“بالطبع سأختار لكِ أفضل ما لدينا. آه! هل تمانع سموّكِ إن قدّمتُ لكِ ابن عمي من عائلة رودريغو؟ فإقطاعيته تنتج شتى أنواع الأحجار الكريمة النادرة، وإذا احتجتِ يومًا أي شيء، فبوسعكِ التواصل معه مباشرة.”
ما إن قالت الكونتيسة هذا حتى أبدت فيوليتا سرورها وهزّت رأسها بحفاوة.
أن يتقدّم الآخرون للمساعدة قبل أن تطلب….كان أمرًا يدعو للشكر حقًا.
وإن دقّقنا، فذلك الماركيز الشاب من رودريغو كان ابن شقيقة الملك، ما يعني أنه ابن عمة لفيوليتا أيضًا.
لكنها لم ترَ أي جدوى في إضاعة الوقت بالتنبيه إلى هذه الحقيقة. وما هي إلا لحظات حتى عثرت الكونتيسة عليه واقتادت فيوليتا نحوه.
وبهذا، فقد تحقّق هدفها الأول مبدئيًا. وكل شيءٍ يسير بسلاسة حتى الآن.
كانت فيوليتا تسير بخفة خلف الكونتيسة، وما إن التفتت قليلًا لتتأمّل المكان حتى حدث ذلك. بمجرد أن أدارت رأسها، التقت نظراتها مباشرةً بشخص لم تتوقّع رؤيته قط.
ذلك الرجل. الرجل الذي ساعدها في المكتبة….كان هنا.
وقد كان التقاء النظرات دقيقًا بشكلٍ مبالغ فيه، حتى أن الرجل نفسه—الذي بدا وكأنه كان يراقبها أصلًا—أظهر ملامح دهشةٍ واضحة.
‘لا بأس. لا بأس.’
كانت فيوليتا تردد لنفسها بثرثرةٍ أشبه بالتنويم.
لن يفشي هويتها. على الأغلب. ربما. لكن….
‘كيف يمكن التأكد من ذلك؟’
تمتمت بذهنٍ شارد داخلها وأعادت رأسها إلى الأمام بتصلّب.
لا عجب أن كل شيء كان يبدو سلسًا أكثر من اللازم. ما العمل الآن؟ لا، ليس الوقت مناسبًا للتفكير فيه.
لاحقًا….لاحقًا حين تسنح الفرصة.
‘اهدئي. اهدئي، اهدئي، اهدئي.’
ردّدت الكلمات داخلها كأنها تعويذة. ورغم الاضطراب الذي ضرب صدرها، واصلت قدماها السير بلا تباطؤ، حتى وجدت نفسها أمام الماركيز الشاب رودريغو. وقد بدا لا يكبر راكييل إلا بعام أو عامين.
وما إن ظهرت فيوليتا خلف ابنة عمّه حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة مجاملة متكلفة، وعينان تفضحان ضجرًا شديدًا.
ثم اكتفى بإلقاء تحيةٍ بروتوكولية لمجرّد أن الكونتيسة قدّمتها.
كان من الواضح أنه لا يريد أي ارتباط إضافي، لكن فيوليتا واجهت مثل هذا البرود من قبل، ولم يكن جديدًا عليها. فتجاهلت ذلك وكأنها لا ترى، وابتسمت له بإشراقٍ أكبر.
كان هو ابن الأميرة الوحيدة التي نجت من حملة الملك التي قضت على كل إخوته. ولهذا أصبح بطبيعة الحال الوريث الوحيد للحكم الملكي من جهة الأخوال، وقد آلت إليه السيطرة على الأرض الواسعة لرودريغو بعد وفاة والده المفاجئة قبل بضع سنوات.
أرضٌ تعج بالأحجار الكريمة والذهب والفضة، وتضم مزيجًا غريبًا من كروم العنب الشاسعة ومصانع النسيج. وفوق ذلك، سلالةٌ ظلّت على الحياد النبيل جيلاً بعد جيل، مثل موندريول.
“يسرّني أخيراً أن أراكَ يا ماركيز رودريغو. فأنت أيضًا ابن عمتي في النهاية.”
و ارتبكت الكونتيسة قليلًا وكأنها نسيت هذه الحقيقة لتوّها.
“صحيح.”
“يبدو أن عمتي رينيفيير لم تحضر اليوم.”
“إن صحتها ليست على ما يرام.”
