“أنتِ، أنتِ تفعلين هذا عمداً الآن، أليس كذلك؟”
“لا يمكن ذلك.”
‘يا لجرأتكِ…..’
كانت أبيغيل تنظر إليه بتلك النظرات البريئة، حتى أنها قالت بعينيها فقط: هذا ظلم.
و قد بدا أن جسدها يتحرك بدافع غريزي للهجوم.
‘أحسنتَ يا جسدي.’
“من المستحيل أن يحدث هذا بلا قصد. كل حركاتكِ طبيعية تماماً، فهل تعطّلت لديكِ القدم وحدها؟”
حدّق راكييل في أبيغيل بعينين مزمومتين قبل أن يرميها جانباً كما لو ضاق ذرعاً بها.
فارتجفت أبيغيل المرمية وصرخت بانفعال،
“لا يعني أن امرأةً دعستكَ سيكون الألم عظيماً! هل اسمي نفسكَ فارسٌ مُتوَّج!”
“انظري إلى حذائكِ.”
“….…”
“بل الأفضل أن تدوسي قدمكِ بنفسكِ مرة، لتفهمي.”
حين خفضت رأسها إلى الأسفل، رأت الحذاء الفاخر الذي أهدتها إياه البارونة قبل قليل مع الفستان. و لم تكن بحاجة إلى دهسه لتعرف.
“آسفة….”
“كفى.”
“هل يؤلمكَ كثيراً؟”
“قلتُ كفى.”
وبما أنه قال ذلك، فلا حاجة للمجاملة. فحرّكت أبيغيل قدمها مجدداً.
***
يمرّ الوقت بلا توقف. وأصبحت أبيغيل شيئاً فشيئاً أقل انزعاجاً من مناداتها بـ فيوليتا.
وخلال ذلك، قضت نصف يومْ كل يوم مع أغنيس، وتعلمت أشياء أكثر بكثيرٍ مما تعلمته سابقاً من آداب السلوك.
من الابتسامة، ووضعية العنق، وزاوية الكتفين، وحركة اليدين، وخطوات السير. ورغم اقتراب الموعد، لم تتعجل أغنيس، بل صقلت جسدها بروية.
فقد قالت أغنيس: يجب أن تحمل كل حركةٍ للمرأة قدراً من الرقي.
اختارت أبيغيل الشوكة المناسبة، وغرست طرفها في قطعة لحم دون صوت، ثم وضعتها في فمها الذي فُتح قليلاً بحياء. فابتسمت أغنيس الجالسة مقابلها ومدحتها،
“أحسنتِ.”
كانت المائدة العامرة أمامهم مليئةً بالأطباق، لكن أغنيس بالكاد لامست طعامها، كأنها تشبع فقط من رؤية أبيغيل تأكل.
وهكذا جلس الثلاثة، لكن وحدهما راكييل وأبيغيل كانا يحركان أيديهما.
“أغنيس، كُلي.”
“أنا آكل، صدقيني.”
عندها فقط تناولت أغنيس الشوكة بأدب وهي ترد بلطف على دعوة أبيغيل.
“عندما تكون مستعجلاً، عليك أن تسلك الطريق الأطول.”
قالت أغنيس ذلك في اليوم التالي لوصول المرسوم، ومع هذا الهدوء خفّفت من شدّتها تدريجياً، وصارت أكثر رقة.
وربما كان ذلك أيضاً بفضل التقدّم السريع الذي أحرزته أبيغيل بتركيزٍ غير مسبوق.
ولأول مرة، استطاعت أبيغيل أن تتعامل معها براحة.
لكن رغم الاعتراف الدافئ، ورغم النظرات التي صارت تحمل المودة، كان كل هذا يبدو دليلاً واضحاً على أن الوقت المتبقي قد أصبح قصيراً جداً، فأحست أبيغيل بمرارةٍ في فمها.
ظهر يدها الذي كان يحرك الحساء برشاقة بدا أبيض وناعماً بعد أسابيع من عناية الخادمات.
كفّ رقيق ككف فتاةٍ نبيلة لم تعرف التعب يوماً. فداهمها شعورٌ بالغربة.
