“هل يحتاج مجرد أن ترى وصيفةٌ أسرتها إلى أن تتفضلي أنتِ بنفسكِ يا صاحبة السمو؟”
هذا أمرٌ يخصّني أنا. كانت فيوليتا على وشك الرد بابتسامة متكلّفة، لكنّ راكييل الذي اختفى قبل قليل ظهر فجأة كمن انقضّ على اللحظة.
“سيدي، لندع الأمر عند هذا الحد. إنها أول مرة تحضر فيها حفلًا في حياتها.”
“آه، يا سمو الدوق.”
“ألا يمكنكَ التوقف عن هذه التحية المزعجة؟ أعلم تمامًا أنكَ تفعلها عمدًا.”
“وأنتَ أصلح لسانكَ الوقح أولًا.”
“موقعي أصلًا يجبرني أكون وقحًا، ولا حيلة لي في ذلك.”
“يا قليل الأدب.”
حدّقت فيوليتا بهما بعينين مذهولتين. ‘سيد؟’ أيّ سيد؟ وما هذه الألفة الغريبة بينهما.…؟
“يكفي أنني تعبت من تعليمكَ كتابًا واحدًا. لا تفكر في أن تجعل ابنة عمتكَ تطرق بابي أيضًا.”
عندها فقط عرفت فيوليتا سبب شعورها المبهم قبل قليل. فحدّقت بذهول بين الدوق وراكييل، بينما كان راكييل يبتسم ابتسامةً قصيرة.
“إن علمتها، ستجدها تتعلم ببطءٍ لكن بإتقان. ستستمتع بالتعليم.”
‘ومن الذي قال أنني بطيئة أصلًا؟’
حدّقت فيوليتا به محتجةً بصمت، لكنه تجاهلها وأدار وجهه بعيدًا.
“وهل كرهتكَ لأني لم أقدر على تعليمكَ؟”
“أعرف جيدًا أنكَ تحمل لي مودةً خفية، فلا تقل كلامًا لا تقصده.”
“كيف تكون طباعكَ شديدة الوقاحة هكذا؟ أنتَ تشبه أباك في نصف جرأته.”
“ومادام المعلم بهذا القدر من العظمة، فكيف لا أكون أنا هكذا؟”
وعندما قال ذلك وهو يلقي نظرةً جانبية إلى فيوليتا، تظاهرت بأنها لم تسمع شيئًا، وتراجعت بهدوءٍ ناحية الزوجين غريس.
و لمح راكييل هروبها السلس فضحك بخفة. أما الدوق فصار نظره أضيق.
“أفهم تمامًا ما تفكر فيه بخداعكَ السطحي هذا.…”
“هل تفهم فعلًا؟”
“….ولا أريد أن أفهم. أهذا هو المكان الذي ترمي فيه فتاةً مسكينة كانت محبوسةً طوال حياتها؟”
“بلاديمورو….وهل هناك مكانٌ أجمل منه في هذا العالم؟”
“اعتنِ بها جيدًا، ثم زوّجها زواجًا مناسبًا، فالسعادة للمرأة في عمرها تكون في الزواج الجيد. اللورد رودريغو ما زال أعزب، وهناك أيضًا أعضاءٌ محترمون في المجلس السري. لا تُفسد مستقبل فتاة مسكينة وتُضيّع حياتها. رغم أنّها ليست بائسةً كما توقعت.…”
“أفضلهم كلهم هو ابنكَ يا سيدي، لكن المؤسف أنه مرتبط. وغير ذلك….فلا أحد يعجبني.”
“راكييل، ألا يمكنكَ أن تعيش وفق الفطرة؟”
مسح الدوق وجهه بتعبٍ وقال ذلك بصوتٍ منخفض. عندها اختفى المرح من وجه راكييل كأنه لم يكن.
“الفطرة ملتويةٌ أصلًا، يا سيدي.”
“أتظن أني لا أعرف ما في قلبكَ؟”
“أما أنا، فلا أجرؤ على ادعاء أني أعرف ما في قلبكَ. أنتَ من ذاق مرارة تلك الفطرة الملتوية بأكملها.”
“راكييل.…”
“هل تظن حقًا أنّ ما يجري هو الفطرة؟”
ما قاله راكييل بهمسٍ يشبه العضّ بين الأسنان، جعل خطوط التجعد في جبين الدوق تتعمق أكثر.
“وأعلم أيضًا أنكَ لم تخضع للحياة خضوعًا كاملًا.”
“وتعلم هذا؟ إذاّ هل تعلم أني ما زلت أرغب بخنق شبح والدكَ الراحل لو استطعتُ الإمساك به؟”
“أليس هناك شيءٌ آخر ترغب بخنقه أكثر؟”
“لو خنقتُكَ أنت الآن، هل سيصمت ذلك الفم؟”
نظر راكييل إلى سيده بنظرةٍ باردة، ثم ابتسم ابتسامةً طفيفة عند تهديده.
