“كنت أعرف أنها ستليق بكِ. أنتِ حقًا جميلة.”
“يا إلهي، إنها تليق بسموك للغاية.”
عندما انهالت كلمات المديح المحرجة من حولها، انتبهت أبيغيل أخيرًا وأطلقت ضحكةً متوترة وهي تستدير أمام المرآة.
وكانت السيدة سيمور قد وقفت هناك وهي تحمل فستانًا آخر.
“هذا الثوب رائجٌ في مملكة إرنست المتقشفة، وفي غرانتونيا ترتديه أحيانًا النساء اللواتي يعملن خارج المنزل. الجزء العلوي منه على شكل بلوزة، لذا فهو مريحٌ للحركة. عادةً ما يرتدين تنورةً داكنة وهادئة اللون لإعطاء انطباعٍ مرتب، تمامًا كما في إرنست، لكنني صنعته باللون الأحمر ليبدو أكثر انتعاشًا وزينة. كما أنني جعلت عرض الفستان هنا أكبر قليلًا، وثنياته أكثر فخامة. إنه يبدو كالعالِم: ذكيًا ومتحفظًا، قويًا وأنثويًا، عمليًا وفاخرًا في الوقت ذاته. أظنه يلائم الصورة التي نقلها اللورد ثورنتون عن سموك، وسيكون مناسبًا كلباس يومي مريح، وإن راق لكِ فسأجري بعض التعديلات عليه وأصنعه بألوانٍ مختلفة.”
وبشعور وكأنها هي نفسها تتنفس بصعوبة، أجابت أبيغيل فور انتهاء السيدة من كلامها وكأنها كانت تنتظر اللحظة،
“حسنًا. افعلي ذلك.”
وقد رأت أبيغيل هذا النمط من الفساتين من قبل على نساء يشغلن مناصب عليا في النقابة أو سيدات يدِرن قوافل تجارية. بالطبع، لم يكن أيٌ منها فخمًا بهذه الدرجة.
وكادت تقول من فرط دهشتها أنها تراها لأول مرة، لكنها ابتلعت كلماتها في اللحظة الأخيرة. فالأميرة بطبيعة الحال قضت حياتها حبيسة الجدران، وما كان نادرًا عليها هو ما كانت قد رأته من قبل.
وبعد أن جرّبت أبيغيل أكثر من عشرة فساتين، حدّدت أغنيس والسيدة سيمور بعد جهدٍ وتردد طويلين بعض الأنماط المبدئية.
أقل أنوثة من هذا، أكثر جلالًا من ذاك، أكثر إشراقًا، أكثر وقارًا…..وحين انتهى الحديث إلى حدٍ ما، غادرت أغنيس على عجل إلى القصر الملكي، وبقيت السيدة سيمور قليلًا لتعيد إلباس أبيغيل فستان الساتان الأخضر الفاتح الذي ارتدته أولًا.
“أعجبكِ هذا الفستان أكثر، أليس كذلك؟”
فهزّت أبيغيل رأسها مبتسمة.
“هذه هديتي لكِ يا سمو الأميرة. لن أطالب الملكة بثمنه.”
“شكرًا لكِ! لقد أعجبني حقًا.”
“بقدر ما لم تنعمي به من قبل، ستنعمين أكثر فيما يأتي. يا صاحبة السمو فيوليتا.”
توقف نفس أبيغيل للحظة من وقع هذه النبرة الدافئة، لكن السيدة سيمور لم تلاحظ، واكتفت بأن تغمز مبتسمة.
ثم عدّلت الفستان هنا وهناك، و أدت تحيةً خفيفة، وغادرت الغرفة. بينما تجمّدت ابتسامة أبيغيل على وجهها بشكلٍ غريب.
وقفت وحدها في منتصف الغرفة، تنظر في ذهول، ثم اقتربت ببطءٍ من المرآة ووقفت أمامها.
كانت هناك امرأةٌ لا تعرفها في داخل المرآة.
اسمٌ نُطق بلطف، كعلامة على المودّة. اسمٌ سُمِع لأول مرة من شخص لا يعرف شيئًا. لم يكن مثل لقب “سموكِ” الذي يُقال باحترام، ولا مثل لقب “الأميرة” الذي يقوله الناس واجبًا.
احترق حلقها كأنها ابتلعت نارًا.