قبل أشهر فقط كانت يداها مغطاةً بالغبار وهي تفرز الكتب التالفة في المطبعة. فحدّقت للحظة في يدها بشرود.
“ركّزي في الأكل. لا تسرحي بعيداً بأفكاركِ.”
“أنتَ أيضاً، سمو الدوق، عليكَ دائماً استخدام نبرة هادئة ومهذّبة أمام الأميرة. الناس سيثرثرون.”
ما إن تذمّر راكييل من بطء أبيغيل حتى زجرته أغنيس بصرامة.
“لن أفعل هذا أمام الناس.”
“بل يفعله أمام خَدَم القصر.”
“مستحيل. أنا أشعر بالراحة فقط لأنني أمام السيدة الآن.”
قال راكييل ذلك مبتسماً بثقة.
‘ومتى كان يشعر بعدم الراحة أمام الخدم؟’
تمتمت أبيغيل في سرها وهي تغرس شوكتها في قطعة لحم.
“لقد أخبرني اللورد ثورنتون بكل شيء. كيف تجرؤ على معاملة الأميرة هكذا أمام من هم أدنى مرتبة؟”
“ثورنتون….”
تمتم راكييل باسمه بصوتٍ منخفض ومخيفٍ قليلاً، فارتعش لودريك الواقف خلفه من غير سبب.
“أوه، آسف أيها اللورد ثورنتون الصغير. أقصد أخاكَ.”
“فف، ثورنتون الصغير.”
‘جسدٌ ضخم كهذا ثم يُدعى ثورنتون الصغير…..’
انفجرت أبيغيل ضاحكةً وهي ما زالت تمسك بالشوكة المغروسة في شريحة اللحم، بينما كان راكييل يفكر بجدية في كيفية معاقبة كايل الذي ينشر الكلام بلا تحفظ.
و كانت أغنيس تنظر إليهم بعينين دافئتين قبل أن ى تتحدث ببطء، كأنها تتنهد،
“……لم يتبقَّ سوى يومين.”
تجمد الجو الهادئ الغريب فجأة وصار بارداً. فاعتدلت أبيغيل في جلستها ونظرت بصمت إلى الطعام أمامها.
لم يبق سوى يومين.
و شعرت بأنفاسها تضيق.
***
الفستان النيلي الذي أحضرته البارونة سيمور كان مصنوعاً من حرير القارة الشرقية، فإذا لامسه الضوء تموّج فوق طيّاته الأنيقة كأمواج البحر الليلي. أليس هذا اللون المفضل لدى الملك؟
أُعجبت أبيغيل بالفستان، لكن السيدة سيمور التي صمّمته وألبسته لها تمتمت متذمرةً بأنها لا تحب هذا اللون الكئيب.
كانت الأكمام ضيقةً من الكتف حتى المرفق، وخط الصدر غير منخفض كثيراً، مما منح الفستان مع لونه الداكن طابعاً رصيناً ومهذباً.
وما إن انتهت من ارتداء الفستان كاملاً، حتى التفّ مساعدات السيدة سيمور حولها يضعن لها المكياج ويصففن شعرها.
وبعد ساعتين كاملتين، سُمِح لأبيغيل أخيراً بالنظر في المرآة.
وجهها الهزيل من قلة النوم بدا الآن حيوياً، وشعرها الطويل الأصهب المسترسل أصبح متموّجاً ينساب حتى صدرها.
كان المكياج والفستان كلاهما بسيطين وأنيقين، لكن شعرها المتموج الأصهب وحده بدا فاخراً.
وفي مرآة طاولة الزينة الكلاسيكية، جلست أبيغيل جديدةً لا تعرفها حتى نفسها.
وبينما كانت تحدق في انعكاسها بذهول وسط تعليقات النساء المبهورة، تقدمت أغنيس وعلّقت حول عنقها الأبيض عقداً.
“إنه عقد الملكة فاساكاليا.”
سلسلةٌ كاملة مرصوصةٌ بالماس، وعلى مقدّمتها أحجارٌ ألماسةٌ كبيرة مقطوعة بعناية تنسدل بأناقة.
سلسلة من الماس…..رفاهية لم تتخيلها أبيغيل قط.