“لا تستطيع تجاهلي يا سيدي. متى ستعترف بذلك؟”
“لن أعترف. حتى أموت. لماذا أنتَ مُرهقٌ لي إلى هذا الحد؟”
قال الدوق ذلك بخشونةٍ ولوّح بيده بضيق، ثم استدار ومضى نحو مائدة العشاء، غير راغبٍ حتى في متابعة الحديث.
أما راكييل فظل واقفًا مبتسمًا، كأنه لا يبالي.
كانت فيوليتا قد ابتعدت أصلًا بحجة راكييل. أما لويز فكانت تقدّم ميلويلا وديانا للزوجين غريس، وبمجرد أن رأت فيوليتا تهللت ملامحها.
“هل انتهيتِ من التعارف يا صاحبة السمو؟”
“أمم….أظن ذلك؟”
“أليس الدوق مخيف المظهر فعلًا؟ حتى طريقة كلامه مخيفةٌ قليلًا. أنا أيضًا عندما رأيته لأول مرة أثناء خطبة أختي….يا إلـهي….”
كانت فيوليتا تتفق معها تمامًا، لكن المشكلة أن ابن ذلك الرجل نفسه كان يقف بجوارها الآن.
وما إن لمحتها فيوليتا بنظرةٍ حتى تذكرت لويز ذلك فجأة، فارتبكت وتوقفت عن الكلام. بينما ابتسم غريس الابتسامة الودودة ذاتها و تحدّث موجّهًا كلامه لفيوليتا،
“أتفق معها تمامًا. وهو في الحقيقة رجلٌ مخيفٌ فعلًا.”
ضحكت فيوليتا ضحكةً قصيرة متعمدةً على كلامه. فهو وريث كلارينس الوحيد، وأحد أهم الأشخاص في هذا المكان، لذا كان الانطباع الأول الذي تتركه لديه مهمًا للغاية.
كانت تحتاج إلى مزيجٍ من اللطف والرسمية، مع شيء يسير من الود لترك أثر مريح. فالسيدات عادةً لا يضحكن بصوتٍ عالٍ بهذه السرعة في أول لقاء، لذا كان هذا الحدّ هو الأنسب.
فابتسمت له بلطف،
“لم نتعرّف كما يجب. سعيدةٌ بلقائكَ، يا لورد كلارينس. لقد ورثتَ وسامةً واضحة من والدكَ.”
“إنه لشرفٌ لي، يا سموك.”
“لكن عندما تمتدح صاحبة السمو زوجي هكذا، أشعر بالقلق. قد يبدأ هذا الرجل بتخيّل أمورٍ لا أصل لها.”
“أوه، لكن زوجكِ حقًا وسيم. ولهذا أنتِ كذلك جميلة.”
وبينما تبادلت فيوليتا مع الزوجين كلماتٍ لطيفة، كانت ميلويلا التي تراقب محيطها بعينٍ يقظة تميل نحو أذن فيوليتا وتهمس بسرعة،
“من الساعة العاشرة….الكونت مونتريول وزوجته يقتربان.”
ولكي لا تبدو فظة، واصلت فيوليتا الحديث مع الزوجين إلى أن توقّف الحوار لحظة، فاستغلت الفرصة لتستدير بنعومةٍ نحو الجهة التي أشارت إليها ميلويلا، وكأنها انتبهت للكونت وزوجته مصادفة، وارتسمت على وجهها ملامح سرور.
وفي تلك اللحظة تدخلت ديانا بذكاءٍ لتشغل الزوجين بالحديث وتجذب لويز معها، حتى لا يظهر فراغٌ في الحوار.
ثم همست ميلويلا مجددًا بإضافة سريعة،
“الكونتيسة مونتريول هي ابنة عمّ الماركيز رودريغو. قدّمي نفسكِ إليه بسهولة من خلالها.”
قالت ذلك بصوتٍ يحمل ظلًا من الأسى، فانعكس التعاطف واضحًا على ملامح الكونت.
كان كل من عائلة كلارينس و عائلة مونتريول ينتمون إلى عالم الجنود، لكن الفرق بينهما كان كبيرًا. ربما لأن لهذا الرجل بنات.
“أخشى أني لا أستطيع تقديم الكثير لها….بل هي التي تساعدني فعلًا.”
“أشكركِ على كلامكِ، لكن ابنتي ليست ممن يساعدون الآخرين عادةً.…”
وتوقفت كلماته، كأنها حقيقة مؤلمة يعرفها والدٌ قبل الجميع.
خشيت فيوليتا أن يتواصل الحديث حول “فائدة” لويز من عدمها، إلى أن وصل خادمٌ مسرع ليسلّم الكونت رسالةً عاجلة، فاستأذن ورحل.
‘فكرةٌ ممتازة.’
فكرت فيوليتا بذلك، ستحتاج لاحقًا إلى مثل تلك الأوراق لتستخدمها مع خادماتها.