كان صوته قصيرًا، باردًا، ملولًا. ومع أنها كانت مشغولة البال أصلًا بما حدث قبل قليل، إلا أن هذا التقطّع في الحديث بدأ يثير ضيقها.
“يا إلهي، مسكينة. أتمنى لها الشفاء السريع. هل يمكنني زيارتها لاحقًا إذاّ؟”
“افعلي ذلك.”
ألم يتعلم في الأكاديمية الراقية كيف يتحدث جملتين متتاليتين؟
لوهلة، وجدت فيوليتا أن استفزاز الدوق كلارينس قبل قليل كان ألطف ألف مرة—على الأقل كان لديه ما يقوله.
والآن، بما أنها لم تعد بحاجةٍ لإطالة الحديث لإضفاء طبيعيةٍ على الموقف، فقد حان وقت الانتقال مباشرةً إلى ما تريد.
“سمعت أن معرض رودريغو سيُقام قريبًا-”
“أوه! هل تهتمين بالمعرض يا صاحبة السمو؟”
“بالطبع. يقولون أن فيه تحفًا عجيبة من الشرق.”
“بالتأكيد. فمعرض رودريغو يُعد من أبرز المعارض في القارة. ولو شرّفتينا بزيارتكِ لزاد ذلك من مجده. أليس كذلك، كارل؟”
وبسبب فظاظة ابن عمّها، بدا أنها أصبحت أكثر لطفًا معها. أما الماركيز فكان يراقب فيوليتا بنظرة غريبة، ثم ابتسم بخفة،
“طبعًا يا أختي. إنه فخر رودريغو. لكن….لا أظن أنه مكانٌ يأتيه الفتيات وكأنهن ذاهباتٌ في نزهة.”
ثم أضاف بابتسامة لطيفة،
“فهو ليس مسليًا إلى هذا الحد.”
كانت أول جملةٍ طويلة له، وها هو يلمّح بأنها مجرد فتاة تبحث عن أقمشة شرقية كأنها خرجت للنزهة!
فابتسمت فيوليتا ابتسامة مجاملة وهي تضمر امتعاضها. وقد قطّبت الكونتيسة حاجبيها وأنّبته بنظرة حادة.
“كيف تجرؤ أمام سموّ الأميرة؟ يا لكَ من وقحٍ يا كارل.”
“لا بأس. ربما كنتُ أنا من تحدث بخفةٍ أولًا فأساء بذلك للماركيز. في الحقيقة، لطالما شدّتني مساعي رودريغو الصناعية منذ أيام الجد الأكبر، وقرأت عنها كثيرًا.”
“يا لها من مفاجأة!”
“لذا حين سمعت أن المعرض سيُقام، تحمست كثيرًا. فبعض الآلات التي قرأت عنها لطالما أثارت فضولي. إن تذوقتُ نبيذ رودريغو فلن أتخيل وجود مصنع نسيج، وإن رأيتُ قماشه الفاخر لن أتوقع وجود كروم العنب. لطالما أثار إعجابي كيف حافظتم على الصناعة والزراعة جنبًا إلى جنب.”
ضاق بصر الماركيز قليلًا وهو يحدّق بها مطوّلًا، بينما تحدّثت الكونتيسة بفرح،
“أيتها الأميرة، أنتِ مطّلعةٌ حقًا. لو سمع جدّنا الأكبر بهذا لاعتبره فخرًا عظيمًا. يبدو أنكِ تحبين القراءة.”
“ولأنني دائمًا وحدي، لم يكن لي من أصدقاءٍ سوى الكتب.”
‘وإن لم تكن قد أمضت سوى شهر واحد على هذه الصداقة.’
أجابت فيوليتا هذا الكلام بابتسامة مشرقة تحاول أن تُغطي بها الحزن الذي لوّح قليلًا في عينيها، فمالت نظرات الكونتيسة بحنوّ خافت. ثم سرعان ما ابتسمت لها بحفاوة،
“لدينا نادي قراءةٍ بسيط مع بعض السيّدات. وإن وافقتِ يا صاحبة السمو، نودّ حقًا استضافتكِ. صحيحٌ أن مستوانا ليس عاليًا كما يليق بسموّكِ، لكن الجميع يعشق الكتب.”
شعرت فيوليتا بيد تنخز ظهرها سريعًا. كانت إشارة ميلويلا.
