون لها الأولوية في وراثة العرش. القانون الملكي ينص على المساواة بين الذكور والإناث، لكن في الواقع، الأحقية تكون للوريث الشرعي من صلب الملكة. وإن لم يكن هناك وريثٌ شرعي، تكون الوريثة الشرعية هي الابنة. وإن لم توجد ابنة أيضًا، فحينها فقط يمكن لأولاد المحظيات المنافسة على الوراثة. أو ربما تنازلت الابنة الشرعية عن حقها.”
“……أنتَ مجنون، هذا غير ممكن.”
“في البداية، كنتُ أنوي فقط زعزعة ترتيب الوراثة لديهم، وربما حتى تدمير المملكة برمتها. و إحضار أميرةٍ يُعتقد أنها غبية لن يمنحها أي فرصة في نيل العرش، لكن وفقًا لقانون العائلة الملكية الذي يجيز الزواج بين أبناء العمومة، فإن تزوجتُها، سيتغير كل شيء.”
كانت عائلة إيدلغارد من أرفع العائلات في المملكة، إذ شاركت في تأسيسها إلى جانب الملك الأول، وكان أباطرة المملكة عبر الأجيال يعاملون أبناء هذه العائلة معاملةً توازي تقريبًا معاملة أبناء الدم الملكي.
وقد أنجبت هذه العائلة أكبر عددٍ من الملوك عبر التاريخ، ونصف دوقات السلالة تزوجوا من أميرات. لهذا السبب، كانت عائلة إيدلغارد أقرب عائلةٍ إلى العرش، حتى أن البعض اعتبرها جزءًا من الدم الملكي نفسه.
ورغم أن الرجل تحدث بنبرةٍ متعجرفة، إلا أنه كان من الشخصيات التي يهابها الجميع، حتى العامة كانوا ينظرون إليه كأمير حقيقي، بل أكثر.
وبرغم أن ولي العهد الذي دعمه قد توفي في حادث ومعه الدوق نفسه، إلا أن مكانة هذا الرجل لم تمت معه.
لكن أن يقول إنه يريد تدمير المملكة؟
كان هو سيدَ أعظمِ عائلةٍ نبيلةٍ في المملكة، العائلة التي تعدّ أبرز حليفٍ للملك الأول وأعلى بيوت المجد مقامًا في التاريخ الملكي.
لم يدم استغراب أبيغيل من تلك الكراهية الثقيلة الغامضة طويلًا، إذ سرعان ما توقفت عن التفكير حين واصل الرجل كلامه.
“لكن في النهاية، لم يكن ليتجاوز الأمر تمزيق المملكة فحسب. لم يكن ممكنًا للأميرة أن ترث العرش بطريقةٍ طبيعية، وفي النهاية، لم يكن أحدٌ ليصبح ملكاً.”
“لكن هناك الأمراء…..أليس كذلك؟”
“أما أولئك، فسأتكفل أنا بتحطيمهم.”
بذلك التصريح المتغطرس المليء بالثقة المطلقة، بدأ الخوف يتسلل إلى قلب أبيغيل من النتيجة التي ستؤول إليها الأمور.
“لكن الأميرة ماتت في النهاية، ولحسن الحظ كذلك. نعم، حين أفكر بالأمر الآن، أرى أنه كان حظًا جيدًا.”
“….…”
“وفي المقابل، عثرتُ على بديلٍ مثالي. أنتِ. لستِ غبية، وعمركِ يقارب عمر الأميرة، وشعركِ وعيناكِ متطابقان معها تمامًا، حتى مع ذلك الملك الملعون. ثم إن وجهكِ جميل بما يكفي ليعجب الملك، والأهم من ذلك…..أنكِ طبيعية.”
“إذًا.…؟”
“أنتِ من يمكنها أن تصبح ملكة.”
قال ذلك بصوتٍ عذبٍ لا يناسب الموقف إطلاقًا، فضحكت أبيغيل بخفة يائسة.
“أن أجلس أنا، التي لا تمتّ بصلةٍ للعائلة الملكية، على العرش؟ أنتَ مجنون! الأميرة، حسنًا، قد أفهم ذلك. لكن الملكة؟ الملكة نفسها؟!”
“الدم الملكي؟ مجرد وهم. برأيكِ، كم تبقّى في الملكي الحالي من دم الملك الأول؟”
يا إلهي…..أن تصدر كلماتٌ كهذه، التي تنسف شرعية السلالة الملكية من أساسها، من فم سيد إيدلغارد نفسه؟!
“لقد حصلتَ على مكانتكَ بفضل ذلك الدم أيضًا، أليس كذلك؟ حسب كلامك، ذلك الدم الباهت….والبعيد جدًا.”
“ولهذا السبب أنا أملك (الكفاءة).”
ابتسم الرجل ابتسامةً متغطرسة وهو يتحدث بثقةٍ لا تعرف الخجل.
لم يكن لأبيغيل ما تقوله أمام هذا الرد.
فهو أول من حقق في أكاديمية غيرتينيـو أعلى الدرجات في كل التخصصات، وتخرج بمرتبة الشرف الأولى على مرّ تاريخها.
وهو من جعل من ميناءٍ صغيرٍ في مقاطعة إيدلغارد الجنوبية أعظمَ ميناءٍ تجاري في المملكة بأسرها.
حصل على لقب الفارس رسميًا في سن الرابعة عشرة، ولم يتجاوز عمره الآن الثالثة والعشرين.
حتى لو قِيس الأمر بالكفاءة فقط، فذلك الرجل كان يقف دائمًا على القمة. لقد كان تجسيدًا حيًا لمدى لا عدالة هذا العالم.
“أنا لا أملك كفاءتكَ.”
“ستكتسبينها.”
كان جوابه إيجابيًا على نحوٍ غير معتاد منه، خاليًا من أي تردد.
“لا أستطيع.”
“ستستطيعين.”
“أرجوكَ، قد أدمّركَ أنتَ أيضًا.”
“ذلك لن يحدث.”
“لا يمكنني فعلها، لا أستطيع، أرجوكَ.”
رجاءً…..فقط تخلَّ عن هذا. هكذا تمتمت أبيغيل بيأسٍ في داخلها.
عندها اختفت الابتسامة عن وجهه، وبدت عيناه السوداوان باردتين وهو يحدّق فيها بحدة.
“سأجعل الأمر ممكنًا.”
“….…”
“ليس أنتِ، بل أنا.”
***
رفع راكييل حاجبيه وهو ينظر إلى رزمة أوراقٍ ثقيلة على مكتبه، حجمها لا يقل عن تقريرٍ كاملٍ لتطوير أراضٍ متوسطة الحجم على مدى خمس سنوات.
“ما هذا كله؟”
“إنه ملفّ سيرتها الذاتية يا سيدي.”
_________________________
البطل ثرثار كذا ليه😭
بس يضحك هي من الحين عاجبها وجهه اما هو؟ مدري يارب يرقع هو اول احب اشوف البطل يحاول يخليها تحبه هههااااهاهععاه
المهم وناسه يبي يتزوجها عشان يصير امبراطور ثم بيدمر الامبراطوريه؟ مدري بس شكله حاقد؟ شكل ابوه وولي العهد فطس بسبة عيال المحظيطات
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 3"