فيوليتا ماتت. رأتها تموت. ماتت أمام عينيها.
وأبيغيل أيضًا ماتت. احترقت حتى لم يبقَ لها جثمان، وانتهت جنازتها، وحصلت عائلة المنقذة على إقطاعية في جيلتر وغادرت العاصمة. لقد مرّ ما يقارب الأسبوعين.
فمن تكون تلك المرأة في المرآة إذًا؟ فيوليتا ماتت، وأبيغيل ماتت…..فمن أنتِ يا ترى، التي ما زلتِ حيّةً ترتدين ما لم تنعم به فيوليتا قط، وتقفين هنا؟
ارتفع البكاء في صدرها بقوة. و تشوّشت المرآة أمام عينيها المبللتين، لكنها لم تستطع السماح للدموع بأن تنزل بلا حياء.
فتحت أبيغيل عينيها أكثر قليلًا. و انقشع الضباب عنها قليلًا. وما تزال المرآة غريبة.
“الآن تبدين كأميرةٍ حقًا.”
وقفت أبيغيل طويلًا أمام المرآة، وعندما بدأ وجهها المتصلّب يسترخي قليلًا، استدارت نصف استدارة.
و كان راكييل قد دخل الغرفة دون أن تنتبه، وعيناه تتفحّصان الفستان جزءًا جزءًا.
“هل هذا الفستان من التي أحضرتها السيدة سيمور قبل قليل؟”
“نعم. إنه جميل، أليس كذلك؟”
“أتحبينه؟”
كيف يمكنه جعل سؤال مثل “هل يعجبكِ؟” يبدو مزعجًا إلى هذا الحد؟
لكنها اعتادت على طبعه فيما يبدو، فاجابته بنبرة متدللة هادئة،
“هل رأيتَ يومًا امرأةً لا تحب الفساتين؟”
“ظننتُ ذلك، بما أنكِ ظللتِ ترتدين قطعة قماش بيضاء رخيصة رغم وجود فساتين جيدة. حسنٌ. جيّد. لو كان فيه تلك الأكمام الضخمة الغبية التي جعلتها الأميرة الثالثة موضة، لأمرتُ بإعادتها كلها.”
لم تكن أميرةً تتقن أربع لغات لتكون غبية، لكن أبيغيل وافقته بأن تلك الأكمام الطويلة تبدو فعلًا غبية.
ورغم ذلك بدا راكييل مضحكًا حين جمع بين إهانة الاثنين معًا، فابتسمت قليلًا.
“علينا أن ندفع أكثر للسيدة سيمور.”
“لكنها قالت أنه هدية.”
“غريب. ما الذي جرى لها؟”
كانت امرأةً طيبة ودودة. لم تفهم أبيغيل دهشة راكييل من كونها قدمت هدية، فتوقفت لحظة، ثم قالت كلمةً واحدة،
“…..شفقة.”
شفقة على تلك الأميرة المسكينة التي لم ترتدِ يومًا فستانًا كهذا.
لقد نظرت إلى المرآة مرةً أخرى بطرف عينها، فرأت جانب وجه تلك المرأة. وبقيت تحدق بلا تعابير لبرهة، ثم استدارت تمامًا عن المرآة.
***
ها هو الضوء الأحمر للغروب يتسرّب شيئًا فشيئًا، ويملأ الغرفة البيضاء الواسعة حتى غمرتها ألوان الشفق.
تاهت نظرات أبيغيل بلا معنى فوق الأشياء التي لفّها ضوء المغيب. تمامًا كما في يومها الأول هنا، و راحت تتفقد الغرفة ببطء، ثم تمشي مترنحةً بخطواتٍ واهنة، وعلى شفتيها ابتسامةٌ مرة قليلًا.
الوقت، صار يمضي أسرع فأسرع.
“ابتداءً من الغد، أظن أن السيدة غيلدا لن تتركني نصف يومٍ كامل.”
“هذا طبيعي.”
“والدروس…..آه! والكتب؟ ماذا سأفعل؟ لم أقرأ سوى عشرين كتابًا تقريبًا.”
قالت أبيغيل ذلك بصوتٍ يوحي بأنها متحسرة، رغم أنها لم تكن متحسرةً إطلاقًا، فابتسم راكييل ابتسامةً مطمئنة وهو يجيب بلطف،
“لا تقلقي. ستقرئين عشرين كتابًا أخرى في الأيام المتبقية.”