ثم ابتسمت الكونتيسة بمكرٍ لطيف،
“عندما يوجد الرجال، تعجز النساء عن الحديث براحة. من حسن الحظ أن زوجي اختفى في الوقت المناسب.”
فضحكت فيوليتا على دعابتها، ثم سألتها الكونتيسة بلطفٍ راقٍ،
“هل تستمتعين بالحفل؟”
“حتى الآن….أعتقد أن عليّ أن أقول أنني أستمتع، أليس كذلك؟”
ردّت فيوليتا بنبرةٍ خفيفة، كأنها تعترف بأن الكونتيسة من بين القلائل الذين يمكن مصارحتهم.
فابتسمت الكونتيسة وقد أعجبتها الصراحة، ثم ردّت بالنبرة نفسها،
“ذلك العقد….هل هو العقد الذي تتحدث عنه الشائعات؟”
“آه.…”
“لقد كثرت الشائعات حوله. حتى أثناء ترميم جناح صاحبة السمو قبل شهر، كان حديث الجميع. يقولون أن الدوق استقدم ثمانية أقزام من الحرفيين. الجميع رأى في الأمر محبّةً استثنائية تجاه قريبته.”
لم تكن فيوليتا تعلم إن كان العدد ثمانيةً أم ستة، لكنها اكتفت بابتسامةٍ موافقة. فاهتمامه بها كان حقيقيًا، وهذا كافٍ.
أما كم دفعت الخزينة الملكية فذاك شأنٌ آخر، لكنها لم تفهم كيف بلغ الناس هذا الحد من الحماس.
فرمقت راكييل حيث كان يقف بعيدًا.
“وفوق ذلك، اشترى كل ما استُخرج مؤخرًا من ألماسٍ أصفر نادر من رودريغو، ثم بحث في المملكة عن أمهر صاغة الأقزام….والعقد، والأقراط، والسوار….أما فستانكِ هذا، فقيل أنه من البلاط الملكي في برانزيل. انتشرت الشائعات بسرعة، وأصبحت ضخمة. فالدوق الذي لم يكن له أي فضيحةٍ طوال عمره، يقدّم المجوهرات والفستان لصاحبة السمو، وينفق مبالغ هائلة….كيف لا يتحدث الناس؟ الآراء منقسمةٌ بشدة.”
ثم همست الكونتيسة بنعومة،
“الناس يتساءلون: هل تلك العناية كلها مُوجّهةٌ إلى ابنة عمته….أم إلى امرأة؟”
ابتسمت فيوليتا ابتسامةً صغيرة مرتبكة كمن يشعر بالحرج اللطيف. فهكذا كان مُخططًا أصلًا منذ البداية، ولا داعي للدهشة.
لكن مهما كانت الخطط المقبلة، فالوقت لم يحن للتصريح بشيء. و الأفضل أن تبقى الأمور في شكل “شائعات” بلا جذور.
حتى راكييل نفسه كان يتكلم عن المستقبل….لا الحاضر.
وبينما تتأمل الكونتيسة في وجهها لبرهة، عدّلت نبرة الحديث بلطف،
“على الأغلب ستسمعين هذا الكلام ثلاثين مرةً اليوم. جميع السيدات والآنسات….أعينهنّ كلها عليكِ الآن. وعلى فستانكِ الجميل أيضًا.”
نظرت فيوليتا حولها، وكانت النظرات بالفعل لاذعةً كالسياط.
“….صحيح.”
“ذلك لأنكِ جميلةٌ جدًا. ثم إنني لم أرَ من قبل ألماسًا أصفر بهذا الحجم وهذا الصفاء.”
“أما أنا….فأطمع في عقدكِ أنتِ أكثر.”
“تطمعين في هذه القطعة الصغيرة من الأوليفين؟ يا لكِ من بسيطة.”
رغم قولها ذاك، ابتسمت الكونتيسة بارتياحٍ ظاهر.
كانت الأحجار التي تزيّن عقدها من أرقى أنواع الأوليفين، بل ومن صفوة البيريدوت بلون الزيتون الشفاف اللامع.
وعندما أثنت فيوليتا على العقد، خطرت لها فكرة،
“تذكرت شيئًا الآن….سمعتُ أن مونتريول يشتهر بأفضل أحجار الأوليفين. هل يمكن أن أطلب عبركِ بعض القطع لاحقًا؟ ربما أصنع عقدًا شبيهًا…|أو أزيّن به ثوبي بقطع صغيرة.….”
______________________
يعني الدوق كلارينس كان معلم راكييل؟ وناسات اظن بيساعدهم في انتقامهم🤏🏻
المهم طول منا اترجم كل ماشفت اسم كلارينس طلع براسي كلارينس حق قناة CN😭
والحين متى راكييل يحب فيوليتا باقي تكه ؟ او انه بيتزوجها بعدين يحبها؟ هنا احلا بعد
التعليقات لهذا الفصل " 27"