“أهذا….يخصّ جلالتها.…؟”
“نعم. قبل زواجها، أمر جلالة الملك شخصياً الأقزام في أقصى الشمال بصنعه من أجل محبوبته آنذاك، الملكة فاساكاليا.”
صدمة معرفتها أنهما كانا عاشقين كانت كبيرة، لكن الأشد وقْعاً عليها كان تاريخ العقد الذي التفّ الآن حول عنقها، بثقله وهيبته.
“شيءٌ بهذه الأهمية..…؟”
“هذه الأشياء لا تعني للملكة فاساكاليا شيئاً. قيمته تكمن فقط في أن ترتديه سمو الأميرة أمام الملك.”
وقبل أن تتمكن من سؤالها عمّا عنته تماماً، جاء صوتٌ مستعجل من خلف الباب.
لقد حان الوقت. فأغمضت أبيغيل عينيها للحظة، ثم فتحتهما ونهضت متجهةً للخارج.
بعد شهرٍ من وصولها إلى القصر، تطأ قدماها للمرة الأولى الدرج المؤدي للأسفل.
لم يكن هذا كاليوم الذي جُرّت فيه باكيةً عبر السلالم الجانبية الضيقة، بل كانت الآن تنزل السلم المركزي العظيم، يتبعها كلٌّ من الكونتيسة والبارونة، أقرب خادمات الملكة ثقة.
وفي قاعة الاستقبال العظيمة في الأسفل، ينتظرها دوق غرانتونيا الوحيد، وسيّد إيدلغارد.
أدركت أبيغيل—لا، فيوليتا—أنها أصبحت شخصاً آخر تماماً عمّا كانت عليه. و الأرض الصلبة تحت حذائها الفاخر بدت كالجليد، هشّةً ومرعبة.
تقدمت فوق ذلك الجليد الوهمي بخطواتٍ حذرة نحو الرجل الذي ينتظرها. بينما رفع هو شفتيه بابتسامةٍ رقيقة، ومدّ يده إليها بإيماءةٍ مسرحية راقية أشبه بأمير في كوميديا عصرٍ وسطى.
“أميرتي.”
كانت العبارة القصيرة باللغة المشتركة، بنبرة رفيعة الوزن، وهي أشهر جملة مسرحية في العالم.
فابتسمت فيوليتا بالمثل، وأمسكت يده بأناقة متقنة بلا أدنى خطأ.
“نعم، دوقي.”
***
تطايرت خصلات الشعر الذهبي الفخم في الهواء. و كانت المرأة صاحبة تلك الملامح الباهرة تمشي بعصبية وبسرعة في الردهة، ثم فتحت أكبر أبواب تلك الردهة من دون لحظة انتظار.
ومن حولها صدرت همساتٌ خافتة،
“يا صاحبة السمو..…”
لكنها لم تُعِرها اهتماماً.
“إيلوفيلا!”
قطبت السيدة الأربعينية المتكئة بكسل على أريكةٍ ضخمة حاجبيها عند ذلك الدخول الفظ، ونادت اسمها بنبرة تأنيبٍ خفيفة.
عندها فقط قامت إيلوفيلا بانحناءةٍ كيفما شاءت، ثم اندفعت لتجلس بجوار والدتها.
“أوه، يا أمط!”
“كونكِ ابنتي لا يعني أن تتصرفي بغير لباقة. كم مرة قلتُ لكِ هذا؟”
“أمي حقاً! هذا ليس مهماً الآن!”
“الأساسيات دائماً مهمةٌ يا صغيرتي.”
“فيما يخص السلوك، أسمعه من السيدة مولين حدّ الضجر، فدعيني وشأني يا أمي. هل ستعاملينني أنتِ أيضاً كما تفعلين مع محظية الملك الأولى؟”
تمتمت إيلوفيلا بوجهٍ منتفخ لا يخلو من الدلال، فضحكت بيثيس بخفة وربّتت وجنتها المنتفخة.
“حقاً، هل يليق بنا التراخي هكذا الآن؟”
“وما الأمر؟”
“قيل أن ابنة فاساكاليا ذات الخمسة أعوام ستأتي اليوم. علمتُ لتوي! لماذا بهذه السرعة..…؟”
“إنها أختكِ. عمرها ثمانية عشر.”