“…….”
“وبعد ذلك أيضًا، ستظلين تقرئين باستمرار.”
طبعًا. فيما يتعلق بهذه الأمور، كانت أبيغيل قد وصلت إلى مرحلة الاستسلام منذ زمن، فضحكت ضحكةً قصيرة وسألت،
“وماذا عن البقية..…؟”
“فات الأوان لتُلقّبي بالعبقرية. التاريخ لا يزال…..وحتى اللغة المشتركة لم تكمليها بعد.”
كان وجهه الجاد وهو يتحسر مضحكًا، فضحكت أبيغيل بصوتٍ مرتفع، ثم حاولت أن تتذكر. أي كتاب قرأت؟ وأي جملة كانت؟ وكيف تُقال تلك العبارة باللغة المشتركة؟
فحرّكت شفتيها قليلًا ثم نطقت بصوتٍ مسموع،
“باعتبار الدافع السياسي هو المحرك الأول للحرب، فيجب أن يكون معيارًا لتحديد الغرض العسكري ومقدار الجهد العسكري الذي سيُبذل.”
اتسعت عينا راكييل قليلًا بدهشة عندما ترددت تلك الجملة المنسابة بسلاسة من كتاب عن الحرب باللغة المشتركة.
وقد تفاجأت أبيغيل نفسها من مدى سلاسة كلامها، فوقفت لحظةً مذهولة قبل أن تضحك بفخر،
“ألا ترَ أن لغتي المشتركة أصبحت جيدةً نوعًا ما؟”
فعاد تعبير راكييل إلى طبيعته سريعًا، ونظر إليها بنظرةٍ ساخرة طفيفة.
“أمس فقط لم تستطيعي قراءة كتاب الأطفال بشكلٍ صحيح.”
كتاب أطفال؟ هل يدعو ذلك الكتاب السميك كالمعجم المملوء بكل أنواع اللغة القديمة أساطير جينيت القديمة – النسخةالمشتركة كتابًا للأطفال؟
شعرت أبيغيل بالغيظ للحظة، فابتسمت وهي تعضّ على أسنانها،
“صحيحٌ أنني نسيت القراءة قليلًا لأنني تعلمتها منذ زمن، لكني رغم ذلك كنت أستعمل اللغة أثناء العمل. وأظنكَ تعرف أنني كنت من المميّزين في نقابة خدمات التوصيل، بما أنكَ جعلت اللورد ثورنتون يحقق في ماضيّ. لا أظن أنني كنت بارزةً هناك عبثًا، أليس كذلك؟”
وكعادته، تجاهل راكييل تبريرها وسأل،
“إنه كتابٌ عن الحرب، صحيح؟”
يا لهذا التجاهل. لكنه كان تجاهلًا اعتادت عليه، بل صار يريحها.
و أخرجت أبيغيل شفتيها قليلًا ثم أجابت بهدوء،
“نعم. وقد احتجت أن أقرأ هذا المقطع مراتٍ عدة حتى فهمته أخيرًا. ذلك العسكري كتب الكتاب بصعوبةٍ مفرطة.”
“هذا صحيح.”
كانت تتوقع منه أن يسخر ويسأل هل ماتت الصعوبة، لكنه وافقها بسهولة، فضحكت أبيغيل.
“أهناك شيءٌ يصعب عليك يا سمو الدوق؟”
“لا يمكن لأي شخص أن يكون خبيرًا كاملًا في كل المجالات.”
قال ذلك بلا مبالاة، ثم بدأ يقترب منها ببطء. فضحكت أبيغيل بخفة،
“لكن يبدو أنكَ قادرٌ على ذلك.”
ست خطوات. واصل راكييل سيره بخطى أبطأ قليلًا وهو يجيب،
“أنا فقط أحب أن أشرف بنفسي على كل ما أستطيع.”
أربع خطوات.
“أنتَ حقًا لا تثق بأحد يا سمو الدوق…….”
خطوتان.
“لكن…..إلى متى ستظلين تنادِيني بـ‘سمو الدوق، الدوق’ هكذا؟”
“……نعم؟”
ثم وصل أمامها الآن.
“راكِييل.”