وربما كان هذا النادي “البسيط” هو في الحقيقة اللقاء غير الرسمي الذي أخبرتها عنه ميلويلا البارحة—ذلك اللقاء الذي لا يجتمع فيه سوى أهم شخصيات صالون موندريول.
وبما أن صالون موندريول نفسه يُعد من أرفع التجمعات، فالحصول على دعوةٍ إليه بحد ذاته يُعد نجاحًا. فكيف بموعد غير رسمي للنخبة؟ لقد كان مكسبًا لم تتوقعه.
ويبدو أن غياب زوج الكونتيسة، ووجود ذلك ابن العمّ الذي يثير فيها شعورًا بالذنب، جعلاها أكثر حفاوةً بفيوليتا.
شكرت فيوليتا الماركيز الشاب سرًا لأنه بتصرّفه الفظ و مهّد لها الطريق لهذا المكسب، وكبحت ابتسامةً كادت ترتفع فوق الحد، ثم ابتسمت بخجلٍ رقيق.
“كل ما أعرفه هو ما وجدته في الكتب وحدي، وأخشى أن أثقل على السيّدات بجهلي. لكن دعوتكِ شرف كبير….وسأنتظرها شاكرة.”
“لا داعي لكل هذا التواضع. آه، وعلى ذكر المعرض الشهر القادم، هل تودّين الذهاب معي؟ فكارل مشغولٌ هذه الأيام ويتنقّل بين العاصمة والإقطاعية، ولو ذهبتِ وحدكِ لطال عليكِ الطريق وربما مللتِ. أما أنا فسأكون ذاهبةً أصلًا، فيسعدني مرافقتكِ وإرشادكِ….كما سنتمكن من زيارة الأميرة رينيفيير أيضًا.”
“سيكون ذلك رائعًا حقًا إن تفضّلتِ.”
‘الأمور تسير على خير ما يرام.’
ومع هذه الفكرة، التفتت فيوليتا نحو الماركيز—الذي ما يزال يحدّق بها بنظرةٍ متجهمة—وابتسمت له ببهاء.
كما قالت الكونتيسة، كانت فيوليتا تكمل لائحتها الثلاثينية بأمان.
قلادة، أقراط، سوار، فستان، حذاء….وحتى راكييل. وكل مرة يُذكر فيها شيء، كانت فيوليتا تعدّه في سرّها، حتى قاربت العشرين فتخلّت عن العد.
***
كانت فيوليتا تتوقع أن تأتيها إلوفيلا بنظرات شزراء كل حين أو تفتعل معها مشكلة، لكنها كانت جالسةً في مائدة العشاء مع بعض الشابات.
وحتى بيلكيرس، الذي ظنّت أنه سيبدأ بمضايقتها، اكتفى بتحيةٍ صاخبة واحدة ثم انشغل بالناس من حوله.
أما الملك فكان قد غادر منذ زمنٍ مع فاسكاليا والمحظيات، في حين اختفى الأمير الرابع ولم يُرَ منذ وقتٍ طويل.
وحتى الماركيز كاديرينغر—الذي كانت تخشاه أكثر من الجميع—لم يحضر أصلًا.
“يا إلهي! لم أرَ في حياتي ماسةً صفراء كبيرةً كهذه! أوه، وحتى السوار أيضًا!”
وببلوغها نحو المرة العشرين، أصبح الجواب يخرج منها تلقائيًا. “جوهرة الغارنيت خاصتكِ أجمل، وفستانكِ….من أي حرفي صُنع؟”
كانت تردد ذلك بغريزة الملل، ثم لمّحت بعينيها نحو ديانا الواقفة بعيدًا. و فهمت ديانا فورًا، واقتربت وهمست بصوتٍ غير منخفض،
[سموكِ….الدوق إيدلغارد يطلبكِ على عَجَل.…]
سلّمتها ديانا ورقةً بيضاء قدّمتها لها، فاتسعت عينا فيوليتا بدهشة، ثم بادرت تقول بسرعة تدل على أمر طارئ،
وقبل أن ترد الفتاة، كانت فيوليتا تُسحب برفقٍ بين الناس مع ديانا.
رمقت فيوليتا ميلويلا ولويز وهما يرقصان في وسط القاعة، وضحكت بخفة ثم تحدّثت إلى ديانا،
“هذه الحيلة مفيدةٌ حقًا.”