جاء التصحيح من خلف الأريكة بصوتٍ رجولي دافئ. فالتفتت إيلوفيلا قليلاً، و انحنى الشاب نحو أعلى رأسها وطبع قبلةً خفيفة قبل أن يبتعد.
كان شعره الذهبي القصير، اللامع بلون شعرها نفسه، اختلط بها لحظةً ثم انفصل.
“كنتُ أقصد عمرها العقلي.”
“يقولون أنها ليست بلهاء أصلاً.”
“وكيف نصدق كلام ذلك المسمى راكييل؟ قليلٌ من التلقين والتدريب وسيبدو حتى الأبله وكأنه ليس كذلك.”
“حتى راكييل لا يمكنه إنكار كون شخصٍ ما أبله إن كان كذلك بحق.”
“غير منطقي. لماذا إذاً بقيَت الأميرة الخامسة محبوسة طيلة ثلاثة عشر عاماً؟ حتى اندلاع الحريق بقصرها؟”
“أنتِ تعرفين ما يعنيه النفي داخل القصر الملكي.”
“ولكن.…!”
راقبت بيثيس سجالهما بهدوء قبل أن توبخ إيلوفيلا بنبرةٍ صارمة.
“إيلوفيلا، لا تذكري هذا في أي مكان. يجب أن نبتعد عن كل ما يمسُّ الأميرة. الدوق ذاك أخفى موت أبيه، ورغم رؤيته القتلة الذين لاحقوا الأميرة، أشعل النار في القصر ليمحو آثار الحادث. ردود فعله باتت خارج التوقع. علينا أن نكون حذرين في هذه الفترة.”
وما إن انكمشت إيلوفيلا في مقعدها مطيعةً حتى ابتسم الشاب من خلف الأريكة وربت على رأسها برفق.
ثم فتحت بيثيس مروحتها وحرّكتها ببطء وهي تواصل بنبرة تنبيهٍ لطيفة.
“فترة نفي الأميرة لم تشبها شائبة واحدة. حتى آثار وصيفةٍ يُقال أنها ماتت وهي تنقذ الأميرة، تم تتبعها بدقة، ولم يظهر ما يوحي بمحو الأدلة. كل ما بقي هو: الأميرة وُجدت سليمةً للأسف بعد النفي، وتبيّن أنها طبيعية، وتعرّضت لظلم ثلاثة عشرعاماً. هذه الحقيقة وحدها ظلت قائمة.”
“لكن يا أمي، لو كنتُ مكانها، لخرجت من ذلك الحبس بأي طريقةٍ طوال تلك السنوات.”
“فيوليتا كانت صغيرةً جداً عندما حُبست.”
“ومنذ متى تناديها هكذا بلطف؟ أترى أنكَ تعرفها جيداً؟”
“إنها أختنا.”
“ولو سمعتْكَ لأُغمي عليها من الرعب.”
“ولمَ؟”
سأل بيلكيرس ببرودٍ خفيف وابتسامةٍ بريئة، فنظرت إليه بيثيس نظرةَ تحذير وكأنها تقول: لا تكن بوقاحةٍ هكذا.
فردّت إيلوفيلا بحدة،
“جدّنا أرسل قتلةً مراراً لاغتيال تلك البلهاء! وكيف لكَ أن تناديها أختاً دون أن تشعر بالاشمئزاز؟ لو سمعتكَ لارتجف جلدها!”
“كنت ضد ذلك منذ البداية.”
قال بيلكيرس ذلك مبتسماً وهو يهز كتفيه، فاستدارت إيلوفيلا نحوه بحدّة.
“كل ما يفعله جدي هو من أجلِكَ!”
“لم أطلب من كاديرينغر شيئاً كهذا.”
“ومع ذلك، كل ما تريده يحصل. ها هي تعود حيةً إلى القصر الملكي. أليس هذا رائعاً؟”
________________________
الظاهر ذاه الامير ولضح انه تستس من الحين
اجل اختك؟ معليه
وايلوفيلا ذي اخته الصغيره المدلعه حتى اسمها دلوع مب حلو
اما راكييل يومه يتوعد كايل واخوه ورا وضحكة ابيغيل😔 ذي اخر مره يجتمعون كذا؟😔 وجع في الملك
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"