كأن شخصًا لم يكن موجودًا وقف فجأة أمامها، فتجمدت أنفاس أبيغيل للحظة حين وجدته واقفًا ولا يفصل بينهما الا بضع سنتيمترات.
ولم تكد تستوعب وجوده حتى امتدت يده إلى خصرها وجذبها نحوه، فتيبّست في مكانها كليًا.
“ناديني راكييل.”
“هـ….هذا….”
“كما قلتِ، نحن أبناء عمومة….وليس لنا سوا بعضنا.”
“ما….ماذا….”
“سيبدو الأمر غير طبيعي إن كنتِ تعاملينني بكل هذه الرسمية. أليس كذلك؟”
رفعت أبيغيل رأسها بصلابة. و تحت رموشه التي انسدلت بثقل، اصطدمت نظراتها بعينيه السوداوين العميقتين التي لا يُعرف قاعهما.
وكأنها لمست النار، ارتجفت أبيغيل سريعًا وخفضت رأسها على عجل، مثبتةً نظرها بصعوبة قرب صدره.
كان نبضها يرتطم بقوة. فقد أفَلست عائلتها في سن صغيرة ولم تحضر أي محفل اجتماعي قط، ولذا كان هذا أول احتكاك كهذا في حياتها بعد والدها.
رجلٌ يقف بهذا القرب منها بلا أي مسافة…..ثم هذا الرجل بالتحديد.…!
“لقد بعثت إلى الملك أكثر من عشرين رسالة أرجوه فيها أن يسمح لي بالاحتفاظ بكِ قليلًا بعد. إن ظهرنا بلا أي علاقة، فسيكون ذلك…..مزعجًا.”
“أ….أفهم ما تعنيه، ولكن….يا سمـ— أقصد….هذه اليد، من فضلكَ.”
“راكييل.”
“……راكـييل.”
ما إن نطقت اسمه حتى لم تبتعد يده عن خصرها…..بل انزلقت خلف ظهرها بالكامل وأحاطتها بقوة، فارتجف جسدها كأن تيارًا كهربائيًا سرى فيه.
بينما نظر راكييل إليها من الأعلا، وارتسمت على شفتيه ابتسامةً متعالية.
“لقد نطقتُ اسمكَ، يا..…!”
“قالت السيدة غيلدا قبل قليل أنها تريد أن أعلّمكِ رقصة.”
“كان عليكَ أن تقول هذا منذ البداية! لماذا تفاجئني بهذه الطريقة الغريبة، أ-أيــ.…؟”
ورغم اعتراض كلماتها، كان جسدها يُساق بلا مقاومة مع حركة راكييل.
وحين رفعت رأسها قليلًا ونظرت إلى وجهه، كانت زرقة الغروب القاتمة قد خيّمت عليه.
و كان الإحساس…..غريبًا بعض الشيء.
لا تدري إن كان قصده حقًا مجرد “سأعلّمكِ الرقص بما أنكِ متأنقةٌ هكذا” كما قال، أم أن وراءه نية أخرى…..لكنها كانت متأكدةً من شيء واحد: قدماه اللتان داستهما مرارًا ستؤلمانه كثيرًا لاحقًا.
كونها ابنة نبيل صغير من الأطراف لا يعني أنها لم تتلقّ تعليمًا لائقًا؛ فهي كانت الابنة الكبرى، وتعلّمت الرقص مسبقًا، ولم يكن الأمر جديدًا عليها سوى أنه مرّ وقتٌ طويل. ورغم ذلك، لسبب ما، كانت قدماها تبحثان عن قدميه مرارًا وتكرارًا.
حاولت أن تكون حذرة، لكنها وطئت قدمه مجددًا، وبقوة. ومع الشعور بأنها داسَته، تمتم بين أسنانه بنبرة منخفضة،
“وهذه…..المرة السابعة عشرة.”
كان في تقطيب حاجبيه ما يُشعرها بالراحة الخفية، لكن أبيغيل اكتفت بالابتسام بتوتر كأنها لا تفهم شيئًا.
___________________
الاجواء كانت رومانسيه لين وطت رجله😂
طيب لحظه غش ليه هي تناديه باسمه وهو لا🤨
يوم قعدت تشوف نفسها في المرايه ليتها بكت شوي😔 ثم يجي راكييل يقول مب اني اقولس اكره بكية النسوان؟ عشان تضحك شوي وكذا
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"