“سموك….كيف تستخدمين الحيل بهذه السرعة؟”
“أهكذا تقولينها؟ حيلة؟”
“وهل تصبحين مهيبةً إن أنكرتِ؟”
“……ديانا، هل تعرفين السيد ثونتن؟”
“مساعد الدوق إيدلغارد، أليس كذلك؟ لماذا؟”
“سأزوجكما. كلاكما يحب التسلّق إلى الأعلى، وستصبحان ثنائيًا رائعًا.”
حدّقت ديانا بها بدهشةٍ كبيرة، لكن فيوليتا تجاهلتها وتقدمت بخطى واثقة نحو الشرفة. فقد كان من الأفضل أن تختفي قليلًا حتى لا تراقبها تلك الشابة الفضولية.
ومما يزيد حظها، أن راكييل لم يكن في الجوار أيضًا. و رغبت في أن ترتاح بضعة لحظات، فاختارت الشرفة الذي يخلو من الظلال.
وبينما كانت الحفلة تزداد حريةً وصخبًا، شعرت فيوليتا بأن بعض الناس ما زالوا يراقبونها، فتسللت بهدوء بين الستائر. وكان المكان خاليًا فعلًا.
اطمأنّت لرؤية الزجاج خاليًا من أي ظل، ففتحت باب الشرفة ببطء. و كان الليل قد أسدل ستاره تمامًا.
وما إن خطت إلى الخارج حتى داعب بشرتها هواءٌ بارد منعش، فابتسمت برضا.
ثم رمقت الجدار الذي يفصل بين التراسات، مطمئنةً إلى أنها لن تُرى. و تقدمت إلى السور، ونظرت إلى قدميها،
“قدماي تؤلماني….ربما عليّ خلع الحذاء قليلًا.”
وبعد ثوانٍ من التردد، رفعت تنورتها برفق، وخلعت الحذاءين واحدًا بعد الآخر.
وبرغم القشعريرة التي سرت في قدميها حين لامست برودة الرخام، إلا أن الشعور بأن الأرض مستوية تحتها كان أجمل بكثير.
كانت قد صُنعت بارتفاعٍ غير كبير بسبب طول قامتها، ومع ذلك بدا أن وزنها وحده كافٍ ليُنهك القدم خلال ساعاتٍ قليلة فقط.
أيّ عقل يضع كل ذلك الذهب وتلك الجواهر في حذاءٍ لا يُلبس إلا للقدم؟ و بالطبع، أكثر من يعاني الألم لم تكن هي.
كانت فيوليتا ترفع طرف فمها وهي تخطو بضع خطواتٍ في مكانها لتتأكد من راحة قدميها.
“ألا تشعرين بالبرد وأنتِ واقفةٌ هكذا؟”
“لا، بل أشعر بالانتعاش….أ—!”
لم يكن ذلك درسًا عابرًا حين علمتنا الأمهات أن ننظر يميناً ويساراً قبل عبور الطريق.
فبمجرد أن سمعت الصوت من يسارها واستدارت، تجمّدت فيوليتا مكانها.
ولم يكن قول الكبار بأن ما نراه ليس كل شيء مجرد حكمةٍ فضفاضة أيضًا. فالنوافذ المطلة على الشرفة لم تكشف سوى جزءٍ منه.
كانت الشرفة أطول بكثير مما ظنّت. وكان هناك رجلٌ يستند إلى الجدار، يبتسم حين رأى تصلّب ملامحها.
و قد انعطف طرفا عينيه بذات البهاء الذي رأته منه في ذلك اليوم.
“يا صاحبة السمو، هل استمتعتِ بقراءة السيدة دوفاري في النهاية؟”
‘يا للمصيبة…..ليتني أتلاشى.’
سؤال هل قرأتُها؟ كاد يفرّ من حلقها، لكنها ابتلعته بصعوبة. فقد صار بلا معنى عند هذه النقطة.
ثم ابتسمت فيوليتا نافية.
“لا.”
تراءى لها طرف ابتسامته وكأنه يرتجف قليلاً—لابد أنه مجرد وهم.
لماذا، من بين كل أماكن الشرفة، جاء بالذات إلى هنا…..
“حقًا؟”
“لم أقرأها. تبيّن أنها لم تكن الكتاب الذي أبحث عنه. مجرد خطأ بسيط. وعلى كل حال، شكرًا لكَ على لطفكَ حينها. والآن اسمح لي.”
كان التبرير كافيًا. رمَت الكلمات سريعًا كمن يسرع لإنهاء عمل طارئ، وانحنت تلتقط حذاءها. ثم ابتعدت عنه بضع خطواتٍ أطول، ورفعت طرف فستانها قليلًا لتخفي قدميها عن نظره. ولحظتها….
“…..لكن أنا متأكد من أنني سمعتكِ تتمتمين قائلة: آه، ها هي السيدة دوفاري وأنتِ تبحثين عن الكتاب.”
‘لا يمكن….لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا.’
تجمّدت فيوليتا وهي في وضع الانحناء، بينما كان الحذاء في يدها.
‘مستحيل. لم أقلها بصوت مسموع.’
هذا محض كذب. عليّ أن أستعيد رباطة جأشي. لا يجب أن أنساق.
ورغم أن عقلها كان يصرخ بهذه الحقيقة، رفعت فيوليتا جسدها ببطء وأدارت رأسها نحوه.
ربما…..ربما قالتها. أو لعلها قالت شيئًا يشبهها.
كظمت رغبتها في توبيخ فمها على حماقته، وفكرت بحدة، هذا الفم….يجب أن أُسكته يومًا.
“أنتَ تعرف مَن أنا، صحيح؟”
“أعلم.”
“إذاً، انسَ أمر ذلك الكتاب من هذه اللحظة، ولا تذكره ما حييت.”
“لا أرى ضرورةً لأن تُصمتيني….يبدو أنها لم تكن مجرد خطأٍ إذًا.”
“ماذا.…؟”
“لأنكِ لم تقولي ذلك، ولأنني لم أسمعه. هكذا فقط.”
انحنى طرفا عينيه الجميلتين بشكلٍ مستفز. كمجرمٍ واثق. فازدادت حدة خط ما بين حاجبي فيوليتا.
“….أتكذب عليّ؟”
“لقد كذبتِ أنتِ عليّ مرة، فلنعتبر أن كل شيءٍ متعادلٌ الآن.”
“أتجعل نفسكَ ندّي؟”
“لم أظنكِ من النوع الذي يعرف الرحمة على نفسه فقط.”
ارتدّت كلماته إليها كالصدى، فزفرت زفرةً قصيرة وثقيلة.
وبخلاف تعابير الخيبة التي تظاهر بها، كانت عيناه التركوازيتان تتلألآن بالمرح. فنظرت إليه فيوليتا بعينين نصف مزمومتين، ثم صرفت بصرها نحو الحديقة ببرودٍ ساخر،
“…..حسنًا، فلنقل أننا تعادلنا. ولأؤكد مرة أخرى: أنا لم أقرأه حقًا.”
“وأنا سأعتبر ذلك صحيحًا.”
“أقول لكَ أنني لم أقرأه!”
“وأقول أنني سأعتبر ذلك.”
تقلّص وجهها غيظًا من ردوده التي لا تزيد الأمر إلا غموضًا ورواسب.
حسنًا. في ذهنه انتهى الحكم. ومهما حاولت بعد الآن لن يُجدي. فقد رآها، في نظره، امرأة تسعى خلف ذلك الكتاب الممنوع وكأنه كنز، تنهض على أطراف أصابعها لتبلغ الرف، ثم تضمّه إلى صدرها وتهرول بعيدًا كمن وجد ضالته بعد قرن.
إنه لأمرٌ مؤسف أن يرى هذا الرجل الوسيم أنها امرأةٌ تلهث خلف التمرد…..لكن لا بأس. كل ما عليها هو ألّا يلتقيا مجددًا.
و حين أسقطت كل محاولات الدفاع شعرت براحة غريبة.
ثم التفتت فيوليتا من جديدٍ بوجه أكثر صفاءً. فقط تبقى أن تنتزع منه وعدًا قبل أن ترحل.
رددت ذلك في داخلها وهي تنحني لترتدي حذاءها….وفي اللحظة ذاتها—
لم تمضِ سبع خطوات حتى كان الرجل يقف أمامها مباشرة. وباغتها ظهوره المفاجئ حتى أنها لم تجد وقتًا لتقول شيئًا، قبل أن يهبط على ركبةٍ واحدة أمامها.
“….ما الذي تفعله؟”
__________________
بيلبسها؟ هيه بعد عندها زوج خلاص
المهم خير طلع هو الي في الشرفه حسبت بيطلع راكييل ويتناقرون عشان وطية رجله😭
التعليقات لهذا الفصل " 28"